إيقاف وإنهاء الحرب ولكن كيف؟ (3/7)

 


 

 

د. شمس الدين خيال
المانيا، 18 مارس 2024

في الجزء الأول من هذه الورقة تم تسليط الضوء علي ما استخلصته الابحاث العالمية عن السلام والصراع (Peace and Conflict Research) من سيناريوهات أساسية لإيقاف وانهاء الصراعات المسلحة، وعلي الاشكاليات العسكرية والسياسية المرتبطة بهدن الاقتتال وبتجميد الحروب كأليات لإيقاف الاقتتال وكتمهيد لأنهاء الحروب. وتم في ذلك تقديم بعض الامثلة لمجري الصراعات في الماضي وفي الحاضر، بما فيهم الصراع المسلح الجاري الآن في السودان بين "الجيشين الرسميين". ومثلت الثلاثة السناريوهات الاساسية الآتية لإيقاف وانهاء الحرب:
1- الدبلوماسية السياسية
2- ضغوطات الانهيار الاقتصادي، أو، والانفجارات الشعبية السياسية العريضة والقوية
3- الانتصار العسكري لإحدى الفريقين المتحاربين على الآخر
التي تبلورت عبر الصراعات المسلحة في تاريخ البشرية، محور الجزء الأول. وفي الجزء الثاني تم إرتباطاً بضرورة تفهم حقيقي لطبيعة الجيشين الرسميين المتحاربين وللداعمين لهم في الداخل، ولأسباب حدوث واستمرار الحرب الي الآن، كشروط أساسية لنجاح أي عملية دبلوماسية لإيقاف ولأنهاء الحرب الجارية، تسليط الضواء علي طبيعة المنظومة الدفاعية والامنية – الجيش القومي، وقوات الدعم السريع، وعلي جزور وتطور القناعات السياسية والاقتصادية لقياداتها العليا. وقد تم نشر الجزئيين في نفس هذا الموقع بتاريخ 10.03.2024 وبتاريخ 19.03.2024.
في هذا الجزء الثالث سوف يتم التعرض للأوضاع العسكرية للفريقين المتحاربين كعامل وشرط أساسي لحالة "نضوج للصراع" تجعل إيقاف وانهاء دائم للحرب ممكننا. ويعتمد هذا الجزء علي بيانات وتقارير واردة في وسائل الاعلام المحلية والعالمية عن الوضع العسكري الميداني للجيشين الرسميين المتحاربين، وذلك بعد التدقيق -بقدر الامكان- في مصداقيتها!

الوضع الميداني والقوة العسكرية "للجيشين الرسميين" بعد عام من الحرب
1. السيطرة العسكرية في ميدان الحرب
بعد مضي عام علي اندلاع الحرب في الخرطوم وتوسعها لتشمل في ما يقارب 70% من مساحة ما تبقي من الدولة السودانية بعد انفصال الجنوب في يونيو 2011، يتسم الوضع الميداني بسيطرة قوات الدعم السريع علي الغالبية العظمي من مرتكزات الجيش في الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان، وبذلك علي الجزء الأكبر من مساحة البلاد المؤهلة بالسكان. وفي الأيام الأولى من القتال احتلت قوات الدعم السريع معظم "العاصمة المثلثة"، بما فيهم القصر الجمهوري، وجزء من مقر القيادة العامة للجيش، ومقار ومداخل عدد من الوزارات بما فيهم البنك المركزي ومباني البنوك التجارية، واغلب المستشفيات، ومقرات للتصنيع الحربي، ومصفاة البترول شمال الخرطوم، ومطار الخرطوم الدولي، ومنطقة جبل الأولياء العسكرية، في جنوب الخرطوم. وبعد فقدها - بعد سيطرة دامت لمدة عشرة اشهر من عمر الحرب، مناطق في أمدرمان القديمة، بما فيهم مبني الإذاعة والتلفزيون، لا تزال قواتها موجودة في عدد من أحياء أمبدة، ومساحة من امتداد مقر الجامعة الإسلامية حتى الجموعية... ولعب في تسهيل هذه السيطرة العريضة، تكليف وتواجد وانتشار قوات الدعم السريع كقوات حارسة للمرافق الاستراتيجية، مثل مباني الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون والبنك المركزي...الخ. ويلعب سيطرة قوات الدعم السريع علي عاصمة البلاد، ذات الرمزية السياسية القومية والقيمة الاقتصادية والعسكرية الاستراتيجية، دورا مهما في الحالة المعنوية المتردية لقيادة الجيش، وبذلك في مواقفه تجاه أي حل دبلوماسي لإيقاف وأنهاء الحرب.
وبسيطرة قوات الدعم السريع على ولاية جنوب دارفور، وولاية غرب دارفور، ووسط دارفور، وشرق دارفور، تتواجد أربعة من أصل خمس ولايات في الاقليم تحت قبضتها. وتسيطر في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور علي الأحياء الشرقية، بينما تتواجد في الاجزاء الاخرين قوات للجيش ولحلفائها من الحركات السياسية العسكرية المنضوية تحت ما سمي "مسار دارفور" في اتفاقية جوبا للسلام". وبعد تعليق المفاوضات في منبر جدة، في بداية ديسمبر الماضي، اجتاحت قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة، وسيطرت علي مدينة مدني، بعد انسحاب قوات الجيش منها. وسقطت جميع محليات ولاية الجزيرة في يدها ما عدا محليتي المناقل و24 القرشي. ومن وضع السيطرة علي اجزاء كبيرة من ولاية الجزيرة، تقوم بانتظام بالهجوم جنوبا علي ولاية سنار، وتنتشر قواتها في الاجزاء الشمالية منها.
