حزبنا الاتحادي الديمقراطي الأصل ومشاهد لافته في المسرح السياسي؟. بقلم: البروفيسور/ البخاري عبدالله الجعلي

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

سألنا الكثيرون بل أخذ علينا البعض من المثقفين ومن بينهم رئيس تحرير هذه الصحيفة بأننا نكتب عن الآخر ولا نكتب عن حزبنا سيما ونحن ندرك كل صغيرة وكبيرة عنه ونعرف ظاهره وباطنه. ونعترف أن كل من وجّه لنا سؤالاً في هذا الشأن كان تساؤله في محله بل وحتى ما أخذ علينا في هذا الصدد مقبول من حيث المبدأ على الأقل. والحقيقة أن حزبنا الإتحادي الديمقراطي الأصل هو بكل المقاييس والمعايير مادة كاملة متوافرة لدينا ليس لمقالات بل هي مادة لكتاب سجلنا عناوين أبوابه سلفاً كما أشرنا لذلك في مقال سابق. وإذا كان الأمر كذلك وهو بالفعل كذلك فإن مسألة نشر مقالات عن حزبنا أمر وارد سيما وقد أوشكنا من الإنتهاء منها. بيد أن الذي يحول بيننا وبين الشروع في نشرها هو اختيار التوقيت المناسب لنشرها من ناحية واعتبارات نقدرها ونتفهمها جيداً من ناحية أخرى. ونحسب أن ذلك لن يكون بعيداً إذا ما سارت الامور والأوضاع على النحو الذي نعرفه بل أصبح معروفاً ومعلوماً ومشاهداً للكافة ومقروءاً يومياً في صفحات الصحف. ولعل أبلغ دليل على ذلك أن تاجراً واحداً جاهلاً أصبح منذ ثلاث سنوات قابضاً على كل مفاصل حزب المثقفين والمتعلمين، فهو الذي يمثل الحزب وهو الذي يفاوض باسم الحزب وهو الذي يعيّن وهو الذي ينقل وهو الذي يعفي وهو الذي جعل بكل أسف حفنةً من المتسلقين تسبح بفضله ولله في خلقه شؤون. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل انتهى المطاف بأوضاع حزبنا أن حرضت بكل أسف على صدور بيانات وتصريحات بعيدة المدى عميقة الأثر في نفوس الكثيرين من مؤيدي الحزب على نحوٍ أنكأ جراحات اعتقد الحادبون على تماسك الحزب ووحدته أنها قد اندملت وأصبحت في عداد صفحات طواها الزمن. والحقيقة إن ما آلت إليه الأوضاع في حزبنا أصبحت مادة مثيرة للدهشة والحيرة بالنسبة لكل المنتمين لهذ الحزب سواء كان انتماؤهم بالأصالة منذ ميلادهم بل وحتى بالنسبة لبعض الذين جاء انتماؤهم بالنزوح أو بالإلتجاء للحزب من أحزاب أخرى.

