تعقيب على ما ورد من الصديق كمال الجزولي في الرزنامة

 


 

حامد بشري
13 April, 2023

 

عزيزنا الأخ كمال
لك التحايا والتقدير لاجتهادك الدائم في الحفر في قاع الثقافة والتاريخ والقانون وعلم الاجتماع والشعر والأدب . اهتمامي كالكثيرون بما يجود به قلمك جعلني أتتبع اساهماتك أينما أجد الوقت لذلك . سأتناول في هذه المساهمة ما ورد في الرزنامة الأسبوعية تحت العنوان ( الفوهرر بوتين ) الجزء الخاص بيوم الأربعاء وللصدفة كان تاريخ النشر الأربعاء 6 أبريل .
في أكثر من مقال حاولت أن أوضح ما دار في أوكراينا من وجهة نظري واهتمامي بما يدور في هذا الجزء من الاتحاد السوفيتي السابق الذي أوشك أن يقود العالم الي حرب نووية . أبدأ بتلخيص لمقالات عدة طرحتها بما يخص هذا الصراع علي مدار عام أو أكثر ثم بآراء لكتاب غربيين بما فيهم رأي الحزب الشيوعي الكندي ثم أختم المساهمة بما ورد في التقرير السياسي المقدم للمؤتمر السابع للحزب الشيوعي السوداني في الباب الأول تحت عنوان : الوضع الدولي والإقليمي وانعكاساته علي الثورة السودانية . كذلك رأيت أن أنقل مساهمتك آنفة الذكر الوردت في الرزنامة كاملة للقارئ حتي يسهل عليه الهدف من هذا التعقيب.

ما ورد في الرزنامة :
الأربعاء
للمرَّة الثَّانية في تاريخها تقف أوربَّا على شفا جرفٍ هارٍّ يمثِّله خطر بوتين عليها. كانت المرَة الأولى خلال 1939م ــ 1945م، عندما اجتاحها جيش الفوهرر النَّازي، فراحت بلدانها تتساقط أمامه كأوراق الشَّجر اليبيس في موسم الجَّفاف! وهنا تقوم مفارقتان:
أولاهما أن الجَّيش السُّوفييتي الذي تصدَّر قوَّات الحلفاء، واجتاح بوَّابة برلين، ليدقَّ أجراس تحرير أوربَّا، دافعاً هتلر وعشيقته للانتحار في مخبأهما، هو نفس الجَّيش الذي تشكَّلت داخله نواة القوَّات الرُّوسيَّة الحاليَّة التي يستخدمها بوتين لتهديد أوربَّا مجدَّداً! ولئن تأسَّست استرتيجيَّة هتلر على لوثة "ألمانيا فوق الجَّميع"، فقد تأسَّست استرتيجيَّة بوتين على رهاب أن الغرب لا يهدف إلا لتقسيم روسيا، وتدميرها تماماً! ولا أهمِّيَّة، في النِّهاية، للفارق بين الاستراتيجيَّتين، فكلاهما تعبِّر عن انحراف ذهاني، ولا مناص لتطبيقهما من تدمير أوربَّا، وارتكاب مختلف جرائم الحرب، والجَّرائم ضدَّ الانسانيَّة، بالاضافة إلى الابادة الجَّماعيَّة!
أمَّا ثانيتهما فهي أن بوتين، بعد مؤازرته لسياسات تدمير الاتِّحاد السُّوفييتي عام 1991م، نظر، بالنَّتيجة، فوجد القوميِّين الأكارنة منهمكين، عام 1997م، في دفع بلادهم صوب الاتِّحاد الأوربِّي، وحلف "النَّاتو"، فجنَّ جنونه، وراح يتَّهم "الغرب" بتدبير "مؤامرة لتفكيك روسيا التَّاريخيَّة"! ومن ثمَّ انطلق يطالب "الناتو" بالتَّراجع عن التَّوسُّع شرقا،ً وإزالة قوَّاته، وتفكيك بنيته العسكريَّة التَّحتيَّة من الدُّول التي انضمَّت إلى الحلف بعد 1997م، ومنع نشر أسلحة هجوميَّة "بالقرب من حدود روسيا"، قاصداً بذلك شرق أوربَّا، ودول البلطيق. في ذلك الاتِّجاه ضغط بوتين، عام 2013م، على فيكتور يانوكوفيتش، الرَّئيس الأوكراني السَّابق الموالي لروسيا، حتى لا يتقارب مع الاتِّحاد الأوربِّي، مِمَّا فجَّر احتجاجات ضدَّه انتهت بالاطاحة به في فبراير 2014م. ولمَّا تبيَّن لبوتين أن ما كان يعتزمه بالسِّياسة والتَّفاوض قد أعجزه، تماماً، انقلب يحاول فرضه بالحرب، و"البلطجة المسلَّحة"، غير آبهٍ إلى احتمال أن يؤدِّى ذلك لإشعال المنطقة، وخرق معاهدات السِّلم التي تمَّ التَّوصُّل إليها بشقِّ الأنفس، منذ أيَّام ستالين الأولى وحتَّى أيَّام غورباتشوف الأخيرة!