وحسب تصريحات لها وتقارير اخري تسيطر قوات الدعم السريع في اقليم كردفان على ولاية غرب كردفان، عدا رئاسة مقر الجيش في بابنوسة، وعلي أجزاء من ولايات جنوب كردفان، بما فيهم مدينتي الرهد وأم روابة، وعلى اجزاء من مدينة بارا التي تضم طريقا يربط كردفان بمدينة أمدرمان. وتشير تقارير الي سيطرتها علي الطريق المؤدي إلى مدينة الدلنج من ناحية ولايتي شمال وغرب كردفان، وعلي أغلب الطرق الرابطة بين ولايات كردفان. بموجب هذه السيطرة الممتدة تمتلك قوات الدعم السريع خطوط إمداد من غرب البلاد إلى أم درمان والخرطوم، ومنها إلى ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض وسط البلاد. وبموجب السيطرة علي نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور تمتلك منافذ مع الخارج عبر الحدود مع دول جنوب السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد.
في الجانب الاخر اتخذت قوات الجيش خلال معظم فترات الصراع موقفا عسكريا دفاعيا، الي حين اعلانها، بعد أكثر من عشرة اشهر من القتال، علي اجبار قوات الدعم السريع من الانسحاب من مناطق كانت تسيطر عليها في أمدرمان. وبعد معارك عنيفة هناك تمكن الجيش من السيطرة علي منطقة أمدرمان القديمة، التي يقع فيها مبني الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، ذو القيمة الرمزية القومية العالية، وعلي اجزاء اخري. ويحتفظ الجيش بقاعدة كرري العسكرية، رغم محاولات قوات الدعم السريع علي احتلالها، وشن قصفاً مدفعياً بانتظام عليها. وتشمل سيطرة الجيش من منطقة سلاح المهندسين إلى منطقة كرري العسكرية، وبعض أحياء صالحة. ويبسط الجيش كذلك سيطرته على منطقة "وداي سيدنا" في أم درمان، والتي تضم قيادة سلاح الطيران، وتعد من أهم القواعد العسكرية في البلاد، وأهم مواقع تحضير وانطلاق العمليات العسكرية للجيش في هذه الحرب.
وفي محلية شرق النيل التابعة إداريا لمدينة بحري تسيطر قوات الجيش علي "سلاح الأسلحة" و"سلاح الإشارة" - "قاعدة حطاب العملياتية" و"معسكر العيلفون"، وترتكز قواته في الكدرو وجزء من أحياء الحلفايا والسامراب. وفي وسط الخرطوم يبسط الجيش سيطرته على الجزء الكبير من مقر قيادته العامة، التي تضم وزارة الدفاع والوحدات العسكرية الرئيسية، وعلى منطقة الشجرة العسكرية، في جنوب الخرطوم. وعلي مستوي الولايات يسيطر في الوسط علي معظم ولاية سنار وكامل ولاية القضارف التي تتاخم ولاية الجزيرة. ويسيطر في غرب البلاد علي الجزء الأكبر من ولاية غرب كردفان بما فيها رئاسة مقره في بابنوسة، وبصورة شبه كاملة على مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، رغم شن قوات الدعم السريع هجمات مستمرة للسيطرة عليهما. بجانب ذلك يسيطر الجيش على الولايات، التي تعتبر "آمنة"، مثل ولاية البحر الأحمر، وولاية كسلا في شرق السودان، وولاية النيل الأزرق في الجنوب الشرقي، بجانب ولاية نهر النيل والولاية الشمالية، ويملك خطوط إمداد من الشمال والشرق، ومنها إلى ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض وام درمان.
وباعتماد الجيش منذ بداية الحرب، في الاساس، علي عمليات القصف الجوي باستعمال الطائرات الحربية والمسيّرة، استطاع من أضعاف القوي العسكرية لقوات الدعم السريع، وبذلك من الحد في تحركها وتمددها منذ سيطرتها علي ولاية الجزيرة. ولأضعاف القوي العسكرية للدعم السريع والحد من تمددها عبر القصف الجوي لارتكازاتها، يلجئ الجيش الي قصف خطوط امدادها عبر تفجير الطرق والمعابر، مثل تفجير كبري شمبات، الذي يربط بين مدينتي بحري وام درمان، في نوفمبر الماضي، وفي الشهر ذاته تدمير جسر خزان جبل اوليا، وقصف كبري مكة بمدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور، وقصف مصافاة البترول في الجيلي شمال الخرطوم. ونتج عن قصف الطرق والمعابر وعن القصف العشوائي في المدن تدمير هائل للبنية التحتية، وخسائر كبيرة في أرواح وممتلكات المدنيين، في ولاية الخرطوم والجزيرة، والنيل الأبيض وبقدار أكبر في ولايات دارفور. اما بخصوص حجم الخسائر العسكرية العتادية، والبشرية والمادية للجيشين الرسميين المتحاربين، لا تتوفر بيانات موثوق فيها، وتم التكتم عليها من جانب الطرفين المتحاربين.

2. الاستقطاب والاستنفار العسكري في الحرب ودوافعه
مع اندلاع الحرب استنفر الجيش ميليشيات جهادية اسلاموية محسوبة على الحركة الإسلامية، مثل "كتيبة البراء" و"نسور الاحتياط"، ودعم تدريب جماعات مسلحة في شرق السودان لتحصين مواقع الحكومة عقب انتقالها إلى بورتسودان. وتقدمت كتيبة البراء، التي تضم المئات من مقاتلي الدفاع الشعبي (سابقا) قوات الجيش علي جبهة القتال. وبتسيد ميليشية البراء المعارك بأم درمان، والتي أعادة سيطرة الجيش على مقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، وضح دور المليشيات الجهادية في الحرب.
ومع تمدد الحرب وتزايد الوضع الميداني الضعيف للجيش، استطاع قادته من استقطاب بعض الحركات السياسية المسلحة، والتي كانت قد اعلنت في بداية الحرب حيادها. وقبلها ارسل النائب الأول لقائد الجيش، ياسر العطا تهديدا لقادة الحركات السياسية المسلحة من دارفور، قال فيه "أما أن ينضموا الي القتال جانب الجيش أو يعودوا إلى دولتهم التي أتوا منها"، من غير أن يحدد الدولة التي "أتوا منها". وعلي أثر الضغط المكثف علي هذه الحركات من قبل الجيش وفلول النظام الساقط، وحاجتها الملحة للمال لتمويل جنودها والطموح السياسية، اعلنت حركتين من مسار دارفور الموقع علي اتفاقية جوبا للسلام، الانحياز الي جانب الجيش؛ هما "العدل والمساواة" جناح د. جبريل إبراهيم، وزير المالية في حكومة الأمر الواقع، و"حركة تحرير السودان" التي يترأسها مني اركو مناوي حاكم اقليم دارفور، بجانب منشقين من حركة "تجمع قوي تحرير السودان" التي يرأسها الطاهر حجر. وفي ظل الاشتباكات المكثفة في مدينة الفاشر، انشقت مجموعة من "حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي" بقيادة، د. الهادي إدريس وانضمت الي قوات الطيش وقوات الحركات المتحالفة معه. وكان في وقت مبكر بعد اندلاع الحرب، قد انضمت للقتال بجانب الجيش، قوات تابعة "لحركة جيش تحرير السودان" جناح مالك عقار النائب الأول لقائد الجيش البرهان في "المجلس السيادي".
ولتعويض تراجع عدد المقاتلين بسبب الخسائر العسكرية البشرية وبناء قوي عسكرية ميدانية، دعا قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في بداية العام إلى "تسليح المقاومة الشعبية وتنظيمها كي تدافع عن نفسها ووطنها في مواجهة المتمردين تحت إمر القوات المسلحة". وتصدر ما تبقي من التنظيم الأمني لحزب المؤتمر الوطني، تحت شعارات "الجهاد الاسلامي" تنظيم حملات التجنيد للشباب في ما تسمي "المقاومة الشعبية". وانضم ايضاً الي صفوف الجيش، عدد من كوادر "غاضبون بلا حدود"، الذين كان لهم تواجد بشكل قوي في الصفوف الأمامية للاحتجاجات الشعبية ضد نظام البشير، ولاحقا ضد الانقلاب العسكري في 25 اكتوبر 2021. وتلعب مشاركة المستنفرين والمليشيات الإسلاموية وقوات الحركات السياسية العسكرية في القتال، دورا مهما في عملية الانتقال من حالة المدافع الي وضع المهاجم في كلا من أمدرمان والخرطوم بحري وفي الجزيرة، مصحوبة بتكثيف للقارات الجوية، خصوصا علي نيالا المسيطرة عليها قوات الدعم السريع، وعلي مدينة الفاشر، التي تعتبر المقر الوحيد المتبقي للجيش، والذي لم تحتله قوات الدعم السريع في اقليم دارفور.
ويشير استقطاب الجيش للحركات السياسية العسكرية واستنفار المليشيات الجهادية والمتطوعين من الشباب، إلى افتقاده لقوي عسكرية ميدانية. ويمثل افتقاد الجيش لقوة ميدانية مهنية نقضة ضعف كبيرة وعامل مهم في محدودية مقدراته لتحقيق تغيير نوعي لوضعه الميداني الحالي. ووضح الضعف العسكري سواء أن كان من ناحية العتاد أو من ناحية المقدرات والجهازية والقناعات والمعنويات القتالية لجنوده، حينما انسحبت "الفرقة الأولى مشاه" بعد معارك دامت أربعة أيام، بشكل مفاجئ وقبل دخول قوات الدعم السريع الي مدينة مدني عاصمة ولاية الجزيرة، والسيطرة عليها. ومن قبل، وعلي نفس النهج، سيطرت قوات الدعم السريع علي مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، ومقر "الفرقة 16 مشاه" بعد انسحاب الجيش من قيادة الفرقة والمدينة.
