ود لبات يكشف الأساليب التي استخدمها والمواقف التي اتخذها (2): كيف تم التآمر على قرار الاتحاد الأفريقي برفض الانقلاب؟ 

 


 

 

أوضحت في المقال الأول الكيفية التي الحق بها ود لبات بلجنة الأمم المتحدة لدعم التحول الديمقراطي في بلادنا. وذكرت ان فشل المكون العسكري في إيقاف حضور البعثة الأممية، ثم شيطنتها، بعد حضورها، جعله يفكر في احضار الاتحاد الافريقي (ود لبات). تم ذلك للخدمات الجليلة التي قدمها ود لبات للمكون العسكري في السابق، مما يجعله أداة مهمة في افشال أي جهد لإنجاز التحول الديمقراطي وإلغاء كافة قرارات الانقلاب. وقد أكد بيان المكتب الموحد للأطباء، الذي صدر قبل ايام، بعد اجتماعه مع الآلية الثلاثية، عن التغير الكبير الذي أصاب لهجة الآلية الثلاثية، بعد إضافة الاتحاد الأفريقي. اليوم أواصل لعرض بعض الأساليب الذي استخدمها ود لبات ورئيسه موسي فكي، نقلا عن كتابه: (السودان على طريق المصالحة). ولمن لا يعرف موسي فكي، فهو أحد الذين كرروا الإشادة بالبشير، في محاولة لان يدعم السودان طموحه لان يكون رئيسا على بلده تشاد.

ذكر الكاتب ان وفدهم (هو وموسى فكي محمد " الرئيس الحالي لمفوضية الاتحاد الأفريقي") وصل الى الخرطوم بعد عشرة أيام من إزاحة البشير، وبذلك هو أول وفد دولي يطأ ارض السودان. ومن الطبيعي ان تتوافد القوى السياسية والمجتمعية لمقابلة الوفد الزائر، خاصة بعد قرار الاتحاد الافريقي الرافض للانقلاب وان يسلم السلطة للمدنيين خلال اسبوعين. الأمر الذي أعطي الوفد الزائر ميزة إيجابية. وقد وصف الكاتب تلك الوفود في صفحة 23 ما يلي:

" على مدى يومين، التقى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بمجاميع من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين. لم يكن بالإمكان التمييز، فيما عدا المجلس العسكري، بين المقربين من النظام السابق، والذين سبق لهم التحالف معه في وقت من الأوقات، وبين القوى التي اسقطت النظام والمنضوية في إطار اعلان قوى الحرية والتغيير، كما يتعذر التمييز بين تجمع المهنيين الذي كان رأس الحربة في الحراك الشعبي بين وفود الإعلان المذكور، وممثلي القوى السياسية ووفود المجتمع المدني."

ورغم تكرار المؤلف للقول " لم يكن بالإمكان" و " كما يتعذر التمييز"، الا ان التعامل كان مثيرا للاهتمام. الآن انظر ماذا كتب ود لبات عن تعاملهما (هو وفكي موسي) مع بعض الوفود، ورغم انه لم يسمي تلك الوفود غير المرغوب فيها، لكننا من سياق بقية الفصول سنعرف، لاحقا، من هي، جاء في صفحة 24، وهي من الصفحات الأولي في الفصل الثاني المعنون " سياق المصالحة ":

" كان يستعين بلغة الجسد، أي ببعض الإشارات والرموز الخفية التي كنا نتواصل بها في الغالب، ولا سيما عند حضور من لا نريد، أن يطلعوا على الخفايا العميقة لطلاسمنا المستورة"

هل يتبادر للذهن أساليب عمل المافيا، وكيف يستعمل رؤساء اسرها، مع بعضهم البعض، أساليب الرموز والاشارات الخفية! وهل يليق ذلك بوفد يمثل القارة وجاء بعد ثورة عظيمة لمقابلة قادة الشعب السوداني، وخلال اول يومين لزيارته.

بدأت قوى التآمر الإقليمي، فور إزاحة البشير، تتحرك بسرعة. قرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبعجلة ليست من صفاته، عقد اجتماع طارئ وفوري لمناقشة أزمتي السودان وليبيا. وهكذا قرر الوفد الأفريقي مغادرة الخرطوم الي القاهرة، بعد يومين من وصوله السودان، ليشارك في اجتماع يسمي ثورة ديسمبر العظيمة بالأزمة السودانية. وفي القاهرة تمت احاكة تفاصيل خطة التآمر على الثورة السودانية.