بذلك التَّفكير سَّيطر بوتين، عام 2014م، على منطقة القرم جنوبيَّ أوكرانيا، ودعم حرب الانفصاليِّين مع قوَّات الحكومة في شرقها، لمدَّة 8 سنوات. وفي عام 2015م أُبرم، بالعاصمة البيلوروسيَّة، اتِّفاقاً فاشلاً للسَّلام. لكنه، قبيل غزوه لأوكرانيا بفترة وجيزة، مزَّق اتفاق مينسك ذاك، واعترف بدويلتين صغيرتين أقامهما المتمرِّدون، بدعم روسي، في منطقتي "لوهانسك" و"دونيتسك". ثمَّ ما لبث، عشيَّة اجتياحه أوكرانيا، أن برَّر ذلك، دون سند على الأرض، بأن "النَّاتو" يخطِّط لإشعال القرم، وتهديد ما أسماه "مستقبلنا التَّاريخي كأمَّة"!

على أن الوضع تغيَّر الآن كثيراً. فالتَّوصُّل لاتِّفاق سلام، ووقف لإطلاق النّار بات وشيكا، حسب ميخايلو بودولياك، مستشار الرَّئيس الأوكراني زيلينسكي، لكون القوَّات الرُّوسيَّة عالقة في مواقعها الحاليَّة. بل إن المستشار الأوكراني قال، في تصريح لمحطة "بي بي إس" الأمريكيَّة: "نعمل، حاليَّاً، على وثائق سيتمكن الرئيسان من مناقشتها، والتَّوقيع عليها". وأضاف: "إن الرَّئيس الرُّوسي خفَّف من مطالبه". وفي الواقع فإن الأخير أراد، في بداية الحرب، أن يغيِّر القيادة الأوكرانيَّة لتعترف بتبعيَّة القرم لروسيا، وباستقلال الشَّرق الذي يديره الانفصاليُّون، ولتغيِّر أوكرانيا دستورها لضمان عدم انضمامها إلى "النَّاتو" والاتِّحاد الأوربِّي. لكن روسيا، في ما رشح من المحادثات، مؤخَّراً، بدأت تتَّجه للتَّسليم بعدم قدرتها على الإطاحة بالقيادة الأوكرانيَّة، وتفكر، بدلاً من ذلك، في "أوكرانيا محايدة ومنزوعة السِّلاح" على غرار النِّمسا أو السويد، وكلاهما عضو في الاتحاد الأوربِّي. لكن، بينما تعد النمسا محايدة، فإن السويد ليست كذلك، حيث أنها، في الواقع، غير منحازة، لكنها تشارك، مع ذلك، في مناورات "النَّاتو"! وعموماً ما يزال هنالك عدم اقتناع بأن روسيا تتفاوض بحسن نيَّة، فقد قال جان إيف لودريان، وزير الخارجيَّة الفرنسي إن على موسكو إعلان وقف إطلاق النار أولاً، لأنك لا يمكن أن تجري محادثات "بينما ثمَّة بندقيَّة موجَّهة صوب رأسك"!

أمَّا أوكرانيا فإن مطالبها باتت تنحصر، حسب مستشارها الرِّئاسي، في وقف إطلاق النَّار، وانسحاب القوَّات الرُّوسيَّة، وربَّما ضمانات أمنيَّة، ملزمة قانونا، توفِّر، بموجبها، دول حليفة حماية لها. ويقول مارك ويلر، أستاذ القانون الدَّولي، وخبير الوساطة السَّابق بالأمم المتَّحدة، إن تأمين الانسحاب العسكري الرُّوسي إلى مواقع ما قبل الحرب لن يكون، فقط، مطلبا أوكرانيَّاً، بل وخطَّاً أحمرَ من جانب الغرب الذي سيرفض أيَّ "احتمال لصراع روسي مجمَّد آخر"!

