قَلَم التاريخ وغُربال الثورة

 


 

 

منذ مارس ٢٠١٩ ونحنُ نتحدث عن منعرج اللوا وضُحا الغَدِ ولكن القوم لم يكلّفوا أنفُسَهُم أيّ مشقه للتفكير أو إعادة النظر. ظللنا نُصبح ونَضْحَا ونُمسي من غَدٍ لغَد ومن شهرٍ لشهر ومن سنةٍ لأخرى والعَوَج راي يتمسَّكُ به القوم ويجدون كامل المؤازره من البعض.

ثوره اقتلعت نظام الإنقاذ الذي ( يئسنا )جميعاً وفقدنا كل أمل في إزاحته حتى اصبحت الإزاحه حقيقةً واقِعةً. ثورَةٌ تواصلت ( حتى الآن ) بكامل عنفوانِها رغم شهدائها وجرحاها ومُعَوَّقيها فَهل تملِك ( بقايا ) قحت حَق فَرمَلَتِها وتجاهُل كياناتِها ، وَقُودِها ، والمُضي قُدُمَاً مع الأجانِب والمليشيات وبعض أهل الإنقاذ في تقريرِ مَصيرِ اُمّةٍ وتقنين الإنقلاب ومدِّهِ بالأكسجين وأدوات إنتشالِهِ هُوَ ومليشياتِهِ ومَن دارَ في فَلَكِهِ بدلاً من محاكمَتِهِم ومِن ثَمَّ تَسييدِهِم؟ يقولُ البعض الذين يؤازِرون أن ذلك تَمّ لمنع الإنزلاق وهل هنالك إنزلاقٌ أسوأُ من هكذا إتفاق؟ مَن سوفَ يُحاسَب ومَن سيُحاسِبُ مَن؟

إنقلاب يقودُهُ شخصان هُما أُس بلاء الوطن أحدُهُما تحت يديهِ مليشيا وُلِدَت وترعرعَت تحت جناح المؤتمر الوطني اخذت اسم الجيش السوداني والأخرى مثّل المؤتمر الوطني قابِلَتها وحاضنتها ؛ جُل أهلها من غير أهلنا .. نهَبوا ما شاءَ لَهُم وما زالوا ؛ والوطن وأهلهُ تَعَدُّو مرحلة الإعياء والإنهاك.

وفي حراكٍ جديد ، رُبّما يكونُ الأخير في عُمرِ الدّوله ، تأتي نفس المجموعه رغم أنفِنا والأدهى بإسمِنا لتضع ايديها في أيدي نفس اللجنه الأمنيّه بنفس اشخاصِها الذين خَوزَقونا بمساعدتِهم في وقتٍ قريبٍ سابق كان فيه وجودٍ لضامنٍ أجنبي كما الآن وعندما فشلوا أتَى لَهُم البَعض بعُذرٍ تَمَثّلَ في ( طراوَة ) العُود وقلّة الخبره وانعِدام التجربه. عُقِدَت لِتَبرِئتِهم الوِرَش على أمل أن يستمِرّوا في تَعَلُّم ( الزِيانَه ) على رؤوسِنا نحنُ اليتامى يسندهُم ( الأجانب) فما تعلموها وما تركوا رؤوسنا لِحالِ سبيلِها.

هذه المرّه أضافوا المليشيات إلى اللجنه الأمنيّه للإنقاذ وأضافوا كيانات قامَت ثورة ديسمبر ضدّها
إستصحبوها معهم لحُكمِنا ومع كُلّ ذلك لَمْسَةً خواجاتيه وإقليميّه بائنَتَين وتركونا نحنُ ولجان المقاومه وكل القوى الثوريه الحيه على الرصيف في مواجهة الموت والجراح والاعتقال وأتت تعليقاتُهُم عبر وسائط الإعلام واصِفَةً إيّانا بأنّنا ضمانهُم إن أخفَقَ مسعاهُم ونِصفَهُم الذي يَحرُس ما مضوا فيه هُم أهل السلام والسياسه فكأنما ( اتفقوا ) معنا قَبلاً باعتبارنا جزءٌ من هذه الصَّفْقَةِ المأساه التي كانوا يَتنكّبونَ دَرَجَها على استِحياءٍ في البدايه وما دَروا أن الخُطا قَد تَفارَقَت مُنذُ ليلِهِم البهيم ذاك.

شطبوا حق العوده للمفصولين من الوثيقه المعيبه في ٢٠١٩ فَجَنوا على الوَطَن .. تحاصَصوا لمصالِحِهِم وتنازلوا عن حقوقِنا وأتوا لنا بإتفاقية جوبا ومليشياتِها ، سَبَحوا عكس تيار الثوره وشعاراتِها وكرّسوا للإنقلاب والآن استصحبوا قادة اللجنه الأمنيّه وقائد الجنجويد في مشروعهم التصالحي الجديد ، كُلٌّ بِجَيْشِهِ وكامل سلطانِهِ ، للمرّةِ الثانيه ؛ عليه فلن يُعاد مفصول للخدمه ونعرف جميعاً أن القوات النظاميه مدروزه بكوادر الإنقاذ وبذا لن تطالهم أيدي التغيير ولن يُحاسب أحد ولن تطال هذه الاجهزه أية ايادي إصلاحيه حقيقيه وستبقى القوقعه مغلقه على مَن بداخِلِها وعلى رأسِها ورؤوسِهِم نَفْسَ الطاقم الذي بيدهِ السلاح الذي قتَلَ واغتصَب ومَثّل بالجثث التي ما زالَ بعضها بالمشارح تتناوشُها الفئران ودوابُ الأرض.

عارضنا لثلاثٍ وثلاثينَ عاماً. ضاعت سنوات الصبا والمُرُوّه وبرَقَ بصيصُ ضوء سرعان ما أهالَت عليه مركزية قحت والعسكر ودُوَل الإقليم أطناناً من الركام .. نفس الثالوث يتنادى الآن .. القتل والفتك والاعتقال ما زال مستمراً ؛ الاختلاف الوحيد هو إرتفاع بَعض الحناجِر بالهُتاف والأيدي بالتصفيق لأُناسٍ كُنّا نَظُنُّ فيهِم خيراً كثيراً لكن ما كلّ ما يتمنّى الوطن يُدرِكُه.. تنادَوا كأنّما استيقظوا فجأةً ودَبّجوا بيانات التأييد للحراك ( الوحيد ) على الساحه فلقد انتهى لديهم عصر اللاءات الثلاثه وهُم يسندون الآن الأيدي المُتّسِخَه المُرتَعِشَه التي تَمتَدُّ لِتُصافِح القَتَلَه. قَلَمُ التاريخ ماضٍ في تَوثيقِه وغُربال الثوره حاضرٌ ونحنُ ماضونَ في طريقِنا.. وكُلٌّ لِما خُلِقَ له

melsayigh@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء