في تقييم التقييم للبرنامج الاقتصادي لحكومة الفترة الانتقالية

 


 

 

استمرارا في مسلسل التضليل وتزوير الحقائق علي الشعب السوداني في محاولة بائسة للهروب للأمام من مواجهة الازمة الحقيقية انعقدت في العشرين من يوليو مايسمي بورش تقييم اداء الفترة الانتقالية وشمل ذلك عدة محاور منها محور السلام ومحور الوثيقة الدستورية ومحور العلاقات الخارجية ومحور الاقتصاد اضافة لمحور الترتيبات الامنية
وقبل ان ندلف الي تقييم الاداء الاقتصادي بشكل موضوعي والذي سيكون محور هذا المقال ينبغي علينا التركيز علي الملاحظات العامة والهامة والتي تتلخص في الأتي؛
اولا/ من ناحية منهجية يجب ان يتم اي تقييم لإي عمل بشكل مؤسسي وان يكون ذلك بواسطة طرف ثالث محايد ومتخصص علي ان يصدر تقرير نهائي متكامل موقع عليه ومعترف به!!
ما تم بالفعل غير ذلك هذا التقييم الشكلي تم بواسطة وزراء ومسؤلين من قوي الحرية والتغيير وفي الغالب مايكون هذا التقييم (يعبر عن اراء شخصية) كما أشار اكثر من مسؤول وهذا امر مرفوض وغير مؤسسي اطلاقا ولا يخدم اي غرض
ثانيا/ ما الهدف من كل هذا العبث وضياع الوقت!! في اعتقادي الهدف ليس اكثر من حفل علاقات عامة لخداع الجماهير واوهامها ان قحت مهتمة بالرأي العام وانها تمارس الشفافية ومبدأ المحاسبة وتتحمل المسؤولية عن الاخطاء التي تمت في فترة حكمها وبذلك تكون قد وعت الدرس وسوف لن تكرر اخطاء الماضي وتستعد لقيادة المرحلة في ثوب قيادي جديد وما كل ذلك الا عبارة عن تضليل وخم للجماهير لاطائل منه فالشعب السوداني اوعي من ان تنطلي عليه مثل هذه الحيل الصبيانية الرخيصه.
ثالثا/ اي تقييم جاد يجب ان يلقي كل المسؤولية وبشكل مؤسسي علي تنظيم قوي الحرية والتغيير وليس تقييما ناقصا بواسطة افراد يعبرون عن انفسهم وارائهم الشخصية علي ان يتم ذلك في شكل بيان موحد موقع عليه بواسطة قحت ويتم فيه ذكر الاخطاء التاريخية في خيانة الثورة مثل مسؤوليتهم في التوقيع علي الوثيقة الدستورية وكذلك جلوسهم مع العسكر وشرعنتهم للجنجويد خاصة بعد مجزرة فض الاعتصام وكذلك مسؤوليتهم عن ما تم في اتفاق جوبا وتحدد المسؤوليات في كل هذه الاخطاء الكارثية بشكل مفصل ومدروس.
رابعا/ يفتقد التقييم وجود تقييم مفصل وشامل كامل عن اداء رئيس الوزراء والذي شابه الكتير من القصور بشكل لفت انتباه الكثيرين ويوضح هذا التقييم كيفية اختيار رئيس الوزراء وتحديد صلاحياته والعلاقة بينه وبين قحت وبينه وبين مجلس الوزراء والعسكر وعن اسباب حالة عدم الاستقرار التي شابت اداء رئيس الوزاراء طول فترة حكمه الذي اتسم بالتخبط وعدم وضوح الرؤية وعدم الحسم والتردد في اتخاذ القرارات الهامة وغياب الارادة الاساسية وعدم انتمائه لخط الثورة في معظم الاحيان.
خامسا/ نلاحظ تهافت التقييم وضآلته والكلفتة الظاهرة في اخراجه اذ لايمكن ان يتم تقييم اداء فترة امتدت اكثر من ثلاث سنوات وشملت قرارات مصيرية لايزال شعب السودان يدفع ثمن نتائجها لايمكن ان يتم ذلك في عشرة دقائق او ورقة من صفحتين وبشكل غايه في السطحية ولا يليق بهذه الثورة العظيمة والتي قدمت فيها التضحيات الضخمة والدماء الغالية فالشعب السوداني يستحق اكثر من ذلك بكثير.
سادسا/ لم يحدد التقييم المسؤولية وكيفية المحاسبة خاصة ان بعض الاخطاء الجسيمة المعترف بها تصل الي مستوي الادانة والمسائلة القانونية وحتي المسؤولية والمحاسبة السياسية لم يتم توضيح الكيفية التي يتم بها تحديد هذه المسؤولية
سابعا/ لم يشمل التقييم الحديث عن نتائج الكثير من لجان التحقيق كما لم يناقش سبب تأخير تقارير هذه اللجان والتي لم تصدر حتي الان اهمها لجنة نبيل اديب ونتائج التحقيق في مجزرة فض الاعتصام
ثامنا/ تم تجاهل الحديث عن اسباب عدم تكوين المجلس التشريعي والذي كان من الواضح التواطؤ بين المكون المدني والعسكري في تجاهل تكوينه للتمكن من الانفراد بالحكم دون مراقبة ومساءلة وكذلك الاستحواذ علي السلطة التشريعية في خرق واضح لمبدأ الفصل بين السلطات.
تاسعا/ لم يتم التحقيق في بعض شبهات الفساد
المالي والاداري قضية الفاخر مثالا اضافة لشبهات فساد في قضايا مماثلة كصفقة فساد شركة زبيدة.
عاشرا/ ملف ازالة دولة التمكين شابه الكثير من الغموض وخاصة قضية عدم ازالة التمكين في معظم مؤسسات الخدمة العامة والبنوك التجارية (وكذلك مناقشة ما تم من ازالة التمكين في بعض الوظائف وكيف انحصر ملء هذه الوظائف علي منسوبي احزاب قحت)