أوكرانيا، أيضاً، خفَّفت من موقفها أوَّل الغزو الرُّوسي، فقد قال زيلينسكي، مؤخَّراً، إن الأوكرانيين يفهمون، الآن، أن "النَّاتو" لن يقبلهم عضواً .. "تلك هي الحقيقة التي يجب الاعتراف بها .
(أنتهي ما جاء بالرزنامة)
في مقالي السابق المنشور بسودانايل تحت عنوان : ليس دفاعاً عن بوتين ولكن ....أوردت الآتي :
علي الرغم من موقف الكرملين المخزي تجاه ثورة ديسمبر السودانية الأ أن هنالك بعض المحطات والحقائق التي يجب الوقوف عندها فيما يخص الصراع الروسي / الاوكرايني .
النزاع ذو أبعاد متعددة : تاريخية ، قومية ، عرقية ، توسعية ، أضافة الي التعقيدات التي أدخلتها قوات حلف الناتو.
النعرة القومية في غرب أوكراينيا تحولت الي الشوفينية التي كانت تطفح وتختفي أيام الأتحاد السوفيتي وبزوال الدولة السوفيتيه عادة الي السطح مُجدداً . مما أنعكس سلباً علي الأحداث الآن.
كيف ظهرت النازية في أوكرانيا؟
النظام النازي كان شعاره ( المانيا فوق الجميع ) وفي نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي أُنشئت في أراضي أوكرانيا مؤسسة القوميين الأوكرانيين ورصدت لها المانيا أموالاً طائلة لتطويرها في صراعها ضد الشيوعيين والبولنديين وأستخدم هتلر هذه المؤسسة حيث تم التعاون بين الأوكرانيين القوميين والنازيين في تنفيذ العمليات القذرة ضد الشعب الأوكرايني نفسه واليهود والبولنديين . وما يدعوا للدهشة أن زعماء هذه المؤسسات الذين تعاونوا مع هتلر بتاريخهم الأسود أصبحوا اليوم أبطالاً في أوكراينا تملأ صورهم صفحات الكتب ضمن المقررات لطلاب المدارس وصورهم تُزين مداخل الشوارع. إضافة الي شعارات القوميين الأوكرانيين و الصليب النازي المعكوف التي تتزين به جيوش (آزوف) . كل هذا موجود اليوم بالمدن الأوكراينية .
بعد أنهيار الأتحاد السوفيتي وأثناء فترة (يلسين) وجدت العناصر اليهودية بموسكو فرصة للوصول الي رأس مال الدولة وبطشت به وتولت تصديره الي أسرائيل و أوربا ثم عبر الأطلسي الي نيويورك . وبوصول بوتين الي السلطة تم القضاء علي هيمنة عناصر المال اليهوديه والزج بمعظمهم في السجون ومن ثم التحكم في أقتصاد الدولة والقضاء علي المافيا الروسية التي كانت تتصدرها العناصر الصهيونية . أما في أوكراينا التي أصبحت دولة مستقله بعد سقوط الأتحاد السوفيتي فقد صارت مرتعاً خصباً لنهب أموال الدولة الشيئ الذي جعل كل من بحوزته المال الوصول الي السلطة وفي هذا يرجع الفضل في إنتخاب الرئيس الحالي فلاديمير زيلينسكي (41 عامًا) ذو الأصول اليهودية الذي يحمل الجنسية الأسرائيلية . بوصول زلينسكي الي السلطة ومعه مجموعة من الأوليغارشين شرعوا في تمويل الكتائب النازية التي أستخدمت وتستخدم في مواجهة المواطنيين الروس والناطقين بالروسية في شرق أوكراينا . هذه الخلفية مهمة لشرح الأحداث التي نشبت قبل حوالي ٨ اعوام في شرق أوكراينا (أقليم الدنباس) حيث تعرض ساكني هذا الأقليم الزراعي الخصب للأضطهاد والمضايقات من قبل حكومة كييف وزج بالمعارضين في السجون ومُورس ضدهم التهجير القسري حيث وصل مرحلة القذف بالمدفعية والطائرات وتم حرق بعضهم وهم أحياء علي يد القوات الاوكراينية التي شاركت معها بالوكالة قوات من حلف الناتو الذي أشرف ويشرف علي تدريبات عسكرية لجنود أوكراينيين . كما حُظر علي مواطني هذا الأقليم التخاطب باللغة الروسية ( لغة الأم ) وأرغموا علي التحدث باللغة الأوكراينية . هذا الأجراء من قبل حكومة كييف حدا بالجمهوريتين ( لوقانسك ودانيسك ) في أقليم (دنباس) بأعلان أستقلالهما من أوكراينا بناءً علي الأعراف الدولية والقانونية التي تدافع عن حقوق الأقليات.
