في نصف قرن مع منصور خالد

 


 

 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

مرت اربعة ايام ولازلت واقفا لا ادري من اين ابدأ .. استعرض الاحداث واستعيد الذكريات ولا اعرف ايها اختار فهي من كثرتها وحضورها في حياتي تجعلني اتردد كيف واين تكون البداية.

اليوم هو الاول من رمضان (1441 هجريه) هنا في لندن .. وكذلك في بلاد اخرى ليس السودان من بينها ولعلها المرة الاولى التي يتخذ فيها مسئولو بلادنا – من اهل المعرفه – مثل هذا القرار .. ولا اقول لهم اخطأتم اوأصبتم فأنا اقبل بما يقرره اولو العلم طالما ليس هناك شك كبير او ضرر بائن .. وعليهم هم ان يتحملوا وزر قرارهم ان كانوا قد قصدوا الاضرار .. واتذكر في هذا الخصوص ان الرئيس نميري قد فرض مرة علي الناس في بداية الثمانينات من القرن الماضي رمضانا قصيرا سعت الناس بعد العيد لاكماله بصيام يوم واحد وبعضهم يومين .. كنت وقتها في جمهورية افريقيا الوسطى البعيدة عن العالم في كل شيء فخرجنا – معي ابني احمد الذي كان في الخامسة فقط – من ذلك المسجد المتواضع في احد الاحياء الفقيرة في مدينة بانقي التي لعلها المدينة الافقر في افريقيا ( والعالم ربما) وعدنا للبيت فاطرين وكانت الاذاعة السودانية قد قالت بان صيام العيد حرام .. وفي عام 1999 كنت في بلجيكا المستقره وسط اوروبا ولكن المسلمين منشقين يوم الجمعه ذاك المصادف التاسع والعشرين من رمضان .. ليس فقط اوروبا ولا بلجيكا وحدها ولكن حتى مساجد بروكسل اختلفت فيما بينها ففي المسجد الكبير الواقع وسط حديقة جميله قال لنا الامام في خطبة الجمعه ان اليوم هو العيد وعلينا ان ننهي صيامنا فور انقضاء الصلاة.. الاخ جلال حسن عتباني السفير انذاك في تلك البلاد كان قد دعاني للافطار معه فكان قرارنا ان نكمل يومنا صياما خاصة انه اخر يوم في الشهر الفضيل حسب التقويم المعلن منذ البداية .. واذكر اننا وجدنا ونحن وقوف في ساحة المسجد الخبير السوداني الشهير في مجال الفلك د. معاويه شداد – وكان يشارك في لجنة تحري رؤية الهلال فسألناه رأيه فقال انه شخصيا يرى ان العيد هو السبت .. وعليه اكملت مع الاخ جلال صيام يوم الجمعه ذاك ثم افطرنا في بيته ( الذي كان بيتي قبل ذلك بعشرة اعوام .. واستعدت يومها كيف ان ذلك المسجد الفخم كان مسرحا لعملية اغتيال بشعه راح ضحيةً لها امام المسجد عبد الله الاهدل ( شاب سعودي لطيف ومهذب) وكذلك امين المكتبه وهو تونسي خبير متفوق في مجال الترجمه والدعوة بالتي هو احسن .. ذلك اليوم لم يذهب ابني احمد الذي كان قد بلغ العاشره من عمره – لدروس اللغة العربية وتحفيظ القران – كل يوم اربعاء في نفس المسجد لانهم اخطرونا بانها ملغية .. ووقعت المذبحه عصر ذلك الاربعاء .. ولم يعرف الفاعل حتى اليوم (2020) ..بروكسل التي ازاحتنا منها حكومة الانقاذ في شهرها الاول قبل ان نكمل عامنا الثاني بها لازلنا على صله بها نزورها كل عام او عامين اذ ان احمد وهو الان في الاربعين من العمر قد استقر فيها مع اسرته ورزق فيها باماني وعادل..

اراني قد سرحت بعيدا ( وليس مع غنم ابليس كما نقول في المثل الشعبي في السودان) اعود بكم سريعا الى ما كنا بصدده .. منصور خالد عليه رحمة الله .. فقد كان الاخ جلال عتباني هو اول من قدمنا اليه .. هذا معناه ان نرجع اكثر من خمسين عاما للوراء .. الى العاصمه الفرنسيه باريس في منتصف فبراير(1966) لنسافر معك ايها القارئ عبرالزمن حتى نهاية العام الماضي 2019عندما كنت الوحيد في وداعه في العاصمه البريطانيه لندن صباح ذلك اليوم الشتوي البارد وهو يستعد لمغادرة المستشفى في طريقه لمطار هيثرو في رحلة العوده للسودان رفقة الشابه السودانيه الراقية فالانتينا كريم الدين ..ويبدو ماجاء اعلاه كأنه قصة مدينتين ..

كتب كثيرون وسيكتب آخرون عن المرحوم منصور خالد ولن استطع ان اجاريهم ، دعك عن ان ابزهم فهذا ليس غرضي ولن يكون كما انني قبل كل شيء لا احسن التعبير او الوصف الانشائي بل ولا احبه . لقد اشادوا بمكانة منصور وعلمه ومهاراته المتنوعه وتفوقه لذا استميح القارئ عذراً ان اتحدث عنه في نقاط تماثل عنوان كتابه الاخير ذي الاربعة اجزاء " شذارات وهوامش وان لم اكتفي بذلك فان اسطري هذه قد تتأخر اسابيع اخرى بعد ان عجزت لاسبوع كامل منذ وفاة منصور يوم الاربعاء 22/4 ان اجد مدخلا مناسبا لهذه الصلة التي شاءت لي الاقدار ان تربطني ببعض خلق الله دون خيار اوسعي من جانبي .. واعتقد هكذا تكون الحياة والقدر . فهي محل فخر وسعادة لي منذ اكثر من نصف قرن . وحيث انها بدأت وانتهت ( معنويا) في هاتين المدينتين العظيمتين اللتين الهمتا الكاتب الفيكتوري الشهير شارلس ديكنجز روايته الاشهر قصة مدينتين Tale of Two Cities.. فأنني استرجع ذاك اليوم من مايو 1966عندما كنت احد ثلاثه سودانين حاضرين نيل منصور درجة الدكتوراة.. ثم في 28 ديسمبر الماضي 2019 وانا في وداعه فجر ذلك اليوم الشتوي البارد في مستشفى القديس جونز والقديسه اليزابيث في لندن وهو في طريقه لمطار هيثرو في رحلته الاخيره للسودان رحلة الوداع عليه رحمة الله . 53 عاماً لم تكن مسبوقه باية صله بيننا فلا قرابه اوزماله او امدرمانيه .. ومع فارق العمر ( احد عشر عاماً) فانني لم التق منصور في اي مرحلة تعليميه الى ان كان لقاؤنا بباريس منتصف فبراير 1966.

بعد ان تعرفنا على منصور انا وزملائي الاربعة المبعوثين من وزارة الخارجيه للمعهد الدبلوماسي في باريس وكان يعرف اختصاراً ب I H E O M وتعني معهد الدراسات العليا لما وراء البحارثم اصبح اسمه I I A P خلال وجودنا فيه ‘ اي المعهد الدولي للادارة العامه ثم مؤخراً اصبح جزءاً من اهم مؤسسة تعليمية في الادارة الفرنسية هي E N A و تعني المدرسة الوطنيه للاداره ، في منزل السفير السوداني ( المرحوم) عبد الله الحسن الخضر في اول يوم سبت لنا هناك وعلي بقية الموجودين ولم نعرف منهم الا استاذنا د. النذير دفع الله مدير جامعة الخرطوم .. وهم عبدالرحمن عبد الله مدير معهد الامم المتحده في طنجه وهاشم عثمان الملحق الثقافي بالسفارة ( ويمكن للقارئ ان يلاحظ ان كل هؤلاء الخمسة صاروا وزراء في حكومات جعفر نميري المختلفة .. اقول بعد ذلك الغداء الشهي الذي تخللته نكات ومغالطات حول سباق الخيل (الترسيه)ٍ.

جاءنا منصور في مدرسة اللغة الفرنسية ( الاليانس فرانسيز) في شارع راسباي وسط باريس التي كنا نمضي فيها سحابة يومنا وفي المساء نتناول عشاءنا في مطعمها ونبدأ معه الدردشه بل النقاش .. كان مستمعا جيدا يريد ان يعرف .. خاصة ما افرزته ثورة اكتوبر (1964) .. واعتقد انه لاحظ نبرتنا الثوريه الطاغيه . بل وكنا نغني اغاني الثورة والخرطوم التي هبت . خاصة وبيننا الشاعر المبدع محمد المكي ابراهيم ..كما انه ارتاح كثيراً للاخوين ( عليهما رحمة الله ) طه ابوالقاسم ويوسف مختار صاحبي الخبرة والحكاوي في الحكم المحلي بالسودان قبل التحاقهما بوزارة الخارجية وكذلك للاخوين محمد المكي و هاشم التني خريجي كليته الاثيرة ، القانون جامعة الخرطوم التي سبقهما اليها بعقد كامل ، وكنا خمستنا من اهل الوسط المعتدلين . وفي نقاشاتنا الحره هذه كنا نتفق ونختلف اذكر في هذا الصدد انني وقفت بشدة ضد قرار الرئيس المصري جمال عبد الناصر باعدام سيد قطب المعارض الاسلامي المعروف بينما وقف صديقي هاشم التني الى جانب منصور في تأييد ذلك القرار.

كنا مبتدئين للغة صعبه .. اما منصور فكان منتظماً في فرع الترجمه بنفس المدرسة و على وشك اكمال الدكتوراة . بينما غادرالاخ جلال عتباني الذي تربطه بمنصور صداقه قويه باريس منقولاً الى بيروت بدرجة سكرتير ثاني..
وبعد اسابيع قلائل كنت ضمن مجموعه صغيره من الرجال والنساء ضمتنا قاعة فخمه من قاعات السوربون بالحي اللاتيني وسط باريس ننظر لمنصور يجلس امام ثلاثه من العلماء يرتدون ارواب ملونه تزيد المكان هيبة يسألونه فيجيب بفرنسيه رصينه وفي ثبات تام .وبعد مغادرتهم بوقت وجيز ارسلوا اليه مع الحاجب قرارهم الجماعي فقمنا بتهنئته وعندما علق السفير عبد الله الحسن الخضر الذي كنا ( زميلي هاشم التني وانا ) برفقته بأننا لم نفهم شيئاً ضحك منصور وقال لنا لاتنزعجوا فقد كنا ، انا وحسن الترابي (الذي سبق منصور لنفس المكان بعامين ) نظن اننا لن نتمكن اطلاقاً من اللالمام بالغة الفرنسية دعك عن تجويدها وكم كان في ذلك دافعاً لنا ..

في كتابي الصادر 2014 وعنوانه السودان وسنوات التيه : نصف قرن لم يكتمل ...افردت فصلاً كاملاً لمنصور خالد ( صفحة 236-253 ) كما ورد اسمه في عناوين اخري بنفس الكتاب مثل – جعفر نميري ثم السودان في افريقيا والفشل المتواصل وغيرها ..

بعد حصوله على الدكتوارة اصبح منصور يسافر للولايات المتحدة كمحاضر في جامعة كلورادو وكذلك في مهام تخص منظمة اليونسكو وما ان يعود الي باريس حتى نلتقي ونتبادل معه الدعوات دعينا لشقته الانيقه بباريس لحفل تعارف بالاخ(المرحوم) صلاح الصديق المهدي الذي جاء للدراسة في جامعة قرونوبل جنوب شرقي فرنسا .. وقمنا من جانبنا بدعوة منصور في احد المطاعم الفخمه في منطقة اوديون شارع سانت جرمان وتلك من المناطق باهظة الثمن قمنا بجمع مالدينا للدعوة لان منصور لايتعامل مع الاماكن الشعبيه او متوسطة الحال وجاء الاقتراح من الاخ مكي وكان نصيب كل واحد منا 50 فرنك رغم ضيق الحال ولكن بسعاده وروح اخوه عاليه ..

ولعل هذا يقودنا الي جانب بارز في شخصية منصور الصفويه الانتقائيه سنلاحظها من خلال سردنا في تعامله مع المأكل والملبس والمسكن والبيئه الاجتماعيه التي يتعامل معها. فهو مثلاً لايطيق النزول في اي فندق حتى ان كان من ذي النجوم الخمس التى يرتادها مستجدو النعمه وما اكثرهم في السنوات الاخيره فهو يفضل اماكن معينه مثل شيلسي هاربروكنوت الذي يحتاج النزول به لتوصية خاصه ويبتعد عن بيوت الحكومه حتى ولو كانت شاغره لتمسكه بدرجة عاليه من مستوي النظافه ورقي الخدمه في مكان اقامته..

في مطلع عام 1968 عدنا الى السودان ولم التقي منصور الا في يونيو 1969 بعد مجيئه كوزير للشباب والرياضه في حكومة 25 مايو بينما كان صديقنا هاشم التني الذي نقل الى باريس كسكرتير ثالث قد توثقت علاقته به هناك .. في ذاك الوقت اصبح السفير في باريس هو السيد رحمة الله عبد الله ( للمرة الثانية بعد ان كان قد استدعي في المرة الاولي للخرطوم كوزير للتعليم اثر ثورة 1964 وكان من حظي في وقت لاحق ان عملت مع هذا الرجل النبيل في سفارة السودان في كنشاسا عاصمة الكنغو )

عرض علي منصور العمل معه في وزارة الشباب كمدير لمكتبه لكني اعتذرت له شاكراً فألح عليّ فرفضت متمسكاً بعدم رغبتي في مغادرة الخارجية الي اي مكان آخر بالرغم من العرض المغري بوظيفة اعلى درجة من وظيفة سكرتير ثاني D S
.. اقتنع منصور بأن ذهابي لكنشاسا الذي تقرر في ذلك الاسبوع ربما كان افيد لي من الذهاب لبروكسل التي كان من المقرر انتقالي اليها لولا مجيْ 25 مايو التي قفلت السفاره هناك بالاضافه الى طوكيو و اثينا واستبدلوهن ببراغ وبرلين الشرقيه ودمشق وهكذا انقطعت صلتي بمنصور طوال عامين الى ان جاء وزيراً للخارجيه في نهاية عام 1971 بعد ان امضى عاماً واحداً كسفير ومندوب دائم للسودان في الامم المتحدة هذه المرة تجدد التلاقي في العمل بوزارة الخارجيه


وزارة الخارجية
لعلها اكبر نجاحات منصور خالد في العمل العام وقد سعدت كثيراً بالعمل معه ومرافقته خلالها وحيث انه يصعب حصر كل الانجازات اومجرد الاشاره اليها فاننى اكتفي بالنقاط الاتيه :-
 في قمة الدول الافريقيه المنعقده في الرباط عام 1972 وقد رافقت فيها منصور اقترح الملك الحسن الثاني،على جعفر نميري ان يصبح منصور الامين العام الجديد للمنظمة خلفاً للغيني ديالو تيللي وانه بصفته الرئيس المضيف يضمن له الفوز بالاجماع ، لكن نميري رفض و تمسك به وكانت النتيجه ان المرشح الكمروني انزو اكانقاكي الذي تم اختياره انذاك كان سيء الاداء فأضطروا لاستبداله بعد عامين فقط بكميروني اخرهو وليم اتيكي ..وفي تقديري الخاص ان نميري حاسد وغيور وقد تأكد لي ذلك شخصياً فيما بعد عندما حرم في عام1977 السيد المهندس يحي عبد المجيد شغل منصب الامين العام المساعد للامم المتحده لشئون المياه بعد نجاحه الباهر في ادارة المؤتمر الدولي للمياه في الارجنتين من نفس العام.
 دخول السودان لمجلس الامن الدولي لمدة عامين من اول يناير1972- الى نهاية ديسمبر1973 وهي فترة قد شهدت احداثاً كبيرة كحرب اكتوبر 1973 وكان السودان وقتها العضو العربي الوحيد في المجلس وقد جاءته الرئاسة مرتين . وكان من حظي ان شهدت مقدرة منصور العاليه على الاداره وتقريب وجهات النظر وجدير بالذكر ان السودان لم يتبوأ مرة اخرى عضوية هذا المجلس حتى الان. ففي ايام حكومة الانقاذ الفاشله عام 2000 وادعاء مصطفى عثمان اسماعيل الوزير انذاك ان مؤامرة دوليه قد اسقطت السودان لصالح دولة جزيرة موريشص كتبت مقالاً نشرته لي جريدة الايام السودانيه في سبتمبر من ذلك العام كشفت فيه فشل الوزيروادعائه الكاذب وكذلك سوء ادارة القضية كلها من جانب البعثه في نيويورك ورئيسها الفاتح عروه ضابط الجيش والامن السابق ..
كنا نعمل ساعات طوال مع منصور نهاراً وليلاً وحتى في العطلات من مكتب سماه المكتب التنفيذي الوزاري كان هذا شاقاً بالنسبه لعدد من الزملاء لديهم مسئوليات عائليه ملحه خاصةً نهاية يوم العمل ولهم ابناء في المدارس الا انني وبعض الزملاء كنا احيانا نعمل حتى الفجر لدواعي العمل واذكر في هذا الصدد ليلة مقتل الدبلوماسيين الاجانب (السفير الامريكي ونائبه والقائم بالاعمال البلجيكي) في السفاره السعوديه من قبل مجموعه متطرفه من الفلسطينيين ( ايلول الاسود) وكانت الاهانه بالنسبه للسودان ان هذا الحدث الشنيع قد وقع في الذكرى الاولى لاتفاقية اديس ابابا للسلام (3/3/1973) بينما كان الرئيس نميري والامبراطور هيلاسيلاسي ومعهما منصور واخرون يحتفلون بهذه المناسبه في جوبا . وعندما قال نميري في خطابه بعد الحادث انه سيجعل ايامهم اكثر سواداً ايده الجميع دون تحفظ الا انه تراجع و قام بتسليمهم للجامعة العربية .
 اتفاقية اديس ابابا للسلام في مطلع مارس 1972 قام منصور كما هو معلوم للكافه بالدور القيادي في الوصول الى اتفاق السلام اوقف الحرب في الجنوب وحقن الدماء . ولكن ما ان تم ذلك الا و علت بعض الاصوات تكيل الاتهامات بان السودان قد تنازل عن سيادته لمجلس الكنائس العالمي واسرائيل ولكن الحقيقه المشهوده ان الجنوب قد تمتع بالحرية والديمقراطيه طوال احدى عشر عاماً الى ان قام نميري نفسه بالغاء الاتفاقيه ما اشعل الحرب مرة ثانية.
 تطبيع العلاقات مع دول كبرى كالولايات المتحده الامريكيه واخرى هامه كالمانيا الغربيه ورومانيا مع تهدئة الامور مع الاتحاد السوفيتي وانشاء علاقات اقليميه مع ايران والوصول حتى استراليا البعيده . اما العلاقات مع دول الجوار الافريقيه وغيرها فقد نالت من منصور اهتماما خاصاً في ضوء معاناة كثير منها بسبب االفقر في هذا المقام انني رافقت منصور الى تلك القمه الافريقيه وعند ذهابنا لنميري في مكان اقامته قد التقينا بالجنرال اوفقير مالك الفيلا وكان ذلك قبل مدة بسيطة من محاولة اغتيال الملك الحسن الثاني من هذا الجنرال الخطير ..وبعد سنوات مديده في دردشه مع منصور هنا في لندن وبحضور الاخ حسن تاج السر قال منصور انه لا يستبعد ان تكون فكرة الانقلاب على الملك من جانب اوفقير قد راقت اليه بعد تعرفه عن قرب من نميري وكان ذلك الرآي مفاجيء لنا ..
 استمر منصور في تحقيق نجاحاته بعد مغادرة الخارجيه لوزارة التربية والتعليم وفيها فاز المرشح السوداني د.محي الدين صابر بمنصب المدير العام لمنظمة التربيه والثقافه العلوم العربيه امام المرشح المصري الذي حاولت بلاده بكل الطرق ابقاء الوظيفه لمرشحهم او تمديد المدة او المشاركه مناصفه .
كان منصور وهو وزير للتربيه والتعليم قد جاءنا في طهران رأسا من القاهره وبرفقته الاخ زميل الدراسه د. عبد الرحمن الطيب علي طه مدير المنح بالوزارة فحكى ليّ كيف ان منصور قد حشد تأييد كل الدول للمرشح السوداني الذى حصل على كل الاصوات الا واحداً عندها قال منصور لمحي الدين ( شفت دلوقت اهلك المصريين)
 اجرى منصور وكنت برفقته في نيويورك عدة اتصالات بشركات البترول الامريكيه الكبرى ما مهد لمجيء بعضها للعمل في السودان خاصة شركة شيفرون التي كانت اول من استخرج النفط في الجنوب.

