قراران هامان : الغاء قانون النظام العام و تفكيك نظام التمكين

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

 

umsalsadig@gmail.com

في ساعة متأخرة من أمسية الخميس الموافق 28 نوفمبر المنصرم أصدر مجلسا السيادة والوزراء الانتقاليان بعد اجتماع مشترك دام 14 ساعة قرارين هامين : الغاء قانون النظام العام وتفكيك حزب المؤتمر الوطني أو نظام التمكين بقصد شفاء الوطن وليس تشفيا أو انتقاما مثلما أكد السيد محمد الفكي عضو مجلس السيادة.
وكان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك قد وصف القانون في تغريدة بأنه جاء "إقامةً للعدل واحتراما لكرامة الناس وصونا لمكتسباتهم، حتى يتسنى استرداد الثروات المنهوبة من خيرات الشعب".
وفي الاطار يلزمنا التأكيد على أن شعارات الثورة (حرية- سلام –وعدالة) لم يتم التعدي عليها بهذين القرارين بأي شكل مثلما رشح عن بعض احتجاجات مناصري النظام المباد بل أتاحت الخطوة المزيد من فرص تحقيق هذه الأهداف التي لا رجوع عنها ولا نكوص. إذ أن أي خطوة جادة نحو العدالة لابد أن يستبقها تفكيك لنظام التمكين الذي ما تمكن إلا على حساب بقية أهل السودان ولا يتم ذلكم التفكيك الا بحل الحزب الذي نما وترعرع تطفلا على مال الدولة وخيراتها كما ضم اليه مليشيات مسلحة تأتمر بأمره، و يعتبر حل هذا الحزب خطوة مهمة في سبيل حرمان تلك المليشيات من المدد المستمر بوسائل الاعتداء على الشعب.
اُستقبل القراران بفرحة غامرة من كل الكيانات السياسية والحركات المسلحة والثوار وعموم شعب السودان وتم التعبير عن تلك الفرحة بمواكب عفوية سيرت فور اعلان القرارات برغم الوقت المتأخر من الليل ، كما أصدرت كل القوى السياسية الحية بيانات تعبر عن سعادتها بالخطوة المنتظرة.
يصور أنصار المؤتمر الوطني والمتضررون من حله هذه القرارات والاحتفاء بها كأنما القصد منها اشاعة الفاحشة وأن الثورة قامت للتمكين من شرب الخمر وممارسة الرزيلة بدون مطاردة ..و أن الغاء قانون النظام العام وحل حزبهم هو محاربة للاسلام ..وهذا كذب على الله وعلى الناس فقانون النظام العام الذي صدر في مارس 1996 لم يكن بنصوصه الفضفاضة ممثلا لتعاليم الاسلام السمحة والسلطات التقديرية التي أعطاها لجهات لا تمتلك أدواتها حتى صدق وصفه بأنه (صياغة للمجتمع بالسوط) حيث يمكن لأي شرطي الحكم على زي بأنه فاضح مع أن الكلام عن الزي المناسب لم يرد في بنود هذا القانون! مثل هذه التطبيقات لم تكن من عدالة الاسلام كما أن تلك الجهات الشرطية التي أعطيت سلطة تفتيش أماكن بها خصوصية مثل أماكن تصفيف الشعر حيث كان يجوز مداهمتها في أي وقت ودون إذن محكمة وما في ذلك من تجسس وتحسس نهى عنه الاسلام كما لم يتم الالتزام بقيام نساء بتلك المداهمات .ونجد أن تخصيص قوات شرطية مسلحة لمتابعة الناس والتجسس عليهم في بيوتهم وأماكن عملهم وتنفيذ العقوبة عليهم في أشياء لم يحدد الاسلام لها عقوبات يشي بأن انشاء هذه الشرطة كان لأغراض أخرى غير مخالفة نصوص قانون النظام العام- مع عيوبه. وفعلا سبق لها التدخل في قضايا سياسية كما أن العقوبات المعينة للمخالفات عقوبات قاسية لا تتناسب مع الجرم المرتكب ان صح وصفه بالجرم مثلما ورد في ورقة للأستاذ جلال الدين السيد المحامي بعنوان قانون النظام العام لولاية الخرطوم.
هذا القانون يفرض وصايا على الشعب ويعامل الناس كرعايا لا كمواطنين ويتخذ للدولة دورا خارج اختصاصها ويخولها التدخل في شئون الناس الخاصة وتأديبهم بمنظورها للآداب كما يستغل اسم الاسلام لمحاربة معارضيه مشوها لديباجته وتعليماته ..
لا ينكر الا مكابر أهمية القانون لضبط وتنظيم المجتمع ضمن منظومة اجتماعية معينة ولكن ذلك شيء والتدخل في شئون الناس لتأديبهم باسم الدين شيء آخر ..
ونعلم أن الحرية لا تكون بدون سقوف وقد استفاد الغرب من تجربته بأن حد من الحريات الخاصة حرصا على المجتمع فمثلا كان التدخين في الأماكن العامة متاحا، اليوم لا يمكن التدخين بحرية في أماكن كثيرة لكن ذلك لا يواجه بشرطة مدججة بالسلاح صممت لارهاب معارضي الانقاذ أكثر منها لضبط (الأدب).
للشعب السوداني ومجتمعه قبل الانقاذ وأثنائها وحتى يوم الدين المقدرة الواعية على حماية نفسه من التشوهات بغير حاجة لأمثال قانون النظام العام المعيب في نصوصه وفي تطبيقه وفي مراميه..
