يد ما سرقت ما بتخاف القطع

 


 

 

أواصل في مقال اليوم ما بدأته بالأمس في نقض ما يذاع من أن همة لجنة إزالة التمكين في تفكيك نظام الإنقاذ سترهب أهل المال الحلال من الاستثمار مما عاقبته الخسران. وقال ضياء البلال إن ما تقوم به لجنة التمكين من مصادرات جزافية، وكشف لحسابات عملاء البنوك، ستنتقل عدواه من الطفيليين إلى رأسماليين بحقهم لأن رأس المال "جبان" يصاب بالزكام لو عطس لصوصي مخرب للاقتصاد.

يكاد من المستحيل أن تحارب لجنة تفكيك الإنقاذ، أو ما قد يعقبها مما تدعو له أقلام نشطة في عداء اللجنة، الأنشطة الهدامة طالما كنا على عقيدة العطاس والزكام.  ولطالما كان رأس المال بهذا الجبن فلا دواء له إلا أن يقبل بالطفيليين معه في حومة الوغى. ولا انكسرت الزجاجة ولا اندلق الزيت.

أمران  أرغب في التوقف عنده هنا . أولهما إيحاء ضياء أن لجنة التفكيك وكأنها تقوم بأنشطة غير مخولة لها بقانونها فتفسد مناخ الاستثمار. وهي نشاطات تمثلت عنده في "المصادرات الجزافية وكشف الحسابات المصرفية". وعلى غير اعتقاد ضياء فالمصادرات في قانون اللجنة  كما كشف حسابات المشتبه فيهم بالثراء الحرام كما سنرى. والجزافية حكم قيمة لا أدري إن تحقق منه ضياء بأدوات صحفية مهنية نطمئن إليها. علاوة على تغاضي كل ناقد للجنة التفكيك عن تقاعس الحكومة دون تكوين حلقات الاستئناف من أحكامها. وهي الحلقات التي نص عليها قانون تفكيك التمكين لنأمن من عثار اللجنة المتوقع من مثلها في الشروط المعروفة.

أما الأمر الثاني فهو عن الزعم القائل أن الرأسمالية الوطنية تقشعر من أي إجراء ضد المال الحرام مثل كشف الحسابات المصرفية والمصادرات التي وصفها ضياء بالجزافية.

ولا أزيد في الأمر الأول عن نشر الجزء من قانون تفكيك نظام الإنقاذ الذي خول للجنة مصادرة المال السحت وتعقب حسابات أهله في البنوك وغيرها من المؤسسات المالية:

قانون تفكيك نظام الإنقاذ لسنة ٢٠١٩

المادة ٥: سلطات وصلاحيات اللجنة

و- طلب المعلومات والتقارير من مؤسسات الدولة وأجهزتها لأغراض تفكيك نظام الإنقاذ.

ز-استدعاء أي شخص للإدلاء بأية معلومات أو تقديم أي بينات لأغراض تنفيذ هذا القانون.

ح- الاطلاع والحجز على حسابات الأشخاص والمؤسسات والشركات المصرفية لأغراض تفكيك نظام الإنقاذ واتخاذ التدابير القانونية بشأنها.

٢- تمارس اللجنة صلاحيات وسلطات مجلس الوزراء ووزير العدل المقررة بموجب المادة ٢٢-٣ من قانون الشركات لسنة ٢٠١٥.

فاللجنة لم تخرج عن قانونها. أما أنها جازفت في التطبيق فهو أمر آخر.


وأنتقل للأمر الآخر لأعرض، بقلم عادل الباز من مقال يعود إلى ٢٠١١، تنويهه بسعادة الرأسمالية الوطنية، ممثلة في اتحاد رجال الأعمال، بقرار حكومة الإنقاذ حل الشركات الحكومية. ولا أعرف مثل الباز من طعن في أداء هذه الشركات وسيطرتها على السوق سيطرة طردت بها أهله منه. وبالطبع كان حل الإنقاذ لشركات الحكومة خرافة كما نرى في يومنا الراهن.

نبه الباز في مقال (الأحداث ٣١ مايو ٢٠١١) إلى مفارقة في الشركات الحكومية التي اتفق للحكومة تصفيتها في ذلك الوقت. والمفارقة هي نشأة تلك الشركات في نفس الوقت الذي دعت الحكومة إلى تحرير الاقتصاد الذي يعني أن تنسحب الحكومة من السوق للمبادرة الخاصة. فلم يطرأ للحكومة أن تتسق مع نفسها وتمنع قيام تلك الشركات في وقت كانت تخصخص مثل مشروع الجزيرة والنقل إلخ. وسأل الباز عن سر صمت الحكومة على هذه المفارقة التي تخصص فيها بيد "وتدول" فيها باليد الأخرى بالإذن لقيام الشركات الحكومية. وأجاب:

"لأن الذين قاموا من وراء الدولة يستزرعون هذه الشركات كانوا في مأمن من العقاب. فهم ثلة من خلصاء الحزب الحاكم، وأهل الحظوة لديه؛ هم كالبدريين يفعلون ما يشاؤون بأموال الدولة، يستثمرونها في كل شيء، من تعبئة المياه والأغذية وإنتاج البطاطين وهندسة الكمبيوتر إلى آخره، ولا أحد يسألهم عما يفعلون".

فالوزير من ذوي الحظوة والمقرب من النافذين ينشئ من الشركات ما يشاء دون أن يخضع لمساءلة. فمن هؤلاء الوزراء من هو أقوى من وزير المالية. فالشركات التي تحت إدارة وزاراتهم ليس للمالية علاقة بإيراداتها. فهي إيرادات تخص الوزارة أو الأدق تخص الوزير وتحت تصرفه المباشر.

وميز الباز نوعاً آخر من الشركات احتال به ممن وصفهم ب "بلطجية الإسلاميين" تحت ستار كثيف من القوانين و(اللولوة). فأقنعوا الحكومة، أو الوزير المعني، ب"شراكات غبية" لتسجيل تلك الشركات "مستفيدين من غطاء الدولة وامتيازاتها، وإعفاءاتها، يجنون خيراً وفيراً من المليارات التي لا يكنزونها على استحياء فحسب، بل يتطاولون فيها بالبنيان عياناً بياناً".

وبح صوت المراجع العام من فرط عجرفة هذه الشركات. "فهي لا تعترف به، ولا تقدم له ميزانياتها له، وعجزت كل القرارات الحكومية عن لجمها أو إخضاعها لقوانين الدولة التي أنشأتها. فالأباطرة الذين هم من ورائها لا يأبهون لقرار رئاسي، ولا برلماني ولا خلافه؛ فهم أقوى من الدولة نفسها، أو هم دولة فوق الدولة".

وما حير الباز هو تلك الشركات التي نشأت باسم الدولة بينما ظلت الدولة تبحث عنها، وعن مقارها. فقال: ولو سألت اليوم وزير المالية عن كم هو عدد الشركات التي تستهدفها التصفية، لن تجد لك إجابة. فهي شركات غير معروفة عدداً مما يعني أنها تكاثرت على الدولة حتى خرجت عن سيطرتها.  فهي الآن بلا عنوان، مجهولة الهوية والهوى، تديرها الأهواء والمصالح الخاصة.

ورحب الباز بقرار التخلص من تلك الشركات: "الآن حصحص الحق، طارت السكرة وجاءت الفكرة بعد أن ظهر طوفان تلك الشركات وبلاويها بشكل يستحيل معه التغطية، كما لا يمكن لعيْن مبصرة أن تعجز عن رؤية ضررها. نافست هذه الشركات لا، بل حاربت القطاع الخاص في أرزاقه فتوقفت كثير من الشركات لأنها لا تستطيع أن تنافس هذا الغول المحمي بالقانون والامتيازات والإعفاءات". ولذا جاء أول رد فعل ترحيبي بتصفية وخصخصة هذه الشركات من اتحاد أصحاب العمل الذي تأذت عضويته من منافسة غير شريفة بينها وبين شركات تسمى حكومية تستثمر في كل شيء.

ومربط الفرس هنا في قوله إن شركات الحكومة المفترية هي التي قطعت رزق القطاع الخاص وأن ممثلي هذا القطاع كانوا أول من رحب بتفكيكها. فرأس المال ليس جباناً للحد الذي يخلط بين الحلال والحرام. إنه ذكي لماح. فاليد الما سرقت ما بتخاف القطع.

ونتعرض في كلمة قادمة لمقارنات عقدها ضياء بين حملة القطط السمان التي قادها المخلوع بغير نتيجة وبين لجنة إزالة التمكين وخلص إلى إنهما شيء واحد. وماهما كذلك.

و


IbrahimA@missouri.edu

 

آراء