وكيف لا أبكي في عمتي ست الجيل بنات الماحي الأربع

 


 

 

 

لا حول ولا قوة إلّا بالله.

إنا لله وإنا إليه راجعون.
غيب الموت صباح أمس الأحد 22 ديسمبر الجاري عمتي ست الجيل، أصغر شقيقات والدي.
ربنا يرحم العَمّة الرؤوفة الحَنونة ست الجيل بِت الماحي وبِت بُرّا بِت مكي ويغفر لها ويتقبلها قبولاً حسناً مع أخواتها وإخوانها ووالديها في جناته مع الصديقين والشهداء.
كانت العَمّة ست الجيل، عميدة آل الماحي، توَزِّع حنانها وعطفها وحُبها على الجميع.
كان حُضْنها يَضُمّك فتشعر فيه بالحماية والحراسة الإلهية.
كانت لحظة تقبيلها لك أجمل وأعذب اللحظات، فهي تقبِلَك بفمها وبأنفها وكأنها تبحث فيك عن رائحة شقيقها، وكنت أتذوق حميمية اللقاء بالعَمّة. كانت تدغدغ مشاعري بحُبٍ تتعمق معانيه مع كلِ لقاء، فأحِس بحُبِ جامع منها لوالديَّ يشملني ومني لها يشملهما أكثر عمقاً. كنت أحِس في حضنها روح جدتي وجدي وعماتي وأعمامي. كان عطرهم فيها وكأنها تتعمد خلط عطرك معهم بحنانها وشوقها الدفاق لتمشي به لآخرين.
كانت كلما طَلَّت دَاخِلَة، أو جئت قادماً ودخلت عليها، تجدها واقفة فارهة لتضمك في حُضْنِها. كنت لحظتها اجمع كل مشاعري وأحاسيسي لأعيش سيرة آل الماحي مكتملة فيها.
كان يتجمع فيها عطف حواء للقريبِ والبعيدِ، وصبر عائشة على الشدائدِ، وحُب نفيسة لكل الناسِ. كانت فيها ملامح أحمد، وتَحْمِل من بابكر صِدْق عشرته للناس وحديثه الطيب، ومحجوب وميرغني كانا يسكنان في أعماقها لُطْفا وعطاء وجِديّة، فتنتج عن كل ذلك حِزْمَة مكتملة كقمر اربعتاشر هي عنوانٌ لعَمّتي ست الجيل تمشي به بين الناس ببساطتها وهمس خطوتها.
أيْنَما انْتَقَلَت ست الجيل، تتمثّل فيها أشواق بنات الماحي الأربع لكل افراد العائلة بل كل معارف الاسرة، وتتجسد فيها مشاعر ومودة أولاد الماحي الأربعة أيضاً لكل من تعرفوا عليهم، زملاء عمل أو رفقة حياة في العلاقات الاجتماعية الواسعة.. كانت هِنَّ الأربع وهُمَّ الأربعة في مشيتها وجلوسها وسفرها وإقامتها وبالاخص في توزيع امنياتها ودعائها للجميع. كانت عبارات يا "يابا" ويا "ود أمي" ويا "عشاي" ويا "جناي" لا تفارق لسانها أبداً.
كنت أجد فيها مرجعية لِما كنت أضعه في مخيلتي عن زوجها عبد الرحيم عبد الرحمن باعتباره رجل المستحيلات وقاهر الصِعاب. كان عبد الرحيم مثلها فارِه الطول، عكسها جاد القَسَمات، فيما لا يفارقها المرح والبسمة البيضاء الحلوة علامة لوجهها مع شلوخها، لذا كنت أرى أنه يَسْتَمِد منها الصُمود والقُدْرَة على اقتحام الجديد. كان عبد الرحيم مزارعاً وصاحب تجارة مُتَنَقِلَة، مثل عمي أحمد الماحي، فكنت أجد فيهما حِكْمَة مُمَيّزة عن تلك التي أجدها في موظفي الخدمة المدنية بابكر ومحجوب، وميرغني المُعَلِم، أستاذ الأجيال، أمَدّ الله في عُمْره.
كنت أسْعَد أيّما سعادة حينما أراقب عن كثب جلوس عمتي ست الجيل بجانب والدتي سِتّنا بت النور التي صارت شقيقة لبنات الماحي في وُدٍ وتقديرٍ متبادل لا نظير له، فتَنْتَقِل من اختها سِتّنا لشقيقها محجوب، وعندها تحيط بالمكان رحمة ومودة أكْرَم بها الرَب بنات الماحي الأربع يوزعَنَّها بأريحية خاصة بهن، تَمَيّزْن بها.
وإذا صادف أن جلسْت أنت بقربهما أو وجَدَتَك ست الجيل مستلقياً في أي دار من ديار آل الماحي التي يَغْمُرها التراحم والتواصل الأسري والإنساني والاجتماعي مع الأرحام والأنساب والأصدقاء والأصحاب والجيران، تَنْقُل لك ست الجيل كما أخواتها ذات الدفء الذي يَبْعَثَنّه من أياديهن لأطرافك، فتضع فيك طاقة إيجابية وتسحب منك أي طاقة سلبية أتيت بها من خارج تلك الديار.
كان بنات الماحي الأربع يَصْنَعْن الدِفء الأسري وتَشِع مِنْهِنّ طاقة إيجابية. كُنّ في تواصلهن يقَدِمْن حلولاً لأية مشكلة وهي صغيرة ولا يتركنّها تكْبَر، ويحملن معهن من أشقائهن أولاد الماحي الأربعة حلولاً لِما استعصى. كُنّ يُسْراً، وكُنّ يَزِلْن العُسْر أيْنَما حَلَلْن. طلاوة حديثهن وقناعتهن كانت كنزاً يبعث الطمأنينة، فتتفكك المُعْضِلَة.
بموتِك عمتي الجميلة ست الجيل تَجَدّد حُزْني على شقيقاتِك بنات الماحي وعلى شقيقتهن أمُي سِتَّنا بت ليبة بت نقد، وأبْكي اليوم لفراقكنّ واشقائكنّ وحيداً في غربتي، عَظّم الله اجرنا في فقدِك، وجعل خيرك يمشي في ذريتك وفينا اجمعين.
اللهم يا ذو الجلال والإكرام أكْرِمنا برحمة وصبر من عِنْدَك على فَقْدنا الجَلل، ومتع عمنا العزيز ميرغني الماحي بالصحة والعافية.

isammahgoub@gmail.com
////////////////////

 

آراء