اما تقييم خالد سلك الذي قدمه في ورقة عن تقييم اداء الجهاز التنفيذي فكان عبارة عن عبث وضحك علي الذقون واهانة واستخفاف بالثورة وتضحيات الثوار
هل تستحق ثورة بهذه العظمة وكمية التضحيات والدماء التي سكبت ان يتصدي لقيادتها امثال خالد سلك نجد الكذب والكلفتة في مايسمي بتقييم الاداء الاقتصادي والذي تم طرحه في اقل من عشرة دقائق لبرنامج استمر قرابة السنتين وشمل حكومتين واكثر من وزير مالية وتمت في هذه الفترة قرارات مصيرية مثل رفع الدعم وتحرير سعر الصرف وتحرير الدولار الجمركي وزيادة المرتبات بشكل خرافي لم يحدث في تاريخ السودان !!
ادعاء غريب من هذا المدعي ان هناك افتراء في انهم كانوا يطبقون برنامج نيوليبرالي!!! ماذا تسمي سياسات التحرير الاقتصادي الشامل ورفع يد الدولة بل تقليص دورها تماما خاصة في الشأن الاقتصادي !!! هل نسمي ذلك سياسات دولة تنموية كما يدعي حمدوك ومستشاره الذكي ادم الحريكة !!!
خالد سلك اولا هو شخص غير جدير بتقييم البرنامج الاقتصادي من الناحية الفنية فهو غير متخصص وغير ملم بالتفاصيل ويفتقد الموضوعية في التحليل كما هو ايضا ضعيف اخلاقيا ويكذب كثيرا حتي في البديهيات ويجنح الي تبسيط الاشياء دون ادني اعتبار لأهميتها وتاثيرها علي حياة الناس ويلقي الكلام علي عواهنه ويتلاعب في الارقام ولايراعي توخي الدقة اطلاقا خاصة في مواضيع تكون الارقام وعرضها بأمانة ودقة في غاية الاهمية.
ذكر في حديثه ان الايرادات الحكومية لأول مرة اصبحت تغطي المرتبات وتزيد ولم يذكر اي ارقام ولم يحدد في اي ميزانية تم ذلك كما لم يحدد السبب
ومن المعروف ان زيادة الايرادات بهذا الشكل عادة ماتكون نقمة وليس نعمة لان مصدرها الاساسي سيكون الافراط في الضرائب المباشرة علي الدخل او غير المباشرة في زيادة اسعار السلع الأساسية والافراط في الرسوم والجبايات وهذا ما حدث بالفعل
كما ان هناك مصدر اخر لهذه الايرادات الضخمة المفاجئة وهو تحرير اسعار الوقود والمحروقات والذي اصبح مصدر ايرادات سهل استغلته حكومة الفترة الانتقالية وتمادت في استخدامه والان تمضي حكومة البرهان في نفس الاتجاه في الاستفادة من زيادة اسعار المحروقات والتي تتمتع بانخفاض عالي في مرونة الطلب لأهميتها القصوي في النشاط الاقتصادي والتجاري.
