الثورة ثورة وعي

 


 

 

وجّه السيد محمد عثمان الميرغني (أطال الله في عمره) ابنه جعفر "بحسم التفلتات" في الحزب الاتحادي، عوضاً عن أن يطلب من أعضاء الحزب تعميق النقاشات وتكثيف اللقاءات، لكن هذه اللغةالديمقراطية والحضارية لم تعهدها الطائفية ولم تألفها الشخصيات الاستبدادية. (فهل تختلف تصرفاتالأخير عن قول السيد الصادق المهدي (رحمه الله) يوماً لشباب الحزب الثائرين: "الباب يفوت جمل"؟)

لم يجرؤ السيد علي (طيب الله ثراه) يوماً علي استخدام هذه اللغة الاستعلائية مع الأزهري والمرضيوشيخ علي عبدالرحمن ومبارك زروق والشريف حسين يوسف الهندي (رحمهم الله جميعاً)، لكنّ ابنهاختطف الحزب منذ أيام الانتفاضة مستفيداً من استشهاد الشريف حسين يوسف الهندي ومستقوياً علىأقرانه بالمدد الذي كان يصله من الانقاذ التي كانت حريصة أشد الحرص على تدمير أحزاب الوسطمستعينة وللعجب بزعماء الطوائف.

لقد ضمّت قيادات هذا الحزب معظم رموز الاستنارة في السودان وهذا شئ طبيعي لأن خارطة الحزبالتاريخية والاجتماعية تشمل السودان الشمالي النيل وسطي الذي يعتبر مهد الحضارية الانسانية وليسفقط السودانية. كان يمكن أن يتطور هذا الحزب تطوراً يجعله منارة لإفريقيا لكن أطماع "أبناء الآلهة" أقعدته عن دوره الريادي وحالت دون تحقيق طموحه السياسي. ولذا فإن العلمانية بمعناها الإجرائي الذييتضمن فصل الطائفة عن الحزب - بموجب القانون - هي السبيل الوحيد لتطوير الحياة السياسية فيالسودان.

لقد تخلص السيدان من كافة الرموز الثقافية والفكرية في حزبهما من أجل توريث أبنائهما الحزب وهذهتعتبر أكبر جريمة أخلاقية أرتكبت في العصر الحديث؛ فلا أبنائهما قادرين على تحمل المسؤوليةلافتقارهما للخبرة المهنية والعلمية ولا الاحزاب الحداثوية قادرة على تجاوز الوسط لافتقارها للجماهيرية. حتى الأبناء افترقوا إلى شلليات، وعيال ضرات.

لم يكتف "أبناء الالهة" بتعطيل المسيرة الديمقراطية للاحزاب لكنهم أيضاً استثمروا محنة الشعبالسوداني فاغتنوا في وقت افتقر فيه الشعب. لا تعجب اذا قلت لك أن أحدهم وقد كان عاطلاً لم يعمل فيحياته قط قد ترك لورثته ١٨ مليون دولار. هذا الزعيم لم يشيد مزيرة للطائفة ناهيك عن مسجد ولم يأتبمنحة دراسية واحدة لأبناء الحزب. هذا هو الفرق بينهم وبين الترابي، فالاخير اكرم أتباعه وهيأ لهم فرصالترقي فتنكروا له، وأبناء الطائفتين جادوا بالنفس والنفيس فتنكرت لهم قيادتهم.

ما لا يدركه هؤلاء الأغبياء المغرورين أن الشعوب قد انعتقت من الخرافة، وأن الخارطة الديمغرافية قدتبدلت، وأن الوعي قد استبد بالناس فما عادت الشعوب تنقاد أو تمتثل للشعارات أو تعتبر بالكهنة. اذاكان الجهلاء يوماً في دارفور يتبركون بالتراب الذي وطئه الكهنوت فإن أحفادهم في أخر زيارة قد رشقواابنه بالحجارة. وستظل اللعنة تلاحق كل من مات أو عاش وهو غاشاً لرعيته أو كما قال (صلى).

auwaab@gmail.com
///////////////////////////////

 

آراء