استشهاد شيرين فقوموا لإنسانيتكم ،، يرحمكم الله

 


 

 

***
أعيش في حي الركابية أو حي الشهداء أو حي السوق بأم درمان. كلها أسماء لحي في قلب أم درمان ،، ترعرعت هناك وتشربت كل ما لأهل تلك المنطقة من جمايل وايجابيات انسانية ودينية. المنطقة التي حددتها أحد الأحياء التي تعج بالاقباط والهنود والنقادة واليونانيين وألثيوبيين، وغالبيتهم مسيحيون وفيهم بوذيون ولا دينيون ،، . عاشوا وتربوا معنا وأصبحوا نعم الأهل والجيران. في رمضان يخرجون بصوانيهم معنا في ساحات الحي ويتناولوا معنا إفطارات رمضان. في أعياد الفطر والأضحى يزوروننا في منازلنا ويعيدوا علينا. منهم من يتناول معنا فطور الصباح في عيد الفطر المبارك ومنهم من يتناول معنا الشية بالجمر ومرارة عيد الأضحى وكان هذا امر يسعدنا. كما أنهم في سرادق الوفيات يأتون ويعزونا بل ويرفعون أياديهم معنا رحمة للمتوفي ويساهمون بصواني أكلهم وشرابهم ويدفعون في الكشف. في أعيادهم نهنئهم في منازلهم وفي أعراسهم نحرص على التواجد في الكنيسة لحضور مراسم الزواج. في وفياتهم نحرص على حضور مراسم التشييع ومواساة أهل الميت. وفي هذا الخصوص تحضرني تلك الطرفة التي تُحكى عن الراحل أحمد داؤود وقد كان ضمن جماعة مشهورة تتبارى في من يكون أول واحد منهم يصل للمقابر في أم درمان، حيث وصل يوماً عمنا أحمد داؤود في أحد الأيام وهو متأخر نوعاً لمأتم، فسخرت منه جماعته التي تحرص على التواجد في المقابر قبل مواراة أي جثمان الثرى، فإذا بهم يفاجئوا بأن عمنا أحمد داؤود عليه الرحمة رد عليهم قائلاً وهو يفحمهم :ـ إتأخرت لأنو كنت بحضر في مراسم (حرق) جار لينا (هندي) إتوفى الليلة الصباح!.
حدثني صديق بأن له جار مسيحي طلب منه كتابة بطاقة دعوة لزفافه، فكتب له الصديق دون أن ينتبه لمسيحية الرجل مقدمة الديباجة بآية قرآنية، وقال أنه فوجئ بالمسيحي يقبل البطاقة بتلك الصيغة ويوزعها هو وأهله دون أي حساسية!، وقال لي آخر أن جارهم المسيحي عندما يزوره أهل الحي المسلمون بمنزله، (يخصمهم) بتناول الغداء معه قائلاً لهم دونما أي حرج أو حساسية ( خصمتكم بالرسول محمد لو ما اتغديتو معانا)!، هذا فضلاً عن أن من دعى لجمع تبرعات لبناء جامع أم درمان الحالي هو في الأصل مسيحي، وأن مسيحياً بنواحي حي بيت المال بأم درمان قد افتتح جزءاً كبيراً من منزله كخلوة لتحفيظ أطفال الحي القرآن القرآن الكريم!.
هذا هو ناموس حياتنا في علاقاتنا مع هؤلاء البشر من ما قمنا، المحبة والتعامل معهم بإنسانية، وهو ما عودنا عليه أهالينا. لا يعنينا مطلقاً ما نقوله ونحن نواسيهم في الراحلين منهم. ولم نسمع زجراً من كبارنا عندما نشارك في أفراحهم بالكنائس ،، وما نزال نفعل ذلك حتى نهار اليوم.
هذه الثقافة ظلت سائدة ،، رغم أنها تعرضت لهزات أدت لانفصال جزء عزيز من بلادنا، وما تزال تتعرض لهزات حتى من قبل بعض الأسر في تربيتهم لعيالهم، مما يعرض النسيج الاجتماعي لمخاطر كبيرة!، فهناك أسر تحرض صغارها الذين يدرسون في مدارس بها أقباط ومسيحيون ألا يخالطوهم أو يتحدثوا معهم أو يأكلوا معهم أو يصافحوهم أو يقبلوا هداياهم أو يهنئونهم في أعيادهم! ،، وهذا ما تبقى من تأثير ثقافة الانقاذ التي سيطرت على عقول بعض المسلمين ضعيفي التربية والثقافة والمعرفة والوعي حتى في حدود مفاهيمهم للآيات القرآنية والأحاديث النبوية للأسف الشديد!.
عندما أحزنني مصرع شيرين أبو عاقلة وتضامنت مع حالتها، لم أكن أعلم مطلقاً ما إن كانت الراحلة مسيحية أم مسلمة، العزاء الحار في استشهاد (الزميلة) شيرين ابو عاقلة. واواسي في رحيلها اسرتها واهلها في فلسطين وزملائي في قناة الجزيرة. وادعو لها بالرحمة والمغفرة طالما ان الله سبحانه وتعالى هو الوحيد الذي يرحم ويغفر. خبر اليوم هو استشهاد صحفية شجاعة قتلها رصاص الاحتلال الإسرائيلي .. وليس ما إن كانت شيرين مسلمة أم مسيحية!. لله ما أعطى ولله ما أخذ.
يقول شاعر الشعب محجوب شريف عليه الرحمة والمغفرة :ـ
(بطرس بابو فاتح بين المسلمين
وبينهم خد وهات وتسمع قهقهات
وبين الامهات
شفع روضه فوضي جمّلت الطريق
رستم أبيضاني و بيتر أسوداني وأحمد لونو قمحي
سوسن لونها خاتف من لونين بريق)
فقوموا لانسانيتكم صونوها وارتقوا نسيجكم الاجتماعي يا أهل السودان!.
ــــــــــــــــــــ
* لجنة تفكيك التمثيل كانت تمثلني وستمثلني لاحقاً أيضاً.
hassanelgizuli3@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء