في ماسية حزب الأمة القومي: شبهات وتحديات في وجه الأمة!

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

umsalsadig@gmail.com

(2)
تناولنا الخميس الفائت العوامل التي دفعت لتأسيس حزب الأمة 1945 فكان أول حزب سياسي في السودان، كما مررنا سريعا على مراحل تأسيسه الثلاث1945، 1964 و 1985 وعلى النقلات النوعية في كل مرحلة كما تناولنا انجازات حزب الأمة على مدى تلكم المراحل الثلاث.
و لحزب الأمة المقبل على مرحلة تأسيس رابع شرعيات ثلاث الأولى- تاريخية: (محقق استقلال السودان
الثاني 1956 وقد حقق الكيان الذي ينتمي إليه غالبية أعضاء الحزب، والذي يشكل عظم ظهر الحزب استقلال السودان الأول 1885)،الثانية- انتخابية وجماهيرية (بحسب نتائج آخر انتخابات سودانية نزيهة في 1986 حاز فيها الحزب على الرقم الانتخابي الأول)،الثالثة- فكرية (منذ فكرة "السودان للسودانيين" التي تحقق بها فعليا استقلال السودان الثاني 1956،الاستثمار في فكرة خصوصية سودانية متفردة، فكرة وجوب التوجه القومي لحكم سودان متعدد الأعراق والعقائد، فكرة حل مسألة جنوب السودان على أسس غير أمنية، فكرة الاجماع الوطني لمجابهة قضايا الوطن، فكرة المؤتمر الدستوري الجامع لمناقشة قضايا السودان، فكرة الحل لدارفور على أساس (توحيد الاقليم-الرجوع لحدود ما قبل 89، اشراك أهل دارفور في السلطة والثروة بحسب عدد السكان، التعويض لأهل دارفور)، وفكرة العلاقة بين الشمال والجنوب(وحدة جاذبة أو توأمة) ،مفهوم ترسيخ الديمقراطية في سودان اليوم ، فكرة الحوار بمستحقاته بدلا عن البندقية) وذلك بالاضافة لرفد الساحة السياسية والوطنية والحزبية السودانية بنموذج يعلي من قدر أهمية الدراسات وأهمية التوثيق..الى آخر ما قد يكون سقط من الاحصاء والذاكرة.
لا شك أن ما احصيناه من انجازات الخميس الماضي وما عددناه أعلاه اليوم من شرعيات وريادة ومبادرة وحيوية متجددة، حجزت للحزب مكانا عليا في الوطن وركنا ركينا في قلوب أهله. لكنه نجاح جلب للحزب العريق الحسد وهو قديم في الناس، وبحسب (الما بتلحقوا جدعوا) كان حزب الأمة هو الأكثر عرضة للانتقاد والأوفر نصيبا من الرمي بشبهات منها :
1-الادعاء بأن الحزب صنيعة بريطانية: وفي ذلك يتحدث المؤرخ الفطحل دكتور فيصل عبدالرحمن علي طه عن منشور سري بعث به السكرتير الاداري في 9 ابريل 1945 الى مديري المديريات الشمالية ومفتشي المراكز شارحا لهم نشأة حزب الأمة وموقف الحكومة تجاهه و مع أن المنشور يشرح لمنسوبي الحكومة أن حزب الأمة ليس من صنع الحكومة وانها لا تنوي معاملته معاملة خاصة تجد أن السيد احمد خيريستدل به للتدليل على عكس ما أتى في المنشور!
لابد أن المنشور أملاه التشابه بين أهداف حزب الأمة( السودان للسودانيين والعمل على حصول استقلال السودان كاملا عن طريق التطور الدستوري التشريعي) والأهداف المعلنة لحكومة السودان (تطور السودان مستقلا عن مصر وأن يكون للسودانيين حق تقرير المصير عند بلوغهم مرتبة الحكم الذاتي) فحتى لا يلتبس الأمر على موظفي حكومة الاحتلال فيعمدون الى معاونة حزب الأمة، بعث لهم السكرتير الاداري بمنشوره. وقد اتضح في محطات عديدة أن تشابه تلك الأهداف مع المعلن من سياسة الحكومة لا يعني شيئا فقد حورب الحزب حربا ضروسا من قبل الإدارة البريطانية عندما قدم في 1950 اقتراح الحكم الذاتي كما عمد البريطانيون الى استزراع أحزابا أخرى للطعن في خاصرة حزب الأمة ومنها الحزب الجمهوري.
2-اتهام الحزب بأنه يعمل لتنصيب الامام عبدالرحمن ملكا على السودان وهو ما دفع حزب الأمة لاتخاذ خطوتين: ارسال وفد للسيد علي الميرغني ودعوته للانضمام للحزب للتأكيد على أن الحزب يعمل لمصلحة البلد ككل وليس لمصلحة جهة معينة، كما نشر السيد عبدالرحمن بيانا نفى فيه سعيه لأن يكون ملكا على السودان كما أوضح أن غرضه من انشاء حزب الأمة أن يعمل الجميع معا لتحقيق مصلحة السودان وليكن الاختلاف وتعدد الأحزاب بعد ذلك.
3- شبهة العلاقة مع اسرائيل: ورد في كتاب السودان:السلطة والتراث الجزء الثاني لكاتبه د.احمد ابو شوك أن هذا الاتهام بني على نشر يوميات موشيه شاريت أبرز عرابي الصهيونية والتآمر ضد القادة العرب وقد نشرها المؤرخ الاسرائيلي توم سيجف في صحيفة هآرتس الاسرائيلية وفيها أتى حديث عن زيارة زعيم أو ممثل حزب الأمة لاسرائيل ففسرها اجتهادا جانبه الصواب الصحفي العربي المستوطن في اسرائيل نظير مجلي الى أن الزائر هو الامام عبدالرحمن مع العلم أن الامام عبدالرحمن لم يكن يوما رئيسا لحزب الأمة ومما ورد في حديث وليم موريس من القسم الأفريقي في الخارجية البريطانية المتطابق مع ما ورد في مذكرات شاريت وبحسب وصف شخصية الزائر هو محمد احمد عمر الذي وصفه المؤرخ احمد ابو شوك بالرجل القلب وانتهى ابو شوك في تناوله لهذا الملف لأن هذه المساعي لم تنته الى شيء ولم تثمر على أرض الواقع وقد أضحت أثرا بعد عين في جدول اهتمامات حزب الأمة.
4-العداوة لمصر: أوضح حسين شريف في عدة مقالات أنه برغم قرب مصر لهم في أشياء كثيرة لكن مصر تنظر للسودان كولاية تابعة لها لذلك لن تساعدهم على تحقيق الاستقلال كاملا بينما الضغط على البريطانيين أكثر جدوى كما ذكر الامام عبدالرحمن في مذكراته (أرجو أن يفهم بوضوح ليست لنا عداوة مع مصر والشعب المصري بل انني لوطيد الثقة بأن السودان الحر المستقل سيتعاون مع مصر الحرة المستقلة في تفاهم وحسن جوار . وقد أكدنا ذلك لمصر في مناسبات عدة ولكنها لم تستمع لنا وأعرضت عنا و آثرت أن تبقى في السودان بمساعدة الحراب الانجليزية).
5-شبهة الأسرية: مع أن من تقدم من الأسرة في العمل السياسي كان تقدمه على أسس البلاء والعطاء كما أن رئاسة الحزب لا تقوم على أسس التوريث والسيد الصادق لم يرأس حزب الأمة وراثة لوالده ولم تكن رئاسته تلقائية ولم تكن بترشيح من أسرة المهدي بل نتيجة لدوره المتقدم في التعبئة ضد نظام الفريق إبراهيم عبود ولمبادرته في تكوين التحالف بين الأحزاب وجبهة الهيئات ولكتابته ميثاق ثورة أكتوبر 1964م ولدوره في مفاوضات استلام السلطة من العسكريين للمدنيين وقد تم التجديد له أيضا على أسس البذل والبلاء والعطاء ولدوره في رص الصف الوطني في مواجهة مايو وكتابة ميثاق انتفاضة رجب/ابريل المباركة ومواجهته الصامدة في وجه نظام يونيو الباطش كصمام لأمان السودان .
6-شبهة انقلاب 17/نوفمبر/1958م:
وثق التاريخ أن 13 من عدد 15 من مجلس الحزب عارضوا الانقلاب وقد كان الانقلاب انقلابا على حزب الأمة برغم أن من سلم الحكم هو رئيس وزراء الحزب الذي سرعانما اعترف بخطئه وانضم لبقية أركان حزبه في معارضة نظام عبود دافعا الثمن وبرغم أن راعي الحزب ومموله اعترف بالانقلاب بعد وقوعه.
