قمع المتظاهرين ما بين الاحتراف والارتزاق

 


 

فيصل بسمة
17 November, 2021

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

المراقب لڨيديوهات منع المظاهرات في المدن و القرى السودانية خلال كل الإنتفاضات ضد نظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و تلك التي تواصلت قبل و خلال و بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية ضد الإنقلابيين من أعضآء اللجنة الأمنية لذلك النظام (البرهان/حميدتي) و توابعهم يلاحظ إستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين من قبل أفراد القوات النظامية و المليشيات...
حرص أفراد (جنود و ضباط) القوات النظامية بمختلف مسمياتها على القمع و ممارسة الضرب و الأذى الجسيم و القتل ضد الثوار قد وَثَّقَتَهُ العديد من الفيديوهات...
هذا الحرص العظيم على إيقاع الأذى الجسيم بالمحتجين العزل يثير تسآؤلات عديدة منها:
لماذا هذا الحرص؟...
ما هي الدوافع؟...
الغالب هو أن الآمرين و المنفذين للقمع يقدمون إلى المواكب مشحونين بالغضب و ربما الحقد بحسبان أن المواكب هي تجمعات الأعدآء في ساحاتٍ للقتال!!!...
و يمكن تصنيف هؤلآء ”المحاربين“ إلى:
١- الفئة مغسولة الدماغ:
و هؤلآء هم الذين قد تم غسل أدمغتهم تماماً قبل حشوها بخطابات الكراهية الدينية ضد الملاحدة من المتظاهرين ”العلمانيين“ (أعدآء الدين) الذين يريدون (فصل الدين عن الدولة) و (تقويض شرع الله) و (نشر الفساد) و (إشاعة الفاحشة) بين المؤمنين ، و الدليل على ذلك الأحاديث المعلنة من قبل أشخاص معلومين من أمثال: المخلوع عمر البشير و نآئبه على عثمان محمد طه و محمد هارون و بقية سلم قيادات الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) ، طبعاً بالإضافة إلى أحاديث حميدتي و عبدالحي و متأسلمين آخرين ، هذا عدا التسجيلات المسربة للبصاص صلاح عبدالله (قوش) و شمس الدين كباشي و جبريل إبراهيم و آخرين...
٢- فئة المؤلفة قلوبهم:
و هي الفئة المقاتلة المتضررة من أفراد الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) المنتسبين إلى القوات النظامية المختلفة و الكتآئب و المليشيات ، و هي الفئات التي ترتبط مصالحها إرتباطاً عظيماً بالنظام ، و التي تفقد و فقدت الكثير من الإمتيازات جرآء سقوط النظام...
٣- الفئة المستفزة:
و هذه هي الفئة من العسكر الذين يقمعون و يفرضون في العنف بسبب الإستفزاز ، و يبدوا أن هذه الفئة قد ظهرت إلى الوجود خلال أحداث ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية و ذلك حسب مزاعم العديد من قادة القوات النظامية و المليشيات من أمثال البرهان و الكباشي و العطا و صلاح عبدالخالق و حميدتي الذين برروا و عزوا العنف المفرط من العسكر و النظاميين ضد الثوار إلى الإستفزاز من قبل الثوار!!! ، و هنا يتعجب المرء كيف لقوات نظامية تلتزم بالمهنية و الإحترافية أن تستجيب و تتعامل مع المواقف على مبدأ الإستفزاز و ردود الأفعال!!!...
٤- الفئة الحاقدة:
و يبدوا أن هنالك فئة من الجنود المنتمين إلى شرآئح من المجتمع تظن أنه قد وقع عليها جور و ظلم إجتماعي عظيم أوقعها في دآئرات الفقر و الحرمان و الهوان الإجتماعي ، و الإعتقاد أن هذه الفئات قد وجدت مبتغاها في الإلتحاق بالقوات النظامية التي تتيح لها إظهار السطوة و السيطرة عن طريق إستخدام القوة و العنف و السلاح تحت مظلة القانون ، و يبدوا أن هذه الفئة تجد في الإنتساب إلى القوات النظامية و في إستخدام السلاح تحت مظلة القانون حيزاً جيداً تتنفس به و تنفث من خلاله حقدها و سمومها...