وبعد انسحاب الجيش من مدينة مدني، توعد قائد الجيش لمن وصفهم "متخاذلين" بالمحاسبة، واعلن أن "كل من تعاون مع المليشيا المتمردة سيدفع ثمن تعاونه". ورغم أعلان تشكيل لجنة للتحقيق في حادثة الانسحاب من مدينة مدني، والتعهد بأنهاء التحقيق خلال أيام محدودة وبنشر نتائجه للرأي العام، لم يتم الي هذا اليوم، أي توضيح لملابسات الانسحاب، سواء الذي حدث في مدينة مدني أو قبله في نيالا. ومثلت سقوط مدينة مدني، كمدينة استراتيجية تربط وسط البلاد مع شرقها وغربها وجنوبها الشرقي، وتستضيف نحو نصف مليون نازح من الخرطوم وكمركز اقتصادي بعد اندلاع الحرب في الخرطوم "انتكاسة معنوية" للجيش، ودافعا لقوات الدعم السريع للتمدد في وسط السودان وشرقه.
وبعد اتمام الحرب في 15 ابريل الجاري لعامها الأول، تعمل قوات الدعم السريع علي تعويض الخسائر العسكرية البشرية عبر استنفار حواضنها الاجتماعية من القبائل العربية في دارفور وكردفان وجبال النوبة، وللمليشيات القبلية، والتي اعتمدت عليها منذ تأسيسها. ويفسر -والي حدا ما- اعتمادها علي تحالفات مع مليشيات قبلية مستقلة عنها ومع زعماء لمجموعات أهلية في الولايات المختلفة، مقدرتها على السيطرة علي معظم مواقع الجيش وعلي مساحات كبيرة ومتباعدة في ساحة الحرب. في هذا المضمار اعلن الجيش إلقاء القبض على مقاتلين من دولتي تشاد وجنوب السودان، ضمن قوات الدعم السريع بمدينة أم درمان. وقبلها تقدم وزير خارجية "حكومة الأمر الواقع" بشكوى رسمية لمجلس الامن الدولي ضد دولة الامارات العربية المتحدة وجمهورية تشاد، تتهمهما فيها بتقديم الدعم العسكري والمالي وبالإسناد الدبلوماسي والإعلامي والدعائي واللوجيستي لقوات الدعم السريع. وجاء في الشكوى التي قدمها سفير السودان لدى الأمم المتحدة، ان دولة الامارات تقوم بتنفيذ "مخططا آثما ضد السودان عبر مليشيا قوات الدعم السريع وغيرها من المليشيا المارقة المتحالفة معها وفرق المرتزقة من تسع دول مختلفة". ونفت قوات الدعم السريع بيانات الجيش عن تواجد "مرتزقة" من جنسيات اجنبية تحارب في صفوفها.
3. تداعيات الاستنفار والحشد الشعبي في الحرب
ومع تزايد ضمور الفرص والمقدرات العسكرية لأحداث احدي الفرقين تغيير نوعي في وضعه الميداني الحالي، يتزايد عدم الالتزام بالقواعد العالمية لحماية المدنيين والتعامل مع الاسري في الحروب. حيث تم رصد لجرائم في مناطق سيطرة الطرفين تصفو لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي، وتشير الي فقد الجيشين السيطرة علي جنودهم وعلي المنضمين الي صفوفهم من ميليشيات عسكرية قبلية اثنية وعقائدية اسلاموية في ميادين الحرب. وتتفاقم يوميا الممارسات البشعة في معاملة اسرا الجانب الآخر، وفي معاملة المواطنين العزل وملاحقتهم على اساس العرق والهوية، خصوصا في مناطق سيطرة الحيش. ويمارس طرفي الحرب الاعتقالات التعسفية للمدنيين بذريعة تعاونهم او عملهم مع الخصم، وتتزايد في مناطق سيطرتهم حالات الاختفاء القهري للناشطين ضد الحرب، ويتعرض عدد من المعتقلين للتعذيب وللموت جراء التعذيب، ويشترط على ذوي المحتجزين دفع مبالغ مالية نظير إطلاق سراحهم. وجاء في تقارير منظمات المجتمع المدني السودانية وتقارير المنظمات العالمية والاممية توثيق لعمليات نهب مسلح واغتصاب واختطاف للنساء وللشباب الزكور بغرض الابتزاز وطلب الفدية أو التجنيد الإجباري من قبل قوات الدعم السريع ومن المليشيات القبلية المتحالفة معها، والمتحالفة مع الجيش.
وجاءت حادثة قطع الرؤوس وسلخ ودهس جنود الخصم، وجريمة قتل والي ولولاية غرب دارفور، خميس عبد الله أبكر، بعد ساعات من إدلائه بتصريحات تنتقد قوات الدعم السريع في مقابلة هاتفية مع قناة تلفزيونية سعودية في منتصف يونيو العام الماضي، أي بعد شهرين من اندلاع الحرب، لتنزر لما قد يؤول له الصراع المسلح من بشاعة. وبينما اتهم قائد الجيش قوات الدعم السريع بقتل ابكر، اشارت مصادر من قوات الدعم السريع، الي أن قتله جاء في إطار الصراع القبلي الذي "يؤججه الجيش بتسليحه لأحد طرفي الصراع في دارفور". وفي مجري الصراع برزت في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع ظاهرة جماعات النهب المسلح لممتلكات المواطنين، مصحوب بقتل المواطنين العزل. وحسب تقرير ورد في جريدة الراكوبة الالكترونية، في 24 مارس الجاري ظهرت بعد سيطرة الجيش علي مناطق في أمدرمان أسواق للمسروقات تباع بواسطة عناصر مسلحة ترتدي ملابس قوات الجيش.
