57 عاماً على حل الحزب الشيوعي: علي عبد الله يعقوب: يأتيك في السادسة صباحاً ويقول:” جيب الشاي”

 


 

 

لا أعرف في علم سياستنا من سأل بعد 57 عاماً من حل الحزب الشيوعي في 1965 عن لماذا كان علي عبد الله يعقوب، معلم اللغة العربية والدين خريج المعهد العلمي والجامع الأزهر، هو رأس الرمح في حملة ذلك الحل دون المرحوم حسن الترابي مثلاً؟ لماذا كان هو كادر الإخوان المسلمين الذي رأى في قول الطالب الأخرق شوقي محمد علي عن بيت النبي في الندوة المعروفة سانحة لحل الحزب الشيوعي لم يرها لا عبد الرحيم حمدي، رئيس تحرير الميثاق الإسلامي، ولا عبد الله حسن أحمد، مسؤول الطلاب الإسلاميين عن جبهة الميثاق؟
ما دور هوية يعقوب كمدرس لغة عربية ودين محتقر حيال مدرس العلوم الحديثة في المدارس في جاهزيته لاستقبال النبأ الفاسد بنتائجه الكأداء؟ ما دور هويته كخريج معهد علمي مستحقر من ناشئة كلية غردون في تلقيه النبأ كما فعل؟ وما دور هويته كأزهري معمم حيال أفندية الجامعة الحديثة في نهوضه بحل الحزب الشيوعي وحده حتى تدارك الآخرون أنفسهم؟
وبالمناسبة، ما دور "طرادته" لأخيه السماني عبد الله يعقوب خريج الثانوية الحديثة وجامعة موسكو (بعد فترة دراسية لم تكتمل في جامعة الخرطوم) في طبعه بحساسية ثقافية كشفت له في نبأ الندوة الفاسق ما لم يره غيره حتى جرهم جراً إليه.
العلم الذي لا يسأل عن الديناميكية الاجتماعية والثقافية والشخصية لواقعة في خطر حل الحزب الشيوعي مما يسمى بالإنجليزية "underdeveloped" (خديج) ويوطن الناس في "هلال-مريخ"، مع أو ضد، إلى يوم الدين. فهو يجمد الواقعة في زمانها وجمهورها بينما يأتي إليها جمهور آخر من أجيال لاحقة ولن تغنيه أن يكون مع الحل أو ضده إلا إذا شاء، أو لم يجد سبيلاً إلى علم أرحب بالواقعة. فإلى نص حوار آخر مع عبد الرحيم حمدي يكشف عن ملكة يعقوب ككادر سياسي.
فوجدت بين اورقي هذا النص من مقابلة الأستاذ عبد الرحيم حمدي مع الأستاذ كمال بخيت بجريدة الرأي العام سنة 2011 تقريباً. وجاءت مصداقاً لما نقلته عن المرحوم علي عبد الله يعقوب في مقالي "المرحوم علي عبد الله يعقوب: حل (رحمه الله) الحزب الشيوعي وحده".
وهذا رد حمدي على سؤال كمال عن حل الحزب الشيوعي.
كمال: في تلك الفترة تمت حملة شعواء ضد الشيوعيين وتم حل الحزب الشيوعي؟
حمدي: نعم. وفي ذلك بعض الاسرار الطريفة. فحل الحزب الشيوعي طبعاً كانت الحادثة التي فجرت الموضوع هي حادثة معهد المعلمات (المعلمين) فعندما جاءني الاخ علي عبد الله يعقوب كعادته فجراً (وهو يأتي الساعة السادسة صباحاً ويقول لك (جيب الشاي)، ثم يبدأ معك العمل. فقال ليّ حدث أمس كذا في معهد المعلمين فتقوموا بعمل حملة. فقلت له: هذه حادثة معينة تعالج بطريقة معينة وليس بالجريدة فلا نعتقد انها حادثة سياسية). ومضى الكلام، وكنا نصدر (أي جريدة الميثاق الإسلامي) مرتين في الأسبوع، الاحد والأربعاء، واظنه كان عدد الأربعاء. فلم انشر عن ذلك أي شيء.
وعلي عبد الله يعقوب رجل له ذكاء سياسي غريب، وله ملامح سياسية غريبة. فقاد مظاهرة يوم الجمعة ذهب بها الى الازهري. وخرج الازهري من فوق حائط منزله وأعلن أنه مع حل الحزب الشيوعي. فحوَّر الموضوع الى موضوع سياسي بالدرجة الأولى. وأزهري كان رئيس الحزب الأكبر في السودان في ذلك الزمان. وأنا اعتقد ان أكثر شخص أسهم في هذا الموضوع هو علي عبد الله يعقوب الذي حولها الى معركة سياسية كبيرة جداً. وتبنتها الاحزاب لأنها كانت ترى المنافسة التي حدثت لها من الحزب الشيوعي في دائرة أم درمان الشمالية (الجنوبية وكان أزهري مرشح حزبه يها). وطبعاً أزهري دخلت عليهو الحكاية دي دخلة شديدة. وأحمد سليمان في دوائر الخرطو (الشمال وكان ذلك بعد حل الحزب بل خلال المداولات لطرد نوابه). يعني دخلوا في قلب العملية السياسية وهي دوائر المدن للحزب الوطني الاتحادي. وهو ما فعلته الجبهة الاسلامية القومية في الآخر ودخلت في نفس الدوائر (في انتخابات 1986).
وهم (الوطني الاتحادي وحزب الأمة) لم يحتملوا هذا الأمر فانضموا مباشرة لعملية حل الحزب الشيوعي. رغم أنني متأكد أنه كان هناك أناس ضد هذه المسألة في حزب الأمة على أساس أن عبد الله عبد الرحمن نقد الله كانت له علاقات قوية جداً مع الشيوعيين مع عبد الخالق بالذات. وآخرون في الحزب الاتحادي للدرجة التي اضطرت الازهري لعمل اجتماع الهيئة البرلمانية بنادي الخريجين في أم درمان ليلاً. وكنا كلنا منتظرين على حافة النادي الى أن أعلن أن قرارات الهيئة البرلمانية هي قراراته هو (أزهري) وهي حل الحزب الشيوعي. وخسرت المجموعة اليسارية داخل الحزب المعركة طبعاً خسراناً كبيراً. وفي داخل حزب الأمة ايضاً خسرت المجموعة اليسارية.
وبعد ذلك أصبحت مسألة وقت: تعديل الدستور وهكذا. تلك المعركة المعروفة تاريخياً. وهذه أول معركة يحركها الإخوان ويديرونها. وأيضاً جندوا لها الأحزاب. ودور الإخوان كان فاعلاً جداً. ولكن يعرفون حدودهم. ولذلك كانوا يحركون الأحزاب بقضايا ومواضيع لا تجد الاحزاب طريقة سوى أن تسير في اتجاهها مثلاً معركة الدستور الإسلامي. لم يكن يمكن أن يعارضها الحزبان الكبيران. ومعركة السلطة بعد أكتوبر لم يكن يمكن أن تعارضها لأنه يعني بقاءها. ومعركة حل الحزب الشيوعي لأن كل الجديد والحديث والنقابات وغيرها كان يهددها استمرار الحزب الشيوعي لأنه كان حزباً قوياً ومنظماً جداً، ونحن كنا نعمل ليس على مخاوف الاحزاب فقط، بل على مصالحها الحقيقية. وفي الآخر جئنا وورثنا نفس الأمر من الاحزاب (يضحك) أو ورثتها الحركة الاسلامية وانا اتحدث باسمها على أي حال.

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء