حوار مع زميل الدراسة (أمين شمس الدين) … حول مسألة دمج الدعم السريع والمدة الزمنية لاستكماله في الاتفاق الإطاري

 


 

 

في القروب الخاص بدفعة دراستنا في المرحلة المتوسطة وجه لي زميل دراستي ودفعتي في المدرسة ولاحقاً جاري في كنبة حجرة فصل ثالثة (أبوبكر) أمين شمس الدين الشهير في دفعتنا بإسم (حنفي)عدة استفسارات حول الجوانب المرتبطة بدمج الدعم السريع والنصوص المرتبطة به في الاتفاق الإطاري وأسباب عدم إيراد مدة الدمج في الإطاري رغم ما قيل لاحقاً حولها بعشرة سنوات، قدمت ردا على إستفساره ذلك ولكن حينما تأملت في محتواه وجدت أنه من الضروري أن ينشر ويعمم لأن ما ورد فيه لا يرتبط بالقروب ولكنه تطرق لموضوع عام ربما استفاد من محتواه الناس والمتابعين، وعسي أن يعود مضمونه بالنفع فيدخل ضمن ما ينتفع به الناس، ولذلك فإنني أستأذن زملاء الدراسة في القروب أن أنشر هذا الرد بشكل عام.

بداية أن أود أشكر الصديق والدفعة أمين شمس الدين (حنفي) على إستفساره بخصوص استفسارك حول عدم إيراد المدة الزمنية لدمج الدعم السريع في الاتفاق الإطاري ثم ظهور ما يشير إلى أن مدة الدمج هي ما بين 6 أشهر و10 سنوات، بداية الشق الأول صحيح أن الإتفاق الإطاري لم يذكر مدة الدمج وهذا يعود إلي أن الإطاري مقصده وضع المبادئ العامة، ومن الإسم واضح انه يحدد إطار عام ويترك التفاصيل لمرحلة لاحقة.

نلاحظ أن الاتفاق الإطاري أشار لوجود عدة قضايا سيتم التباحث حولها بغرض تفصيلها وهي التي عًرفت بالقضايا الخمسة التي من المقرر التوصل لاتفاقيات حولها من خلال ورش عمل وعبر حوار واسع ومن بينها كانت قضية (الإصلاح الأمني والعسكري) بجانب قضايا (تفكيك التمكين)، (اتفاق سلام جوبا)، (العدالة الإنتقالية) و(قضايا شرق السودان)، ولذلك فإن التفاصيل الخاصة بهذه القضايا الخمسة لم يورد الإتفاق الإطاري تفاصيلاً لها ولكن أقرها مبادئ عامة لضمان عدم التنصل أو التهرب منها قبل أو أثناء أو بعد إنعقاد الورش ولذلك لم تذكر تفصيلاً صحيح تم النص على الدمج والجيش الواحد ولكن دون تحديد الجوانب الفنية وعلى رأسها فترة الدمج.

قبل إنعقاد ورشة الإصلاح حدثت مشاورات بين القوى الموقعة الإتفاق الإطاري بما في ذلك قائدي الجيش والدعم السريع وتوصلت الأطراف مجتمعة وسوياً لوثيقة (مبادئ وأسس إصلاح القطاع العسكري والأمني) وقعت عليها تنسيقية الإتفاق الإطاري بما في ذلك قائدي القوات المسلحة والدعم السريع ، في تلك الوثيقة ولمصلحة الرأي العام أن نورد الفقرة الخاصة بـ(الدمج والإصلاح) التي جاءت في تلك الوثيقة كما وردت نصاً دون أي تدخل والتي ذكرت الآتي:-

مراحل الدمج والإصلاح:
الجدول أدناه يشمل الأنشطة المطلوبة لإكمال عمليات الدمج والإصلاح على أن تقوم اللجان الفنية المشتركة بوضع التوقيتات والضوابط الأخرى، وألا تتجاوز المدة الكلية العشرة سنوات.

أولاً: مرحلة التخطيط:
يتم فيها الاتفاق على الإصلاحات المطلوبة والجداول الزمنية لتنفيذها

ثانياً: مراحل دمج قوات الدعم السريع:
1- مرحلة توحيد هيئة القيادة
2- مرحلة توحيد هيئة الأركان
3- مرحلة توحيد قيادة المناطق
4- مرحلة توحيد قيادة الفرق
تتزامن هذه المراحل مع جداول مفصلة للإصلاحات اللازمة في القوات النظامية وتنفيذ الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في اتفاق جوبا لسلام السودان.

(انتهى النص المقتبس من الوثيقة)

هذا ما جاء في تلك الوثيقة نصاً والتي وقعت عليها تنسيقية القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري وقائدي الجيش والدعم السريع وبالتالي فإن هذه الوثيقة فعلياً باتت تعبر عن جميع الأطراف الموقعة عليها وليس طرف واحد لأنها حصيلة نقاشات وحوارات واتفاق بين جميع الأطراف الموقعة.

يجب ملاحظة صياغة العبارة الواردة في مدة الدمج وألا تتجاوز المدة الكلية العشرة سنوات وهذا يعني أن المدة قابلة للنقصان ولذلك لم تذكر بشكل محدد وملزم يتم خلال عشرة أعوام وهذا يجعل إكمال الدمج لا يتجاوز العشرة سنوات بداية ثم يتيح للطرفين تقليل ذلك السقف الزمني في حال تجاوزهم للقضايا الخلافية المرتبطة بالدمج في فترة زمنية أقل وعلى رأسها بشكل مباشر قضية تفكيك التمكين في القوات النظامية وفي هذه النقطة قال الدعم السريع إذا تم التفكيك ندمج الأن وفوراً ... ولذلك هذه وقائع حقيقية لحوار دار بشكل أساسي ورئيسي ومباشر شاركت فيه كل الأطراف بما في ذلك الجيش والدعم السريع ممثلين بقائدهما.

