مثلث حمدي.. آليات تفتيت الداخل

 


 

 


انحصرت ردود الحكومة وقيادات المؤتمر الوطني حول ربيع الثورات العربية في خلاصة عالية التركيز على أن شيئاً مما جرى في تلك الدول لن يحدث في السودان!!؟، وتبرير ذلك أن حزب الحكومة المؤتمر الوطني قد اكتسح الانتخابات الاخيرة وكسبها جملة واحدة. وهنا تبرز الانتخابات كقاعدة يجرى تأسيس كل شئ عليها وبالاخص مشروع مثلث حمدي. وتبقى الملاحظة الابرز هنا أن الانتخابات ونتائجها وليس الاسلام ولا المشروع الحضاري هي الفيصل في التعاطي مع الفرقاء داخل وخارج مثلث حمدي. ورغم ذلك تبقى الاسلامية مهمة للتزيُد وردع المعارضين ولكن هذه المرة ليس على خلفية الحركة الاسلامية  التي استهلكت وإستنفذت اغراضها  وجاء وقت احالتها هي الاخرى إلى المعاش  وعلى طريقة الصالح العام الشهيرة . والآن تتم الاستعانة ب (علماء المسلمين)!!؟. من جهة أخرى تسوق الحكومة وحزبها وبإصرار الاستهداف الخارجي للسودان، بل وتمضي أكثر من ذلك متهمة القوى السياسية بأنها هي من يتبنى كل الخارج وأهدافه ملوحة بخطورة أثر ذلك على (البلاد)!!. ولكن كيف نقرأ موقف الحكومة وحزبها الجازم بعدم تأثر السودان بموجة الثورات العربية الكاسحة من جهة، والاستهداف الخارجي الساعي حسب زعمها لتفتيت البلاد؟. وكيف نقف على خلفيات ذلك الموقف وأثره على الداخل السوداني تأسيساً على  مشروع ذات الحكومة المتمثل في مثلث حمدي!!؟.
رجوعاً للثورات العربية، نلاحظ أنه وعلى سبيل المثال في مصر كما في الاخريات، الذي جرى انحصر في سقوط النظام وبقاء الدولة. وعلى خلفية مشروع مثلث حمدي يكون مغزى موقف الحكومة والمؤتمر  الوطني الواعي والنافي لتأثير الثورات العربية، أنه في السودان الذي سيجرى هو العكس، ستنهار الدولة ويبقى النظام، تلك هي الرؤية الواعية التي تصر وبتركيز عالٍ على أن ما حدث هناك لن يتكرر في السودان ، وذلك هو جوهر مشروع المثلث الشهير. حقيقتان تؤكدان تأسيس موقف الحكومة والمؤتمر الوطني من ثوارت العربية على رؤية جلية وواضحة مركزها بالتحديد هو مثلث حمدي.
الأولى بسيطة و بديهية لكنها ذات آثار خطيرة... ذلك أن الاستهداف الخارجي وفي مطلق حالاته يفرض توحيد الجبهة الداخلية وبقوة تجاه الخارج المتربص أو المعتدي. لكن الذي جرى ويجري هو استهداف قوى الداخل بل حتى مواطنيه!!؟، فالذى جرى مع الجنوبيين (كمثال) حتى دون اعتبار لمن عاش بالشمال طويلا (حتى جده الرابع مثلا)، أو الذى ولد فيه، أو الذي والده أو أمه من الجنوب وأدى لطردهم جميعاً واسقاط الجنسية عنهم، ولدّ فزع وخوف كبير لدى آخرين محسوبين على بقاع أخرى هي الآن ضمن الشمال لكنها خارج مثلث حمدي، وهذا بدوره جعل آخرين يرفعون قرون استشعارهم كونهم ظلوا ضمن مثلث حمدي ومنذ عهد المهدية أو حتى قبله، لكنهم محسوبين على مناطق خارج المثلث، فكيف سيكون مصيرهم وقد اشتعلت الحرب خارج حدود المثلث وتماماً كما رسمه حمدي. هل سيكون مصيرهم مثل مصير أهل الجنوب اذا انفصل جزء آخر من البلاد!!؟. أما على صعيد القوى السياسية فهي مكبلة بالاتهام بأنها أداة الخارج التي تهدد بتفتيت البلاد!!، وأن المطلوب منها الاذعان الأتم لمشروع المتنفذين حتى تتاح لهم مشاركة ما ضمن (الحكومة العريضة)، وحتى هذه المشاركة  يتم بدايةً تأكيد  أنها تستند على قاعدة الاذعان أولاً .