ولما كان موضوع الساعة هو الحوار الوطني سنظل نكرر أن حزبنا الإتحادي الديمقراطي الأصل هو أول الأحزاب الوطنية على الإطلاق التي نادت منذ عدة سنوات على لسان رئيسه مولانا السيد محمد عثمان الميرغني بأن ما آلت إليه الاوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية في السودان لا سبيل لمواجهتها إلا بالوفاق الوطني الذي يستهدف جمع كل القوى السياسية على كلمة سواء. فلقد ثبت جلياً لكل أهل السودان أن حزباً واحداً مهما توافر له من سيطرة كاملة على كل مقاليد الأمور والأوضاع في السودان لن ينتهي بالسودان إلا للدمار والخراب والتفتت والشتات ومرارة انفصال الجنوب ستظل شاخصة في حلق كل وطني سوداني. وتحرياً للدقة فإن هذه المحصلة أخذ يرددها الكثير من عقلاء حزب المؤتمر الوطني وهو ذات الحزب الذي أودى بالسودان إلى ما أوداه به. وللتاريخ نذكر أن الراحل العزيزالسيد أحمد الميرغني رئيس مجلس السيادة في عهد الديمقراطية الثالثة والنائب الأول لحزبنا الإتحادي قد حمل – عندما كان مولانا السيد محمد عثمان الميرغني في خارج السودان – مهمة وضع دعوة رئيس الحزب للوفاق الوطني موضع التنفيذ بعزيمة قوية وحماس لافت. وفي سبيل ذلك عقد العديد من المشاورات والإجتماعات وكون اللجان لنقل المبادرة من موقع التنظير إلى الواقع الملموس. ولقد كان كاتب هذا المقال بالإضافة إلى عضويته في لجان أخرى رئيساً للجنة (الطرق الصوفية في السودان) وفقاً لتوزيع المسؤوليات التي حددها الراحل السيد أحمد الميرغني. ولقد حاولنا الإعتذار عن رئاسة تلك اللجنة رغبةً منا في قيادة لجنة تستهدف لم شمل الفصائل الإتحادية على صعيد واحد ابتداءً ونعني بذلك الفصائل التي تعود جذورها للحزب الوطني الإتحادي باعتبارنا من ورثة ذلك الحزب. ولكن السيد أحمد باسلوبه الودود والهين والرطب قال لنا بالحرف الواحد بسؤال وهو (هل يعقل أن يكون للجنة الطرق الصوفية رئيس غيركم؟). فقبلنا التكليف وشرعنا بالفعل في أولى الخطوات بيد أن الأيام أتت بما لا كان أحدنا يتوقعه بتلك السرعة فالحمد والشكر لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.

بناء على ما سلف لم يكن غريباً أن يكون حزبنا الإتحادي الديمقراطي الأصل من أوائل الأحزاب التي رحبت بدعوة رئيس الجمهورية للحوار وكان ذلك لعدة أسباب موضوعية نذكر منها سببين على الأقل. السبب الأول أن دعوة الحزب الإتحادي للوفاق الوطني الشامل لن يتسنى لها بأن توضع موضع التنفيذ إلا عن طريق الحوار. ولقد سبق لنا أن اقترحنا على رئيس الحزب أن يقوم شخصياً بالدعوة لذلك الحوار في جنينة مولانا السيد علي الميرغني بعد أن طال أمدها. بيد أنه كان يصر دائماً على أن يتولى رئيس الجمهورية الدعوة لجمع كل القوى السياسية على كلمةٍ سواء بحجة أنه معني بالمحصلة وليس المكان أو الشكل. وبالتالي فإن دعوة الأخ الرئيس الأخيرة للحوار الوطني قد تطابقت تماماً مع رؤية الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل المستهدفة تحقيق الوفاق الوطني. وأما السبب الموضوعي الثاني فهو ما كتبناه في مقال سابق وأكدنا عليه وهو أن الحوار هو الإسلوب الحضاري والديمقراطي والأمثل مع الأطراف الاخرى للتوصل إلى كلمة سواء.

وأكثر من هذا فإن الحوار بين كل القوى السياسية، في اطار ما تردت إليه الأوضاع السياسية والإقتصادية والأمنية في السودان، لم يعد ترفاً أو استهلاكاً أو استغلالاً للوقت لمصالح ضيقة للحزب الحاكم. بل أضحى بكل المقاييس فرض عين على كل القوى السياسية السودانية. فلقد تفتت السودان وتشتت وتمزق من أغلب أطرافه ولم يعد أمام القوى الوطنية إلا أن تسعى بكل ما تملك من طاقات وجهود لانقاذ ما تبقى من السودان. وفي تقديرنا أن اكتشاف ما إذا كانت الدعوة للحوار دعوة جادة بحيث تؤدي إلى تغيير موضوعي وعادل للأوضاع الدستورية والتنفيذية والتشريعية بل والعدلية التي صنعها الحزب الواحد الحاكم أم هي مجرد ذريعه من بين مسلسل الذرائع التي اشتهر بها حزب المؤتمر الوطني، فإن هذا الإكتشاف لا يحتاج إلى عبقريات ولا لبحث ونظر. وعندها سيكون بالطبع لكل حدث حديث ومسوغات. هذا الذي نقدره لا ينتقص اطلاقاً من رؤى عدد من القوى السياسية التي ما زالت تقاطع الحوار أو لها تحفظات حوله نتفهمها جيداً طالما أن الحزب الواحد ما زال قابضاً لأرواح السواد الأعظم من أهل السودان. ونذهب إلى أبعد من ذلك لنؤكد أن حواراً لا يشترك فيه حملة السلاح اشتراكاً فعلياً سيظل حواراً ليس فقط ناقصاً بل يظل عديم الجدوى لأن من أولى أهداف الحوار الذي نؤيده هو وضع حدٍ للحروب ولعدم الإستقرار الامني السائد في مناحٍ عديدة من الوطن لأن هذه الحروب هي أس الداء والبلاء الذي حلّ بالسودان طوال ربع قرنٍ من الزمان.

