كيف نحمي الحكم المدني من سطو العسكر؟

 


 

 

الانقلابات العسكرية، أو السطو على السلطة بقوة السلاح في أفريقيا، أكثر فتكا بحكوماتها، من فتك الملاريا بمواطنيها، وهي تمثل العقبة الكأداء في سبيل استقرار دولها سياسيا، وتحقيق النماء الاقتصادي والتنمية البشرية، ذلك أنّ البناء وتحصيل المال وتحقيق الرفاه تحتاج إلى الاستقرار والثبات التخطيطي.

هذه الظاهرة المزمنة في بلدان العالم الثالث، والتي من ضمنها بلدنا السودان، كمرض سياسي سلطوي، هي كالأمراض الوبائية الفتاكة، لم عجز العقل البشري الجمعي عن إيجاد الأدوية المنقذة للحياة منها، واختراع الأمصال واللقاحات الوقائية الفعالة ضدها. فما هي الخطوات الاجرائية الممكنة لنا كسودانيين لنا حالة خاصة، عانينا من هذه الظاهرة المفجعة حد التشبع، لمنع تكرار وقوعها، أو كيفية السيطرة عليها وترويضها، وإخمادها في فور وقوعها؟

التواثق السياسي على مناهضة الانقلابات العسكرية

تحتفظ الذاكرة السياسية، بأن القوى التنظيمية الفاعلة إبان فترة الديمقراطية الثالثة، وقعت في مدرسة المؤتمر السوداني بأمدرمان على ميثاق حماية الحكم المدني الديمقراطي، ومناهضة الانقلابات العسكرية، وكان حزب الجبهة الإسلامية القومية بزعامة د. الترابي ضمن الموقعين على ذلك الميثاق، إلاّ أنّه نقض عهده قبل أن يجف حبر التوقيع على بنود ذلكم التواثق، بانقضاض عساكره بزعامة الانقلابي البشير على الحكومة المدنية في الـ 30 من يونيو 89، وظل ذلك الغدر والنكوص على المواثيق، وصمة عار في سجل حزب الترابي وتوابعه. تلك المعاهدة لم تجدِ نفعا، إذ أنها كانت بمثابة "علوق الشدّه" حيث جاء التوقيع عليها متأخرا، وقد بدأت مجنزرات العسكر في التحرك نحن القصر.

ومع ذلك نعتقد أن مواثيق مناهضة الانقلابات العسكرية، ذات أهمية في حماية الحكم المدني الديمقراطي، رغم محدودية فاعليتها، فهي تمثل رادع أخلاقي، تلطخ صحائف التنظيمات التي تتهرب عن التوقيع عليها، أو التي لا تلتزم بها، وتحرجها أمام الناخب (إن كانت لها دم)، لذا تعتبر هي أحدى الوسائل المتاحة لحماية مسيرة الحكم المدني من السطو المسلّح.

ومتى ما طُرحت هذه المواثيق، بلا شك ستجد التنظيمات المتحفّظة، أو المرددة في التوقيع عليها، أنفسها في خانة أعداء التحول المدني الديمقراطي.

حزب ثوري جماهيري عريض

الشارع السياسي مستاء حد الحنق، وشبه يائس من الأحزاب التقليدية الموجودة حالياً في الساحة، بسبب ضلوع معظمها في سوابق حوادث سطو مسلّح على السلطة، ومشاركة معظمها أنظمة شمولية استبدادية، وليس هنالك ما يشير على توبتها توبة نصوحة من تكرار خطيئة التآمر على الحكم المدني الديمقراطي بالتواطؤ مع العسكر.

لذا نعتقد أنّ الساحة السياسية مهيأة الآن أكثر من أي وقت مضى، لميلاد حزب ثوري جماهيري عريض، قوامه شباب ثورة ديسمبر المجيدة، وكتل لجان المقاومة. مثل هذا الكيان متى ما رأي النور، بلا شك سيكون له ما بعده، ومن المتوقع أن يكون صمام أمان للدولة المدنية، المرتقبة من سطو سُرّاق السلطة، التفكير ألف مرة، قبل التحرك ليلا، لإذاعة بيانات انقلابية.

من المتوقع أن يكون هذا الكيان نقي من المخازي التاريخية المتراكمة، التي تكبل الأحزاب العقائدية والتقليدية المتكلسة، عن الحديث خطايا السطو المسلّح على السلطة بشرف وطهر سياسي.

تحريم الاحزاب وتنظيمات المجتمع المدني على معاشي العسكر

إصلاح المؤسسة العسكرية والقوات النظامية، وتنقيتها من التحّزب، وحمايتها من الاستقطاب السياسي، وتحديد مهامها دستورياً، وعدم التساهل مع المتجاوزين للمهام الدستورية لهذه القوات تحت أية ذريعة، ومنع الرتب العليا من معاشي القوات النظامية من الانتماء للتنظيمات السياسية، أو التغلغل في منظمات المجتمع المدني، لقطع الطريق أمامهم لاستغلالها في الترويج للطروحات الشمولية، أو التحالف المستتر مع العسكر، كل هذه الخطوات التشريعية قد يساهم حماية الحكم المدني من اعتداءات القوات المسلحة المتكررة، وقد شهد الشعب السوداني، كيف أن منسوبي القوات المسلحة والنظامية من المعاشيين، استطاعوا تجيير مواقف كيانات سياسية عريقة لصالح العسكر والانقلابيين، دون حياء أو وجل سياسي!

ردع المغامرين بالسطو على السلطة

سن قوانين رادعة لجرائم المشاركة في تقويض الحكم المدني، والحرص على عدم إفلات الضالعين فيها من أقصى العقوبات، وإجراء محاكمات تاريخية للانقلابات السابقة بغرض التوبيخ الأدبي عن الجرائم الانقلابية التي سقطت بالتقادم (عبود والنميري) وإدانة الانتهاكات التي لا تزال جرائمها سارية المفعول (الـبشير والبرهان).

تنقية الحكم المدني من الشوائب

تنقية الحكم المدني من شوائب الفساد، والمحسوبيات، والمماحكات السياسية، والتراخي الأمني، وتركيزه على معاش الناس، وبسط دولة القانون، وترسيخ العدالة والاجتماعية، وتوعية الشعب بسماحة الحكم المدني، وتعاسة حكم العسكر، وتشنيع الأنظمة الشمولية، حتى إن كانت مدنية، والتبشير بنعيم التبادل السلمي للسطلة.

الابتعاد عن المحاور وعن الايدلوجيا

الابتعاد عن المحاور الدولية والإقليمية، وتجنب تعليق الدولة بحبائل الايدلوجيا اللازمة للتعصب الفكري، مع تعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية الإقليمية الدائمة للحكم المدني الديمقراطي بحذر.

هذا الموضوع المهم، يجدر به ان يكون محل عصف ذهني للناشطين الجادين والسياسيين، للوصول إلى أفضل الحلول وأنجعها.

ebraheemsu@gmail.com

 

آراء