7-شبهة عرقلة مبادرة السلام السودانية(اتفاقية الميرغني/ قرنق):
كان تحفظ حزب الأمة الوحيد هو التريث حتى تحويل الاتفاق الثنائي لقومي وهذا ما تم في نهاية اليوم فقد اتفق رئيس الوزراء مع السيد ميرغني النصري عضو مجلس رأس الدولة لدعوة الأحزاب والنقابات لإبرام اتفاق قومي شامل حول القضايا القومية. وبعد تداول بين 29 حزب ونقابة اتفق على برنامج القصر الانتقالي الذي تضمن صيغة قومية لإجازة مبادرة الميرغني قرنق في مارس 1989م.
8-شبهة تسليح القبائل العربية:
اتهم حزب الأمة بأنه سلح القبائل العربية في دارفور وهذا باطل فنواب حزب الأمة من دارفور كانوا من العرب ومن غير القبائل العربية. وكان الحاكم الأول لدارفور من قبيلة البرتي د. عبد النبي على أحمد والحاكم الأخير كان د.التجاني سيسي من قبيلة الفور وكلاهما من قبائل غير عربية ولا يعقل أن يشرفا على تسليح قبائل ضد أهلهم.
وقيل أنه سلح القبائل العربية في جنوب كردفان وهذا أيضاً افتراء باطل فالذي حدث هو اقتراح حكومة الفترة الانتقالية بعد زيارات ميدانيه للمنطقة فكرة تسليح جميع القبائل على خط التماس (عرب ونوبة) وبدون تمييز بينهم بغرض الدفاع عن النفس وذلك بواسطة نظارهم وسلاطينهم تحت إشراف القوات المسلحة والشرطة ولكن الفكرة لم تر النور للاعتراض عليها من القوى السياسية. أما في فترة الديمقراطية الثالثة تم تشكيل لجنة ثلاثية من أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية القومية لوضع قانون بموجبه يتم تكوين قوة قومية للدفاع الشعبي تعمل تحت سيطرة القوات المسلحة لدعم المجهود الحربي وليس قوة موازية للقوات المسلحة ولكن لم يرى المشروع النور بسبب انقلاب 30يونيو1989.
9-شبهة العنف:
اتهم حزب الأمة بأنه حمل السلاح وروّع المواطنين: درج حزب الأمة على إعلاء الجهاد المدني ولفظ العنف في العمل السياسي منذ منشأه إبان عهد الاحتلال الثنائي.
اتخذ الحزب النضال عن طريق الجهاد المدني الا دفاعا عن النفس وعندما ينسد أفق العمل السياسي
حادثة العنف الوحيدة التي شهدتها معركة الاستقلال كانت أحداث مارس 1954م عندما منع الموكب الذي نظمه الاستقلاليون لمقابلة الرئيس المصري نجيب لعكس الاتجاه الداعي لاستقلال السودان كاملا فوقع صدام مؤسف اتسع حتى أدي لإبطال مناسبة افتتاح البرلمان نفسها. وأقيمت محاكمة لقادة الموكب فبرأتهم المحكمة من تدبير الأحداث وأدانت بعضهم بالشغب وعدم الامتثال للأوامر.
10-شبهة هضم حقوق المهاجرين والمجندين
إبان المصالحة الوطنية مع النظام المايوي، تم الاتفاق على أن يتم استيعاب القادرين في القوات النظامية، على أن تتم إعادة دمج البقية في برامج ومشروعات لاستيعابهم في مناشط زراعية، ولكن النظام تنكر لهذه الاتفاقيات جملة، وهضمت حقوق المهاجرين المتفق على استيفائها، ، وقد سعت الحكومة الديمقراطية التي قاد الحزب ائتلافاتها إلى تحقيق برامج إعادة الدمج فتحول المهاجرون إلى مؤسسة شبيهة بالجمعيات التعاونية وسلمت هذه المؤسسة آلاف القطع السكنية في المدن، ونحو 50 ألف فدان من أراضي زراعية لعمل "كميونات" جديدة في مناطق مختلفة تعمل بالزراعة الآلية بالسودان. هذه المشروعات لم تعمل كلها بالكفاءة المطلوبة وقد لحقها ما لحق بمثيلاتها من مشاريع الجمعيات التعاونية من مشاكل، وفي نهاية الأمر نزع الجزء الأكبر منها لعدم تعميرها من قبل مستلميها من المهاجرين، وبقي حوالي ربعها الآن تحت إدارة المهاجرين.