الكثير مما ذكرناه سلفاً يمكن أن يجيّر لصالح الإتحادي الديمقراطي الأصل لكن هذا لا ينفي أن هناك الكثير والعديد الذي يمكن أن يحسب سلباً (على) ذات الحزب. والقول بخلاف هذا يساوي تماماً قول من ينكر أن الشمس تشرق من الشرق وأنها تغيب بعد شفق المغيب. ولعلنا نشير اشارةً موجزة لثلاثة مشاهد فرضت نفسها على المسرح السياسي لحزبنا خلال الفترة الأخيرة بحيث أصبحت حديث الساعة. وبالتالي فقد حركت العديد من الاتصالات ما بين الإتحاديين بالإضافة إلى التساؤلات المباشرة من العديد من المثقفين الذين يكنون لحزبنا الإتحادي الأصل تقديراً واهتماماً ولكنه تقدير واهتمام مقترن بالإشفاق على ما آلت إليه الأوضاع في هذا الحزب التاريخي. ولعل من المشاهد التي ما زالت حديث المجتمع السياسي أحداث المؤتمر الصحافي الذي عقد في جنينة مولانا السيد على الميرغني. وما يهمنا الوقوف عنده بشأنه أمر واحد فقط وهو ما رشح في دوائر الإعلام بخصوص ذلك المؤتمر. فالبادي أن هناك واقعة غريبة على الحركة الإتحادية هي (محل نزاع) Disputed issue كما نقول كأهل قانون. وهي واقعة الشروع في التهديد بمسدس لأحد الذين كان يود الإشتراك في ذاك المؤتمر. فطرف يدعي حدوث الواقعة وطرف آخر ينفي حدوثها. وبالتالي لابد من أن يكون أحد الطرفين محقاً فيما ذهب إليه ويكون الطرف الآخر غير محق أي غير دقيق فيما ادعاه أو زعمه. وبالرغم من بشاعة الإدعاء ونفي الإدعاء فإن المهم بالنسبة لنا كإتحاديين أصيلين وليس نازحين أو لاجئين للحزب هو أنه ما كنا نريد أن يرتبط الإدعاء بالواقعة أو النفي بمؤتمر صحافي يعقده الحزب الإتحادي الديمقراطي. فالحركة الإتحادية لم تعرف طوال تاريخها الذي امتد لأكثر من ثمانين عاماً مثل هذا التعامل بل قامت أصلاً كبوتقة لرؤى متعددة أساسها الوئام والإحترام المتبادل. وبالتالي فإن هذه الحادثة بصرف النظر عن دقتها من عدمه تلقي الأضواء على القليل من المسكوت عنه بالنسبة لما يجري داخل أروقة حزبنا الإتحادي الديمقراطي الأصل.

