ترتيبات عاجلة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى السودان

 


 

 

مقدمة مختصرة:
من المؤسف ان انحدرت الاوضاع الامنية في السودان الى المستوى ان انتشرت الحرب في كل اقاليم السودان، دون استثناء، و معها اصبح توصيل المساعدات الانسانية أمر ضروري جدا و لا مفر منه. لقد خلفت الحرب الدائرة في السودان منذ 15 مايو بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع دمارًا واسعًا للبنية التحتية للدولة. جعلت حياة المواطنين صعبة للغاية بسبب النقص الكامل في الخدمات الأساسية وانقطاع وسائل النقل والاتصالات. وشهدت الأسواق والمصانع والمستشفيات دماراً ممنهجاً جعل حياة المواطنين صعبة ، وتسبب في نزوح جماعي من الخرطوم إلى مدن أخرى ودول مجاورة.
في 11 مايو 2023 ، وقعت القوات المسلحة السودانية و قوات الدعم السريع على إعلان جدة (الالتزام بحماية المدنيين) ، في جدة بالمملكة العربية السعودية ، بعد أن سهلت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية المفاوضات المباشرة بين الطرفين.
وتعهد الطرفان في المادة (3) من الإعلان على ضرورة السماح بالعمليات الإنسانية للتخفيف من المعاناة الإنسانية ، وحماية حياة وكرامة المواطنين و غير المقاتلين أو الذين توقفوا عن القتال ، وحماية العاملين والممتلكات في المجال الإنساني. ونصت الفقرة (ب) من المادة على السماح بمرور المساعدات الإنسانية بشكل سلس دون أي عوائق ... وضمان حرية تنقل العاملين في مجال المساعدات الانسانية.
في الواقع هناك حوجة ماسة للمساعدات الانسانية العاجلة، و ستذداد الحوجة بشكل كبير و ملحوظ مع استمرار العمليات القتالية في الايام و الاسابيع و الشهور القادمة و ربما يتم تبديد تلك المساعدات الانسانية بسبب سؤ التخطيط و الادارة او بسبب الظروف الامنية الراهنة و انتشار السرقات و الاعتداءات على المؤسسات الدولية. و وجود استعداد دولي لارسال العون الانساني لا يعني بانه سيغطي احتياجات الناس على الارض، لذا كانت جهود التضامن الاجتماعي السوداني هي المقدمة لاستيعاب المتضررين من الحرب و احتضانهم و امتصاص الصدمة و الهلع. لذا سياتي اي عون انساني من الخارج لاستكمال الجانب الانساني الذي ظلت تقدمه المجتمعات المحلية لاهلها من النازحين . بعد التوقيع على إعلان جدة ، أعلنت عدة دول عن استعدادها لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة للشعب السوداني. وبالفعل ، بدأت بعض المساعدات تصل إلى الأراضي السودانية لكن مازالت الاليات الفعالة لاستقبال و توزيع تلك المساعدات غائبة و غير موجودة على ارض الواقع.
في هذا المقال نحاول ان نسهم بالرأي في صياغة أفكار لوضع خطة آمنة وعملية لإيصال المساعدات الإنسانية للشعب السوداني بمهنية وحيادية حتى يستفيد منها أكثر الناس احتياجًا. و تسترشد هذه الافكار من الاوضاع بعد اندلاع الحرب، و خبرات و قدرات المؤسسات السودانية في التصدى لمسألة حشد الدعم الدولي و ادارة المساعدات الانسانية في مثل الظروف الراهنة. كما تحاول ان تستفيد هذه الافكار من خبرات المؤسسات و المبادرات التي تعمل بمهنية و حيادية في مثل هذه الظروف، مثل تجارب الصليب الاحمر و الهلال الاحمر. و هذه الورقة تحاول ان لا تغفل المؤثرات السياسية و الامنية التي تحيط بعمليات توصيل المساعدات الانسانية الى السودان.
قيود و تحديات يجب وضعها في الاعتبار:
هناك عدد من التحديات التي تقف كعوائق امام عمليات توصيل المساعدات الانسانية. و بالتاكيد لا يمكن ان نتخيل غياب التحديات و العوائق في مثل هذه الظروف. من بين تلك العوائق التي يجب وضعها في الاعتبار عن التخطيط لعمليات ادارة المساعدات الانسانية هو انه في خلال فترات وقف إطلاق النار السابقة التي تم الاتفاق عليها بين الطرفين وتم الاعلان عنها، انتهك الطرفان باستمرار ترتيبات وقف إطلاق النار بشكل صارخ ، مما أدى إلى فقدان الثقة في إعلانات وقف إطلاق النار التالية.
ثانيا: أثناء إجلاء موظفي المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية والأجانب ، تعرضت المركبات والطائرات للاستهداف العسكري وإطلاق النار. و بالتالي اظهر اطراف الصراع عدم تقديرهما للاعراف الدولية المتصلة بحماية المنظمات الدولية ( بما فيها منظمات العون الانساني) و البعثات الدبلوماسية.
ثالثا: ينتشر المواطنون الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في العديد من المدن والأحياء داخل الخرطوم وخارجها. و تشترك القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في السيطرة على المناطق التي يتواجد فيها المحتاجون إلى المساعدات الإنسانية. و بالتالي من غير السهل توزيع الاغاثة و المساعدات بدون موافقة القوات المتحاربة و بالتالي من المهم الوصول لاتفاق وقف اطلاق النار. و لكن كيف يضمن العاملون في مجال المساعدات الانسانية ان الطرفين سيحترمون وقف اطلاق النار؟ و سيعملون على حماية الموظفين و المتطوعين في المنظمات المشاركة في ادارة العون الانساني.
