ومتى خَلَتِ البلادُ يوماً من الدواعش؟

 


 

 

في صبيحة يوم الجمعة الموافق 10 فبراير 2018
أماطت الأقدارُ اللثامَ عن طريق الصدفة، عن وجود أسلحة ( هامله) و كتائب مسلحة بكامل عدتها وعتادها داخل العاصمة السودانية الخرطوم..من خلال مشاجرةٍ جرت بحي كافوري بالخرطوم بحري، بين مواطن سوداني وآخر سوري، حيث تطورت إلى مرحلة تدخل أفراد مناصرون لكلا الطرفين ، وسرعان ما اضطر المتشاجرون السوريون للهرع إلى شقق سكنهم المجاورة، ليعودوا بعد هنيهة مدججين بأسلحة متطورة، أعجزت الخصوم السودانيين عن مواجهتها، فأطلقوا السوق للرياح وولّوُا الأدبار بعد إصابة أحدهم بطلقة نارية.. ليتضح لاحقا أن تلك الأسلحة مصرحة من قبل السلطات الرسمية.
وهي ما أثارت غباراً كثيفاً من التكهنات حول إمكانية أن ثمة قوات جلبتها الحكومة السابقة، من دول بعينها، للوقوف معها عندما يستحكم عليها الخناق ، مقابل توفير شقق سكنية مريحة، وأشياء أخرى لا يجوز البوح بها..
* لا تنتطح عنزتان حول حقيقة أن السودان ومنذ بداية عهد النظام السابق وحتى نهايته، بات قِبلة وملجأً آمناً لمعظم الجماعات الإرهابية، بمختلف مشاربهم ومآربهم.
ولم تقتصر الحكومة السابقة على توفير الحماية لهم وتمويلهم من حُرّ مال الشعب السوداني فسحب؛ بل أكرمت الأجانب منهم بمستندات وأوراق ثبوتية يجوبون بها بلاد الله الواسعة.
ولقد رأينا بشوارع الخرطوم أخطر قادة التنظيمات الإرهابية، كزعيم تنظيم القاعدة الأسبق "أسامة بن لادن" الذي ما فتئ البعض ممن كانوا أمناء لمشاريعه الاستثمارية يرفلون في نعيم بقايا أمواله حتى هذه اللّحظة.
وشاهدنا الشيخ محمد على الجزولي يصرح من أعلى منبره في المنشية، وعلى الصحف والقنوات الفضائية الرسمية، بموالاته ومبايعته ومناصرته لتنظيم "داعش" الإرهابي، دون أن يتدخل في شؤونه أحد.
ورأينا جامعات عريقة باتت وكراً لتجنيد واستقطاب الطلاب والطالبات للسفر والمشاركة في القتال في صفوف داعش في تركيا وسوريا وليبيا والعراق وغيرها... بمباركة رسمية من أعلى هرم السلطة.
وما كنا ندهش حين نلمح سيارة قائد جماعة أنصار الدعوة والجهاد المالية، وجيش الرب اليوغندية ، والجماعات الجهادية الليبية، وجماعة الإخوان المسلمين الملاحقين من قبل السلطات المصرية والسعودية والامارتية، وجماعة بوكو حرام النيجرية، وحركة الشباب المجاهدين الصومالية، والصروريين، وقادة معارضة إريتريا وأفريقيا الوسطي وجنوب السودان، إضافة الى حركة “إسكود” التشادية التي استوعبتها مؤخراً في حرس الحدود ولاحقاً في الدعم السريع ، وغيرهم ممن كانوا (يقدلون) بأفخم السيارات المظللة في شوارع الخرطوم وعواصم الولايات بلا رقيب ولا عتيد...
ولم نسمع بعد سقوط النظام السابق أن قامت السلطات الجديدة بطرد أؤلئك الجيوش الجرارة من الأجانب .
*لكن، ظاهرة تسارع الأحداث التي أتت متواترة منذ مطلع سبتمبر الحالي وحتى صبيحة الثلاثاء الثامن والعشرين منه، يوحي بأن سيناريو محكم يجري تنفيذه بعقل ماكر خبيث..
إذ أن أية قراءة متأنية لما يحدث الآن في البلاد؛ ستخلص بنا إلى أن هناك أيادي تمسك بخيوط قضية شرق السودان وتحركها باحترافية كبيرة من على البعد.
وذات الأيادي تمسك بخيوط مسرحية ما سُمي بالانقلاب في صباح الثلاثاء الموافق الحادي والعشرين من سبتمبر الجاري. ونفس الأيادي هي التي سعت إلى افتعال تظاهرات وهمية بموقف "جاكسون" في وسط الخرطوم وحرق "مدرعة" تابعة لشرطة مكافحة الشغب الاسبوع الماضي لتأجيج الوضع.
وبقراءة متفحصة أخرى لما يجري الآن بين شركاء الحكومة الانتقالية، ستتعرى لنا حقيقة واحدة لا ثاني لها...
وهي أن الجانب العسكري ومع نهاية فترته في رئاسة المجلس السيادي بالحكومة الانتقالية التي ستوكل إلى المدنيين في نوفمبر القادم؛ يحاول بكل ذكاء أن يكسب الأسرة الدولية، كونها المهدد الأول لأية أطماع تتضارب مع إرادة الشارع السوداني..حتى يخلو له المناخ لعَضٍّ اللجام، والفقز فوق الحواجز التي وضعتها الوثيقةالدستورية واتفاقية جوبا للسلام.. ومن ثم "درفسة" الأوراق، و إعادة توزيعها ولعبها من جديد بلاعبين جدد... والتنكيل بكل من يسول له نفسه منازعته السّلطة، باسم مكافحة الإرهاب.
* إن الإعلان عن مصادرة أصول حركة حماس الفلسطينية وإغلاق مكتبها بالخرطوم الأسبوع الماضي، لا يبعد كثيراً عن حادثة "جبرة" التي اختلف في تسميتها... وتصبُّ كلاهما في إناء مغازلة الأسرة الدولية، ومحاولةٍ لطيفة لقرص يدها التي ما عتمت تمتد لانتشال الشارع السوداني من بطش جلاديه.
وبما أن تبادل الخبرات بين الحكومة الانتقالية ونظيرتها المصرية أمر بديهي؛ فلا استبعد البتة أن عسكر السودان يحاولون تنفيذ خطى عسكر مصر الذين استطاعوا أن يقنعوا المجتمع الدولي بأنهم يحاربون الإرهاب نيابة عن العالم، بعد الانقلاب على حكومة مرسي وما تلاه..._مداهمات شقق 6اكتوبر= مداهمات شقة جبرا_ وهكذا...
وهو ما سيدفع المجتمع الدولي لاستدارة ظهره عن المدنيين، و
فتح مخازن أموالها وسلاحها على مصراعيها، لدعم العسكرين ضد الإرهاب!
لكن الذي لا يفهمه عسكرُ السودان، هو أن الوضع في السودان يختلف اختلافاً كلياً عن مصر وغيرها، إذ أن الجماعات التي تمارس الإرهاب في مصر؛ هي ذات الجماعات التي يحاول عسكر السودان حمايتهم واعادتهم إلى السلطة، إضافة إلى أن الجيش المصري لم يُؤدلَج مثل ما حدث لنظيره السوداني.

وغدا ستكشف الأيام ما سكتت عنها الألسن والاقلام.

احمد محمود كانم

أقلام متحدة

30 سبتمبر 2021

amom1834@gmail.com

 

آراء