مايا خليفة .. إن الله طهرك واصطفاك على رجال العالمين

 


 

 

لم يشأ القدر لمايا خليفة أن تظهر كما تحب، إلا عند انطلاق حرب إسرائيل الاخيرة على قطاع غزة، فقد عُرِفت مايا في العالم بأنها ممثلة أفلام إباحية Pornographer، رغم أنها قد تركت تلك المهنة التي قالت أنها دخلتها على حين غفوة من أمرها لحظة عدم نضج عقلي كاف، وبموجب عقد جعلها تبدو أقرب لعمل السُخرة والعُبودية، وأنها أقرّت في أكثر من مناسبة بأنها تنوي أن تغيّر تلك الصورة المطبوعة عنها في الأذهان .. فقد عبرت عن تلك النية في اللقاء الحاشد الذي دُعيت له في جامعة أكسفورد العريقة وأكدت على عقدها النية بأنها ستعمل على ألا يقع المزيد من الفتيات ضحايا في فخ التعاقد المُجحف لهذه الصناعة، كما أكدت على ذلك بذات اللهجة الأسيفة في البرنامج الأشهر Hardtalk على قناة BBC، وعلى نسق ذات نهج الصحوة التي إنتابتها قررت أن تكون مدافعة عن حقوق النساء وأحد الداعمين لقضاياهن. بل وتم تصنيفها على أنها من الأشخاص الأكثر نفوذاً Influncers وهي ذات الصفة التي أُستضيفت بها في جامعة أكسفورد.
على كلٍ ، فقد أكدت حرب إسرائيل على قطاع غزة أكتوبر 2023م أن مايا بالفعل شخصية ذات نفوذ. فقد وقفت متضامنةً مع الشعب الفلسطيني في المحرقة التي يتعرض لها، فعبّرت عن موقفها عبر منصة التك توك tiktok والتي يتابعها فيها الملايين من المشاهدين حول العالم.
أبدت مايا خليفة قدرات مذهلة على توصيل الأفكار ووضوحها، ومعرفة معمقة بالتاريخ كونها خريجة آداب قسم التاريخ. فقد قالت بلغة إنجليزية بلكنةٍ أمريكية مبينة على المنصة:( لكل من يعتقد أن ما يحدث بسبب حماس، فإن حماس لم توجد إلا في العام 1987 أي عشرون عاما بعد قيام نظام الفصل العنصري. عشرون عاما بعد الإحتلال كأداة للمقاومة. فالإحتلال لم يحدث نتيجة لحماس.)
وقد أعملت منطق تحليل مستقيم حول هدف إسرائيل الجوهري من الحرب بالقول :(إن فكرة الإسرائيليين عن الحرب أنهم يستهدفون الأطفال، ودُور الرعاية، والمرافق العامة والمستشفيات والبنى التحتية. لا وراء الإرهاب. فكل همهم هو استئصال فلسطين وليس الإرهاب.)
وفي تسجيل آخر حللت وبذات طريقة العرض الأخاذ هدف إسرائيل من إستهداف الأطفال والمنازل بالقول:( قد يكون هنالك شخص واحد تطارده إسرائيل بوصفه ارهابيا، في منزل يقطن فيه 15 طفل و 17 مدني، هكذا هي المنازل في فلسطين تغص بجيل كامل وليس لديهم مكانا آخرا ليذهبوا إليه، فإنها لا تعبأ بأي عدد من الأطفال يُقتلون وكم من المدنيين والنساء الأبرياء والصبيان. إنهم يقتلونهم بدم بارد فهؤلاء لا يهتمون بقوانين الاشتباك، ويرتكبون جرائم ضد الإنسانية. إن فكرتهم الأساسية هي أن أي طفل فلسطيني يُقتل، ينقص في المستقبل مناضل يمكن أن يثور ضدهم).
لم يكن موقف مايا هذا مجاني فسرعان ما قامت مجلة بلاي بوي بإلغاء عقد عملها. وقد أعربت عن ذلك بلهجة تحدي مَن لا يخاف فقدان الوظيفة فقالت بشئ من تهكم و نقد للذات:( إن دعمي لفلسطين قد أفقدني فرصة عملي، لكني أكثر غضباً من نفسي، لأنني لم أفطن أنني قد إنخرطتُ في عمل مع الصهاينة.)
إذا كانت آلة الإعلام الميديائي قد إحتفظت في سماواتها المفتوحة لمايا خليفة وهي تمتهن حرفة التمثيل البرونوغرافي، عارية من كل شيء، فها هي ذات الميديا تحفظ لها بكل وقار العالم ووَفقاً لحكمة الحياة الماضية في سنن الأولين القاضية ب(كيف إنتهى المرء لا كيف بدأ).
فعندما تُنشر الصُحُف ذات يوم، وتُفرش سجلات التاريخ على بُسُط الحقيقة، ستكون تلك الكلمات التي صدعت بها في وجه أكبر آلة للقتل الحسي والمعنوي هي دثارها المقدس، وطَهْورها الأبدي في وجه عالم تعرى رجاله "الفحول" بصمت لن تستر عوراتهم طول جلابيبهم أو عبائاتهم أو سراويلهم أو بدلهم أو بناطليهم.. إذ هكذا اصطفى الله مايا وكرمها على رجال العالمين، ممن كان بوسعهم أن يقولوا لا في وجه البشاعات الإسرائيلية.
د. محمد عبد الحميد
أستاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية

 

آراء