 بعد ان ابتعد منصور عن العمل الحكومي المكتبي انتقل الي الانتاج الزراعي البستاني فاشترى مزرعه جنوب الخرطوم واخذ ينتج الزهور والفراوله ونجح فيها نجاحاً ملحوظاً لدرجة ان جعفر نميري قد اشاد بذلك وهو من كان قد ابعد منصور عن المواقع الحكوميه بطريقه لا تخلو من خبث .
في مرة زرت مع منصور هذه المزرعه الواقعه على النيل الازرق جنوب الخرطوم واذكر ان بها استراحه جميله على الطراز المكسيكي ولكن ما ان جاءت حكومة الانقاذ الاسلامويه إلا و قامت بمصادرتها وتخريبها . وبعد سنوات طوال بعد انتهاء الحرب ومجيء السلام قاموا بإعادتها لكنه كان يقول لي انه لن يستلمها الا بعد ان يأتي بخبراء مختصين للتأ كد من ان الابار ليست مكباً لجثث ضحايا الانقاذ.
كذلك كانت الانقاذ قد وضعت يدها دون حق على منزله في الخرطوم. وهو تحفه فنيه اجتهد في تشيده بجلب عدد من الفنيين والمواد من ايطاليا والحبشه . وقد افرد له عدة صفحات في كتابه الاخير..وحقيقة عجبت لاناس يستكثرون عليه قطعة ارض في الخرطوم او بيت مهما كان جميلاً وهو من امضى حياته يكسب من عرقه مالاً وفيراً قال ليّ عندما زرته فيه آخر مره في يناير 2019 انه يخطط لجعله قالري ( صالة عرض للفنون والثقافه ) .
خلال هذه الفترة وحتى انتقالي الي طهران في ابريل 1974 كنت قد سافرت مع منصور في عدة رحلات عمل اشرت اليها بالتفصيل في كتابي المذكور اعلاه شملت دولاً كثيره اطولها رحلة واحده دامت خمسين يوماً اخذتنا من الخرطوم حتي نيويورك مروراً بروما وباريس ولندن ثم من هناك الى بكين وطوكيو وسيدني وكانبرا ثم البحرين فطهران واصفهان والكويت وجدة وختاماً مكه المكرمه واداء العمره .. وقبل ذلك كانت هناك رحلات قصيره لكل من المغرب والجزائر ثم اثيوبيا وكينيا والصومال وفي هذه الاخيره كنا في رفقة الرئيس جعفر نميري( وقد افردت لها في كتابي وصفاً مثيراً حسبما رآه البعض )
لا انسى في هذا الحيز من الاسفار ، وانا محب لها واتذكر دقائق تفاصيلها ، اننا دخلنا هونج كونج مشياً على الاقدام اذ كانت تلك المستعمره لازالت تحت العلم البريطاني والقطار الصيني الذي اخذنا الى الحدود بين البلدين لايستطيع العبور على الركاب تكملة الدخول على الارجل نحو نصف كيلومتر للصعود للقطار الاخر في هذا الجانب رأينا موائد كبيره عليها كتاب الزعيم ماوتسي تونج ( الكتاب الاحمر) و بكل اللغات لتاخذ منه ماتريد فتزودت بثلاث منه . وما ان صعدنا الى القطار الاخر حتي تزاحم علينا الباعة بكل انواع المشروبات والممنوعات والمعروضات ربما كان بعضها مزيفا هنا علق منصور ( شفت شفت الرأسماليه) عند الوصول الى داخل المدينه وجدنا في استقبالنا احد الموظفين البريطانيين بسياره رولزرويس اخذتنا في جوله في المدينه دامت نحو ساعتين عدنا بعدها للمطار وغادرنا الى طوكيو ..


منصور والاخرون
في وقت مبكر منذ مرحلته الثانويه في وادي سيدنا اواخر الاربعينات ثم جامعة الخرطوم كلية القانون حتى تخرجه منتصف الخمسينات وعمله في المحاماة والصحافه والسياسه كسكرتير لرئيس الوزراء السيد/ عبد الله خليل كان منصور شاغلاً لاذهان كثير من الناس بالاعجاب والحسد ما جعله في مرمى النيران من مختلف الجهات السياسيه والمجتمعيه المتنوعه وحيث انه كان يقوم بالرد بقوة على كل اولئك من اليمين كانوا او اليسار ، عروبيون كانوا او بعثيين بلغة وحجج قويه وقاطعه تثير فيهم المزيد من الحسد والغيرة فكانوا يتهمونه بالعماله والجاسوسيه للولايات المتحدة والدول الاوربيه الغربيه واحياناً بالتخلي عن العروبه والاسلام خاصةً بعد انضمامه للحركه الشعبيه لتحرير السودان واصبح مستشاراً لقائدها د. جون قرنق ..
وقد كان من المحزن والمؤلم والمسيء لنا نحن اصدقاؤه وعارفوه كثرة الاتهامات فبعضهم قد كتب كتباً واخرون شعراً خاصةً فترة حكم الانقاذ وحاربوه في رزقه وسدوا عليه كل المنافذ بعد ان نجحوا في افشاله في الحصول على مواقع امميه كتلك التي حدثت في العام 1977عندما سعى منصور لشغل منصب مدير عام التنميه في الامم المتحده وهي وظيفة جديده خصصت لافريقيا وكانت ستجعل منه الشخص الثاني في كل الامم المتحده وكان من نصيبي شخصياً ان عشت هذه المأساة كامله ودفعت فيها ثمناً وعرقاً
بعد عامين امضيتهما في طهران اسسنا فيها سفارة جديده لم تكن موجوده من قبل وزارنا خلالها منصور مرتين اولاً كوزير خارجيه وثانياً كوزير التربيه والتعليم نقلت الى السفاره في لندن حيث جأني بعد اربعة اشهر السفير امير الصاوي خال منصور شقيق والدته فتعرفت علي جانب هام من اسرته بعد ان كنت قد تعرفت ايضاً على زميلنا الاداري النشط في الخارجيه الصاوي بله الذي كان يعمل معنا بهمة ونشاط حتى اوقات متاخره في المكتب التنفيذي بجانب الاخ الاداري حسين سيد احمد الذي صاهر منصور فيما بعد اما شقيقته امال فقد كانت تسبقنى بعامين في كلية الاقتصاد بالجامعه و تعتبر من اول الخريجات واصبحت من كبار الموظفين في بنك السودان المركزي .

بعد عام ونصف في لندن تم نقلي لنيويورك فوصلتها في اغسطس 1977في بداية الحمله من اجل فوز منصور بالمنصب ولكن : قبل ذلك شهدت مأساة المهندس يحي عبد المجيد (التي اشرنا اليها سابقاً ) وماسببته لنا جميعاً من صدمه .

لقد سبق ان تعرضت لهذه القضيه في كتابي سابق الذكر تحت عنوان السودان في افريقيا والفشل المتواصل (ص. 520) فالذي حدث آنذاك ونحن في خضم معركة الترشيح التي حشدنا لها مجموعة من زملائنا الماهرين في هذا المجال من السفراء كيوسف مختار و ابراهيم طه ايوب القادمين من الخرطوم وعبد الله محجوب سيد احمد الذي قدم من جنيف والمستشار الثقافى حسن ابشر الطيب الذي قدم من واشنطن بالاضافه لاعضاء البعثه في نيويورك التي تضم في عضويتها اثنين من زملائنا الجنوبيين الواعدين (السفراء في ما بعد) اشول دينق وشارلس مانيانق ان جاءتنا في اخر لحظه برقيه مفاجئه من الخرطوم تقول ان منصور الذي بالطبع كان موجوداً معنا في نيويورك ليس بمرشح حكومة السودان ولا يمثل الا نفسه وقد اضاف عليها فيما بعد السفير مصطفى مدني المندوب الدائم في نيويورك آنذاك ان على الجميع رفع ايديهم عن هذا المسعي الذي كنا قد امضينا فيه اكثر من شهرين واوشكنا على قطف ثماره .