تحدث خالد سلك عن زيادة المرتبات وكيف انها كانت للمساعدة في مكافحة التضخم وهو بهذا القول يردد كالببغاء قول ابراهيم البدوي وهو صاحب نظرية في هذا الشأن وهو من نفذ القرار بزيادة المرتبات بنسبة ال 560% مدعيا ان ذلك لن يحدث اثرا تضخميا وهي في نظري تعتبر نظرية اقتصادية جديدة تختلف عن كل نظريات الاقتصاد النقدي واقتصاديات التضخم وتحتاج لإثبات من ابراهيم البدوي.
كما تحدث ايضا عن أستقرار سعر الصرف وكيف ساعد ذلك في جذب مدخرات المغتربين مع ذكر أرقام غريبة يتشكك في مصداقيتها وكيف يستطيع ان يبرر تناقص تدفقات تحويلات المغتربين بشكل مستمر
رغم ان سياسة توحيد سعر الصرف مازالت قائمة كذلك لم يبرر السبب في فشلها في جذب الاستثمارات الاجنبية كما يدعي منظري ومؤيدي سياسات صندوق النقد الدولي والتي تنادي بتوحيد سعر الصرف او التعويم الكامل.
ذكر ايضا تحسن مستوي نمو الناتج القومي المحلي وخروحه من النمو السالب وتحقيق معدل نمو 1.7%
وحتي اذا صدقنا هذا الرقم فهو نمو ضعيف للغاية واقل من معدل نمو السكان السنوي في السودان والبالغ 2.5% ومن المعروف ان الحدود الدنيا لقياس معايير النمو تشترط ان يجب ان يكون هذا النمو ضعف معدلات النمو السكاني لكي يعتبر معدل النمو معافي ومستدام في المدي الطويل
كما لم يتحدث عن مصادر هذا النمو هل تم زيادة انتاج حقيقي في قطاعات منتجة مثل القطاع الزراعي والصناعي او تم فقط من تصدير الذهب والذي تم تهريب كميات ضخمة منه وعن طريق مطار الخرطوم بكل اسف.
كما تحدث عن انخفاض العجز في الميزان التجاري عن طريق زيادة الصادرات وانخفاض الواردات وطبعا لم يذكر اي ارقام مما يتشكك في مصداقيته ويمكن ان يكون قد حدث انخفاض في الواردات نتيجة لتحرير سعر الدولار الجمركي مما ادي لعزوف الكثيرين عن الاستيراد والذي اصبح مكلفا بسبب تخفيض قيمة الجنيه وارتفاع سعر الدولار الجمركي وكل ذلك ادي الي تدني مستوي النشاط الاقتصادي وفاقم من الركود التضخمي!!!
تحدث خالد سلك عن تقشف الحكومة وتقليص الانفاق بنسبة 20% عن طريق تقليص سفريات الوفود والمسؤولين الحكوميين وكذلك تقليص استخدام الوقود!!! معقولة !!!
هل هذا التقليص اذا حدث فعلا يمثل شيئا مقارنة مع الصرف الضخم علي الجيوش والمليشات والصرف السياسي علي اتفاق جوبا والصرف علي اساطيل العربات التي ترافق الوزراء والدستوريين ثم ماذا عن الصرف الضخم وبالعملة الحرة علي جيوش العاطلين من الدبلوماسيين في سفارات السودان بالخارج !! عن اي تقشف تتحدث يا خالد سلك!!!!