اتفق الحزب مع النظام الحاكم آنذاك على أن يستوعب عددا من كوادر جيش الأمة للتحرير سابقا في الشرطة والقوات المسلحة وغيرها من القوات النظامية، وأن يتم تسريح البقية وذلك بصرف مبالغ معينة للمسرحين للعودة لديارهم، على أن يتم استيعابهم في المجتمع في المناشط المختلفة. فخاطبت قيادة الجيش المجندين السابقين وخيرتهم بين الاستمرار تحت قيادتها للاستيعاب لاحقا في القوى النظامية المختلفة، وبين استلام المبالغ وإخلاء الطرف ثم إعادة الدمج في المجتمع.
أما بالنسبة لأولئك الذين اختاروا الاستمرار تحت قيادة الجيش المنحل لاستيعابهم لاحقا في قوات الشرطة والجيش وغيرهما فإن الحزب رأى أن يعطوا حقوق التمثيل داخل مؤسساته المختلفة تقديرا لدورهم، حتى ثارت مشاكل عديدة حول طريقة تمثيلهم وضبط ذلك التمثيل بأسس معينة. ولم يتم استيعابهم في القوى النظامية بعد، ذلك لأن النظام ربط بين تحقيق كافة تعهداته مع الحزب وبين مشاركة الحزب الانخراطية في الحكم وبدون تحقيق شروط الحزب التي خطها قراره الشهير في 18 فبراير 2001م، والقرار كان ألا يشارك الحزب إلا في إطار قومي حقيقي أو بعد إجراء انتخابات عامة وحرة ونزيهة.
وبالنسبة للمسرحين الراغبين في إعادة الدمج بالمجتمع، قامت قيادة الجيش بتنظيم تسريحهم وحصلت على إقرارات موقعة من المسرّحين يشهدون فيها بأنهم انضموا للجيش بناء على رغبتهم وأنهم رغبوا في ترك العمل العسكري وإخلاء طرفهم وارتباطهم بالجيش وأنهم تقاضوا كل المبالغ المستحقة المتفق عليها كمكافأة ولم يتبق لهم أية مستحقات، مع التعهد بعدم المطالبة بأي أشياء لاحقا. وهذه الوثائق بحوزة قيادة الجيش الآن.
تلك الشبهات التي فندناها، بالطبع لا تمنعنا من الاعتراف جهرا بأن حزب الأمة مع كل ذلك لا يخلو من عيوب ربما يبدو عددها قليل لكن أثرها التكبيلي كبير في تعطيل انطلاق هذا المارد العظيم، ويمكننا ملاحظة الآتي بوضوح :
- الفشل التام حتى الآن في مسألة التنظيم.
- الفشل في ايجاد مصادر تمويل ثابتة لأنشطة الحزب.
- الفشل في ملف الإعلام.
- برغم محاولات الفصل بين الكيانيين الديني والسياس لكن الاضطرار لوضع يكون فيه إمام الأنصار هو رئيس الحزب يحدث تداخلا وتغبيش.
تلك الإخفاقات تجعلنا أمام تحديات عظام يقع عبئها على الأمانة العامة المكونة حديثا كما يقع عبء هذه التحديات على التأسيس الرابع المزمع فالمطلوب من التأسيس الرابع إذن:
- النجاح في أن يعكس حزب الأمة توازنا اثنيا ونوعيا يمثل جميع عضويته بحسب تعدد توجهاتهم المتفقة على دستور واحد ووحدة هدف.
- النجاح في إدارة التنوع.
- النجاح في الفصل التام بين الكيانيين الديني والسياسي.
- النجاح في تكوين تنظيم كفؤ وفعال يعمل على خلق قاعدة بيانات للحزب وعضويته وكوادره.
- النجاح في ايجاد مصادر ثابتة لتمويل أنشطة الحزب.
- النجاح في خلق مؤسسة اعلامية فاعلة.
- النجاح في تأسيس مركز دراسات وبحوث من أهدافه التوثيق وعمل مسوحات واستبيانات لواقع سودان اليوم.
- النجاح في استيلاد الأفكار المبدعة والتفكير خارج الصندوق.
لا شك أن النجاح في تلك الملفات يمكن حزب الأمة من قيادة سفينة الوطن الى بر الأمان فلنعمل معا من أجل الوطن.
وسلمتم

 

 

 

آراء