أما القرار الآخر بحل حزب المؤتمر الوطني فقد وجد أيضا ترحيبا واسعا من الجميع ماعدا جهات من أنصار النظام المباد وهم يحاولون وضع اعتراضهم في قالب قانوني بأن في ذلك محاربة للاسلام –باعتبار أنهم حماته! و فيه مخالفة لقيم الثورة كما يحاولون التهديد بأن التضييق على جماعتهم سيحولهم للعنف ويفتح باب الانقلابات وفيه تجاهل لتجربة فصل الشيوعي في الستينات فيا للبؤس و قلة الحياء!
يستهدف القانون الذي قضى بحل حزب المؤتمر الوطني تفكيك مجمل البنية السياسية وشبكة علاقات القوى التي بناها نظام الإنقاذ في السودان.
وينص القانون على حل حزب المؤتمر الوطني الحاكم في عهد البشير، وحذفه من سجل التنظيمات والأحزاب السياسية في السودان، فضلا عن حل مجمل الواجهات التي كان يستخدمها والمنظمات الأخرى التابعة له أو لأي شخص أو كيان مرتبط به.
وتضمن القانون مصادرة ممتلكات وأصول الحزب لتصبح ملكيتها تابعة لحكومة السودان وفق ما تقرره لجنة خاصة في هذا الصدد. وأعطى القانون هذه اللجنة حق الملاحقة القانونية ومصادرة الممتلكات وتحديد طريقة التصرف بها.
ويسعى القانون هنا إلى إزالة ما يسميه "التمكين" خلال فترة حكم نظام الإنقاذ، الذي يعرفه بأنه "أي طريقة أو أسلوب أو عمل أو تخطيط أو اتفاق للحصول على الوظيفة العامة أو الخاصة إنفاذاً لسياسات نظام الإنقاذ سواء بالفصل من الخدمة تحت مظلة الصالح العام أو بتعيين منسوبي نظام الإنقاذ أو إحلالهم ليتولوا بأي وسيلة أو يسيطروا على الوظائف أو المصالح أو المؤسسات القائمة".
كما يقع تحت التعريف كل ما نجم عن "الحصول على أي ميزة أو إعفاء أو امتياز أو إتاحة فرص للعمل بسبب الولاء التنظيمي أو الانتماء السياسى أو القرابة بأحد رموز نظام الانقاذ أو قيادات الحزب أو الأفراد الذين نفذوا أو ساعدوا في الاستيلاء على السلطة" عام 1989.
ويتم ذلك بواسطة لجنة خاصة يسميها "لجنة تفكيك نظام الإنقاذ" يكون رئيسها من أعضاء مجلس السيادة ويكون له رئيس مناوب يختاره مجلس الوزراء من أعضائه
وتضم اللجنة في عضويتها وزير العدل ووزير الداخلية ووزير الصحة وممثلين عن جهاز المخابرات وبنك السودان، فضلا عن خمسة أعضاء يختارهم رئيس الوزراء.
والمتأمل لبنود قانون حل المؤتمر الوطني يجد فيها كل عدالة منتظرة بعد ثورة قامت ضد الظلم والمؤتمر الوطني تعبير حي عن ذلك الظلم وقد تأخر القرار المنتظر كثيرا ولكنه أخيرا أتى.
ونريد في بعض مساحة اليوم دحض الحجج التي أثارها أنصار النظام المباد بالخصوص:
أولا: إدعاء أن حل المؤتمر الوطني والغاء قانون النظام العام محاربة للاسلام كذب بيّن فالاسلام هو الأكثر تضررا من ربط اسمه بممارسات حزب المؤتمر الوطني التي شردت الناس وظلمتهم وقتلتهم ومارست تعذيبهم واغتصابهم باسم الاسلام ونهبت باسمه ، ومزقت الوطن تحت اسمه كما عمل المؤتمر الوطني على مواجهات مع المجتمع الدولي وتصنيف السودان دولة راعية للارهاب بأيوائه لارهابي الدنيا في القبل الأربع والتدخل في شئون الآخرين وما محاولة اغتيال حسني مبارك وما تبعها من سلسلة جرائم قتل ببعيدة عن الأذهان..
ثانيا: ادعاء أن في ذك انتهاك لشعارات الثورة من حرية وسلام وعدالة تناسيا للجرائم التي ارتكبها هذا الحزب المجرم في حق الشعب وأن حله من ضمن أدوات محاسبته على تلك الجرائم وهو ما يصب تماما في بند تحقيق العدالة ومن ثم السلام بابطال ما يمكن أن يصدر من المؤتمر الوطني من ارهاب يزعزع السلام مما يتيح الفرصة لنيل الحريات.
ثالثا: تشبيه حل حزبهم بحل الحزب الشيوعي افتراء اذ أن حل الحزب الشيوعي خطأ تم الاعتراف به وقد كان معاقبة لحزب كامل على خطرفات فرد وقد نفى الحزب الشيوعي أنه من عضويته ..وقراءة التاريخ تخبرنا أن المصعدين للأمر كانوا الاسلاميويين الذين يشكلون خلفية المؤتمر الوطني التاريخية..
رابعا: يقولون أن حل حزبهم سيبرر للانقلاب مثلما حدث للحزب الشيوعي مع أن حل الحزب الشيوعي لم يمنع عضويته من الاستفادة من الديمقراطية والترشح والفوز مثلما ذكر أ.فيصل بابكر في مقال له عرض فيه كتاب أ.عادل إبراهيم حمد بعنوان : ( 15 نوفمبر 65 يومٌ له ما بعدهُ في أعقاب حل الحزب الشيوعي)

(فالديموقراطية , رغم علل التطبيق , تتيح بطبيعتها – لا بكرم الحاكمين – رحابة ومخارج للمتضرر من إجراءات سلطوية متعسفة. وفي المقابل فإنَّ الدكتاتورية بطبيعتها – لا بلؤم الحكام – تضيق الخناق على كل مخالف في الرأي وبالفعل تمكن الحزب من مواصلة نشاطه والوصول للجمعية التأسيسية وهو محلول).
ثم يمضي مؤكدا جدوى الديمقراطية (ثم يتطرق الكتاب لإنقلاب 19 يوليو 1971 ويعود للتأكيد على فكرته الأساسية المتمثلة في الموقف من الديموقراطية, فبعد الفشل الذي مُنيت به حركة هاشم العطا نصبت مايو المشانق لقيادات الحزب الشيوعي, وهنا يكمن الفارق بين الحكم الدكتاتوري والآخر الديموقراطي, فعبد الخالق الذي طردته الأحزاب دون وجه حق من البرلمان وحلت حزبه, عاد ليصبح عضواً في البرلمان حتى ليلة 24 مايو 1969, مما يعني أن طبيعة النظام الديموقراطي قد وجدت له مخرجاً من قرار الحل والطرد سمح له بالحفاظ على وجوده وممارسة نشاطه السياسي, ولكن إلى أين أودى به وبحزبه الخلاف مع مايو ؟)
إذن من الأفضل للاسلامويين انتهاز الفرصة لمراجعة الذات والتراجع عن الظلم فربما وجدوا فرصة في الديمقراطية لن يحلموا بها ان هم حاولوا التغيير باليد أو أي نوع من العنف فالكل بانتظار هفواتهم للانقضاض عليهم.
وسلمتم

/////////////////

 

آراء