ورقة د.ابراهيم البدوي

حديث البدوي لم يكن تقييما بل اعادة تدوير لنفس الاراء التي ظل يرددها تمجد وتشيد باداء برنامج كارثي يتحسس اي مواطن سوداني بسيط اثاره حتي الان بعيدا عن التنظير والسفسطة الفارغة !!
المواطن السوداني لم يشعر بإي تحسن في مستوي معيشته مقارنة بين ماقبل الثورة وبعدها بل علي العكس تماما زادت المعاناة وشظف العيش واصبح الحصول علي قطعة خبز حافي طلب غالي لايستطيع الكثيرين الحصول عليه ناهيك عن الكهرباء والمياه الصالحة للشرب اما التعليم والصحة ونظافة البيئة فهي من الكماليات !!
هذه هي المعايير الاساسية للتقييم هل تحسن حال المواطن بعد تطبيق هذا البرنامج !!! من المؤكد لا بل ازدات سوء ولكن امثال ابراهيم البدوي دائما ما يلجأون لأسلوب المرواغة والتضليل مثل الادعاء ان هذا البرنامج يستند علي فلسفة وفكر اقتصادي سماه.
"الديمقراطية الاجتماعية"
وفي التعريف الموسوعي لهذا المفهوم نجد الاتي
"الديمقراطية الاجتماعية (بالإنجليزية: Social democracy) هي أيديولوجية سياسية دعت في الأصل إلى انتقال تطوري سلمي للمجتمع من الرأسمالية إلى الاشتراكية، وذلك باستخدام العمليات السياسية المعترف بها والمقررة، ، وتعرف الديمقراطية الاجتماعية أيضًا على أنها نظام سياسي يمكن من خلاله تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في إطار اقتصاد السوق"
إقرأ المزيد على موضوع.كوم: https://mawdoo3.com/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%
B9%D9%8A%D8%A9
بناء علي هذا التعريف نجد ان هذا البرنامج لايمت بإي صلة لمضمون مفهوم الديمقراطية الاجتماعية حيث تتولي الدولة القيام بالمهام الأساسية في تحقيق العدالة الاجتماعية حتي ولو ادي ذلك الي التدخلات المباشرة في كبح جماع حركة السوق خاصة عندما ينتج من سيطرة السوق نتائج تعزز من زيادة معدلات الفقر والفوارق في الدخول وزيادة معدلات البطالة والتضخم وكل هذه الظواهر من ابرز نتائج برنامج البدوي "النيوليبرالي" بامتياز بكل الشواهد بدليل اشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي علي البرنامج والذي من اسمه
IMF/Staff Monitored Program
وهذا يدل علي طبيعة هيمنة فكر النيوليبرالية وفلسفة اجماع واشنطون علي البرنامج والتي هي ابعد مايكون عن مفهوم الديمقراطية الاجتماعية او الدولة التنموية كما يدعي الحمدوكيين بكل بجاحة وتطفل فكري مفضوح !!

الغريب في هذا التقييم البئيس وفي معظم ندوات ابراهيم البدوي انه لم ولن يتم ذكر كلمة انتاج ولا انتاجية ولا عطالة او تضخم او بنيات اساسية او تعليم وصحة كل هذه الكلمات ذكرت في هذا التقييم مرة او مرتين وكان معظم الحديث عن العون النقدي المباشر وثمرات وهذا يعكس جوهر عقلية برنامج النيوليبرالية والتي تهدف الي تحطيم البنيات الاساسية لإي اقتصاد وطني وخلق اقتصاد تابع مكبل تماما بالمنح والهبات والقروض مما يؤدي الي مزيدا من التبعية والاستنزاف في اعادة تسديد اقساط الديون والعودة مرة اخري للحصول علي مزيدا من الديون بشروط اكثر قساوة وتجربة مصر ماثلة امام اعيننا مصر التي اصبحت الان ترهن اهم اصولها التاريخية لتسديد الديون المتراكمة

