جلّادونا .. من هم؟!

 


 

 

"الخراف تقضي كل عمرها خائفةً من الذئب.. فيأكلها الراعي"
.
المقدمة:
نود أن نتدارس في هذه السانحة المحن والمرائر التي مرت بها الأقليات المسلمة حول العالم، من خلال دراسة الأحداث والوقائع التي واكبت تلك المحن في بواكير تشكلاتها، ثم عملت كعلل ومقدمات منطقية أحدثت شروخا إجتماعية، كان لها الأثر السلبي الذي أفسد تعايش تلك الأقليات وسط حواضنها الإجتماعية في انسجام كان قد دام لمئات السنين.
إن من ابرز تلك المقدمات والعلل التي نسعى هنا لإلقاء الضوء عليها، هي ظاهرة نزوع متشددين في اوساط تلك الأقليات، وأحيانا من خارجها، لتبني العنف أو ما يصطلح على تسميته الجه/اد، كوسيلة تتخذ في ظاهرها شكل الثورة المطلبية المسلحة، بينما جوهرها تعود لدوافع ميتافيزيقية فردانية، مستقلة ومعزولة تماما عن مساقات الواقع الإجتماعي لتلك الأقليات، إذ أنها تتعلق في المقام الأول ببحث أولئك المسلحين عن موعدة ربانية اذا ماهم قضوا مقاتلين في سبيل الله.. إن أولئك المج/اهدين لا يكلفون أنفسهم العناء في جرد الأرباح والخسائر على مستوى الدماء والأرواح، التي ربما يجلبها هذا المنحى الذي يتبنونه في سعيهم للشهادة، والذي طالما خلف خسائر باهظة وجسيمة في حياة تلك الاقليات في الحرث والنسل والانفس والدماء والثمرات. يحدث ذلك العنف وسط مجتمعات مدنية مسالمة متعددة الاعراق والثقافات والأديان، اعتمدت في سائر أيامها الإنسجام والتعايش السلمي والنضال المدني الاعزل كوسائل وحيدة للتدافع من اجل المطالبة بالحقوق وتحسين الاوضاع الإجتماعية.
في البداية، يلزمنا كما اسلفنا أن نعدد الخلفيات التاريخية لأحداث كانت قد تخذت شكل العلل والمقدمات المنطقيه لأزمات أعقبتها، كابدتها تلك الأقليات في العديد من دول العالم. الشئ الذي يجعل دراسة تلك الفظائع التي عانى فيها مسلمون حول العالم من عمليات تعدي شملت الإبادة، التطهير العرقي، والتهجير القسري. إذ أن دراستها كظواهر مستقلة، وتناولها كأزمات من خلال سرديات تعزلها عن المقدمات والتداعيات التي كانت قد سبقتها، إنما تتعمد إهمال العبر والخلاصات المنطقية التي كان بإمكانها أن تساعد المجتمع الدولي، والعالم الإسلامي على سبيل الخصوص، لاتخاذ التدابير التي قد تعينه مستقبلا لتحاشي تكرار مثل تلك الفظائع وتجنيب العالم المزيد من الخسائر البشرية وشلالات الدماء.
النص:
أورد ههنا نماذج من ابرز الأزمات المعاصرة التي عاشتها وتعيشها اقليات مسلمة حول العالم، كانت قد تعرضت لعمليات إبادة وتهجير وتطهير عرقي.. من قبل نفس المجتمعات التي ظلت تعايشها وتتلاقح معها منذ مئات السنين.. نورد كمثال لذلك:
١/ مأساة الأوقر في الصين
في ما قبل العام ٢٠١٤ كانت قد انطلقت من الإقليم الواقع غربي الصين، عمليات جهادية شملت أعمال عنف مسلح وتفجيرات انتحارية تورطت فيها جماعات جه/ادية مسلحة تحت اسم حزب تركستان الإسلامي (تي آي بي) كحزب له ارتباطات بتنظيم الدولة الإسلامية وفق تقرير كانت قد أوردته صحيفة اللوموند الفرنسية¹.
