أضواءٌ على البيانِ الختاميّ لِقمّةِ إيقاد عن السودان

 


 

 

1
انعقد يوم السبت 9 ديسمبر عام 2023 الاجتماع 41 الاستثنائي لرؤساء دول وحكومات منظمة الإيقاد في مدينة جيبوتي، عاصمة دولة جيبوتي، لمناقشة الوضع في السودان. ترأّس الاجتماع السيد إسماعيل عمر جيلي رئيس جمهورية جيبوتي ورئيس منظمة إيقاد الحالي. حضر الاجتماع أربعةٌ من رؤساء الدول والحكومات هم الدكتور أبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، والدكتور ويليام روتو رئيس جمهورية كينيا، والسيد حسن شيخ محمود رئيس جمهورية الصومال، والفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني. حضر الاجتماع أيضاً كلٌ من وزرير الخارجية من دولة جنوب السودان، ووزير الدفاع من دولة يوغندا. كما حضره كلٌ من السكرتير التنفيذي لمنظمة ايقاد، ورئيس الاتحاد الأفريقي، والمبعوث الخاص للسكرتير العام للأمم المتحدة للسودان (السيد رامتاني العممارة)، وسفير دولة المملكة العربية السعودية لدولة جيبوتي، والمبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي، والمبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي لجمهورية جيبوتي ولمنظمة إيقاد، والممثل الخاص للإيقاد بجنوب السودان.
هذا التمثيل الكبير ومستواه الرفيع (5 رؤساء دول أو حكومات، وزيران، و7 دبلوماسيون من 14 دولة) يوضحان بجلاء الأهمية التي أولتها وتوليها هذه الدول والمنظمات للدور الذي يمكن أن تلعبه الإيقاد في حلِّ مشكلة الحرب المشتعلة في السودان، كما فعلت بنجاحٍ من قبل في قضية جنوب السودان.
أصدر الاجتماع بياناً مفصّلاً عن الحرب في السودان سوف نناقشه ببعض التفصيل أدناه، بعد تعريفٍ قصيرٍ بمنظمة الإيقاد.
2
ما هي منظمة إيقاد؟
الاسم الكامل لمنظمة إيقاد باللغة الإنجليزية هو:
The Intergovernmental Authority on Development
الترجمة السائدة لمصطلح "إيقاد" هي "الهيئة الحكومية المشتركة للتنمية."
الإيقاد منظمة تمّ إنشاؤها عام 1986 بواسطة دول شرق أفريقيا (إثيوبيا وجيبوتي وكينيا ويوغندا والسودان والصومال) لمواجهة التصحُّر والجفاف في الإقليم. عدّلت هذه المنظمة أهدافها لِتُركّز على التنمية (والتي تشمل محاربة التصحّر والجفاف بالطبع). وقد انضمت إليها إريتريا عام 1993، ثم دولة جنوب السودان في عام 2011 ليرتفع عدد أعضاء المنظمة إلى ثمانية.
3
البيان الختامي الذي صدر يوم 9 ديسمبر عام 2023 عن الاجتماع رقم 41 الاستثنائي لرؤساء دول وحكومات منظمة الإيقاد عن السودان بيانٌ في غاية الأهمية. وتبدو هذه الأهمية من عدة مناحي. فالاجتماع قد شمل ممثلين للدول الغربية والأفريقية والعربية، ولمنظماتها، وكذلك للأمم المتحدة. كما أن الاجتماع هو امتدادٌ وتوسيعٌ كبير لدور ومهام اجتماعات منبر جدة التي بدأت في شهر مايو الماضي. ولا بُدَّ من ملاحظة أن الوسيطين الرئيسيين في اجتماعات منبر جدة (المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية) شاركا في لقاء جيبوتي مما ينفي نفياً تاماً مسألة التنافس بين المنبرين. وتأتي الأهمية أيضاً في القضايا التي تناولها البيان الختامي للإيقاد، وفي الاتفاق التام بين الوسطاء على البيان.
نناقش أدناه المعالم الرئيسية للبيان الختامي:
4
رحّب البيان في مقدمته بالفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، وبحضوره اجتماع الإيقاد الاستثنائي، وبتأكيده المطلق على الالتزام بوقف إطلاق النار دون شروطٍ مسبقة، وبحلِّ النزاع من خلال الحوار السياسي، وبموافقته على مقترح الاجتماع بعقد لقاءٍ مباشر (وجهاً لوجه) مع قائد قوات الدعم السريع.
