ما بعد يوم العاصفة .. ثلاث دروس مستفادة

 


 

 

الحمد لله الذي بنعمته تمت الصالحات ومر يوم الوعد والوعيد والرهبة والترهيب، بسلام، إذ أنه لم تتحقق تلك الاهداف الرغبوية اللحظية العابرة لدعاة الاسقاط - يمينهم ويسارهم، فالتغيير المبني على الشهوات الآنية والرغبات اللحظية لا يبني وطناً، فقد صمدت شعوب البلاد ثلاثة عقود على حكم الظلاميين وحسبت للبديل القادم الف حساب، حتى اتم الله لها مرادها المقصود بأن ازال عنها غمة عصر الظلام، فجاء رسل التغيير من داخل المنظومة المتجبرة التي اقسمت على أن تسلم أمانة الحكم للنبي المبعوث هداية للعالمين آخر الزمان، عيسى بن العذراء مريم، التمرحل والتدرج من سنن التحول المنطقي للظواهر الطبيعية والانسانية، ومن يحاول القفز فوق المراحل وحرقها لا يحصد غير النتائج الشائهة، ولا يلد الا مولوداً ملازماً لمتلازمة داون، الدعوة التي أُلّب لها الرأي العام من اجل وأد جنين الثورة الأنيمي الضعيف بشهادتنا واعترافنا جميعاً، اخفقت لسبب بديهي يتمثل في حكمة المزاج الجمعي للشعوب السودانية من اقصاها الى اقصاها، هذه الشعوب التي لا تعرف التهور وإن كانت على مستوى افرادها تجد من بينها من هو اكثر حماقة من (ابو الدقيق)، لكنها عندما تضع القضايا العامة على كفتي ميزان رؤيتها، تجد نفسك مذهولاً مندهشاً لطاقة الايجاب التي تتحلى بها شعوبنا الجملية هذه.
الدرس الأول المستافد من اخماد نار فتنة الثلاثين من يونيو ينحصر في وصول الناس لخلاصة وقناعة قد رسخت رسوخ جبال التاكا على ارض الشرق، وهي أن الزوبعة التي يثيرها اعوان الظلام ومساندي المفاهيم البائدة قد هدأت وتوارت خلف اصوات الهتاف البئيس (تسقط تالت)، فلا صوت يعلو فوق اصوات المنادين بانتقاد منصة التأسيس دون الدعوة لهدم معبدها على رؤوس الجميع، من بعد انقضاء ليلة يوم الثلاثين من يونيو المنصرم تطمئنت النفوس، فتولدت قناعات جديدة بأن الوطن الذي يسعى البعض القليل لازالته لا وجود لمثل ذلك الوطن الخيالي بيننا، وان الأصوات المتبرمة لها حق التبرم والرفض والدعوة للاسقاط لكنها لا تملك حق الادعاء بأن صوتها هو الأعلى، وذلك بناءًا على ردود افعال عامة المواطنين الذين خرجوا خروجاً ايجابياً في ذلك اليوم العاصف، فتجلى لناظر كل متظاهر أن عهد بناء مساجد الضرار قد ولى الى غير رجعة، واصبح لسان حال الغالبية العظمى يقول:(لا ضرر ولا ضرار)، فالبون الشاسع بين دعاة الاصلاح والتعمير وبين المؤسسين قد وضح يوم أن عصفت العاصفة والتقى الجمعان.
الدرس الثاني المستقى من (هبوب) الثلاثين من يونيو هو العزم الجمعي على الصبر، والتفهم الكلي للاسباب الرئيسية التي ادت لتفاقم الحالة المعيشية، الأسباب التي جعلت المواطن يصل ليقين بأن منطلقها هو يوم الثلاثين من يونيو نفسه، ولكنه ليس الثلاثين من يونيو من العام الحاضر أو العام السابق، وإنّما هو يوم الثلاثين من يونيو من العام الف وتسعمائة وتسعة وثمانين، يوم الشؤم الذي نطق فيه بوم الحركة الاسلاموية الذي اعلنت فيه عن بيان انقلابها على الحكم المدني، ذلك اليوم الثلاثيني الذي أرّخ لأول حكومة تخرج البلاد من دائرة العلاقات الدولية والشراكات الاقتصادية العالمية، وهو ذات اليوم الذي وضع لبنة الدويلة الأصولية المتشددة التي أوت زعيم الارهاب الدولي أسامة بن لادن، وفتحت باب البلاد على مصراعيه لدخول المجرمين التفجيريين والتكفيريين لحضن هذه البلاد التي كانت آمنة ومطمئنة، فاذا كان للناس من عبرة يعتبرون بها فانها ليلة السطو المسلح على مؤسسات الدولة ليلاً والناس نيام، يوم الغدر الأكبر والذنب الأعظم الذي هتك اعراض حسان السودان وقذف بهن في أتون مواخير عواصم البلدان الشرق اوسطية.
الدرس الثالث المستلهم من تسونامي اليوم الخاتم لشهر يونيو تعكسه اتساع شبكية وزراء حكومة الانتقال، واتضاح الرؤية لديهم بأن لا منجا ولا مفر من الالتفاف حول المشروع الوطني الجامع الذي لا يحتوي على اجندات احزابهم التي جاءت بهم الى المواقع الوزارية، المشروع الذي لا يقصي احد ويدخل فيه جميع الممانعين افواجا، وهذا الدرس الثالث كشف حقيقة أن التخندق والعمل ضد مشروع الانتقال بتكريس السلطة الانتقالية لخدمة الاجندة الحزبية ليس هذا زمانه، وخير مثال على هذا التخندق السلبي حديث احد قادة الفصائل المسلحة المندمج حديثاً في تشكيلة مجلس الوزراء بعد نيله قطعة من كعكة حصة جوبا، عندما وعد اتباعه بأن المقصد من استوزاره هو الترتيب والتهيئة للانتخابات القادمة والتجهيز لها، دون مراعاة لشعور ومشاعر ثوار ديسمبر، ومن غير ان يكترث للهدف الأسمى الا وهو تحقيق ضرورات المرحلة الانتقالية، لذلك كان رأي الكثيرين من الناصحين أن يقود المرحلة المؤقتة مهنيون وأن لايقوم على أمرها حزبيون وحركيون مسلحون، لكنها بدعة التحاصص الجهوي والحزبي التي أتى بها الأولون.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
2 يونيو 2021

 

آراء