رابعا: ان من الموضوعات المقلقة جدا، هو موضوع غياب مؤسسات إنفاذ القانون ، و التي تركت المواطنون يتعرضون يللقتل و الاغتصاب و التعذيب بدون رادع، و جعلت الممتلكات عرضة لخطر السرقة والنهب والتدمير دون حامي او رقيب. مما يجعل عمليات توصيل المساعدات الانسانية معرضة لخطر المصادرة و السرقة و النهب.
مدى امكانية الاستفادة من المؤسسات المحلية:
هنا نحاول نتدارس قدرات المؤسسات المحلية العاملة في مجال المساعدات الانسانية. أولا: فقدت الوكالات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني فعاليتها وتأثيرها المجتمعي. وغادر معظم العاملين في تلك المؤسسات البلاد أو نزحوا عن مؤسساتهم ولا يتمتعون بالثقة اللازمة عند الأطراف المتصارعة. ثانيا: في الحرب، يمكن استخدام المساعدات الإنسانية ومؤسساتها الوطنية كغطاء لتنفيذ عمليات عسكرية أو عمليات لوجستية لصالح الأطراف المتحاربة.
بناءً على الافتراضين المذكورين أعلاه ، لم يعد بإمكان المؤسسات الوطنية والمنظمات غير الحكومية في السودان امتلاك القدرة والكفاءة لتقديم المساعدة الإنسانية للضحايا بشكل فعال. بناءً على هذين الافتراضين، قد يمتنع بعض الأعضاء الفاعلين في المجتمع الدولي عن تقديم المساعدات ، لأنها لن تخدم الغرض الذي من أجله منح المانحون مساعداتهم إنسانية لشعب السودان.
بعد التوقيع على اعلان جدة، سارعت مؤسسات حكومية و مؤسسات مجتمع مدني في السودان، في التعبير عن جاهيزيتها لاستقبال و توزيع المساعدات الانسانية التي ستصل السودان لدرء آثار الحرب في السودان. و لكن ليس هناك دليل يثبت اهلية تلك المؤسسات و كفاءتها للقيام بمثل تلك العمليات المعقدة.
المقترحات:
استمرارا لحملات الدعم و المناصرة الواسعة التي نجح الشعب السودان في تقديمها للاهالي المتضررين من الحرب، يجب على السودانيين ان يفكروا بصورة علمية في توظيف المساعدات التي يقدمها المجتمع الدولي وفق تخطيط علمي و معايير موضوعية. و مع استيعاب الظروف السياسية الراهنة و ضعف مؤسسات الدولة من المهم الاستفادة من الاسناد الدولية في كل عمليات توزيع المساعدات. و في ذلك يجب ان يستمر جهد المنظمات الوطنية و الجمعيات الاهلية و الطوعية في تقديم كل صور الدعم و الحماية. مع مراعاة ظروف العمل الصعب في سياق بيئآت الحرب. ان حرية الحركة من أهم العوامل المساعدة في العمل اللوجستي في توصيل المساعدات، و حتى لا يتم اهدار المواد الاغاثية و لا يتعرض المتطوعين للخطر سيكون من المهم تفعيل اعلان جدة الخاص بالالتزام بحماية المدنيين.
و من ضمن الظروف الايجابية، من من المهم الاستفادة من منصة المفاوضات و إعلان جدة والالتزامات الواردة فيه، ان الاعلان يعبر عن مستوى من الاتفاق لمساعدة المدنيين، و كذلك يفتح المجال للنقاش و الاتفاق بخصوص خلق اليات لتفعيل اعلان جدة، و جعل احكامه قابلة للتنفيذ، و بالتالي تسهيل عمليات توصيل المساعدات الى مستحقيها عبر اليات فعالة و اشخاص ذوي خبرة. و لتفعيل ذلك الجانب ، نقترح ما يلي:
(أ‌) تشكيل الآلية الدولية لاستقبال وتوزيع المساعدات الإنسانية من البلدين الراعيين للمفاوضات (السعودية والولايات المتحدة الأمريكية) لاستلام وتوزيع المساعدات الإنسانية. ويساعد تكوين الالية من البلدين الراعيين للمحادثات في التنسيق بين الآلية الدولية والأطراف المتحاربة في السودان. تضم الآلية الدولية مؤسسات دولية مؤهلة فنياً في عمليات المساعدة الإنسانية وتحظى باحترام دولي. وهذا يشمل ، من بين أمور أخرى ، اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السعودي. قد تتعاون اللجنة الدولية للصليب الأحمر في المسائل الفنية على المستوى الوطني مع الهلال الأحمر السوداني إذا كان ذلك مهمًا في توصيل المساعدات.
(ب‌) يكون من اختصاص الآلية الدولية تحديد أولويات المساعدات الإنسانية ، والتنسيق مع الجهات المانحة ، وتحديد مراكز جمع المساعدات الإنسانية ، والتواصل مع الموقعين على إعلان جدة لتسهيل إيصال المواد الإنسانية إلى الناس في الداخل. مناطق سيطرة قوات الطرفين.
(ت‌) يجب على الموقعين على إعلان جدة التعاون الكامل مع الآلية الدولية وضمان سلامة العاملين والمركبات والطائرات والمواد الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
(ث‌) تتمتع الآلية الدولية بحماية دولية بموجب القانون الدولي الإنساني ، حيث ستستخدم الآلية الدولية شعاري اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السعودي. قد تتطلب حماية العاملين في الآلية الدولية ابتكار وسائل إضافية لضمان حماية العمال وسلامة المعدات والمواد والمساعدات الإنسانية ورصد الانتهاكات التي تحدث بالمخالفة لإعلان جدة.

sami.a.s.a@hotmail.com
////////////////////////

 

آراء