تناول البيان أيضاً بالترحيب النقاشَ والتشاور بين رؤساء دول وحكومات منظمة الإيقاد ووفد قوات الدعم السريع على هامش الاجتماع الاستثنائي، وكذلك التقدير للمكالمة الهاتفية بين رؤساء دول وحكومات منظمة الإيقاد مع قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، وموافقته على مقترح الوقف الدائم لإطلاق النار بدون شروط مسبقة، وحلِّ النزاع من خلال الحوار السياسي، وعلى عقد اجتماع مباشر (وجهاً لوجه) مع الفريق عبد الفتاح البرهان قائد القوات المسلحة السودانية.
5
رحب الاجتماع بتقرير الدكتور ويليام روتو، رئيس الآلية الرباعية للسودان (كينيا وإثيوبيا وجيبوتي وجنوب السودان)، وشكر الأعضاء على التقرير الضافي الذي أعدته الآلية. كما رحب الاجتماع بدور الإيقاد وسكرتيرها التنفيذي في تسهيل عقد الاجتماع الاستثنائي لرؤساء دول وحكومات منظمة الإيقاد في 9 ديسمبر عام 2023، وعلى الدور الكبير الذي لعبته وتلعبه الإيقاد، مُمثِّلةً للاتحاد الأفريقي، في مفاوضات منبر جدة مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
كما شكر البيان وفد دولة الأمارت العربية المتحدة بقيادة السيد شيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير الدولة بوزارة الخارجية الأمارتية، على دعمه ومساهمته في المناقشات التي دارت مع رؤساء دول وحكومات منظمة الإيقاد والخاصة بعملية السلام في السودان، والتي تمّت على هامش الاجتماع 41 الاستثنائي لرؤساء دول وحكومات منظمة الإيقاد .
6
رحب الاجتماع أيضاً باتفاق منبر جدة بتاريخ 23 نوفمبر عام 2023 الخاص بتسهيل زيادة المساعدات الإنسانية، وكذلك بتنفيذ الإجراءات الأربعة لبناء الثقة. وللتذكير فإن هذه الإجراءات تشمل:
(1) إنشاء آلية تواصل بين قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع،
(2) احتجاز الهاربين من السجون،
(3) تحسين المحتوى الإعلامي لكلا الطرفين وتخفيف حدة اللغة الإعلامية،
(4) اتخاذ إجراءات حيال الأطراف المثيرة للتصعيد والمؤجّجة للصراع.
وحثّ الاجتماع دول الإيقاد والمجتمع الدولي على تأكيد التزاماتها بتقديم العون الإنساني للسودان لمواجهة الظروف الصعبة التي يعيشها السودان، خصوصاً بين النساء والأطفال. وطالب البيان الطرفين مرةً ثانية بوقف العدائيات على الفور لضمان وصول العون الإنساني وحماية المدنيين في مناطق النزاع.
7
أدان الاجتماع التدخلات الخارجية غير المبرّرة من الدول والجهات غير الحكومية في النزاع في السودان، وحثّ هذه الدول والأطراف بالكف الفوري عن تقديم المساعات الحربية لأيٍ من طرفي النزاع، وطالب الاجتماع المجتمع الدولي بممارسة أقصى الضغوط على كل هذه الجهات المتورطة في تأجيج الصراع في السودان.
أقرّ الاجتماع بالمبادرات الأخرى لإعادة السلام في السودان، خصوصاً من دول الجوار، وطالب بتوحيد هذه المبادرات تحت مظلة الإيقاد حتى تتمكّن من وضع خارطة طريق موحّدة يوافق عليها مجلس السلم والأمن الأفريقي، ومجلس الأمن الدولي، للتمكّن من جمع صف الأسرة الدولية لمساعدة السودان.
كما أقر الاجتماع أنه لا يوجد حلٌّ عسكريٌ للنزاع في السودان، وأن الحل الوحيد يتمثل في حوارٍ سلميٍ من أجل الوصول إلى سودانٍ ديمقراطيٍ موحدٍ وآمن، وكرر دعوة كل الأطراف إلى توحيد مبادراتها تحت مظلة مبادرة الإيقاد. كما ناشد الاجتماع مساعدة الإيقاد دبلوماسياً وسياسياً لتنفيذ مبادرتها، على أن تجتمع الإيقاد كل ثلاثة أشهر لمراجعة التقدم في عملية السلام في السودان.