وأما المشهد الثاني فإن مرجعيته تعود إلى مآلات مشاركة حزبنا في المؤتمر التشاوري الذي دعا له الأخ الرئيس وهو مشهد يتحدث عن نفسه ولا حاجة لنا للتعليق عليه. بيد أن من المهم في هذا السياق التأمل حول ماهية مركز حزبنا بالنسبة للهيئة العليا السباعية التي تم الإتفاق عليها في ذلك المحفل لتقوم بمهام التنسيق لتسهيل مهام الحوار الذي من المفترض أن يتغير طابعه في مراحل لاحقة من مجرد (محفل تشاوري) إلى (مؤتمر تفاوضي) حول أمهات القضايا والأزمات. لقد أذاع تلفزيون السودان ونشرت الصحف منذ أكثر من ثلاثة أسابيع أن أحزاب الحكومة العريضة أو ما يسمى بأحزاب حكومة الوحدة قد اجتمعت وفوضت رئيس الجمهورية لكي يقوم باختيار الأعضاء السبعة الذين يمثلون الحكومة. والثابت أن عدداً مقدراً من المشفقين على حزبنا الإتحادي الديمقراطي الأصل قد طرح سؤالاً محدداً وهو: أين يكون موقع حزبنا الإتحادي؟ هل هو من بين السبعة الذين تم ترك (الأخ الأستاذ عبود) أمرهم للرئيس أم سيكون مركزه محسوباً على أحزاب المعارضة على ضوء تجليسه في المحفل التشاوري والتعامل معه كما تبدى من المشهد باعتباره أحد الأحزاب التاريخية أم ماذا؟ والحقيقة أن حزبنا أصبح في موقف لا يحسد عليه فهو في وضع غير سائغ وغير لائق بقامته الفارعه وما كان له أن يكون مركزه كذلك لولا أن القابض على مفاصله من أشرنا له سلفاً.

ومن المسلم به أنه إذا أخذنا الأمر بمعيار المشاركة في الحكومة فإن أمره يكون محسوماً في اطار الاحزاب التي تركت أمر اختيار السبعة للرئيس بمعنى أن الإتحادي الديمقراطي الأصل مساوٍ لأحزاب اللافتات واللوبيات وجماعات الضغط التي صنعها حزب المؤتمر. وليس أمام حزبنا غير أن يقبل هذا الوضع الذي اختاره لنفسه وهو الأمر الغالب بكل أسف وعلى نفسها جنت براقش. وأما إذا أخضعنا الأمر لمعيار مقام الحزب السياسي التاريخي الذي حقق الإستقلال، كما يعكس تجليسه في محفل السادس من ابريل الإحتفائي والتعامل معه بدبلوماسية لافتة ومقدرة من الأخ الرئيس، فإن ما طرحه الإتحادي في مداخلته في الحوار قد أثار بعض التساؤلات إذ أنه يتعارض في بعض أجزائه مع طرح أحزاب حكومة الوحدة الوطنية أو أحزاب الحكومة الموسعة. وهو بالتالي طرح مشكل وقد أثار بالفعل الكثير من التساؤلات والجدل وسط المتابعين للسياسة في السودان. فالإتحادي طالب بحكومة قومية انتقالية وهو طرح يتفق في جوهره مع ما تطرحه العديد من الأحزاب المعارضة وفي مقدمتها حزب الأمة القومي. بيد أن هذا الطرح مرفوض حتى الآن من جانب الحكومة كما أعرب على ذلك رئيس القطاع السياسي في حزب المؤتمر الوطني. كما أن الحزب الإتحادي الأصل قد أعرب في مداخلته عن مطالبته بمراقبة دولية للحوار من قبل عدة منظمات من بينها الإتحاد الأوربي والجامعة العربية والإتحاد الأفريقي. وهو طرح مرفوض أيضاً من جانب الحزب الواحد الحاكم.

وبالنظر لبعض جزئيات ما ورد في طرح مداخلة الإتحادي الأصل يجعله يقترب كثيراً من طرح المعارضة في بعض الرؤى. لكن كل هذا لايرقى لكي يكون مهراً مقبولاً لدى أحزاب المعارضة بحيث تقبله في صفوفها حتى ولو على سبيل المجاز من حيث الطرح السياسي فلقد سبق السيف العزل. وإذا تركنا جانباً لغة السياسة التي تحتمل الكثير من التناقضات وتنطوي على العديد من المراوغات وأخضعنا الوضع للمنطق فإن ما سبق واختارته براقش لنفسها هو خيار (ذو حدين). ذلك أن اختيار أي من البديلين كلاهما في غير مصلحتها وما كان أحد يتمناه لحزب في قامة الحزب الإتحادي الأصل فلا حول ولاقوة إلا بالله.


teetman3@hotmail.com

//////

 

آراء