وعلي الجانب السياسي هنالك صراع غير معلن يديره الأوليغارشييون الذين يتحكموا في أوكراينا هدفه الرئيسي تقسيم أغنى الأراضي الأوكرانية والتي تعتبر من أكثر الأراضي خصوبة على وجه الكرة الأرضية ، والكنز الحقيقي الذي تمتلكه أوكراينا . العقبة الأساسية في ذلك هو أن القانون الأوكرايني الحالي يمنع تملّك الأجانب لأراضي الدولة وفي هذا الصدد وعد الرئيس زيلينسكي أنه سوف يلغي هذا القانون ، أنصياعاً لشروط البنك الدولي التي تم وضعها علي طاولة زيلينسكي حال نجاحه في ضم شرق أوكراينا المنطقة المتنازع عليها (أقليم الدنباس) الي دولة أوكراينا. هذا الألغاء يهدّد أوكراينا بكارثة مجتمعية ، حيث يتم تحويل هذه الدولة تدريجياً إلى مستعمرة . هذه هي أحدي الأسباب التي تجعل زيلنسكي يرفض الوفاء بشروط أتفاقية مينسك التي أنهارت في يناير 2015 والتي تمنع الأجانب من تملك أراضي في أوكراينا .
وفي المقال الثاني تطرقتُ الي الموقف العالمي لهذه الحرب التي أُطلق عليها " العملية العسكرية الروسية الخاصة " حيث وضعتْ رئيس الوزراء الروسي فلاديمير فلاديميرفتش بوتين أمام خيارين أحلاهما مر أما وضع نهاية لمسار الولايات المتحدة علي العالم ورسم خريطة جوسياسية جديدة تنهي عنجهية وهيمنة الولايات المتحدة التي تعتقد أن عليها سيادة العالم أو أنتصار للفاشية والنازية الجديدة بحليفها الرئيسي الولايات المتحدة وتبعاتها من الدول الغربية . وعلي صعيد آخر نجد التدخل الأمريكي في شئون دول العالم وفي تغيير الأنظمة والحكومات يزداد حدة وبوتيرة سريعة و أوشك أن يكون ظاهرة عادية مثلها ومثل الكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات تتقبلها دول المعمورة راضية مرضية . تمثل ذلك في غزو العراق ، أفغانستان ، شيلي ، بنما ، نيكاراجوا ، غرانادا ، الكويت ، يوغسلافيا ، سوريا ... الخ . ورد في بعض الأدبيات أن أمريكا تدخلت وحاولت التدخل لتغيير الحكومات في حوالي 52 قطراً في القرن الماضي. ومن المفارقات أن حكومة أوكراينا بقيادة (زيلنسكي) التي تعترض حالياً علي تدخل القوات الروسية في الجزء الشرقي من أوكراينا لحماية المواطنيين الذين يتحدثون اللغة الروسية هي نفسها قد شاركت فعلياً مع الجنود الأمريكان في غزو العراق متبعة سياسة الكيل بمكالين.
وبالرجوع قليلاً الي تسعينات القرن الماضي وتحديداً في فبراير 1990 ظهرت بعض الوثائق من الأرشيف القومي الأميركي بعد أن رُفعت عنها السريّة ، فحواها أن الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف كان قد تلقى ضمانات أمنية شفهية ضد توسع حلف شمال الأطلسي باتجاه الشرق ، من الرئيس جورج بوش (الأب) ووزير خارجيته جيمس بيكر ومستشار ألمانيا هيلموت كول ورئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران حينما طُلب منه أن يسمح لالمانيا الشرقية بالوحدة مع المانيا الغربية . أتت الأجابة من جيمس بيكر بجملة شهيرة "لا بوصة واحدة شرقاً" لو تمت الوحدة . في تأكيد صريح على عدم نيّة واشنطن توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً . وفي أجتماعه مع غورباتشوف في التاسع من فبراير/شباط 1990، كرر بيكر عبارة "ولا بوصة واحدة شرقاً" 3 مرات، في موافقه منه على تعقيب غورباتشوف بأن توسيع حلف شمال الأطلسي غير مقبول. وأكد بيكر لغورباتشوف قائلاً "لا الرئيس الأميركي ولا أنا نعتزم أنتزاع أية مزايا أحادية الجانب من العمليات الجارية" . ومن المهم أن يكون لدينا ضمانات بأنه إذا أبقت الولايات المتحدة على وجودها في المانيا في إطار حلف شمال الأطلسي، فلن تمتد الحدود العسكرية لحلف شمال الأطلسي في أتجاه شرقي ولا حتى لبوصة واحدة . وتُظهر الوثائق أن غورباتشوف وافق على توحيد ألمانيا وبقائها عضواً في حلف شمال الأطلسي نتيجة لهذه السلسلة من التأكيدات، وعلى أن تسوية ما بعد الحرب الباردة سوف تأخذ في الأعتبار المصالح الأمنية السوفيتية . الخدعة الكبيرة التي مارسها وزير خارجية الولايات المتحدة جيمس بيكر في عام 1990 والذي تعهد بموجبها بأن حلف الناتو لن يتوسع بمقدار بوصة واحدة خارج الحدود الشرقية لألمانيا الموحدة ، مهد الطريق للوضع الحالي في نهب أصول الدول الأشتراكية في عدد منها بما في ذلك المحاولات الفاشلة الأخيرة في بيلاروسيا وكازاخستان . هذه المحاولات تم التخطيط لها وتمويلها من قبل الولايات المتحدة ووكالة المخابرات الأمريكية وحلف الناتو .
هذه العهود لم تستمر طويلاً فأقترح البنتاغون في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1990 ترك "الباب مفتوحاً" لعضوية دول أوروبا الشرقية في حلف الناتو ، ويرجح كثير من المعلقين جذور أزمة أوكرانيا الحالية إلى تجاهل غورباتشوف تقنين الوعود الشفهية، إضافة إلى إصرار حلف الناتو، وتأكيده خلال العقدين الأخيرين على أن عملية التوسع مفتوحة وأن أي بلد يستوفي معايير العضوية مؤهّل للانضمام، على الرغم من أن هذا ليس تماماً ما تقوله معاهدة تأسيس الحلف .
وفي فبراير 1992 صدرت في الولايات المتحدة وثيقة تم التكتم عليها في ذلك الوقت و أُطلق عليها أسم (عقيدة بوش) ملخصها كالآتي:
أولاً : الولايات المتحدة لا تسمح لاي دولة أخري مرة ثانية أن تنافسها.
ثانياً: الولايات المتحدة يجب أن تبقي القوي العظمي الوحيدة ، ونحن نطلب من الدول الحليفة لنا أن لا تقلق بشأن تطوير أسلحتها لاننا سنقوم بهذا الواجب نيابة عنهم .
ثالثاً: يجب أن لا تغمض لنا عين تجاه روسيا لاننا لا ندري في أي أتجاه تسير العواصف .
The bear might get up on his hind legs again and growl
وكان من نتائج هذه السياسة الأستنتاج الخاطئ بأن روسيا لم تعد قوي عظمي . وفي بداية سنوات الرئيس كلنتون تم أتخاذ قرار بتوسيع حلف الناتو حيث أنضمت اليه بولندا والشيك والمجر . وهذا خطأ شكل بداية الأزمة التي نحن فيها الآن .
وبأستلام بوتين السلطة في عام 2000 وحتي قبل ذلك التاريخ منذ مارس 1985 وحتي عام 2007 لم يتم تدوين أي حادثة أو فعل مُشين من قادة الأتحاد السوفيتي ومن بعده روسيا يمكن أن تكون سبباً خيب آمال أو عكر صفو سيدة العالم أمريكا بل العكس تماماً .