8
أكد الاجتماع ضرورة مساعدة السودان في الوصول إلى حكمٍ بقيادة مدنية تقوم بتحديد سبل ووسائل الحكم الرشيد للمجتمع السوداني، وتأخذ بالبلاد إلى الديمقراطية المدنية، وتساعد السودانيين في إجراء حوارٍ سوداني بغرض الوصول إلى إجماعٍ وطني لفترة انتقالية مدنية تقود إلى انتخابات نزيهة وشفافة.
كما أقر الاجتماع إنشاء إطارٍ للإيقاد يتكون من دبلوماسيين وسياسيين ذوي خبرة يتم تعيينهم بواسطة رؤساء دول وحكومات منظمة الإيقاد للقيام بالوساطة في السودان. وأقر الاجتماع أيضاً تعيين مبعوث خاص للإيقاد في السودان، وطلب من السكرتير التنفيذي تحضير قائمةٍ قصيرةٍ من المرشحين ليختار مجلس وزراء الإيقاد من بينهم المبعوث الخاص للسودان لتنسيق جهود الإيقاد تحت مظلة خارطة الطريق للسلام في السودان. وطلب الاجتماع أيضاً في خاتمة بيانه من السكرتير التنفيذي للإيقاد توصيل هذا البيان إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي، وكذلك إلى مجلس الأمن الدولي، والحصول على تأييدهما لهذا البيان، وإخطار رؤساء دول وحكومات منظمة الإيقاد بأية تطورات في هذا المضمار.
9
هذا هو مضمون البيان الختامي لقمة إيقاد عن السودان، والتي انعقدت في جيبوتي يوم 9 ديسمبر 2023. ويمكن تلخيص مقررات البيان في الآتي: وقف إطلاق النار دون شروطٍ مسبقة، وحلِّ النزاع من خلال الحوار السياسي، وعقد لقاءٍ مباشر (وجهاً لوجه) بين الفريق البرهان والفريق دقلو، ومساعدة السودان في الوصول إلى حكمٍ بقيادة مدنية تقوم بتحديد سبل ووسائل الحكم الرشيد للمجتمع السوداني، وتأخذ بالبلاد إلى الديمقراطية المدنية.
هذه الالتزامات هي ما نادى وينادي به غالبية الشعب السوداني، وما رفضه ويرفضه الطرفان المتقاتلان.
10
لدينا عدّة ملاحظات على الاجتماع نفسه وعلى البيان الختامي نوجزها في الآتي:
الملاحظة الأولى هي عدم مشاركة وفد قوات الدعم السريع مباشرةً في الاجتماع. بل تمت الإشارة والترحيب في البيان الختامي بالنقاش والتشاور بين رؤساء دول وحكومات منظمة الإيقاد ووفد قوات الدعم السريع على هامش الاجتماع الاستثنائي. وكذلك تمت الإشارة والتقدير للمكالمة الهاتفية بين رؤساء دول وحكومات منظمة الإيقاد مع قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو. لكن رغم عدم الحضور المباشر لوفد قوات الدعم السريع للاجتماع الاستثنائي إلّا أن البيان الختامي تضمن التزاماتٍ واضحة من الدعم السريع للإيقاد.
الملاحظة الثانية هي إشارة البيان إلى تطابق موافقة الفريق البرهان والفريق دقلو على مقترح الوقف الدائم لإطلاق النار بدون شروط مسبقة، وحلِّ النزاع من خلال الحوار السياسي، وعلى عقد اجتماع مباشر بين الجنرالين. وهذه المقررات هي لب البيان ومعالمه الرئيسية.
الملاحظة الثالثة هي الإشارة في البيان الختامي إلى المناقشات التي تم عقدها بواسطة رؤساء دول وحكومات منظمة الإيقاد والخاصة بعملية السلام في السودان مع دولة الأمارات العربية المتحدة والتي دارت على هامش الاجتماع الاستثنائي. كما يجب الإشارة أيضاً إلى توجيه البيان الختامي بالشكر إلى وفد دولة الأمارت العربية المتحدة بقيادة السيد شيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير الدولة بوزارة الخارجية الأمارتية، على دعمه ومساهمته خلال تلك المناقشات. وقد قُوبِلت هذه الفقرة بالكثير من الاستغراب والنقد من غالبية الشعب السوداني بسبب الدعم الكبير الذي تحصل عليه قوات الدعم السريع من دولة الأمارات، مما يطيل أمد الحرب.