عندما اطلعت على تلك البرقيه الغريبه صباح ذلك اليوم لم اصدق للوهله الاولي ما جاء فيها حتى تاكدت بعد القرأه الثانيه والثالثه لها انها واضحه جداً اتجهت لمكتب السفير مصطفى مدني الذي لم يكن متواجداً في مكتبه ولعله كان قد ذهب للوزير السيد الرشيد الطاهر نائب رئيس الجمهورية ووزير الخارجيه الموجود ايضاً بنيويورك الذي كان على علم بما كنا نبذله من جهد.. اخطرت منصور بما جاء في البرقيه ولم يصدق هو الاخر كما لم يصدق السفير عبد الله محجوب الذي كان موجوداً معه في مكتب السفير كنت اظن ان السفير مصطفي لم يكن على علم بالبرقيه وفيما بعدعرفت بان الكاتب في السفاره قد اطلعه عليها في الليله الماضيه هاتفياً . هب منصور منزعجاً كما لم اره في حياتي مستنكراً ومستغرباً وقال ساذهب فوراً للرشيد الطاهر وبالفعل غادر برفقة السفيرعبد الله المكتب ولكن ..كان الفاس وقع في الرأس وحلت المصيبه فقد عرف الجميع ان السودان قد سحب مرشحه ليفوز المرشح الوحيد الاخر مرشح غانا السيد دادزي .فقد منصور الوظيفه واعيد حسن ابشر وعبد الله محجوب كل الى محطته وكان نصيبي انا الخرطوم التي عدنا اليها بحقائبنا ذاتها حيث بقيت اربعة اعوام في الادارات الهامشيه وحاول خلالها الرشيد الطاهر والوكيل هاشم عثمان نقلي لطرابلس كنائب سفير فرأيت في ذلك إهانه متعمده اذ ان خمسه على الاقل من زملائي وممن التحقوا بعدي بالوزاره قد اصبحوا سفراء كاملي التفويض في اماكن مختلفه من العالم .اكملت السنة الرابعه في الخرطوم ونقلت الى تلك المحطه الصغيره بانقي عاصمة جمهورية افريقيا الوسطى المجاوره وبقيت بها اربعة اعوام اراد هاشم عثمان الذي اصبح وزيراً للخارجيه في هذا الاثناء ابقائي عاماً خامساً هناك في ذلك المكان المنسي من العالم لولا ان جاءت انتفاضة ابريل 1985 فاخرجتني منها وعادت بي للخرطوم وكيلاً للوزارة بجانب الزميل الصديق ابراهيم طه ايوب وزير الخارجيه في الفترة الانتقالية .

كان منصور خلال هذه الفتره قد جاء للسودان وحرك الركود السياسي فيه بمقالاته الشهيره المعنونه لاخير فينا ان لم نقلها نشرتها صحيفة الايام انتقد فيها مجمل النظام السياسي والاداء التنفيذي مشيرا الى ظواهر الفساد فكان ان جاءته ردود مهينه لاتخلو من سخف وبذأءه مثل ذلك المقال المعنون بخط عريض لا خير فيه فكان هو الفاصل بين منصور ونظام مايو. في وقت لاحق سألت منصور عن اسم كاتب المقال حيث انه غير ممهور فقال لي انه يظن في ثلاثه هم من كتبوه 1- بدر الدين سليمان -2- الرشيد الطاهر -3- مهدي مصطفى الهادي لكني لاحظت في كتبه الاخيره انه قد استبعد بدر الدين بل اشاد به في بعض المواقف.
تباعدت لقاءاتي بمنصور عندما كنت في الخرطوم وكذلك طوال مدتي في بانقي الا من لقاء عابر في اديس اباباعام 1980 وانا في طريقي للهند في رحلة خاصه تناولنا العشاء في مطعم ايطالي جميل وكان في رفقة منصور الفاتح عروه الذي كان قنصلا في سفارة السوان لدى اثيوبيا ورأيته لاول مرة . ابتعد منصور عن السودان ولم يشارك حتي في مؤتمر القمه الافريقي الاول الذي انعقد في السودان يوليو 1978 وكان هو الاجدر بالحضور والظهور.

وفي يوم من الايام رن الهاتف في مكتبي في بانقي وهو نادراً ما يعمل فاذا به منصور يهاتفني من اقصى شمال العالم من مدينة اوسلو عاصمة النرويج يستعين بي في مهمه دوليه لدى جمهورية القابون . كان منصور انتخب في هذه الفتره نائباً لرئيس اللجنه الدوليه المسماة بلجنة الارض السيده/ قرو هارلم برونتلاند رئيسة وزراء النرويج السابقة ، وهي كما علمت ممن عملوا معها ابان رئاستها لمنظمة الصحه العالميه سيدة شديدة المرأس تضع معاونيها تحت ضغوط وتحديات شديدة . و كانوا يعدون العده للمؤتمر العالمي لذي انعقد فيما بعد بالبرازيل وحقق نجاجاً كبيراً انطلق بعده منصور حاملاً رسالته لكثير من رؤساء الدول . وقد سعدت حقيقة بان مهدت له في وقت وجيز اكمال مهمته عبر علاقه ربطتني بزميل محترم كان سفيراً للقابون ثم صار رئيساً لمجلس ادارة شركة الخطوط الجويه القابونيه ( اير قابون) وبالرغم ان القابون تعتبر واحه بتروليه غنيه وضعها هو الافضل في تلك المنطقه الا ان الاتصالات لا تتم فيها الا بمعاناةً شديده ، يكفي كمثال انني واجهت مشقةً كبيره للسفر اليها لتقديم اوراق اعتمادي للرئيس عمر بونقو اذ يعطونك الموعد ثم يقوموا بإلغائه في اخر لحظه وانت على وشك ركوب الطائره وفي المرة الاخيره عندما تم تحديد الموعد النهائي اخطروني به قبل 24 ساعه ولاتوجد رحلات منتظمه مباشره فكان علي ان اسافر اولاً جنوباً الى برازفيل ثم طائره اخرى شمالاً الى لاغوس في نيجريا لاعود بطائره ثالثه الى لبرفيل العاصمه وصلتها قرب منتصف الليل في حين ان الرحله المباشره من بانقي لاتستغرق اكثر من ساعة واحده الا قليلاً .

ثم حدثت الانتفاضه في ابريل 1985 فجاءنا منصور ليلا دون اعلان في الخارجيه القديمه ( عمارة جيلاتلي هانكي) للتحيه وتجاذبنا الحديث فتره بسيطه غادر بعدها وكان ذاك اخر لقاء لي معه وانا في خدمة حكومة السودان . في اليوم التالي خرجت الصحف باتهامات عريضه لنا بأننا ادخلناه وقمنا بتهريبه وكانوا يبحثون عنه لاعتقاله وطالب بعض الاشخاص ومنهم المحامي بوب بمحاكمتنا ولكننا لم نعره اهتما ماً لانه لايستحق وقد سقط هو نفسه بعد ذلك بقليل بتهم الفساد وسوء السلوك ..

بعد ذلك جاءت الانقاذ في منتصف 1989 وكنت قد انتقلت في اكتوبر 1987 الى بروكسل سفيراً لدى بلجيكا ودوقية لوكسمبروج والمجموعه الاقتصاديه الاوربيه EEC( الاتحاد الاوربي فيما بعد )كما انتقل زميلي ابراهيم طه ايوب الى روما وزميلي الفكي عبد الله الفكي الى لاهاي كما سبقنا بقليل زميلنا السفير عبد المجيد علي حسن الى جنيف كمندوب للسودان لدى المكتب الاوربي للامم المتحده في ذات الوقت الذي اصبح فيه على سحلول وكيلاً للخارجيه ، ولكن ما ان صار وزيراً للخارجيه بعد عشرة ايام من الانقلاب العسكري الا وتم طردنا جميعاً من الخدمه بالاضافه الي عدد من زملائنا الذين كانوا بالخارج كالاخوه احمد دياب في بوخارست وعمر الشيخ في نيروبي ومحمد عثمان بابكر في انجمينا وحمد النيل احمد محمد في ابوظبي ومحمد حمد مطر في بكين واحمد محمد الامين في الجزائر واخرين في رئاسة الوزاره في الخرطوم كمصطفي مدني وسيد شريف ، (ولحق بنا بعد وقت غير طويل كل من الاخوة عبد الله علي جابر من بلغراد والطيب احمد حميده من باريس وسيد احمد الحردلو من صنعاء و محمد احمد ميرغني من بغداد ثم عبد الله محجوب سيد احمد من الرباط وعصام حسن من المانيا الغربيه بون وعزت الديب وعثمان السمحوني من الخرطوم ثم الفاتح عبد الله يوسف من زمبابوي ومصطفى حسن احمد من كينيا ) كان الملفت في كل هذا انه قد حدث بعد اسبوع واحد او اقل من تلقينا لبرقية معممه على كل السفارات تهدد بالعقاب الشديد لكل من يفتح ابواب سفارته ( للمدعو ) منصور خالد.. وحيث انها قد وصلتنا فور انتهاء مؤتمر القمة الافريقي في اديس ابابا الذي شارك فيه عمر البشير لاول مره برفقة علي سحلول فقد استنتجنا بسهوله ان امراً قد حدث بينهم وبين منصورالمتواجد في اديس ابابا ممثلا للحركه الشعبيه .

كانت تلك بداية المذبحه للسلك الدبلوماسي والخدمة المدنية عامة اذ جاءت الوجبه الثانية مكونه من 36 فرداً من كل الدرجات حتى السكرتيرين الثوالث رجالاً ونساءً في مطلع شهر نوفمبر 1989 . ولم يشعر على سحلول باي حرج في تصريحه لصحيفة الشرق الاوسط اللندنيه وإدعائه الكاذب بأن هؤلاء كانوا عملاء لمنصور خالد حسبما قال علماً بأن كثيرين منهم لم يروا منصوراً في حياتهم ولم يكن قد مضى علي بعضهم اكثر من عامين في الوزاره التي فارقها منصور قبل ذلك باكثر من عشرة اعوام الا انه فيما يتعلق بمجموعتنا الباريسيه القديمه يلاحظ انه قد تم الابقاء على الاخوة يوسف مختار ومحمد المكي ابراهيم وطه ابوالقاسم وكذلك جلال عتباني اضافة لعثمان نافع اما صديقنا هاشم التني الذي عمل في باريس ثم وزارة الشباب مع منصور خالد ثم نقل الى نيجيريا فقد استقال وترك الوزارة منتصف السبعينات ذهب لجنيفا وباريس واصبح معارضاً لنظام نميري.. ويقيم حالياً بالولايات المتحده . كما هو الحال بالنسبه لمحمد المكي ابراهيم
واستمر هذا الهوس بعد ذلك حتي شمل نحو 70 % من الدبلوماسيات كانت من بينهن رائدات الخدمه اسماء محمد عبد الله ( الوزيره الحاليه للخارجيه) وزميلتها فاطمة سيد احمد البيلي بعد 19 عاماً من الخدمة الممتازه وكانتا على وشك الترقي لدرجة السفير ..