1- تم توسع حلف الناتو حيث ضم في عضويته جمهورية الشيك وبولندا والمجر وأستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، وسلوفينيا ، وسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا . أنتقد هذا التوسع قادة عسكريين وسياسيين وأكاديميين في الولايات المتحدة الأمريكية حيث حسبوه بأنه خطأ سياسي ذو أبعاد تاريخية وتمت تحذيرات كثيرة للناتو من عدم أتخاذ هذه الخطوة لأن هنالك بعض الدول التي ستحذوا حذوه ، الشيئ الذي أثار حفيظة يلتسن مما حدا به الأدلاء بتصريح خلا من الدبلوماسية (روسيا ليست هايتي) كما وعد بأنها ستأتي للمرة الثانية .
2- شاركت منظمة حلف الناتو في تفكيك يوغسلافيا، وأجرت أول تدخلاتها العسكرية في البوسنية من عام 1992 الي 1995 ثم في وقت لاحق من عام 1999. تم تدمير يوغسلافيا بالكامل من قبل الناتو ولم تتم حتي أدانه لهذا العدوان الشنيع من الأمم المتحدة .
3- تم الأعتراف بكوسوفا وهي التي كانت جزءً من صربيا .
4- وعند وصول بوتين للسلطة في عام 2000 قدم طلباً بأن تكون روسيا عضواً في حلف الناتو، وأستند الي عدة حقائق منها أن الناتو قام لكي يحمي أوربا من التوسع السوفيتي واليوم لا يوجد أتحاد سوفيتي أضافة الي أنه لا يوجد حلف وارسو فلماذا لا نشرع في تكوين منظمة نكون نحن جزءً منها ونعمل جميعاً لحمايتها . و رُدْ هذا الطلب سلباً في وجه رئيس دولة تمتلك أكثر من عشرة آلاف من الرؤوس النووية . لم يكتفي بوتين بهذا التجاهل لطلبه بل عرض علي عضوية الدول الغربية أن تكون روسيا جزءً من الأتحاد الأوربي فأتت الأجابة : روسيا قطر كبير وليس هنالك مكان لها .
وفي 10 فبراير من عام 2007 بمدينة ميونخ بالمانيا عند أنعقاد مجموعة العشرين حينما وصل السيل الزبي ونفذ صبر بوتين صرح بالآتي :
أعتقد أن توسع الناتو شرقاً لا يمت بصلة الي تحديث الحلف ولا بتعزيز الأمن الأوربي وإنما علي النقيض يمثل إثارة وأستفزاز ويقلل من الثقة المتبادلة بيننا كما يحق لنا أن نتسآل ضد من هذا التوسع ؟ وماذا تم بخصوص تعهدات الغرب بعد أن تم حل حلف الناتو؟ أين هذه التعهدات والأتفاقيات التي تم توقيعها والتي التزم فيها حلف الناتو بعدم التوسع شرقاً؟ الآن لا أحد منكم يتذكر هذه الأتفاقيات . أسمحوا لي أن أذكر الحضور في 17 مايو 1990 ذكر مستر (برينر) في الأجتماع الشهير نحن ليس مستعدون لوضع قوات الناتو خارج حدود المانيا ونعطي الأتحاد السوفيتي ضمانات بذلك . سؤالي أوجهه للحضور أين هذه الضمانات الآن . وفي عام 2018 علي ما أظن صرح بوتين بالآتي : خطأنا أننا وثقنا بكم ثقة مفرطة وخطأكم محاولاتكم المتعددة أن تغتنموا هذه الثقة . هذا الوضع المتردي صار مبرراً في أزدياد عدم ثقة بوتين بالغرب . أضف الي ذلك أن صورة بوتين وتشبيهه من قبل هيلري كلينتون بأنه أسوء من هتلر كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير في زعزعة الثقة .
لنا أن نستدرك أن التدخل الأمريكي في شئون وسياسات الدول الأخري بدأ مبكراً ، ففي عام 1850 ناشد السيناتور (هيل) أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الولايات المتحدة بالتدخل في شئون الدول الأخري بحجة أن هذه الدول التي يتم التدخل في شئونها تحيد عن (الطريق القويم) كما عبر عن ذلك . أمريكا تبرر تدخلها في شئون الدول الأخري بأنه تدخلاً حميداً وفيه منفعة للآخرين أما تدخل روسيا فهو غير حميد ويشكل ضرراً .
في هذه الأجواء الغير مُرحبةً بالتعاون والمتنكرة للمعاهدات والأتفاقيات الدولية وجد بوتين نفسه في موقف عمرو بن العاص (مكره أخاك لا بطل) .

