اسئلة ايقاف الحرب: الشعب والحرب وماذا بعد (٣-٣)

 


 

 

للوهلة الاولى يبدو الشعب السوداني ضائعاً وسط المجوعات المتقاتلة ونصف تيار اصحاب المكية الفردية للقيادة والانتهازيين الكثر والتدخلات الاقليمية والدولية. لكن هذه غالبا نظرة سطحية ومتعجلة وتتأثر بشدة بظروف مابعد صدمة الحرب. وبدون تضخيم دور الشعب، فانطلاقاً من الثقة في قدرات هذا الشعب الفقير والذي اتفقت كل الحكومات ان تدمر احلامه واماله في نجاح ثورته التي استمرت عبر كل المحن والاحن والتدخلات من داخله وخارجه، فقد اثبت شعبنا قدرته على الصبر والصمود والتضحية.

لقد اشرت في المقالة الاولى ان المواطنين في قراهم وحلالهم وغربتهم استطاعوا بمواقفهم افشال مشروع الامبراطورية الاسلامية الكيزاني، وفي نفس الوقت مشروع الامبراطورية العربية الاسلامية الجنجويدي وعرب الشتات. ومنذ الايام الاولى للحرب بدأ التماسك الاجتماعي يفرض احداثياته. وفي كل قروبات الاهل والاصدقاء والجيران، بدأوا في نقل مايحدث والتنوير باماكن الخطر وتواجد لصوص الجنجويد القتلة، ونشر مخازيهم والتعاضد الشديد بين الاطراف. مع تقدم الحرب بدأت طلائع شباب الاحياء في انشاء لجان الطواريء ومجموعات التطوع لتوفير الماء ومستلزمات الحياة والصحة والكهرباء وحماية المناطق، بدأت ببطء ثم عمت كل الوطن.

حدث النزوح الكبير من العاصمة وبعض المناطق الحدودية، اغلبها الى الصلات القديمة للاسر في مسقط رأسها. وغير انتشار تروس الثورة من العاصمة الى الولايات والمدن الصغيرة والقرى والحلال، ونقل تجربتهم في منازلة اللجنة الامنية وفلولها والجنجويد ومشايعيهم. وتضحياتهم في ساحات الاعتصام والمواكب والمصادمات ونظرتهم الصائبة بشكل كبير في فهم مغاليق الجيوبوليتيكس. مثل تلاحم الشعب ببعضه تجربة لا نظير لها في التاريخ السوداني وبهذا الاتساع. لقد منع مواطني السودان من دخول السودان في حرب اهلية تدوم عقود، كما في سوريا او ليبيا واستطاعت في حصر الجريمة في طرفين يتهربان من استحقاقات جرائمهم: الكيزان والجنجويد كعصابات متقاتلة ودفعهم لركنين معزولين، هذا وبدأت فعلياً في تفكيك الجيش المختطف والوقوف بحزم مع الجيش مع الاصرار على عزل القادة الكيزان لكي لايحصدوا ثمن النصر لاي منهما. لقد ظهرت تجلياتها من رعب الجانبين من وقف الحرب لانهم سيدفعون الثمن، عاجلاً ام آجلاً.

تحت الاشجار وفي الميادين الرملية الصغيرة وفي منازل الطين والقش وعند ستات الشاي والزلابية يتجمعون ويتحاورون ويتناقشون ويتسامرون حول احلامهم الكبرى، وخبراتهم المتنوعة ومعارفهم تتشتت وسطهم. ان التفرس الدقيق وقراءة ماوراء الاخبار والتقاط مواقف المواطنين، والتحركات الباطنية وسط الجموع، بعيدا عن مخلفات السلوكيات الكيزانية من السمسرة والابتزاز واستغلال حاجات الناس بدون رحمة، وهم قلة. كلها تعكس الروح الوثابة والصبر والتضحية المتغلغلة في المواطنين في كافة ارجاء الوطن.

بعد ان افاقوا من الصدمات القاسية التي مروا بها. صنعوا معجزة تماسك المواطنين، والاصرار على السلمية واهداف الثورة، ان قوى الثورة عائدون لبناء سلطة الشعب ومن ثم الوطن الجديد.

Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842

 

آراء