حاول البدوي الدفاع عن قراره الكارثي في زيادة المرتبات بنسبة 560% قائلا ان القرار قد تم طريق لجنة وليس قراره شخصيا وظل يردد قوله ان هذه الزيادة غير تضخمية !! وهذا ينافي الواقع اذ ارتفعت معدلات التضخم مباشرة بشكل جنوبي عقب الزيادة مباشرةً وادي لفقدان القوة الشرائية لتلك الزيادة في عدة اسابيع واصبح وضع الموظفين وقوتهم الشرائية اضعف من قبل الزيادة بصورة ملحوظة بسبب ارتفاع معدلات التضخم غير المسبوقة!!
تحدث البدوي عن ان ورثة نظام الانقاذ المثقلة تمثلت في سياسات الدعم وتعدد اسعار الصرف وسيطرة السوق الموازي للعملة!!
وهذا حديث غير دقيق وينافي الحقيقة تماما!!
فمن المعروف ان نظام الانقاذ ظل ينفذ في سياسات التحرير الاقتصادي منذ العام 1992 وكان عراب هذه السياسة عبدالرحيم حمدي والذي ظل يدافع عنها لعدة سنوات وشمل ذلك تحرير اسعار الوقود ومحاولات رفع الدعم جزئيا عدة مراتٍ كما شمل ذلك عدة تخفيضات لسعر الصرف في اتجاه المرونة الكاملة والتعويم اضافة لخصخصة المؤسسات الحكومية الناجحة ولكن هذا البرنامج كان دائما يواجه معارضة ومقاومة من جماهير شعبنا وشبابنا البواسل توج ذلك بمظاهرات سبتمبر 2013 والتي راح ضحيتها اكثر من 200 شاب وشابة من خيرة ابناء الوطن لهم الرحمة والمغفرة
اذن ارث حكومة الكيزان هو نفس البرنامج التقشفي الانكماشي الذي طبقته حكومة قحت وتقوم بتطبيقه حكومة البرهان الي الان !! الفرق الوحيد ان قحت طبقت هذا البرنامج بإتفاق مع صندوق النقد الدولي ونظام الكيزان طبقه طواعيه وايمانا بايديولوجية التحرير الاقتصادي اذ كان لايمكن اقامة برنامج مع الصندوق نسبة لقرار المقاطعة الاقتصادية!!!

تحدث البدوي عن موضوع ايلولة شركات الجيش ومؤسساتهم الاقتصادية لوزارة المالية ولم يكن واضحا بل أكد عدم حماسه للموضوع تماما مبديا تحفظاته عن الموضوع والذي وصفه انه موضوع سياسي بإمتياز في تهرب واضح من مسؤولية الجهاز التنفيذي عن الموضوع (البدوي لايحبذ عودة شركات الجيش لتكون تحت ادارة القطاع الحكومي لان هذا يتنافي مع فلسفة النيوليبرالية وتوصيات صندوق النقد والبنك الدولي بتقليص دور الدولة وخصخصة شركات القطاع العام الحكومي فهو مع طرح اسهم لهذه الشركات وتمليكها للقطاع الخاص الطفيلي علي ان تمتلك وزارة المالية اسهم محدودة للغاية)

تحدث البدوي عن الخلاف بينه وبين اللجنة الاقتصادية باختصار شديد ووصف الخلاف بالايديولوجي مع ان جوهر الخلاف كما هو معلوم خلاف جوهري وموضوعي حول تطبيق روشتة الصندوق وكيفية تفيدها بشكل قاسي وعاجل وغير مدروس قافزا فوق الاولويات وذلك للالتزام بالجدول الزمني للاتفاق مع الصندوق وطبقت في عجالة ادهشت حتي خبراء صندوق النقد الدولي.
كما تحدث عن ضعف الايرادات الضريبية وان نسبة التحصيل الضريبي في السودان لم تتجاوز نسبة 6% مع ان المتوسط في معظم الدول الافريقية تتجاوز 12% وهذه حقيقة ولكن لم يذكر الأسباب ومن اهمها التهرب الضريبي من شركات ومؤسسات الطفيلية المتأسلمة ودولة التمكين والتي مازالت مسيطرة وفشلت حكومة البدوي في القضاء عليها وافتقدت الارادة السياسية في القضاء علي التمكين الكيزاني
لم يتحدث عن جانب الانفاق في الميزانية وتخصيص الموارد بشكل عادل وحسب قوله ان الدعم السلعي يستنزف حوالي 12% من اجمالي الناتج القومي وعند رفع الدعم تم توفير مبالغ ضخمة حوالي 300 مليار جنيه لم تصرف علي التعليم والصحة كما يدعي فما تم تخصيصه لميزانية التعليم والصحة والبني التحتية لم يتجاوز 79 مليار نسبة 26% فقط من مجمل اموال الدعم بينما تم تخصيص 211 مليار وهذا مؤشر واضح يعكس توجه حكومة حمدوك وابتعادها عن اهداف الثورة وتحقيق مصالح جماهير الثورة.

هناك تبرير غريب من البدوي لزيادة المرتبات ؟؟؟ وهذا لعمري لقمة الجهل بأبسط أساسيات الاقتصادي السياسي واهمية توزيع الدخل في تحقيق العدالة الاجتماعية!!
توسيع قاعدة الطبقة الوسطي مفهوم اكبر من هذه السطحيه والتي تعتمد علي زيادة الأجور "الاسمية" وليست الفعلية بعد حساب معدلات التضخم ولفئة محددة من المجتمع مفهوم توسيع قاعدة الطبقة الوسطي يشمل تطبيق مفاهيم العدالة في توزيع الفرص والعدالة في المنافسة وتدخل الدولة لضمان العدالة في الاعباء الضريبية والعدالة في الحصول علي فرصة في التعليم والتدريب والارتقاء بمستوي الطبقات الدنيا وتسهيل سلم الارتقاء بهم للطبقات الاعلي عن طريق سياسات مرنة تساعد في ال
“Social mobility”
وكلما كانت الدولة ناجحة في ارساء هذه المفاهيم كلما كانت الفرصة اوسع للطبقات الدنيا في المجتمع للارتقاء والنهوض نحو الافضل!!!

وضع البدوي ثلاث شروط كمعايير لنجاح برنامج دولة "الديمقراطية الاجتماعية" علي حسب وصفه تتمثل هذه الشروط في الاتي؛
اولا/ توازنات الاقتصاد الكلي ويقصد التوازن الداخلي او الميزانية والتوازن الخارجي او ميزان المدفوعات مع سياسات تهدف الي استقرار سعر الصرف مع سياسات نقديه تهدف الي ان يكون التضخم تحت السيطرة!!
ثانيا/ سياسات صناعية رأسية وأفقية تهدف الي ان تلعب الدولة دورا اساسيا في وضع الخطط الاستراتيجية لرفع مستوي الانتاج والانتاجية
ثالثا/ توفير شبكة ضمان اجتماعي لامتصاص الصدمات الناتجة من برامج صندوق النقد الدولي
كان من الاجدي ان يكون تقييم الاداء الاقتصادي معتمدا علي قياس الي اي مدي تمكن تنفيذ البرنامج من الوصول الي تحقيق هذه الغايات وفق معايير كمية ونوعية !!
ولكن هذا لن يحدث بدلا عن ذلك صاحب التقييم الكثير من الجدل والسفسطة والسبب في ذلك حسب تقيمنا ان البرنامج لم ينجح في الوصول الي اي من هذه الاهداف وندلل علي ذلك في الاتي؛
اولا/ في معيار توازن الاقتصاد الكلي نجد ان العجز في الميزانية لم يتحسن في ميزانية 2020 او ميزانية 2021
رغم سياسة رفع الدعم عن الوقود وزيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة وذلك بسبب الافراط في الانفاق الحكومي غير المرشد وغير المنتج وعدم تمكن الحكومة في ضبط هذا الاتفاق!!
ونفس الكلام ينطبق علي الميزان التجاري والذي لم يتحسن بشكل ملموس رغم تطبيق سياسة توحيد سعر الصرف والتي كانت تهدف الي تقليص عجز الميزان التجاري بزيادة الصادرات وتخفيض الواردات
حدث تخفيض كبير في الاستيراد نتيجة للزيادة الكبيرة في سعر الدولار الجمركي وكذلك تباطؤ النشاط الاقتصادي بسبب السياسات التقشفية والانكماشية!!
ثانيا/ في مايختص بالسياسات الصناعية وتدخل الدولة في وضع خطط استراتيجية حدث العكس تماما وتقلص دور الدولة تماما نتيجة لتنفيذ توصيات صندوق النقد والتي تهدف الي تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي وترك مجمل الامر لحرية السوق خاصة في القطاع الاجتماعي مثل التعليم والصحة
ثالثا/ توفير شبكة الضمان الاجتماعي ترتكز علي برنامج ثمرات وسلعتي وهي برامج تعاني من مشاكل فنية وادارية ومشاكل كبيرة في التمويل.
اما فيما يتعلق بمستويات التضخم والذي يدعي الجهاز المركزي للإحصاء تراجعها دون ذكر اي مبررات منطقية لهذا التراجع معلنا ارقام بتشكك في مصداقيتها بشكل كبير وذلك لاستمرارية نفس الأسباب والسياسات التي ادت لارتفاع معدلات التضخم منذ بداية تطبيق برنامج صندوق النقد وسياسة التحرير الاقتصادي اضف الي ذلك موجة التضخم التي اجتاحت العالم عقب الحرب الاوكرانية وارتفاع اسعار الفائدة عالميا فكيف تكون معدلات التضخم في السودان في تحسن مستمر عكس اتجاه كل دول العالم للأسباب سالفة الذكر
وهذا الخبر الصحفي يلخص تماما حقيقة الوضع في السودان منذ بداية تطبيق برنامج روشتة صندوق النقد والي الان