نهاية الجزء الاول

(الجزء الثاني)

بعد البحث المضني الذي دام 28 شهراً تنقلت فيها بين اربعة قارات بحثاً عن عمل وعقبات وضعها سحلول واخرون ( لا اعلمهم الله اعلم بهم ) امامي عندما ذهبت لمعهد العالم العربي في باريس ثم منظمة المؤتمر الاسلامي في جدة ثم الجامعة العربية في تونس ثم مكتب الامم المتحده في طنجه ثم السكرتاريه العامه في نيويورك استقر بي المقام في الدوحة عاصمة قطرفي نهاية1991 ولكن حتى هناك لم يتوقف ظل منصور عن الظهور اذ ما ان باشرت عملي في وزارة الخارجيه القطريه كخبير سياسي ، حسب مسمى الوظيفه الا وجاءني احد كبار السفراء ليقول لي بصريح العباره انني كصديق لمنصور خالد عدو العروبه والاسلام مطالب بحسن السيرالسلوك والا فعلي ان اتوقع عاقبة الامور . لم استطع تحمل كلامه المستفذ فقمت بالرد عليه بأنني " لا امثل منصور خالد ولا غيره ولا اقبل منك ان تجردني من خبرة ربع قرن تقريباً بدأت قبل انشاء وزارتكم هذه .. وانني مستعد لمغادرة الوظيفة حالا ان كان في بقائي هنا ما يطعن في كرامتي اوامانتي " تراجع الرجل وقال انه كان يقدم لي نصيحة اخويه . ولكني اذ كنت اعرف ان مستشاره الاول هو الاخ السفير صلاح احمد ابراهيم الذي انقلب على صديقه القديم منصور خالد واخذ يهاجمه في كثير من المواقع هجوماً قاسياً (عداوة العروبه والاسلام والارتباط بجون قرنق) فأنني قد اسفت فعلاً لذلك واضفت بأنه ان كان هناك ظل شك من انني شيوعي ( حسب ما ظن وكيل الوزاره ) فعليه ان يعلم ان لم يكن يعلم بان الحزب الشيوعي السوداني ليس له صوت اعلى من صوت فاطمة احمد ابراهيم الشقيقه الكبري لصلاح .
ما ان انتهينا من هذه المواجهه الا و انفرد بي وكيل الوزاره ( الذي اصبح فيما بعد وزير دوله للخارجيه ثم نائباً لرئيس الوزراء ممسكاً بكل الملفات السودانيه خاصةً ملف دارفور) ولشيء في نفس يعقوب انهى خدمتي بالوزارة ولم اكمل 9 اشهر فقد انتهز فرصة التعديل الوزاري الذي جرى هناك بخروج الوزير مبارك الخاطر الذي كان قد رشحني له زميل سابق هو السفير علي حسين المفتاح تعود معرفتي به لمنتصف السبعينات خلال فترة عملنا سوياً في العاصمه الايرانية طهران ..
ثم انتقلت للعمل في وظيفه اداريه صغيره كمترجم في المؤسسه الوطنيه للبترول ادارة المناقصات العامه ، واذكر بالخير كله المرحوم الاخ الدكتور حسن عمر (الاستاذ بجامعة الخرطوم سابقاً وزير العدل في حكومة جعفر نميري ) الذ ي ساعدني من موقعه كمستشار قانوني للمؤسسه بالحصول على الوظيفه في تلك الظروف الحرجه .. ثم جاءنا منصور بنفسه.

جاءتني رساله مكتوبه بخط اليد من منصور انه متواجد بفندق الخليج الغربي متجهاً الى سلطنة عمان وبالرغم من فجائية الظهور وضيق الوقت ومحدودية الامكانيات فقد رحبت به في منزلي مع عدد قليل من الاخوان المعارضين للانقاذ اذكر منهم الاخوة محجوب ابراهيم حسن ومحمد سليمان .. واكملنا له اجراءات الدخول لسلطنة عمان وكانت المفاجاءه انه يحمل جواز سفر غير سوداني صادر من زامبيا وبعد ذلك بحوالي 10 اعوام وقد التقينا في لندن قبيل اتفاقية السلام تغير جواز سفره الى جواز دبلوماسي جزائري منحه اياه صديقه القديم عبد العزيز بو تفليقه الذي صار رئيساً للجزائر التي كان منصور قد نقل اليها في مهمة امميه فور حصولها على الاستقلال عام 1962 واسس لنفسه علاقات شخصية مميزه استمرت طوال حياته ..

بعد 5 سنوات في ذلك الموقع ومع اشتداد المعارضه من جانبى لحكومة الانقاذ التي فتحت لها حكومة قطر كل المنافذ لم يعد لي مكان هناك فغادرت الدوحه نهائياً في منتصف 1999 الى اوروبا الغربيه مروراً بسوريا والسودان ومصر.وبعد مجيئي الى لندن عام 2003 واستقراري بها تجددت الاتصالات بمنصور الذي اصبح يتردد على لندن كل حين وآخر من الخرطوم بعد ان توصلت حركتهم الشعبيه ( التي ليست لي بها ايةُ صلة ولم التقي بقائدها جون قرنق ابداً كما انني لم اشترك اطلاقاً في اجتماعات المعارضه كتلك التي جرت في اسمرا وكمبالا وغيرها ) لاتفاق سلام مع حكومة البشير واستقراره في منزله هناك .
ولكن يجدربي في هذا الخصوص وقبل ان انتقل الى نقاط اخرى ان اذكر بالخير كله سفيردولة قطر في لندن الاخ العزيز ناصر بن مبارك ال خليفة الذي رحب بي ترحيباً حاراً ومنحني وظيفة في سفارته دامت 6 اعوام ما مكنني من الاقامه في هذه البلاد دون عناء او معاناة . كنت تعرفت عليه في الدوحه والتقيته بعد ذلك في كل من روما( بحضور الاخ والزميل ابراهيم طه ايوب الذي كان قد استقر هناك ) وكذلك في باريس خلال تشردي بها (2000-2003 ) فكان دائما نعم الاخ والصديق .وعندما علم مني بوجود منصورفي لندن في ذلك الوقت قدم له دعوة للمشاركه في مؤتمر الديمقراطيه والتنميه الذي كان يقام سنوياً هناك ما جعل منصور يسعى من جانبه للتمهيد لزيارة جون قرنق للدوحه خاصةً ان قناة الجزيره القطريه قد نجحت في اجراء اول لقاء معه على مستوى العالم العربي والاسلامي .

في السنوات الاخيره ومع تقدمه في العمر( تجاوز الثمانين ) وتدهور حالته الصحيه اصبح منصور زائراً منتظماً للندن للعلاج ولكنه لم يتوقف عن الانتاج السياسي والادبي وكنت مع عدد من اصدقائه على تواصل دائم معه حتى هيئنا له مرةً تدشين كتابه قبل الاخير والمعنون محنة السودانين ( الشمال و الجنوب) اتفاقية السلام التام والطريق الي الانفصال في سبتمبر 2015 ضمن نشاط جمعية الدراسات السودانيه في المملكة المتحدة SSSUK خلال اجتماعها السنوي بكلية الدراسات الافريقيه والشرقيه في لندن SOAS وسط حضور مقدر من السودانيين والبريطانيين وغيرهم من المهتمين بالشأن السوداني المعاصر .

طوال هذه السنين كنت اراقب علاقة منصور بالعسكر( نميري وزملائه) واخلص الى انه لم يكن يرتاح اليهم ولم يتعامل معهم الا بحكم الضروره ولربما كانت البدايه منذ ان عمل مع البيه عبد الله خليل الذي كان في الاصل ضابطا كبيراً في الجيش وتحول الى زعيم سياسي كبير ( وليس في ذلك عيب فقد كان كذلك الرئيس الامريكي ايزنهاور وكذلك الرئيس الفرنسي ديجول ومنصور معجب جداً بكليهما) وواضح هنا الفرق بين مجموعة نميري وسفرائه العسكريين الذين ملأ بهم وزارة الخارجيه عندما كان منصور وزيراً لها ونذكر منهم : ميرغني سليمان خليل الذي بقي في الوزارة اطول مدة من بين العسكريين .

من جانبه حاول منصور اشراك بعض الاكاديميين فأتي بكل من: د. مدثر عبد الرحيم وفرانسيس دينق اضافةً الى محمد عمر بشير الذي قد سبقهما الى السلك الدبلوماسي بالتعيين ولكن منصور ركز اساساً على شباب الخارجيه مما جعل البعض يطلقون عليهم اولاد منصور وحاول ترفيع عدد منهم بالقفز بالعمود الا انه لم يوفق نسبة لرفض ديوان شؤون الخدمه ذلك النوع من الترقيات باستثناء اثنين فقط هما :- يوسف مختار وعثمان السمحوني .

وحتى بعد انضمامه للحركه الشعبيه فقد حافظ منصور على مدنيته ولقبه العلمي وزيه الافرنجي الكامل بدلاً عن الكاكي العسكري الذي ارتداه بعضهم ولم يصبح كمرد / كمارات كما هي اداة المناداة داخل ذلك التنظيم.

لابد ان منصور وفي قرارة نفسه قد استرجع ماحدث لكثيرين في بلاد بعيده او مجاوره مثل ذلك الذي يشابهه في الاسم والدرجه العلميه من السربون وانتهى نهاية اليمه على يد الباطش الاعظم معمر القذافي الذي كان قد غير له اسمه من المقهور الى منصور الكيخيا .

• طوال معرفتي بمنصور لم يحدث يوماً ان تناولت معه شئونه الماليه او الشخصيه الاخري ولكن عندما صار بعد العام 2005 رئيساً لمجلس ادارة شركة الصمغ العربي وكان امراً ملفتاً للانتباه على المستويين المحلي والعالمي اذ انها المرة الاولى يتولى فيها منصور مهاماً اقتصاديه وثانياً لان الولايات المتحدة الامريكيه قد استثنت الصمغ العربي السوداني من المقاطعه ، حدثته عن استثماري الوحيد في السودان البالغ انذاك عشره جنيهات سودانيه كانت تعادل 33 دولار امريكي. في تلك الشركه عند تأسيسها عام 1970 وانه قد مرت حتى يومنا ذاك سنة 2005 (35) عاماً لم اقبض من الارباح شيئاً ..وحقيقة لم اكن اسعى الى الربح بقدر احاول المساعدة في احياء حزام الصمغ العربي الذي هو جزء من حياتنا في كردفان كما ان المرتب الحكومي الذي كنت اتقاضاه وانا سكرتير ثاني في درجة D S كان كافياً الى حد ما (يعني مستورين والحمد لله).