في مضمار وضوح فقدان تنظيمات الجيشين المتحاربين السيطرة علي جنودهم وعلي المنضمين الي صفوفهم، اشارت مؤخرا تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) في ختام مؤتمرها بأديس أبابا، الي صراعات بين مجموعات مسلحة متعددة تشارك في الحرب بجانب الجيش والدعم السريع. وتري تقدم في ذلك التطور أن "السيناريو الأسوأ هو احتمال تفكك الجيش والدعم السريع وفقدان قيادتهما السيطرة على القوات". كذلك، وفي فعالية تخريج دفعة جديدة من قوات "حركة جيش تحرير السودان" بحضور رئيسها وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، بإستاد القضارف، حذر نائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي من الخطورة المستقبلية النابعة من "تسيس المعسكرات المخصصة لتدريب الشباب الذين تطوعوا للقتال إلى جانب الجيش"، وقال إن ،"المقاومة الشعبية يمكن أن تتحول إلى خطر يهدد أمن السودان، إذا لم يتم التعامل بالقانون في توزيع السلاح".
اضافة لتلك التداعيات الناتجة عن الحشد والاستنفار من قبل الفرقين، يتوقع مع تزايد ضمور فرص وامكانيات الفرقين في التغيير في اوضاعهم الحالية في ميدان الحرب، تزايد استخدام الإغاثة للمواطنين في مناطق النزوح كسلاح في الحرب. في ذلك المضمار اوضح الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيبي بوريل، أمام المؤتمر الذي نظمه الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا لتقديم مساعدات إنسانية للسودان ولجيرانه الذين يؤوون نازحين الحرب السودانيين، أن الطرفين يقوما بمنع وصول المساعدات الإنسانية عمدا، و"يمنعان عمال الإغاثة من الوصول إلى السكان الذين يواجهون صعوبات، مما دعا لفرار مئات الآلاف من السودانيين إلى البلدان المجاورة، ...".
4. الوضع العسكري العتادي والبشري للفريقين المتحاربين
رغم الاستنفار والتحشيد من جانب الفريقين المتحاربين والاشتباكات الجارية في الفاشر بمشاركة قوات الحركات السياسية المسلحة والمليشيات المتحالفة مع الجانبين، وفي الجزيرة وفي ولاية سنار، وحول مقر قيادة الفرقة 22 في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان، والاشتباكات المتقطعة والمتفرقة في أدرمان والخرطوم والخرطوم بحري، وتكثيف القصف الجوي باستخدام "البراميل المتفجرة" والطائرات المسيرة في مناطق الحرب وفي ما تسمي ب"المناطق الآمنة"، يشير، ومنذ سيطرة قوات الدعم السريع علي ولاية الخرطوم والجزيرة، آخذ الحرب لطابع الفر والكر والقتال علي المواقع الاستراتيجية العسكرية وذات الرمزية، بأن الفرقين قد فقدا الجزء الكبير من مقدراتهم العسكرية العتادية والبشرية والمادية. ويرجع هذا الوضع العسكري للفريقين، في الاساس، الي امتداد فترة الحرب والقتال المكثف والواسع النطاق، والذي يتطلب مقدرات عسكرية عتاديه وبشرية ومصادر مالية عالية، وامكانيات تقنية صناعية عسكرية ذاتية، ودعم عسكري ومالي خارجي مستدام، والذي يفتقد له الفريقين بعد عام من الحرب.
1.4 تدمير المنشئات الصناعية العسكرية
مع سيطرة قوات الدعم السريع في 22 أبريل من العام الماضي، علي "مجمع الشجرة الصناعي" الذي يحوي "مصنع الذخيرة"، والذي كان ينتج مجموعة متنوعة من ذخائر الأسلحة الصغيرة، وعلي "مجمع جياد للصناعات"، والذي يضم مجمع "الشهيد إبراهيم شمس الدين للصناعات الثقيلة"، ولاحقا علي "مجمع اليرموك العسكري" جنوبي العاصمة الخرطوم، و"مجمع الزرقاء الهندسي" شمالي الخرطوم بحري، وتعرضهم للقصف وللنهب أثناء وبعد العمليات القتالية بين الطرفين، وانقطاع سلسلة الامداد الصناعي المعتمدة علي الاستيراد، فقد الطرفين امكانيات التزويد بالأسلحة والذخائر وتسليح الطيران والمركبات القتالية المدرعة وأجهزة الاتصالات، والطائرات المسيَّرة، والمواد الدافعة والمتفجرة، وخدمات تأهيل وصيانة الطائرات من داخل البلاد.