الملاحظة الرابعة أن البيان الختامي أدان التدخلات الخارجية من الدول والجهات غير الحكومية في النزاع في السودان، وحثّ هذه الدول والأطراف بالكف الفوري عن تقديم المساعات الحربية لأيٍ من طرفي النزاع، وطالب الاجتماعُ المجتمعَ الدولي بممارسة أقصى الضغط على كل هذه الجهات المتورطة في تأجيج الصراع في السودان. لم يقم البيان بتسمية أية دول أو جهات، غير أن المتابعين للحرب في السودان يعرفون ما قصده البيان.
الملاحظة الخامسة هي الغياب المصري التام عن هذا الاجتماع، وعدم وجود أي ذكرٍ مباشر إلى مصر في البيان الختامي. غير أنه لا بد من الإشارة إلى فقرة البيان الختامي التي أقرت بالمبادرات الأخرى لإعادة السلام في السودان، خصوصاً من دول الجوار، ومطالبة البيان بتوحيد هذه المبادرات تحت مظلة الإيقاد حتى تتمكن من وضع خارطة طريق يوافق عليها مجلس السلم والأمن الأفريقي، ومجلس الأمن الدولي، للتمكّن من جمع صف الأسرة الدولية لمساعدة السودان. وهذ المطلب انبنى على تجربة الإيقاد مع المبادرات المتعددة لحل قضية جنوب السودان والتأخير المتواصل الذي تسبب فيه تعدّد المبادرات (خصوصاً المبادرة الليبية المصرية) في تفعيل مبادرة ومبادئ الإيقاد عن قضية جنوب السودان. وانبنى هذا المطلب أيضاً على ما طالب به البيان السوداني (والذي رفض البيان الختامي للإيقاد) من ضرورة تضمين المبادرة المصرية لحل النزاع السوداني.
الملاحظة الأخيرة هي التشابه الكبير لبداية دور الإيقاد في قضية جنوب السودان وبداية دور الإيقاد في قضية الحرب في السودان. فقد قامت حكومة السودان في كلا الحالتين بطلب وساطة الإيقاد. في الحالة الأولى سافر البشير بنفسه إلى أديس أبابا وطلب من رئيس وزرائها وقتها السيد ميليس زيناوي وساطة الإيقاد لحل قضية جنوب السودان، بعد فشل وساطة أبوجا. وفي الحالة الثانية سافر البرهان بنفسه إلى كينيا لمقابلة رئيس وزرائها الدكتور ويليام روتو وطلب منه وساطة الإيقاد لحل مشكلة الحرب في السودان بعد تعثّر منبر جدة. وفي الحالتين رفضت حكومة السودان مقررات الإيقاد قبل أن يجفَّ الحبر الذي كُتبت به. غير أن حكومة البشير عادت وقبلت مباديء الإيقاد لحل قضية جنوب السودان، فهل سيسلك البرهان نفس ذلك الطريق؟ الكل يأمل في ذلك بالطبع.
11
نختتم مقالنا بأن مقررات بيان الإيقاد الختامي الرئيسية والتي تشمل: الوقف الدائم لإطلاق النار بدون شروطٍ مسبقة، وحلِّ النزاع من خلال الحوار السياسي، وعقد اجتماعٍ مباشرٍ بين الفريق البرهان والفريق دقلو، ومساعدة السودان في الوصول إلى حكمٍ بقيادة مدنية تأخذ بالبلاد إلى الديمقراطية المدنية عبر انتخابات حرةٍ شفافةٍ، هي ما ظل الشعب السوداني يطالب به منذ اليوم الأول للحرب. عليه فمن الضروري الالتفاف حول هذه المقررات وتبنّيها لتكون الهدف المشترك بيننا جميعاً، وتكثيف الجهود داخل وخارج السودان للضغط على الطرفين المتقاتلين للقبول الكامل وتنفيذ هذه المقررات، تحت الإشراف المباشر والتام للجنة الإيقاد الخاصة بالسودان التي تقوم منظمة الإيقاد حالياً بتكوينها.

*رئيس مجلس جامعة الخرطوم

Salmanmasalman@gmail.com
www.salmanmasalman.org

 

آراء