من بين الذين هاجموا منصور وانتقدوه وحملوا عليه الاخ الزميل الدبلوماسي والاعلامي والسياسي البارز على ابوسن ( عليه الرحمه ) الذي زرته في الاسكندريه حيث كان يقيم وعند تعرضنا لموضوع العلاقة مع منصور قال بأن كل الذين اتصلوا به عن كتابه (الجزئين) لم يسألوه عن علاقته بمنصور وانما عن علاقته بالطيب صالح الذي نال في الكتاب هجوماً اشد وامر وكان ذلك هو رآي ايضاً . الاخ على ابوسن الرجل الانيق الوسيم المعتد بنفسه لا يرى انه اقل من منصور او الطيب صالح في اي شيء فقد وجدته بعد ان تقاعد واستقر في شقته شبه المطله على البحر وتحول الى رسام وملأ المكان بلوحات زيتيه مختلفه فذكرني بفناني ورسامي حي مونمارتر في باريس شكلاً ولغة وقد عانى ما عانى من حكومة الانقاذ ايام جنونها الاولى فقد صادروا منزله وطردوا بناته منه وخربوه فلم يستكن او يتراجع عن موقفه .

ومن الذين اسرفوا في انتقاد منصور واصروا على اتهامه بالعماله لوكالة المخابرات الامريكيه الدكتور عبد الله على ابراهيم الكاتب الشيوعي الذي اصدر كتاباً كاملا سماه ومنصور خالد جمع فيه اكثر من 50 مقالاً ويبدو ان بعض القراء قد صدقوه حتى ان بعض العقلاء ممن اعرف كالصحفي المميز صديق محيسي قد طالب منصور بتبرئة نفسه .

اما الشقيقان مرتضى وصلاح احمد ابراهيم فقد احترت في امرهما وتمنيت لوانني وجدت متسعاً من الوقت للتطرق لهذه العداوه غير المفهومه فمرتضى الذي تعرفت عليه يوم 25 مايو ( زاتو) في كمبالا يوم اصبح وزيراً للري كتب في كتابه مذكرات وزير متمرد انه يوم التقائه بمنصور في الخرطوم عند اداء القسم بصق في وجهه متهماً اياه بالانتهازيه وعدم الولاء للنظام الجديد .

اما صلاح فقد تعرفت عليه اول مرةً مع منصور نفسه وذلك في اديس ابابا خلال اجتماعت مجلس الامن الدولي الذي عقد هناك والسودان عضو به لاول مرة في التاريخ .معروف انه كان شاعراً واديباً مشهوراً ومن جانبي وجدته شخصاً لطيفاً ومهذباً وطوال فترة عضويتنا في المجلس واسفارنا لنيويورك كان هو ومنصور صديقين حميمين لا يفترقان ومعهما الشخصيه المعروفه الاديب السفير جمال محمد احمد الذي كان مستشاراً للوزير بينما كان السيد السفير رحمة الله عبدالله ( عليه الرحمه ) المندوب الدائم على مبعده منهم .لذلك كنت محتاراً في ان صلاح قد اختار ليس فقط الابتعاد عن منصور بل حمل عليه بشده في مواقفه الذاتيه في وقت كان كلاهما قد ابتعد عن جعفر نميري في لجوء سياسي ضده. صلاح الذي كان سفيراً لنميري في الجزائر حتى عام 1977 ترك موقعه وذهب الى باريس ومنصور الذي انضم للحركه الشعبيه فقد اختار لندن مقراً له ثم غادرها فيما بعد لاماكن اخرى .( قصة مدينتين مرة اخرى)

ولكن مما يحسب لمنصور وحسن تعامله انه بالرغم من صحته المعتله فقد جاء الى مجلس عزاء المرحومه فاطمة احمد ابراهيم الذي اقامه الحزب الشيوعي السوداني في لندن ما وجد استحساناً كبيراً من اقربائها الموجدين خاصةً د . فاروق فضل ومحمد يس عبد العال.

عندما جاء صلاح زائراً للدوحه قبل وفاته بوقت قصير في عام 1993 لم نستطع آلا نواجهه باستيائنا الشديد لتأييده عمر البشير وحكومته الباطشه الفاسده وكان اعلانا صوتاً هو الاخ الصحفي الكبير صديق محيسي .

واذ لاحظت ان منصور خلال الفترة الاخيره لم يرد على اغلب الذين هاجموه بما في ذلك كتاب الجبهه الاسلاميه فقد سألته عن هؤلاء و ؤلائك فوجدت انه قد فضل العمل بمبدأ الكلب ينبح والجمل ماشي .

لكن من المؤسف والمحزن ان وزارة الخارجيه ذاتها حاولت ان تمسح ذكرى وإنجازات منصور وتنسبها بطرق خبيثه لاخرين ولولا انني كنت حاضراً بنفسي احدى المناسبات الكبيره لما كنت قد صدقت ما شاهدت وسمعت ففي احتفال الوزارة بيوم الامم المتحده عام 1999 وبحضور الوزير انذاك مصطفى عثمان اسماعيل وحشد كبير من السفراء والضيوف قام الوزير بسرد تاريخي في كلمته للدور الذي لعبه السودان في الامم المتحدة وتجاهل ذكر اسم منصور ودوره بل اضاف بأن وفد السودان لاول اجتماع لمجلس الامن الدولي في افريقيا كان برئاسة السفير نائب الوزير فخر الدين محمد انذاك .

كانت قد جاءتني دعوة من الجمعية السودانيه للامم المتحدة قبلتها بعد الحاح من الاخت ساره مكي ابو سكرتيرة الجمعيه السودانيه للامم المتحدة التي ذكرتني بأنني عضو مؤسس ومساهم في الجمعيه منذ ان كنت وكيل للوزارة قبل اكثر من 10سنوات لذلك لم اصدق اذني بأن الوزير المحاط بثلاثه من كبار القوم هم الساده علي شمو وعبدالله احمد عبد الله ودفع الله الحاج يوسف ولم يقم احد من الحضور بتصحيح الوزير ، رفعت يدي فعلت الوجوه كثير من الدهشه ، سمح لي وقلت في جمل قصيره ان رئاسة السودان لمجلس الامن الدولي المنعقد في افريقيا لاول مرة كانت بقيادة الدكتور منصور خالد وزير الخارجيه انذاك وانني كنت عضواً في الوفد المكون من خمسة اشخاص ذكرتهم بالاسم وانه قد انضم الينا في اديس ابابا القائم بالاعمال الاخ الزميل السكرتير الاول انذاك عثمان نافع و كان ذلك خلال الاسبوع الاول من شهر فبراير 1972 بعد انتهاء الرئاسة الصوماليه في الايام الثلاثة الاخيرة من يناير وكان وفدهم برئاسة عمر عرته .. ولم ازد.

طوال فترة علاجه في لندن في السنة الاخيره كان منصور محاطاً بكثير من الزوار خاصةً الاطباء السودانيين وكذلك عدد من رجال الاعمال المقيمين وزائرين الذين لم يتوقفوا يوماً عن معاودته والتخفيف والترفيه عنه باخذه خارج المشفى احياناً الى منازلهم واخري في اماكن جميله

الاسفار مع منصور ( عندما كان وزيراً) لم تكن قاصره عليّ وحدي وانما شارك فيها آخرون. خاصة عصام حسن وسيد احمد الحردلو ( وكلاهما من تلاميذ والدي في القولد الوسطى ولهما مكانه عزيزه في نفسه وفي نفسي ايضاً ) وعندما ذهب للقصر كمساعد رئيس(لنميري) سافر معه اخرون منهم عمر شونه والفاتح ابراهيم حمد ونور الدين ساتي واخرون .

قد يرى البعض مما ذكر انني تنقلت مع منصور في كل مكان ولكن في حقيقة الامر كان عملي مع منصور سبباً في حرماني من بعض رحلاتي الخاصه التي كنت اخطط لها واتحمل تكاليفها على نحو ماحدث منذ ان كنت طالباً بالجامعه وزرت عديد من الدول، ففي عام 1972 كنت اخطط لسفري لالمانيا الغربيه لحضور دورة الالعاب الاولمبيه الصيفيه في ميونخ واكملت كل الاجراءات وشراء التذاكر ذهاباً واياباً وحجز مكان السكن وبعض رسوم الدخول الا ان مدير الشئون الاداريه رفض منحي اجازتي السنويه المستحقه بحجة انني اعمل مع الوزير ولن يسمح لي بالاجازه الا بعد عودته والموافقه عليها وضاعت علي بذلك فرصة الحضور وتكاليف الرحله .

وفي عام 1976 تكرر السيناريو بشكل مختلف حيث اضطررت للبقاء وانا قائم بالاعمال في لندن حتى مجيء السفير الجديد السيد امير الصاوي ( خال منصور) وكنت انوي هذه المره السفر الى اولمبياد مونتريال عبر ايسلاند البلد الاوربي الوحيد الذي لم اقم بزيارته حتى الان ولذلك لم تكتمل لي الفرصه الا عام 1980 في العاب موسكو الصيفيه ثم بعد ذلك لوس انجلس 1984 و سيول 1988 ( مع الالعاب الشتويه في كالقري بكندا ) .