بجانب ضعف الامداد العسكري العتادي والبشري، يعاني الفرقين من شح كبير في الطاقة المحركة من وقود وكهرباء. بعد سيطرة قوات الدعم السريع علي مصفاة النفط الواقعة في مدينة الجيلي، والتي تقع علي بعد 70 كيلومترا شمال الخرطوم، وتعرضها لقصف بالطيران من جانب الجيش -حسب مصادر مختلفة-، وتدميرها بالكامل فقد الجانبين لاهم مصدر للوقود. وتعتبر مصفاة الجيلي هي الأكبر في السودان، وتنتج نحو 100 ألف برميل\يوميا وتغطي قدرا كبيرا من احتياجات البلاد، ويتم تصدير الفائض منها عبر ميناء بشير على البحر الأحمر عبر خط أنابيب بطول 1610 كيلومترات. تدمير المصفاة الاساسية، والتخريب الذي طال حقول البترول في غرب البلاد وخط الأنابيب، الذي يمد المصافي السودانية بالبترول الخام، وتعتمد عليه جنوب السودان لتصدير النفط،، سوف يفاقم من أزمة الطاقة للفرقين وللبلاد عامة في الامد القريب ويرفع من حدة الازمة المالية لخزينة الدولة، وبذلك في مقدرة الطيش علي تمويل الحرب.
2.4. العزلة السياسية الخارجية لطرفي الحرب
قبل الحرب وقع الفريقين بسبب مسؤوليتهم عن "مذبحة فض اعتصام القيادة العامة" في 3 يونيو 2019، واجهاضهم للانتقال السياسي الديموقراطي المدني عبر الانقلاب العسكري في 25 اكتوبر 2021، وقتل المتظاهرين في المواكب السلمية ضد الانقلاب، تحت عزلة سياسية خارجية. ورفعت الحرب الجارية من عزلتهم السياسية والاقتصادية الاقليمية والعالمية، حيث يفتقد الفريقين لأي اعتراف خارجي بشرعيتهم السياسية لتمثيل الدولة السودانية، ويتم التعامل معهم بصفة كونهم "طرفي النزاع". وتقوم المؤسسات الاممية المعنية بحقوق الإنسان وتحقيق القانون الدولي برصد خروقات القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان أثناء الاشتباكات الميدانية والقصف الجوي في المناطق الحضرية، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وقوات الجيش. ورفعت من حدة العزلة السياسية العالمية والاقليمية للطرفين: الممارسات ضد الانسانية وتصنيف بعض الافعال كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مرتكبة من قوات الدعم السريع والمليشيا المتحالفة معها في مناطق سيطرتها، ومن الجيش ومن المستفرين من المليشيا الإسلاموية. في هذا المضمار صرح قائد الجيش البرهان، بإن ظهور كتيبة البراء بن مالك ".. في فيديوهات بصورة راتبة أدى إلى أن تدير الكثير من دول العالم ظهرها للسودان".
ايضاً، وارتباطاً بالعزلة السياسية العالمية والاقليمية واسبابها، يفتقد الفرقين لتحالفات ولعلاقات سياسية وعسكرية واضحة ومعلنة مع الخارج. وتبنا الاتحاد الافريقي ومنظمة الامم المتحدة والاتحاد الاوربي والولايات المتحدة قيام "توافق" عالمي علي عدم الانخراط في الحرب، وعلي عدم تقديم أي دعم لطرفي النزاع، يسهم في إطالة الحرب، ويزيد من الكلفة الإنسانية والسياسية والاقتصادية. ويسود في هذا المضمار، القناعة عند حكومات وقيادات دول الجوار بأن أي دعم عسكري للطرفين من الخارج يؤدى الي تصعيد الحرب والي زعزعة واستقر الاقليم بالكامل. في هذا الصدد، وارتباطاً بتقارير صادرة من وكالات عالمية مختلفة عن حصول الجيش مؤخرا على طائرات مُسيرة من ايران، صرحت السفيرة الأميركية بالأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، "إن الولايات المتحدة حثت دول المنطقة على الضغط على إيران، حتى لا تتدخل في الحرب الأهلية الدائرة بالسودان". ولرفع وتيرة العزلة السياسية العالمية والاقليمية للطرفين لم يتم دعوة الفريقين الحضور في "المؤتمر الإنساني العالمي للسودان وجيرانه"، الذي دعت له فرنسا والمانيا ومفوضية الاتحاد الأوروبي، والذي عقد في باريس في يوم 15 ابريل، يوم اندلاع الحرب في الخرطوم، رغم احتجاجات حكومة الأمر الواقع علي عدم دعوتها للحضور.