ورد من الحزب الشيوعي الكندي تلخيص هذه الحرب فيما يلي :
في الواقع تعود جذور هذه الأزمة الي أكثر من ثلاثة عقود علي أقل تقدير في الأتحاد السوفيتي (سابقاً) ودول أوربا الشرقية الأخري حينما صرح الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطابه بتاريخ 11 سبتمبر 1990 أن واشنطن لن تكون راضية عن أستعادة الرأسمالية فقط في المعسكر الأشتراكي وانما تسعي للتحول الأيجابي في ميزان القوي لبناء " نظام عالمي جديد" يوطد هيمنة الولايات المتحدة علي كل ركن من أركان المعمورة . وهذا في رأي الحزب الشيوعي الكندي يعني : عدم السماح لدول المعسكر الأشتراكي مرة أخري بالأطلاع بمركز قوي وإنما يظل دورها كتابع ومصدراً للعمالة الرخيصة والموارد الطبيعية للأمبريالية الأمريكية وحلفائها من الدول الأوربية
هل التدخل العسكري الروسي في أوكراينا عملاً عدوانياً غير مبرر؟
تمت أستفزازات لا حصر لها من قبل الأمبريالية الأمريكية وحلف الناتو وعملائها المحليين في كييف علي مدي السنوات العديدة الماضية بهدف تهديد المصالح والمخاوف الأمنية المشروعة لجمهورية روسيا وتشمل هذه من بين أمور أخري :
1- التوسع الشرقي المستمر لحلف شمال الأطلسي ( بما في ذلك الأنفتاح علي جورجيا وأوكراينا للأنضمام لحلف الناتو) والتي تتيح التمركز الأمامي لقوات الناتو علي أبواب روسيا .
2- الغاء وأشنطن أحادي الجانب لاتفاقية القوي النووية المتوسطة بين أمريكا وروسيا.
3- إنقلاب 2014 في أوكراينا الذي أطاح بحكومة يانوكوفيتش والذي تم تنظيمه من قبل وكالات الأستخبارات الغربية ، بالتعاون مع العناصر القومية الأوكراينية اليمينية المتطرفة والعناصر النازية الجديدة وجد آذاناً صامته من واشنطن وعواصم غربية أخري أضافة الي القصف الوحشي من حكومة كييف لمنطقة دنباس المنفصلة منذ عام 2014 والذي أودي بحياة 13000 شخص بما في ذلك الآلاف من المدنيين .
4- شحن أسلحة الناتو والذخائر والمستشارين العسكريين والمُدربين لنظام كييف للأنقلاب علي الحكومة المنتخبة وفي هذا لعبت كندا دوراً مهماً تحت المسمي الرمزي " عملية الوحدة "
5- القمع الوحشي من قبل النظام القومي اليميني المتطرف في كييف للروس واليهود والغجر والاقليات الأخري والذي شمل الشيوعيين والتقدميين والنشطاء الأجتماعيين الآخرين .
كذلك جاء في بيان الحزب الشيوعي الكندي مايلي :
لقد تم أنتهاك ميثاق الأمم المتحدة عدة مرات وفي أجزاء كثيرة من العالم من خلال العقوبات الأقتصادية أحادية الجانب وغير القانونية المفروضة علي الجارة كوبا وفنزويلا والعديد من البلدان الأخري . فعلي سبيل المثال ، في حرب الناتو عام 1999 علي يوغسلافيا ، وفي فلسطين من قبل دولة أسرائيل الصهيونية وفي إسقاط حكومة القذافي في ليبيا عام 2011 ، وفي سوريا من قبل الحرب بالوكالة التي رعتها الأمبريالية خلال العقد الماضي والاحتلال الأمريكي المستمر لشمال شرق سوريا أضافة الي الحرب الأمريكية / السعودية علي اليمن وهذا قيض من فيض.
هنالك العديد من الأمثلة علي مناورات الأمبريالية الأمريكية وحلفائها لتكثيف الحرب وإطالة أمدها والوقوف ضد كل مسعي للتوصل لحل سلمي . نوضح القليل من الأمثلة التي تستحق الأهتمام :
1- ما تم الكشف عنه مؤخراً وأكده العديد من القادة في وأشنطن وبون ولندن أنه لم تكن نية القوي الغربية الضغط في أي وقت من الأوقات علي كييف لتطبيق شروط مينسك الأولي والثانية 2014 – 2015 لتجنب الصراع وأنما علي الأحري تشجيع حكومة كييف علي المناورة لكسب الوقت لعسكرة أوكراينيا من أجل خوض حرب نهائية مع روسيا .
2- رفض وأشنطن الفوري والقاطع لمقترحات موسكو ، المقدمة في كانون الأول (ديسمبر) 2021 عشية أندلاع الحرب ، لحل وحماية المخاوف الأمنية المشروعة لجميع دول المنطقة .
3- التدخل السري للقوي الأمبريالية لإلغاء مفاوضات السلام الوليدة بين البلدين كييف وموسكو في الأشهر الأولي من الصراع برعاية من حكومات بيلاروسيا وتركيا .
4- دور الولايات المتحدة في تفجير خط أنبوب الغاز السيل الشمالي (نورد ستريم ) في بحر البلطيق في سبتمبر 2022 مما يعد جريمة حرب في حد ذاتها كما وثق لها الصحفي الشهير ( سيمور هيرش ) .
فيما يتعلق بالحرب في أوكراينيا علي وجه التحديد ، ليس هنالك شك في أن الولايات المتحدة الي جانب الناتو وحلفائها الآخرين هم القوي الرئيسية الدافعة للتصعيد ومنع أي وقف لإطلاق النار وتسوية سياسية تفاوضية للصراع .