ولا يفوتني ان اذكر بالخير المرحوم امير الصاوي الاداري القدير الذي تم في عهده انجاز كبير تمثل في تجديد عقد مبني السفارة السودانية لمدة ثمانين 80 عاماً بشروط تكاد تماثل الملك الحر Free Hold كان من حظي ان بدأت ، وانا قائم بالاعمال في السفارة ، قبل مجيْ السفير امير الصاوي في اغسطس 1976 ،ان مهدت لهذا الانجاز بعد ان وجهني منصور نفسه الاتصال باحد اصدقاء السودان من كبار الاداريين البريطانيين من ايام الحكم الثنائي هو السير وليم لوس الذي وجهني بدوره لمكتب محاماه معين . وبعد عام كامل من المفاوضات والاتصالات التي اجراها امير الصاوي اصدر وزير الخزانه دينس هيللي الموافقة النهائية. الان وقد انقضت اكثر من نصف هذه المدة ظللت من جانبي اذكر سفراء السودان هنا بذلك خاصةً الاخ حسن عابدين في عام 2006 وفي حضور السيد امير الصاوي نفسه وقد عجبت لكلام الاخ حسن الذي قال انه لم يجد في سفارته تلك ( وهو من امضى بها اكثر من 6 اعوام متواصله هي اطول مدة لاي سفير سوداني في بريطانيا منذ الاستقلال حتى اولئك الذين عملوا بها مرتين كالسفير عبد الله الحسن الخضر او ثلاث مرات كالسفير جمال محمد احمد ) اية وثائق او ادله على عقد الايجار المذكور . وفي تقديري ان الايادي الخفية التي نشطت اثناء العهد البائد خططت لبيع المبنى بحاله مثلما حدث لبيت السودان وعدد من المنازل والشقق . قلت لمنصور ونحن ندردش عن الاحوال في لندن وسفارتنا بها انه لولا الحماية الملكية لهذا المبني اذ انه من ممتلكات التاج (Crown Property) لكان قد راح في ستين دهية.

خلال زيارة له الي لندن عقب توقيع اتفاقية السلام الشامل CPA بين حكومه الانقاذ والحركه الشعبيه عام 2005 قال ان جهات كثيره قد طلبت منه تولي حقيبة وزارة الخارجيه وانه لم يتخذ قراراً بعد واستشفيت من حديثه انه غير معترض ولعله كان يريد ان يختبر استعدادي للعمل ضمن فريقه الذي سيكون مناصفه مع الاخوة الجنوبين فكانت اجابتي له ان المشكله هي في الشريك نفسه الذي لا يمكن ان يوثق به وان اشخاصاً مثل علي عثمان طه وآخرين قتلة ومجرمون ولا يمكن التعامل معهم .. كما انني اصلاً لم اقبل بتلك الاتفاقية التي تمت بين طرفين ( الحركة الشعبية والانقاذ) ووضعت الغالبيه العظمى من الشعب السوداني على الهامش كما سبق ان رفضت اتفاقية القاهره واعلنت ذلك للاخ فاروق ابوعيسى و للاخ على محمود حسنين عليهما رحمة الله ولم تمضي فترة طويله الا وكانا من اوائل ضحاياها سجناً وتنكيلاً وتشريداً من جانب اخر اختلفت مع منصور في ما يتعلق بالحادث الذي ادى لوفاة جون قرنق لأنني اري في الامر اياد يوغنديه غير خفيه (وتحديداً موسفينيه) وهو ما اشارت اليه صراحة السيدة ربيكا ارملة جون قرنق وايضاً وزيرداخلية الجنوب وكذلك هاشم بدر الدين القيادي في المعارضه للانقاذ وعجبت طوال هذه السنين لعدم تصدي السودان لمواقف موسفيني وتصريحاته المتكرره المعاديه للسودان وحتى بعد الثوره التي قضت على الانقاذ لازلنا نراه يلعب دوراً خبيثاً لجر القيادة السودانيه الحاليه للقاء بنتنياهو على ارضه ويكفي في كل الاحوال انه دكتاتور افريقي باطش على شعبه منذ اكثر من 35 عاماً .


وفي نقاط سريعه اعطي صورةً مختصره لمنصور الانسان في مختلف وجوهه :

منفعلاً في غضب:-
عندما وصلتنا البرقية اياها في نيويورك نوفمبر 1977 والتي لم تفشل فقط جهوده في الحصول على الوظيفه القياديه في الامم المتحدة ، بل كانت طعنه نجلاء في الظهر من رئاسة بلاده و خيانةً واضحه من عدد ممن ارتزقوا على فضله .

منزعجا:-
ونحن في الطائرة الاثيوبيه من اديس ابابا الي مقديشو والرئيس نميري ثملاً للغايه عام 1973 ( بينما كنت انا اتساءل لماذا تركنا طائرتنا السودانيه الكوميت في اديس ابابا وجئنا بطائرة معاديه في نظر الصوماليين ولم يفدني شخص بإجابة (كنت اصغر المرافقين رتبةً)

مسحوراً :-
بالصين وسورها العظيم ( حيث حثني ان اسبق زميلنا في تلك الرحله الطويله الرائد صالح زيدان جرياً لمسافة نحو 200 متر للاعلى . مع ارتفاع السوروالتحدي الذي اعلنه فعدوت بالرغم من الارهاق الشديد ولحقت به في آخر 10 امتار وتجاوزته كنت في تلك الايام امارس بعض العاب القوى وخاصه الجري في المسافات المتوسطه والطويله من منطلق الهواية لكني لم اكن في ذلك اليوم في احسن حالاتي خاصة قد جئنا من رحله طويله مرهقه من نيويورك عبر باريس وكراتشي كنت اشغل فيها مقعداً في الدرجه السياحيه المكتظه بيما يجلس المرافق العسكري للوزير(بودى قارد) في الدرجة الاولي المريحه..( عزيزي القاريء ما قمنا به استجابة لدعوة الجانب الصيني يمكن تعريفه بالمجاملات الدبلوماسية ) ..

خائفاً :-
حدثني منصور بأنه تعرض لمحاولة اغتيال في لندن وان الشخص المكلف بالمهمه لم يتعرف عليه في البدايه وظنه من افراد طاقم المنزل في الوقت الذي الهمه الله فيه النجاة بجلده جريا على الاقدام . بعدها باع منصور منزله الجميل وغادر المدينه الى سويسرا ومناطق اخري في اوروبا . ويعتقد منصور ان الامر كان مدبراً من تاجر السلاح السعودي ( عدنان خاشوقجى) الذي اكتسب نفوذا كبيراً في السودان آنذاك مع سمعه سيئه كشف عنها منصور بوضوح في كتبه ومقالاته ورد فيها اسم نميري شخصياً ووزيره للشؤون الخاصة د. بهاء الدين محمد ادريس..

كان منصور قبل ذلك قد نجا باعجوبه من محاولة اسقاط الطائرة التي اقلته مع نميري وآخرين من بينهم احمد مختار آمبو مدير عام منظمة اليونسكو من باريس الى الخرطوم في يوليو 1976 و ربما كان قد تلقى قبل ذلك تهديدات متنوعه بالتصفية ما جعل سفره مصحوباً بحارس للحمايه منتدباً من القوات الخاصه امراً ضرورياً ومستحدثاً في ذات الوقت.(ومستنكراً من خصومه)

معجباً :-
بدار الاوبرا الجديده ( لنج انذاك) في سيدني التي بذل الاستراليون 30 عاماً و بتبرعات فرديه لإنشائها واكتملت مع وصولنا في نوفمبر 1973 فكان من فرط اعجابهم وسعادتهم بذلك ان اخذونا اليها من المطار وذلك قبل ذهابنا للعاصمه كانبيرا حيث التقينا برئيس الوزراء قوق ويتلام واخرين ( وكنت انا اتوق لرؤية كبري سيدني الشهير منذ ان ارسل لي شقيقي الاكبر كابتن كامل بوست كارت من هناك عام 1959 وسعدت ان وجدت دار الاوبرا الجديده ذات الاجنحه والاشرعه تجاور هذا المعلم الشهير ) .قال منصور انه يتمني ان يري مثلها في السودان في يوم من الايام ولكنه ضحك عندما ذكرته بما رواه لنا السفير عبد الله الحسن في باريس عن زيارة وفد اعلامي كبير من السودان بدعوة من الحكومة الفرنسيه ضمت امسيه اوبراليه لم يستطيعوا الصبر عليها واضطروا للانسحاب قبل انتهاء العرض .

اما كانبيرا المدينه الخاليه تماماً من التلوث فلابد انها قد ظلت في ذاكرة منصور وهو يتبوأ بعد 10 اعوام منصب النائب الاول لرئيس لجنة الارض اذ اشار الى ذلك في لقائه برئيس الوزراء الاسترالي الذي خرج خصيصاً من جلسة البرلمان لملاقاة منصور علماً بأن استراليا كلها تنشغل في مثل ذلك اليوم من كل عام بسباق كأس ملبورن للخيل ولم يفت على منصور الاشاره الى ذلك وهو ايضاً ما كنت قد اشرت اليه في مطلع هذا التقرير يوم التقيت منصور اول مرة في باريس ..

متضايقاً :-
زرته في الفندق مكان اقامته في القاهره غير بعيد عن المنزل الذي يقيم به جعفر نميري اللاجئ انذاك بمصر فرمى الهاتف وقال متى يفهمنا هؤلاء المصريون ؟ قلت له مستحيل .. ثم ضحكنا عندما ذكرت له مارواه لي الفنان الكبير احمد المصطفى ان كل اغانيه مسجله بمصر الا تلك الوارد فيها قول الشاعرالمبدع حسن عوض ابو العلا " فيك يا مصر اسباب ازاي ".. والمسأله بسيطه كما قال الزعيم المصري الكبير سعد زغلول باشا ( مفيش فايده .. غطيني ياصفيه)

قلقاً :-
ونحن في مطار طوكيو نستعد للاقلاع ليلاً الى سيدني بالخطوط الجويه الاستراليه نكتشف اننا قد تركنا حقائبنا في الهوتيل وسط المدينه التي تبعد اكثر من 40 كيلومتر من المطار كانت تلك هي المرة الوحيدة طوال تلك الرحله الطويله وغيرها من اسفار مع منصور حتى في بلاد لم يكن لنا فيها سفارات او غيرها ان جئنا الى مطار دون حقائبنا والسبب هو ان سفارتنا في طوكيو وكان مكتبهم واقامة بعضهم معنا بنفس الفندق ان تولوا هذا الامر وحدث ما حدث اسرعنا بالاتصال الهاتفي بالفندق وطلبنا ارسالها على وجه السرعه وكان ان جاءت في اخر لحظه ويمكن للقاريء ان يتصور انزعاج منصور لعدم وجود اغراضه وكيفيه الذهاب للمقابلات الرسميه بنفس ملابس السفر.