3.4. الحظر الاقتصادي الخارجي علي كيانات وأفراد ذات صلة بالحرب
في جانب الضغوطات الاقتصادية علي الفريقين المتحاربين، والتي تمس الإمداد العتادي العسكري وتمويله، اعتمد "الاتحاد الأوروبي" عقوبات ضد ست شركات تتبع للجيش وللدعم السريع، تشمل تجميد الأصول وحظر توفير الأموال أو الموارد الاقتصادية بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن بين الوحدات المحظورة، شركتان تعملان في مجال تصنيع الأسلحة والمركبات للقوات المسلحة السودانية وهي "شركة منظومة الصناعات الدفاعية" و"شركة سودان ماستر تكنولوجي إس إم تي"، بجانب "شركة زادنا الدولية للاستثمار المحدودة"، التي يسيطر عليها الجيش، وثلاث شركات تنشط في شراء معدات عسكرية لقوات الدعم السريع، وهي شركة "الجنيد المتعددة للأنشطة المحدودة"، و"تراديف للتجارة العامة"، و"جي أس كيه أدفانس كومباني ليمتد". وقامت الحكومة البريطانية بعد شهرين من بداية الحرب بفرض عقوبات على الشركات الأربعة اضافة الي شركتين واحده تابعة للجيش واخري تابعة للدعم السريع، بدعوي أنهما قيامهم ".. بتغذية الصراع المدمر في السودان عبر توفير التمويل والأسلحة للأطراف المتحاربة".
ومن وقبل، قام "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك)" التابع لوزارة الخزانة الأمريكية بإدراج هذه الشركات الأربعة، بجانب فرض عقوبات على شركة "GSK ADVANCE لتكنولوجيا المعلومات والأمن"، التابعة للدعم السريع، على خلفية اتهامها الحصول على معدات عسكرية منها طائرات مسيّرة روسية الصنع. وبخصوص أفراد لهم دور في الحرب واستمرارها، قامت اوفاك بوضع وزير الخارجية في عهد النظام الساقط، و"الأمين العام للحركة الاسلامية" في السودان علي كرتي، في قائمة الحظر الاقتصادي. وهدفت وزارة الخزانة بإجراءات الحظر الاقتصادي قطع "تدفقات مالية رئيسية عن كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية .....، مما يحرمهم من الموارد التي يحتاجون إليها لسداد مدفوعات الجنود وإعادة التسلح وإعادة الإمداد وشن الحرب في السودان“. وفي 27 سبتمبر 2023 فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على "علي كرتي"، "الأمين العام للحركة الاسلامية" في السودان ووزير الخارجية في عهد النظام الساقط،، علي خلفية اتهامه بعرقلة مساعي التوصل الى اتفاق لوقف القتال.
وتزامننا مع قيام "المؤتمر الإنساني العالمي للسودان وجيرانه" في باريس، اضافت الحكومة البريطانية الي قائمة الحظر: "بنك الخليج"، الذي يلعب دورا في تميل النشاطات التجارية والعسكرية لقوات الدعم السريع، و"شركة الفاخر للأعمال المتقدمة"، التي تصدر الذهب المستخرج من قبل شركات التعدين التابعة لها، و"شركة ريد روك للتعدين"، التابعة ل"شركة سودان ماستر تكنولوجي"، والتي وتوفر الأموال للقوات المسلحة السودانية، وترتبط بالصناعات العسكرية للجيش. واعلنت ايضاً وزارة الخارجية الكندية، تزامنا مع مؤتمر باريس، فرض عقوبات على ستة كيانات وافراد على صلة بالقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع . وطالت العقوبات الكندية علي كرتي. ورغم فرض "مكتب الرقابة على الأصول الأجنبية" التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات اقتصادية وامر بالقبض علي رجل الأعمال السوداني عبد الباسط حمزة من خلفية اتهامه بتمويل ،"حركة حماس، لا ينفي ذلك قصد السلطات الأمريكية تنشيف منابع التمويل المالي للجيش في السودان عبر الشركات التي يمتلكها حمزة في السودان وعبر الاستثمارات التي يديرها في الخارج. وحسب تقارير اعلامية تم اعتقال عبد الباسط حمزة من قبل السلطات المصرية بتهمة الفساد وفي التعدين وتجارة الذهب، بينما يرجح أن القبض عليه أت استجابة لطلب من السلطات الأمريكية.
ويلعب الحظر الاقتصادي علي الوحدات الصناعية والتجارية وعلي الافراد الذين لهم علاقة بتمويل واستمرار الحرب، دورا مهما وواضحا في تقليل السبل التي تمكن الطرفين من تعويض الفقد العسكري العتادي والمادي، الذي بتفاقم مع كل يوما جديد للحرب. ويهدف توسيع قائمة الحظر الاقتصادي بضم كيانات وأفراد جدد، الي الحد من الامداد العسكري للفريقين، وذلك من خلفية ما هو معلوم لدي الفاعلين في مبادرات وقف وانهاء الحرب، وما هو متوارد في الاعلام الداخلي والخارجي عن حصول قوات الدعم السريع علي عتاد من دولة الإمارات العربية، أو مؤخرا، -حسب ،"وكالة بلومبرغ" الأميركية- في يناير الماضي، حصول الجيش علي طائرات مسيرة من ايران، وما ورد عن دورها في تحرير مباني الإذاعة والتلفزيون. حيث يظهر علي ساحات الحرب تكثيف وتوسع في استخدام تكنلوجية الطيران المسير، مثل تعرض الإفطار الرمضاني لمجموعة المليشيا الإسلاموية البراء بن مالك بمدينة عطبرة، واستهداف مبنى جهاز المخابرات العامة بمدينة القضارف، والقصف الجوي اليومي في دارفور والجزيرة. حيث تشير هذه التطورات الي وجود مصادر وخطوط للإمداد العسكري العتادي من الخارج، وأن كان محدود.