أختصر ود لبات ما تم في القاهرة بطريقة مقصودة. لكن الكاتب ذكر الآتي عن مشاركة امرأة سودانية في المناقشات:

" الهام إبراهيم التي تمثل بلادها في جميع المحافل الدولية عندما تدرج في جدول اعمالها المسألة السودانية. وكنا قد التقيناها قبل ذلك بثمان وأربعين ساعة في الخرطوم مع مدير الشؤون السياسية للمجلس العسكري الانتقالي، الذي تم استبداله بعد ذلك بسبب ما اشيع عن صلات له بالإخوان المسلمين." ص26

والغريب انه لم يذكر أي صفة رسمية أو غير رسمية تسمح لهذه السيدة بتمثيل السودان. بل شاركت، باسم السودان، في اجتماع القاهرة الذي سيؤثر على مستقبل الثورة السودانية.

رغم تجاهل الكاتب لتفاصيل ما دار في اجتماع القاهرة. الا ان المثير للاهتمام ما كتبه ود لبات بطريقته الملتوية عن موقف عمر جيلي رئيس جيبوتي:

" لم يذكر أحد في الاجتماع اسم البشير ما عدا عمر جيلي رئيس جيبوتي إذ تساءل أثناء الاجتماع عما إذا كان بالإمكان الاطلاع على ظروف اعتقال عمر البشير، وعن حظوظه في الاستفادة من معاملة تليق برئيس تم الانقلاب علية بصورة غير شرعية، على حد قوله. دون الحكم على وجاهة تدخله أو عدم ذلك، فقد اعجبتني شجاعته في الادلاء برأيه." ص 26

ويمضي المسلسل التآمري بقيادة الرئيس المصري لتشارك الهام إبراهيم، وتعرض وجهة نظر الشعب السوداني في مناقشة ما سميت " بلا خجل" بالأزمة السودانية:

" بعد مناقشات شاركت فيها ممثلة السودان قبل ان يطلب منها مغادرة القاعة للسماح بإثارة وضعية بلدها بحرية. اقترح الاجتماع التمديد الي ثلاثة أشهر للمهلة الأصلية بمقدار خمسة عشرة يوما التي منحها مجلس السلم والأمن بالاتحاد الافريقي للسلطات العسكرية من أجل إعادة الحكم للمدنيين. " ص 27.

اليس مثيرا للغضب ان كتاب عن سودان ما بعد ثورة ديسمبر، ومن الشخص الذي كلف بمتابعة وتنفيذ قرارات الاتحاد الأفريقي حول السودان، لا يذكر لماذا تم تمديد المدة الي ثلاثة أشهر. وكان من الطبيعي والمنطقي ان يذكر حيثيات القرار، ومخلص النقاش الذي دار حوله. ولكن كل الدلائل تشير الي ان حجب تلك المعلومات كان مقصودا، رغم ان الكتاب حوى الكثير من التفاصيل المملة التي لا تتعلق بموضوعه الأساسي.

رجع الوفد الي اثيوبيا، يوم 25 أبريل، بعد قرار تمديد المهلة، حينها قرر فكي موسي ان يتفرغ ود لبات للمهمة. لكن ود لبات، لما كان يخطط له، تدخل في قرار تعيينه، حيث كتب:

" اضطررت لان اقترح على مدير ديوان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي ألا يسميني مسهلا أو وسيطا. شددت على ان المسهل والوسيط ينبغي ان يختاره الأطراف أو على الأقل يقترحوه، ففعاليته وسلطته ومصداقيته مرهونة كلها بذلك. لذا طلبت من السيد وان القاسم ان يقتصر عنوان مهمتي على وظيفتي كمستشار استراتيجي ورئيس فريق الاتحاد الافريقي المكلف بتنفيذ القرار الصادر من مجلس السلم والامن. " ص 27

وسنرى في الفصول والصفحات القادمة كيف نفذ ود لبات قرار الاتحاد الأفريقي بتسليم السلطة للمدنيين.


siddigelzailaee@gmail.com

 

آراء