محبطاً :-
وهو لاجيء سياسي يحمل جواز سفر زامبي . وكنت قد كتبت في صحيفه محلية في الدوحه مقالاً عام 1997عند مرور ربع قرن على اجتماع مجلس الامن الدولي في اديس ابابا وانه من سخريات القدر ان صار منصور وزميله الصومالي عمر عرته اللذين ترأسا ذلك الاجتماع الذي ادان مجمل الاستعمار الاوربي في افريقيا وتشريد مواطنيها قد اصبحا هما ايضاً من الاجئين ولكن بيدي لا بيد عمرو . وفيما بعد صار منصور يحمل جواز سفر جزائري . ومع الحراك الشعبي في الجزائر موازياً للثوره السودانيه في العام الماضي قلت لمنصور اننا صدمنا في تمسك صديقه القديم عبد العزيز بوتفليقه بالسلطه وهو رجل عاجز عن الحركة والكلام واعتقد ان منصور يشاركني نفس الاحساس الا انه لم يعبر عن ذلك صراحة ربما من منطلق ما تربطهما من صداقة..

ضاحكاً:-
عندما قال شوان لاي رئيس وزراء الصين وهو رجل صارم القسمات ان الاتحاد السوفيتي سخيف وابن كلب .. كان المترجم الصيني الذي جلس بينهما متمكناً من اللغة العربية ولايمكن ان يكون اتى بشيء من عنده .

مسروراً:-
عندما قلت له انني قابلت الاميرة آن ابنة الملكه اليزابيث ووجدتها متذكره زيارتها للسودان عام 1974 وحفل الاستقبال الذي اقامه منصور على شرفها بمنزله وكنت حاضراً له . حديثي القصير مع الاميرة آن تم بعد الانتهاء من المحاضرة السنويه في شهر مايو الماضي 2019 لسانت جورج هاوس الذي اتمتع بعضويته (مقره قلعة وندسور الشهيره ) ..

فخوراً:-
(ولو انني لم اكن حاضراً ) إلا انني واثق بأنه كان سعيداً بفوز السودان بكأس افريقيا لكرة القدم عام 1970 عندما كان هو وزيراً للشباب والرياضه - وقام بمنح كل افراد الفريق قطع سكنيه كان من بينهم زميلنا الاصغر حيدر حسن حاج الصديق المعروف باسم علي قاقرين وكان وقتها لاعبً مميزاً شيد عليها منزلاً جميلاً. كان ذلك هو الفوز الوحيد للسودان الدوله المؤسسه للاتحاد الافريقي والمستضيفه لاكثر من بطوله.

طرباً:-
وهو يستمع لكل من الفنان كمال ترباس والمطربه قسمه في منزل السر محمد الحسن شقيق صديقه عثمان محمد الحسن في منزله بالمقرن واذكر انه علق ضاحكاً على ماجاء في اغنيه ساعي البريد شم العبير نايم عمل وكان المقصود عمل نائم وعلمت وقتها ان منصور حصل على كثير من التسجيلات النادره من الاغاني ويمتلك مكتبه مأهوله منها .
من القاءات الاخرى التي سعدت بها الى جانب منصور :-
الامبراطور هيلاسلاسي اديس ابابا فبراير 1972 عقب نجاح الاجتماع الاول لمجلس الامن الدولي في افريقيا ..
الرئيس الزائيري/ الكنغولي موبوتو ( وكنت اعرف بعض مرافقيه منذ ايام عملي في كنشاسا) في فندق ولدورف استوريا نيويورك اكتوبر 1973 . بعد ان اعلن امام الجمعية العامة للامم المتحده قطع علاقات بلاده بأسرائيل تضامناً مع مصر .

امير عباس هويدا رئيس وزراء ايران نوفمبر1973 وكان يجيد اللغة العربية بلهجة لبنانية طاغية اذكر في هذه الرحله ان سافرنا الى مدينة اصفهان حيث التقى منصور بالشاه محمد رضا بهلوي درج السيد هويدا على إهداء زواره من الوزراء وكبار القوم قطعه من السجاد الحريري الفاخر كما يرسل في عيد النيروز للسفراء المعتمدين في طهران بالكافيار الايراني ذي الجوده العالميه .

عباس علي خلعتبري وزير خارجية ايران 1974 هذا اللقاء كان بداية عملي كقائم بالاعمال للسودان في ايران التي قد بادرت بتاسيس سفارة لها في الخرطوم مطلع ذلك العام وارسلت بسفير لها اسمه دكتور علم مطلق .

كان منصور معجباً جداً بايران وتاريخها وحضارتها واندمج بشكل خاص مع السفير صلاح عثمان هاشم الذي ايضاً سحرته تلك البلاد التي ارسله اليها منصور من باريس فكان ان استمر مقيماً بها حتى بعد احالته للمعاش ولم يغادرها الا قبل اشهر قلائل من سقوط النظام الشاهنشاهي ومجيء الثورة الاسلاميه عام 1979 .بطبيعة الحال تزود منصور بدوايين شعراء ايران المشهورين كالفردوسي – والخيام – والسعدي .. وايضاً من السجاد العجمي الفاخر. وظل يتذكر فندق شاه عباس في مدينة اصفهان حيث اقمنا كواحد من اجمل الفنادق التي اقام بها في حياته .

وفي الامم المتحدة رافقت منصور للاستماع لرئيس شيلي المنتخب سلفادور اليندي الذي جاء الى نيويورك والقى كلمةً هامه قبل بداية الجمعية العامه في دورتها العاديه وكنا من جانبنا نشارك في اجتماع لمجلس الامن الدولي ، وما ان عاد الى بلاده الا وصرع على يد الدكتاتور الجديد بينوشيه وذلك في 11 سبتمر1973 كنا قد اعجبنا ايما إعجاب بالكلمة التي القاها امام العالم في نيويورك واستشهد فيها بكثير من اقوال الزعماء الامريكان منذ ابراهام لينكولن حتى جون كيندي.

بعد سنوات طوال تهيأت لي الفرصه لزيارة تلك البلاد البعيده عام 2016 فكنت استذكر من العاصمه سانتياقو دي شيلي تعليق منصور على كلمة الرئيس اليندي وعندما زرت مدينة فالبرايزو على ساحل المحيط الهادي توقفت عند منزل الشاعر الشهير بابلو نيرودا صديق الرئيس وزميله في الكفاح والذي توفى بعده باقل من اسبوعين فقد عانت تلك البلاد سنوات لتسترد الديمقراطيه وتنعم بها حتى جاءت الرئيسه ميشيل باشليه المفوض العام حالياً لمجلس حقوق الانسان ومقره جنيفا فلم يكن من المستغرب انها وقفت امام الديكتاتور السوداني عمر البشير عندما اراد في احدى اللقاءات ان يظهر معها وزعماء من امريكا اللاتينيه في صورة واحده او تناول الطعام في نفس المائده .

قبل سنوات قلائل (مطلع 2016) جاءتني دعوة من الاخ د . حسن عابدين لتكريم منصور خالد في الخرطوم لكني اعتذرت عن المشاركه وذلك قناعةً مني بأن حكومة الانقاذ كانت هي المشارك الاكبر عبر مناديبها المعلنين والمتخفيين اسوة بما حدث قبل ذلك بوقت قصير حين خططت مدينتي العزيزه الابيض تكريم ابنها البار الشاعر الدبلوماسي الاديب محمد المكي ابراهيم بحضور ومشاركة الاخ حسن عابدين نفسه وكان ان استولت حكومة احمد هارون صاحب اكسح امسح ما تجيبو حي على الاحتفال لتكسب من ورائه مكاسب سياسيه رخيصه. وكررت اعتذاري للاخ الزميل العزيز السفير مامون ابراهيم حسن الذي كان احد المنظمين للحفل.

كنت سعيداً وانا في زيارته مع الاخ عصام ابوجديرى في مستشفي ويمبلدون (قرب ملاعب التنس المشهوره ) ان انقل اليه ذلك اليوم من شهرسبتمبر2019 تعيين اول امراه سودانيه وزيرة للخارجية هي اسماء محمد عبد الله .. وانه هو اول من ارسل دبلوماسيه ( امراة) للخارج وقد كانت هي اسماء نفسها للعاصمة السويديه استكهولم عام 1973 ( مع فرانسيس دينق ومحمد المكي ابراهيم ) وقد سر وابتسم وطلب مني ان اذكره ببقية الدبلوماسيات وخاصه المطرودات من الانقاذ فلم يستغرق الامر مني اكثر من دقائق .

امنيته الاخيره
قال لي قبل عامين انه يرغب في الذهاب الى اشبيليه ( المعروفه عالمياً باسم سيفيا) ويستقر هناك بقية عمره .. فورا وعدته بالزيارة واسترجعنا في الذاكره نهر الوادي الكبيرالذي يكاد ان يطابق اسمه باللغة الاسبانيه مثيله باللغة العربية و ما قاله عنه الشاعر الاندلسي:
يقي نفحة الرمضاء عن زواره ويحنو
عليهم حنو المرضعات على الفطيم
ويصد الشمس عنهم انى واجهتهم فيحجبها ويأذن للنسيم
وما برحت حصاه تروع حاشية العذاري فتلمس جانب العقد النظيم

ذكرت لمنصور انني زرت اشبيليه عام 1967 واستعدت في ذهني اوبرا روزيني الشهيرة مزين اشبيليه بأن قصصت شعري عند احد الحلاقين . كنت فقط قد قصدت ادخال بعض البهجه عليه وهو طريح الفراش ..
يطول الحديث عن منصور وذكراه العطره نسأ ل الله له الرحمه والمغفره

 

فاروق عبد الرحمن احمد عيسى
لندن/ بريطانيا

farhmaneisa@gmail.com

 

 

آراء