فالذي يجب أن يتم ابتداءاً هو المشاركة،  ثم بعدها يتم التوافق على برامج (وطنية). لكن التعامل مع كل القوى السياسية وقوى المجتمع المدني على أنها ملفات أمنية وليست سياسية توضح أن متنفذي الانقاذ هم من يريد توظيف القوى السياسية  بل حتى التلويح بالخارج والاستهداف الخارجي لتفتيت البلاد وصولاً لمشروع المثلث الشهير. أضف لذلك أن كل تجارب الاتفاقات انتهت إلى  خلاصة واحدة :.. أنت مقبول اذا بقيت تابعاً ومذعن للمؤتمر الوطني وحكومته، أو أنت لن تكون مرفوضاً بل مستهدفاً ولو عبر تفتيت الحزب واستمرار زيارة كادر حزبك للمعتقلات بدعاوى كثيرة منها التعاون مع الخارج. وربما تنسب إلى دولة أجنبية كما هو الحال الآن مع أهل جنوب كردفان والنيل الازرق ولن يكون مسعفاً أو ذو معنى أن هذه المناطق تابعة للشمال، كون طريقة التعامل تجاهها لا تشمل أهلها على الأقل. كما أن اعتبار أنها شمالية وفقاً لاتفاق السلام الشامل، لايشمل مواطنيها وفقاً لأهل مشروع مثلث حمدي.
أما الثانية فأساسية، كونها تضعك أمام منهج متنفذي الانقاذ الذي أصبح راسخاً بل هو القاعدة التي تؤسس قواعد السلوك والتعامل والتفكير عندهم!!؟. هنا يمكن التعامل مع مشروع مثلث حمدي باعتباره (مذكرة عشرة) جديدة!!؟. فإذا كانت مذكرة العشرة الشهيرة قد ضحت بالتنظيم (الحركة الاسلامية) لصالح متنفذين، كونها جيّرت كل تاريخ الحركة الاسلامية لصالح مشروع احتكار السلطة وضمان استمرار البقاء فيها، ولتبلغ ذلك كان من المهم انهاء وجود الحركة الاسلامية ذاته. فإن مثلث حمدي يضحى الآن بكل البلاد لصالح ذات المتنفذين. مثلث حمدي إذا هو إعادة انتاج لذات نهج التفكير والسلوك الذي يستوجب وفي سبيل الحفاظ على السلطة وضمان استمرارية البقاء فيها تكسير وتشطير البلاد ذاتها اذا تطلب الامر ذلك.
هكذا دائماً هي المشاريع (الشخصية) تكون محدودة الاغراض، شديدة الارتباط بالاشخاص الذين هم خلفها، وتمضي مكبة على وجهها ولا ترغب في رؤية ما هو سوي على صراط مستقيم. كما أنها عالية التكلفة شديدة الدمار، وتندرج ضمن الفتنة التي لا ينحصر أثرها على الذين ظلموا منكم خاصة. وذلك ما يفسر ضيقها حتى بالقوانين التي وضعتها واجازتها لتكون حكماً بين الناس، حيث يتم التعامل مع المنافسين السياسيين كأعداء وغرباء مما يستوجب عدم اخضاعهم للقوانين المعمول بها، بل يتم التعامل معهم وفقاً (لحالة طوارئ) غير معلنة تطلق يد المتنفذين لإعمال مايشاوؤن فيهم. ويصدق كل ذلك على متنفذي الانقاذ بل هم ممن قال الله تعالى فيهم { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ * وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ }.
هذا يفسر ولحد كبير استدعاء الخارج في مواجهة الشعب ومواطني الدولة من جهة، وتجاه الاحزاب والقوى السياسية والمدنية من جهة أخرى. فإتجاه الشعب والمواطنيين وكما هو الحال هذه الايام ومع استعار أوار الحرب في كل من جنوب كردفان والنيل الازرق ، يتم توظيف الخارج كبعبع رهيب يقف خلف الباب تماماً، مما يستوجب منع جماهير الشعب من أي تحرك تجاه تفاعلات الاحداث رغم  أن قضايا وحاجات المواطنيين لا علاقة مباشرة لها بما يدور من حرب، رغم عظم أثرها المباشر على معيشته والمتوغل في حاجاته اليومية البسيطة (الماء ، الكهرباء ، الاسعار، ..