5. خلاصة
رغم التطورات الأخيرة علي ساحات القتال المتمثلة في استيلاء الجيش علي مباني الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، وعلي اجزاء من أمدرمان، وتكثيفه للقصف الجوي في دارفور وكردفان والجزيرة، ورغم الاستنفار والتحشيد من الجانبين، واستخدام سلاح الطيران المسير في مناطق الحرب وفي المناطق التي كانت "آمنة"، وما يتوقعه المراقبون من تكثيف الجيش في الأيام القادمة لعمليات هجومية في الخرطوم والجزيرة، يحارب الطرفان بقوة عسكرية وبشرية مهنية ومادية تقل كثيرا عما كانت عليه عشية اندلاع الحرب. حيث فقد كلا من الفريقين خلال عام من الحرب القدر الكبير من مقدراتهم العسكرية العتادية والبشرية المهنية والمادية، ويفتقد الفرقين للوسائل التقنية والمادية والعلاقات والطرق الشرعية مع الخارج لتعويض هذا الفقد. وحتي الامداد العسكري -الغير معلن- الذي يتم عبر قنوات وخطوط خفية، من قبل داعمين خارجيين للفرقين، والحشد والاستنفار، وتصدر قوات الحركات السياسية المسلحة والفصائل الإسلاموية والمقاومة الشعبية والمليشيات المتحالفة مع قوات الدعم السريع للمشهد، لا يتوقع استطاعة الفريقين تعويض الفقد العتادي والبشري والمادي، الذي نشأ خلال عام من الحرب. تبعاً لذلك، يصبح "السحق" العسكري، حسب ما توعد الفريقين كلاهما منذ اندلاع الحرب، امرا يصعب تحقيقه لطرفي الحرب.
في ظل "الانهاك" العسكري والمادي للفرقين، تقوم قواتهم بعمليات عسكرية هجومية في فترات متقطعة وبحجم محدود، ويغلب عليها طابع الفر والكر من اجل السيطرة علي مواقع وخطوط امداد داخل المدن وبين الولايات الواقعة تحت نيران الحرب، ويمارس الطرفين الحرب النفسية والإعلامية لأضعاف المعنويات القتالية عند الطرف الاخر، ويقوم محتسبيهم وداعميهم بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حق اسرا الطرف الاخر وفي حق المواطنين العزل، كما حدث ويحدث في نيالا ودارفور والجزيرة، أو تم في حادثة قطع الرؤوس وسلخ ودهس جنود الخصم، وقتل والي غرب دارفور. حيث يقوم محتسبي الفريقين المتحاربين وداعميهم في مناطق الحرب بانتهاكات صارخا للقانون الدولي وللاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق الإنسان وتحظر استهداف المدنيين والمنشآت المدنية خلال النزاعات المسلحة. وما القصف العشوائي باستخدام متفجرات معبأة في براميل من قبل سلاح الطيران التابعة للجيش في الفاشر وكتم وكبكابية وبابنوسة والمجلد، وحادثة قصف التجمع الرمضاني لمجموعة المليشيا الإسلاموية البراء بن مالك في عطبرة، وقتل وترويع ونهب المواطنين في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في الجزيرة، إلا ردود فعل لممارسات الجانب الاخر. ويتم الفعل العسكري الحالي من غير آفاق وفرصة حقيقية، لأنهاء الحرب عبر هزيمة "العدو" في ميدان القتال.
تحت اعتبار عدم امتلاك الفريقين للقوة العسكرية والمادية الكافية، ومحدودية دور استقطاب واستنفار المواطنين لهزيمة الطرف الاخر في ميدان الحرب، يأتي السؤال عن مدي قدر التخيل والاعتقاد عند قادة الجيشين الرسميين المتحاربين، في الصمود أطول من الطرف الاخر وتحقيق النصر في ميدان الحرب، في أمل أن يكون النصر تبرير لكل الفقد في الأرواح والمال، أو في مواصلة القتال لتحقيق وضع عسكري ميداني يحسن من وضعها التفاوضي تحقق بموجبه شروط تلبي طموحاتها في الاستمرار في السلطة السياسية والحفاظ علي المكتسبات المادية التي تراكمت عبر ثلاثة عقود من حكم عسكري دكتاتوري شمولي، والافلات من المحاسبة القانونية في كل الجرائم المرتكبة في هذه الحرب وفي الحروب السابقة وفي الفعاليات الشعبية خلال ثورة ديسمبر المجيدة.
للإجابة علي هذا السؤال، يتم في الجزء الرابع التناول للتطورات الأخيرة والمتوقعة في ساحات الحرب، وفي الخامس لمواقف قادة الجيشين المتحاربين تجاه الحل الدبلوماسي، وفي والسادس التعرض للمساعي الدبلوماسية السياسية المتمثلة في التدخلات الخارجية لإيقاف القتال، وفي السابع والاخير للتداعيات الانسانية والاقتصادية والانهيار الاقتصادي المصحوب بانفجارات شعبية سياسية العريضة والقوية، كعوامل ضغط وسيناريوهات واردة لإيقاف وإنهاء الحرب.

shamis.khayal@gmail.com
///////////////////////

 

آراء