كانت اعمال العنف تلك بمثابة مبرر كاف لحكومة الصين، مثل ستارا إعلاميا كثيفا لإطلاق عمليات عسكرية ضد سكان الأقليم، لم تقتصر على تجريم الطقوس الدينية، بل تعدتها لحشد الشباب في معتقلات تركيز جماعية بحجة تحييدهم من الأفكار والثقافات المتطرفة بحسبانها تمثل تحديا للنهج العلماني الذي تتبعه حكومة الحزب الشيوعي في الصين.
أسفر العنف الرسمي الذي شنته الحكومة الصينية عن عمليات قتل وتعذيب واختطاف وتهجير قسري واسعة النطاق، لم تقتصر على المسلحين والمتفلتين في التي آي بيه، بل شملت أحد عشر مليونا من مسلمي الأوقر العزل المسالمين.
٢/ مأساة مسلمي افريقيا الوسطى:
في العام ٢٠١٣ قامت مليشيات مسلحة مدعومة من قبل الحكومة الإسلامية في الخرطوم بالتعاون مع الجيش التشادي، تحت مسمى مليشيات السيليكا، بشن عدوان على نظام بوعزيزيه في بانقيه في افريقيا الوسطى، مما تسبب في إسقاط النظام القائم وإرسال رئيسه إلى المنفى.. وأعقب ذلك عمليات قتل طائفية واسعة النطاق في بانقيه، رافقتها أعمال نهب للأموال والممتلكات والقطعان.. ومما زاد الأمر سوءا إقدام تلك المليشيات على تنصيب رئيس بديل للبلاد من المسلمين فيها، علما بان المسلمين هناك يمثلون اقلية لا تتجاوز الخمسة وعشرين بالمائة من مجموع سكان البلاد.
أدى الأمر إلى إعتقاد ساد الأوساط الشعبية في بانقي بتورط الطائفة المسلمة فيها بتدبير العدوان، واعتبارها مسئولة بصفة غالبة عن أعمال العنف وإراقة الدماء، والنهب والسلب الذي طال معظم سكان البلاد ومدنها وقراها.
كانت النتيجة الحتمية لذلك العنف أن تعرض المسلمون من المدنيين والعزل في افريقيا الوسطى، ربما لأول مرة في التاريخ الحديث، لعمليات قتل وسلب وتهجير قسري افسد التعايش السلمي الذي ظلوا يتمتعون به في بلادهم من قبل شركائهم في الوطن والأرض والمصير.
٣/ مذابح الروهينغا في بورما:
في العام ٢٠١٣ إحتلت لقطة للكاهن البوذي المتطرف ويراثو صورة الغلاف في مجلة التايم الأمريكية، وقد علاها تعليق "الإرهاب البوذي".. كان ويراثو قد أسس جماعة بوذية متطرفة مسلحة في العام ٢٠١٤، لمواجهة اقلية مسلمي الروهينغا في إقليم اركان الذي تقطنه أغلبية بوذية. بدا ذلك كردة فعل إثر دعوات لمناصرة مسلمي الروهينغا في سعيهم لانتزاع حقوقهم المدنية، إنطلقت في العام ٢٠٠٩، لم تقتصر على أبناء الروهينغا بالشتات، والدول المسلمة المشاطئة للمحيط الهندي بل تجاوزتها لتشمل تنظيم القاعدة الذي كان يعتقد وقتها بصورة واسعة، ضلوعه بتدبير هجمات الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ على برجي التجارة في لاوار مانهاتن في نيويورك.
كانت صيحات التضامن التي أطلقها مسلحون مسلمون، كافية لدفع الجيش في ماينمار لارتكاب أكبر عملية قتل وإغتصاب، وتهجير قسري وخروج جماعي (إكسودس) عرفتها الإنسانية في تاريخها الحديث وفق تصنيف الأمم المتحدة².
٤/ المشكل المفاهيمي
لا يهدف هذا المنشور لنقد الحجج والبراهين التي تدعم فرضية حمل السلاح وإعلان الج/هاد المسلح لمناصرة مجتمعات تتعرض للعسف السياسي من قبل أنظمة مستبدة ومتشددة، أكثر مما يهدف للتدليل أنه في المجتمعات الغربية او الآسيوية الحديثة قد أصبح متاحا اكثر من ذي قبل وسائل وخيارات للنضال المدني السلمي، كالإضراب والتظاهر والمقاطعة، واللجوء للقضاء، ربما تكون أكثر فعالية واكثر انسجاما مع متطلبات التعايش المدني في اوساط المجتمعات المتباينة في ثقافاتها وعقائدها.. لا بد ان نعترف ان القضايا الاجتماعية حول العالم لا تتطابق وقع الحافر على الحافر، إنما تختلف عن بعضها كيفا ومقدارا.. وأن حلاً واحدا وهو العمل المسلح إن صلح في بعضها، ربما لا يكون خيارا منطقيا ناجعا في أكثرها.
إن كل الأديان والكتب السماوية ومقررات العهد الدولي لحقوق الإنسان، إنما تجرم إراقة الدماء، وإفساد الحرث والنسل، وإخراج الناس من ديارهم.. فإن كانت مثل هذه الفظائع إحتمالات حتمية الوقوع في حق الاقليات، إذا ما رفع متشددون السلاح للدفاع عنها، يصبح العمل المسلح خيارا فاسدا يخلو من الفعالية والمنطق، ما دام انه سيورث تلك المجتمعات من الأذى والاضرار ما يفوق آلاف المرات المظالم الإجتماعية التي كانوا قد عانوا منها أول الأمر.
إن انشغال متدينين بفرضية أنهم سيلاقون مصيرا أفضل حينما ينقلبون إلى ربهم وقد قضوا في معارك كانوا يحسبونها في سبيل الله، أكثر من إنشغالهم بمقدار الخراب الذي سيلحق بعد رحيلهم بالنساء والأطفال والمسنين، الذين طالما ادعوا انهم إنما يخوضون العمل المسلح زودا عنهم ودفاعا عن حقوقهم، إنما هو أمر لا يستقيم عقلا، بل أنه ينطوي في ظاهره على مغالطة منطقية، تتمثل في ان الخيار الذي اتخذته تلك الجماعات لمعالجة مشكل ما، قد تسبب في تعقيده بصورة مأساوية، وأنهم لسوء الطالع ربما كانوا على علم برجحان تلك التداعيات، إذ لا يخفى على العاقل تقدير موازين القوى ومعرفة مآلات المعارك الخاسرة. ما الذي تنشده السماء من تبجيل عمل أفسد عليها غاياتها النبيلة المتمثلة في تقديس حياة الإنسان وتكريمها.
"ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"..إن الله قد خلق الإنسانية لإعمار الأرض وإصلاحها، ونهى عن إفساد الحرث والنسل، وسفك الدماء، فكيف ينتظر أحدهم أن تحقق له السماء أحلامه الميتافيزيقية الموغلة في الذاتية والإثرة والإنعزال، من خلال فعل غير محسوب، تسبب في إفساد مشاريعها في الأرض.. فعل ساهم بصورة مباشرة في مضاعفة العناء والمظالم وإزهاق الأنفس وسفك الدماء وإخراج الناس من ديارهم، بينما لم يكن ذلك بخافٍ على أي من أولئك المجا/هدين كاحتمال راجح الحدوث عقب رحيلهم المقدس الميمون.. إن كل الفظائع التي تورط فيها الفرعون والتي وصفها الله بالبلاء العظيم، في تهجير بني إسرائيل وقتل رجالها واستبقاء نسائها، إرتكبها وتسبب فيها لمرةٍ واحدة وهو حي، بينما يتسبب فيها كل يوم، كنتائج راجحة الحدوث، المج/اهدون عقب رحيلهم الأبدي.. ربما دون علمهم وهم موتى..
إنتهى..
1.
https://www.lemonde.fr/international/article/2018/09/13/comprendre-la-repression-des-ouigours-de-chine-en-cinq-questions_5354
².
https://hal.univ-reunion.fr/hal-03603617

nagibabiker@gmail.com

 

آراء