وحتى تصل إلى صراع  الدخل –الجبايات الجزافية). ومن جهة أخرى لمحاصرة القوى السياسية حزبية كانت أو مدنية. اذ توفر حرب الاطراف التبرير الذي المطلوب لكل ما يفعلة المتنفذين بهذه القوى، بما في ذلك جرها للسجون ولفترات طويلة حيث لا إلتزام بأي قانون سوى ما يراه ويريده المتنفذين تجاه تلك القوى. انها حالة طوارئ لا تريد الاعلان عن نفسها، وفي ذات الوقت تدك ضوابط القانون الساري. ولكن ورغم كل ذلك يبقى كل ما أوردناه يمثل استثناء رجوعاً للقاعدة الأم التي يتعامل وفقاً لها متنفذي الانقاذ والتي هي من أبرز سمات المشروعات الفردانية أو الشخصية. ذلك أن الأساس هو إلغاء القوى السياسية تماماً واستدعاء وإعمال كل الأدوات المطلوبة لبلوغ ذلك الهدف، والتعامل مع القوى السياسية بالاساس على أنها ملف أمنى أحد أبرز الآليات التي توضح ذلك. فكل ما يأتي أو كان مصدره حزب أو مجموعة أحزاب فهو خطر حتمي على مشروع متنفذي الانقاذ. فتصيرح قطبي المهدي الخميس الماضي (راجع صف الخميس 6 اكتوبر بهذا الخصوص) والذي جاء فيه وبالنص "...على الأحزاب أن تحدد موقفها بدقة، إما مع الانقاذ وحكومة المؤتمر الوطني و إما مع أمريكا واسرائيل". توضح وبقوة مدى استعدادات الحكومة لإلغاء الاحزاب رسمياً، اذ أنها ملغية عملياً. يأتي ذلك على الرغم مما كشفته وثائق ويكيليكس من (تأكيدها) سعى الحكومة والمؤتمر الوطني للتطبيع مع اسرائيل. فإلغاء الاحزاب يستند في حقيقته على أنه ليس بالساحة سوى المؤتمر الوطني ، وهذا ما تؤكده نتيجة الانتخابات الاخيرة كما يريدها المؤتمر الوطني وليس كما هي حقيقة نتيجة تلك الانتخابات. لتبقى الانتخابات هي القاعدة الاقوى لتأسيس المواقف بلا مراعاة أو تحسب لتداعياتها طالما خالفت اهداف وأهواء المتنفذين.
بالمقابل ليس هناك شعب هو شعب (جمهورية السودان)،فالطريقة التي تمت وجرت بها الانتخابات، توضح أن الشعب هو المؤتمر الوطني أو بعبارة أدق (من هو مؤتمر الوطني)، وحديث قطبي المهدي  ممتلئ  حتى الثمالة بهذه الخلاصة . وبالتالي الجنسية ستكون هي الانتماء للمؤتمر الوطني وليس للوطن. فلا أمان حتى لأهل المثلث كونهم وإن كانوا مصنفين سكان أصلين ضمن المثلث إلا أنهم أجانب (أمريكان أو اسرائيليين) اذا لم يوالوا وينضموا أو على الاقل يجاروا المؤتمر الوطني، فإنهم اجانب لا يعترف لهم بحق من الحقوق وربما حتى (حقنة كمال عبيد) كثيرة عليهم.
النهايات هنا واضحة: ليس المطلوب أن تكون هناك دولة، ولا أحزاب، ولا حتى شعب. فقط متنفذين هم (الملاك) الذين يحددون كل شئ من هو المواطن، وما هو الحزب، وما هي الدولة وحدودها.
وبعد يبدو الآن واضحاً تماماً الفكرة والمنهج الذي يقود الخلاصة عالية التركز القائلة بأن ما حدث لدول الربيع العربي لن يحدث في السودان. بل وقدم قواعد وأدوات وحتى طرق التفكير التي تصب وبقوة نحو قلب مآلات الربيع العربي. ففي السودان الذي سيحدث هو – انهيار الدولة وبقاء النظام – ذلك هو مركز تخطيط متنفذي الانقاذ وذلك هو مسعاهم الواعي.
وأخيرا تصبحون على وطن. ونواصل تشخيص عامل الاستهداف الخارجي في مقال قادم.
Abuzar Abuzar ali [abuzzzzar@yahoo.com]

 

آراء