"ويعيش السودان حالة شديدة الصعوبة بسبب اقتصاد متدهور، وتراجع سعر صرف العملة الوطنية أدى لغلاء طاحن في مجمل السلع الإستهلاكية والخدمات.
وكانت منظمات دولية توقعت أن يواجه نصف سكان السودان (نحو 19 مليون شخص) خطر الجوع خلال العام 2022، بفضل هذه التحديات.
قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالخرطوم، إن الجنيه السوداني انخفض 20 مرة خلال الخمس سنوات الماضية، بنسبة 2000%، وفق تقديره.
وأشار المكتب الأممي في بيان له، إلى أن انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي بالسودان، ومحدودية النشاط الاقتصادي، واستمرار عدم الاستقرار السياسي أدى لتدهور قيمة الجنيه مقابل الدولار وتفاقم الأزمات الاقتصادية.
وجمد البنك وصندوق النقد الدوليين مساعدات للسودان تفوق 4 مليارات دولار "
انتهي
https://al-ain.com/amp/article/1655060876

خاتمة
من غرائب هذا التقييم القاء الكلام علي عواهنه من مسؤولين كانوا علي قمة السلطة وخاصة عدم الدقة في الحديث بلغة الارقام فنجد صديق الصادق المهدي وهو رئيس اللجنة اللجنة الاقتصادية في حزب الامة وممثل الحزب في لجنة قحت الاقتصادية نجد له تصريحات غير مفهومة مثل القول ان هناك زيادة تحققت في زيادة اجمالي الناتج المحلي بنسبة 25% ولا ادري ماذا يقصد بمثل هذا الحديث غير الدقيق دون الاشارة لفترة زمنية محددة ولا ميزانية في سنة محددة وايضا قوله ان هناك تحسن في عجز الميزان التجاري بنسبة 50% بهذه الطريقة المبهمة
وكذلك حديث خالد سلك عن ان هناك انخفاض في الصرف الحكومي بنسبة 20% ولا ادري كيف تحصل علي هذا الرقم !!!!وهذا اسلوب يتنافي مع اهمية الدقة في استخدام الارقام والتحليل الاقتصادي الدقيق في مثل هذه الحالات !!!
ولم يستثني من هذه السبهللية في التعامل مع الارقام حتي ابراهيم البدوي وهو متخصص في الاقتصاد القياسي ومن المتوقع منه الدقة في شرح كل مايدعي من تبريرات!!!

د.محمد محمود الطيب
wesamm56@gmail.com
يوليو 2022

 

آراء