ولكنهم يعادون الثقافة

 


 

 

(كلام عابر)

قبل بضعة أيام وضع السيد السموأل خلف الله  وزير الثقافة الإتحادي بالاشتراك مع السيد كرم الله عباس والي القضارف ، وضعا معا حجر الأساس أو افتتحا ما سمي ببيت الثقافة في القضارف في أحد المنازل الحكومية التي لم يطلها بعد سيف الإزالة أو البيع مثلما حدث لغيرها. بيت للثقافة  في لقضارف (حتة واحدة) شيء جميل وخطوة كبيرة للأمام في تثقيف المدينة وأهلها حتى لو جاء ذلك عبر منظمة  حكومية أو شبه حكومية اسمها شباب البلد تتكفل  الحكومة  بالصرف على نشاطها، وكل ذلك لا غبار عليه طالما كانت الحكمة هي ضالة المؤمن ، يأخذها في أي وعاء جاءت، دون أن يدقق  كثيرا في ذلك الوعاء.
قبل بيت الثقافة، لا بد في البداية من  اطلاق سراح البنى الثقافية القائمة في المدينة  من قبل والسماح لها بممارسة نشاطها المرخص من الحكومة ويأتي على رأسها منتدى شروق الثقافي لأن ما يمارس حاليا  ضد هذا المنتدى وأعضائه بطريقة ممنهجة أمر معيب للولاية وللوالي ولمسئولي الولاية ولأهل الولاية ولفرع جهاز الأمن وللسموأل خلف الله، معيب للجميع. لا بد من كف الأذى عن منتدى شروق الثقافي أولا ثم  الإحتفاء بهذا المولود الجديد .. بيت الثقافة وشباب البلد. أما إذا تبين ، ولو بعد حين، أن  شباب البلد و بيت الثقافة هما امتداد لنفس ثقافة رفض الآخر والتفرد بامتلاك الصواب تحت ستار الثقافة ،واحتكار والهيمنة  على كل نشاط ثقافي  فمصيرهما سيكون لا شك  نفس مصير عناصر المشروع الحضاري وما أسموه يومها بإعادة صياغة الإنسان السوداني والتي تهاوت عنصرا إثر آخر في الجرف الهاري، فالثقافة والإبداع أكبر من أن تستوعبهما المواعين والقوالب مسبقة الصنع .والتجارب في العالم القريب والبعيد تحكي عن فشل محاولات  السلطة لتدجين واستيعاب المثقفين والمبدعين، فالكلمة والإبداع أوسع من أفق السلطان مهما أوتي السلطان من منعة في الأرض، والوطن يتسع للجميع،أو هكذا يجب أن نتعلم من أخطائنا.
لنبدأ بالمعلوم وننتقل للمجهول ، كما قال ذات مرة الرئيس الكيني السابق دانيال أراب موي، ليكن أول فعل ثقافي يقوم به السموأل خلف الله وكرم الله عباس في القضارف هو التصالح مع الثقافة ومعالجة محنة منتدى شروق المعيبة بما يكفل وفي إطار غلبة العقل وسيادة القانون،فالمسألة تحتاج لشيء من الحكمة الغائبة،  وليعد  منتدى شروق كما كان كيانا  أصيلا وفاعلا ورائدا في كل مشروع ابداعي في المدينة يحكم عليه المجتمع قدر عطائه، فالإبداع هبة من الخالق الوهاب وفعل انساني  لا تصنعه دنانير الحاكم ولا يمنعه غيهبانه. قيام فرع لهذه المنظمة التي ترعاها الحكومة  في القضارف وتخصيص دار حكومية لها وفي نفس الوقت قيام  ذات الحكومة ممثلة في فرع جهاز الأمن في القضارف بملاحقة منتدى شروق وطرده من داره التي استأجرها أعضاؤه مشاركة مع فعاليات أخرى وينفقون عليها  من تبرعاتهم واشتراكاتهم ولم تهبها لهم الحكومة، ومصادرة حقهم في التفكير، يشكل سقوطا أخلاقيا شنيعا وتناقضا مزريا. السموأل خلف الله وزير الثقافة  يدشن مشروعا ثقافيا  في القضارف ،  وفرع جهاز الأمن يلاحق ويصادر نفس النشاط الثقافي  في نفس المدينة التي أصبحت تعيش حالة حرب ضد الثقافة. ما من ماشطة في الدنيا تستطيع تجميل هذا الفعل.
وفي جميع الأحوال ، ولأن الحكمة تظل في جميع الأزمنة ضالة المؤمن، نتمنى لمشروع بيت الثقافة النجاح والاستمرارية لا سيما وأن القائمين على امره أناس فوق الشبهات، ونتمنى كذلك الا تحدث مسئولا نفسه الأمارة بالسوء في يوم من الايام  ليحول بيت الثقافة إلى ثلاجة موز  أو إلى مسخ  استثماري آخر مجهول الهوية خبيث الطوية،  مثلما حدث لمشروع المسرح المدرسي.
(عبدالله علقم)
Khamma46@yahoo.com

 

آراء