٥- فئة الإرتزاق:
و هؤلآء يمارسون القتل و الإيذآء كمهنة مثل بقية المهن نظير المقابل المالي ، و هم ملزمون و ملتزمون بإجادة القمع و القتل و إلا فقدوا وظآئفهم و الإمتيازات المصاحبة ، و هنالك إعتقاد راسخ أن إحتراف مهنة القتل (الإرتزاق) شديد الجاذبية لأناس من غير الأسويآء...
٦- فئة المغامرين و المضطربين نفسياً:
تشير بعض من الدراسات و الأبحاث أن في كل إنسان صفات و معطيات تسوقه أو تجذبه إلى هذه المهنة و الهواية أو تلك ، و يبدوا أن المهن و الهوايات التي تبيح القتل و تتيح السيطرة عن طريق القوة و القمع شديدة الجاذبية لإناس يحبون المغامرة و العنف و التحكم ، و يبدوا أنها هي جد جاذبة لشريحة من الناس تعاني من الإضطرابات النفسية...
الأصل في تدريب الجنود في القوات النظامية المختلفة هو الإختلاف الذي يفرضه إختلاف الأهداف و تباين طبيعة المهام التي تنفذها تلك القوات...
يعتمد الجيش (القوات المسلحة) في تجهيز المقاتلين على التدريب على فنون القتال: أدواته و كيفيته ، و كذلك القيادة و العمل الجماعي المنظم و التجهيز و التخطيط للقتال من حيث الإستعداد البدني و الذهني ، و يشمل ذلك التدريب أساليب الدفاع و الهجوم على عدوٍ مسلحٍ و متحفزٍ للقتال ، و يعطي إكمال ذلك التدريب بنجاح الرخصة للمتدرب للعمل كمقاتل مؤهل و محترف للقتال تحت مظلة قوانين و لوآئح تضمن الإنضباط و الإنصياع للأوامر و القيادة و كذلك التقيد بقواعد و سلوكيات الإقتتال في العمليات الحربية...
أما قوات الشرطة و الأمن الداخلي و بحسبان أنها تتعامل مع المواطنين العزل فإن تدريباتها يفترض أن تكون مختلفة و تتمركز حول حفظ الأمن و الممتلكات و الأرواح و تحاشي إزهاقها ، و يفترض أيضاً أن لا تعتمد أو تتضمن التدريبات بث الروح القتالية العدآئية كما في القوات المسلحة ، بل على خلاف ذلك فإنه يجب أن تحث المتدربين على التعامل الإنساني و التفاعل الإيجابي مع المواطنين و الإرشاد ، و كذلك الإلتزام بالقانون و ضبط النفس مع الحرص الشديد على تقييد إستخدام القوة و السلاح ، و أن لا يلجأ إليهما إلا عند الضرورة القصوى...
لكن خلال فترة الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) حدث خلطٌ و إلتباسٌ عظيمان في عمليات تدريب القوات النظامية المختلفة...
و يبدوا أن الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و في سعيها الدآئب لإطالة أمد بقآءها على سدة الحكم قد خلطت الأمور و مناهج التدريب و أهداف القوات النظامية المختلفة عمداً فوجهتها جميعها نحو القمع و القتل و بث الرعب بغرض إسكات الأصوات المعارضة بالقوة الرادعة و القاتلة ، فكان أن إختلط حابل الجيش بنابل الشرطة و الأمن و المليشيات المختلفة ، و كان أن تناسلت القوات المقاتلة و تكاثرت المسميات ، فكانت قوات جهاز العمليات و كتآئب الدفاع الشعبي و الظل و الجهاد و أمن المجتمع و مليشيات مرتزقة الجنجويد (الدعم السريع) و مسميات أخرى تعلمها الجماعة...
و رغم إختلاف المسميات إلا أن كل تلك القوات قد إتفقت جميعها على الإفراط في قمع و أذى الشعوب السودانية المغلوبة على أمرها...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة
fbasama@gmail.com

 

آراء