أما رأي الحزب الشيوعي السوداني فنجده موثق في التقرير السياسي للمؤتمر السابع ونختطف منه الفقرة التي تعكس رأيه في هذا الصراع :
أختلاف القوى الإمبريالية الأوروبية فيما بينها، حول مطالب روسيا لوقف تمدد حلف الناتو إلى حدودها مستندة إلى اتفاقيات سابقة في منيسك بين غورباتشوف ويلتسين مع أمريكا وحلف الناتو قضت بحل حلف وارسو شريطة تأمين حدود روسيا، وبعدم تقدم حلف الناتو شرقًا، وأن لا يضم حلف الناتو أيًا من الدول التي كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي. غير أن أمريكا والدول الغربية لم تلتزم بالاتفاقيات وضمت عددًا من الدول التي انفصلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي إلى حلف الناتو، وقد رفضت روسيا الاتحادية اعتمادًا على الاتفاقيات السابقة، حث أمريكا والدول الغربية أوكرانيا وطلبها للانضمام لحلف الناتو، وتهديد أمن روسيا الاتحادية التي طلبت ضمان حياد أوكرانيا، وسحب قوات الناتو من بعض بلدان شرق أوروبا وأيدت الصين المطالب الروسية، وحاولت حكومات فرنسا وألمانيا وإيطاليا نزع فتيل الغزو، ولجم أحتمالات الحرب، إلا أن القيادة الروسية ابتهلت فرصة الرد السالب لمطالبها، من أمريكا ودول حلف الناتو، لإعلان اعترافها بنتائج استفتاء تقرير المصير في 2014 واستقلال دولتي دونباس من الدولة الأم أوكرانيا، كما أعلنت روسيا وضع أداة الردع النووي الخاص بها في حالة استعداد؛ ردًا على تصريح بايدن رئيس الإدارة الأمريكية؛ أن البديل للمفاوضات هو الحرب النووية، وبذلك صار ضم منطقة القرم لروسيا الاتحادية أمرًا واقعًا، واستقلال دولتي دونباس من وجهة نظرها لضمان حيادية أوكرانيا وخلوها من الأسلحة الفتاكة؛ ومن ثم بدأت في احتلال الأراضي الأوكرانية .

أعتقد أن رأي الحزب الشيوعي السوداني أصاب جزء من حقيقة الصراع وليس فيه شاردة أو واردة الي النازية التي أُتهم بها بوتين في المقال المذكور وعلي الرغم من ذلك يصاب القارئ بالدهشة حينما يجد أن المقال المذكور تم تزينه بصورة لبوتين شبيه لهتلر في صحيفة الحزب الرسمية . هذا إضافة الي التناقض الصريح بين رأي الحزب وما أورده الصديق كمال الجزولي .

واجبنا الأساسي الترويج لقضية السلام و المطالبة بوقف إطلاق النار والتسوية التفاوضية والعمل مع القوي الديمقراطية المحبة للسلام لانهاء النزعة العنصرية والفاشية التي تسربت الي غرب أوكراينا .

حامد بشري

 

hamedbushra6@gmail.com
////////////////////////////

 

آراء