بالنسبة لما يقال أن القوي السياسية أو الحرية والتغيير هي التي فرضت واقترحت أن يكون الدمج في عشرة أعوام فهو بخلاف أنه كذبة واضحة يفضحه التوصل لورقة المبادئ الموقع عليه من كل الأطراف مجتمعة بما في ذلك الجيش والدعم السريع، لكنه يغفل نقطتين أساسيات الأولى أن مطالبة الدمج هذه أول من نادى بها هي قوى الثورة والحرية والتغيير ومن ظل يعرقلها قوى الثورة المضادة بما في ذلك قادة إنقلاب 25 أكتوبر، والثاني أن الوصول للرقم (10) لم يكن خبط عشواء ولكنه فعلياً مرتبط باقتراح الجيش إكمال الدمج في فترة تتراوح ما بين 18 شهراً تمتد إلى 24 شهراً كحد أقصي أما الدعم السريع فقد إقترح عشرين عاماً لإكمال عملية الدمج. ولمن ينظر للرقم (عشرة) يجده فعلياً يماثل لحد كبير المنطقة الوسطي بين المقترحين (عام ونصف تصل حتى عامين) والمقترح الثاني(عشرين عاماً)، ولذلك فإن الوصول لهذا الحل الوسط هو نتاج تباحث ترضي كل الأطراف بما في ذلك الجيش الذي يمثله قائده العام والدعم السريع الذي يمثله قائده، وبالتالي هذا الرقم بالكيفية التي صيغ بها لا تتجاوز العشرة سنوات تحمل أيضاً افتراض التقليص لكن المؤكد عدم إمكانية تجاوز السنوات العشرة تلك المحددة كسقف أعلى.

حدثت النكسة الخاصة بالجلسة الختامية لورشة الترتيبات الأمنية والعسكرية بانسحاب ممثلي الجيش منها قبل لحظات من انعقادها في 29 مارس 2023م، ورغم ذلك أفلحت الجهود السياسية في تجاوز هذه الأزمة من خلال العمل عبر مسارين متوازيين أولهما استكمال صياغة الاتفاق السياسي النهائي والدستور الانتقالي الذي تمت صياغة بنوده على أساسه، وفعلياً تم إكمال الصياغة النهائية للاتفاق السياسي النهائي بما في ذلك دراسة ومناقشة التعديلات والاتفاق على القضايا الخلافية المتصلة باسس تكوين المؤسسات الدستورية وتم فيه تضمين التوصيات الصادرة عن الورش الأربعة ووثيقة مبادئ الإصلاح الأمني والعسكري، وتم هذا الأمر بمشاركة ممثلين من الجيش والدعم السريع ووجودهما ومشاركتهما في اقتراح ونقاش التعديلات.

المسار الثاني كان ابتدار الطرفين –الجيش والدعم السريع- لمفاوضات موازية تتعلق بترتيبات الدمج عبر لجنة مشتركة بين الطرفين فكانت البداية مناقشة توحيد هيئة القيادة وتم الاتفاق على تكوينها من ستة، أربعة منهم من الجيش واثنان منهما من الدعم السريع ولكنهما اختلفا في من يتولى قيادة تلك الهيئة المشتركة، وكان رأي الجيش أن يتولاها القائد العام للجيش. أما الدعم السريع فكان يستند إلي أنهما طرفين منفصلين قانوناً وفعلياً ويشرعون في إكمال دمج مما يعني أنهما ليسا مؤسسة واحدة وبالتالي فلا يتبع أحدهما للثاني ولذلك اقترح أن يتولى رئاسة تلك القيادة المشتركة القائد الأعلى وهو رئيس مجلس السيادة المدني. ونسبة لعدم الاتفاق بين الطرفين تعثر وتعطل تنفيذ مصفوفة التوقيع على الإتفاق النهائي والدستور الإنتقالي وتشكيل مؤسسات وهياكل المدني.

قامت القوى السياسية وأطراف الإطاري بإقناع الطرفين بمحاولات عديدة لمساعدتهم على تجاوز هذه النقطة والتوجه صوب مراجل الدمج الأدنى على مستوى هيئة الأركان والمناطق والفرق، وتم اتفاق كامل بينهما ولم يتبق إلا نقطة من يقود هيئة القيادة المرحلة سابقاً، وحتى قبل انفجار الحرب فشلت كل مساعي تقديم مقترحات توفيقية يترتب عليها تغيير مواقف الأطراف وفي خضم حالة الانسداد تلك كاد المساعي أن تحدث إختراق حولها يقضي بتأجيل البت فيها لما بعد تكوين مؤسسات الحكم الدستورية والنقاش حولها بين الطرفين والمؤسسات الدستورية المنشأة بموجب الدستور الانتقالي الجديد ممثلة في القائد الأعلى وهو رئيس مجلس السيادة والطرفين إلا أن إشعال الحرب قطع الطريق أمام إقرار هذه المعالجة التي وجدت ضوء أخضر لقبولها بعد الشروع في الإجراءات الخاصة بخفض حدة التوتر بين الطرفين بنجاح القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الاطاري في عقد أول اجتماع مباشر بين البرهان وحميدتي في 8 أبريل 2023م والإتفاق على حزمة إجراءات في اليوم التالي عبر إجتماع يعقده الطرفين في 9 أبريل، ولكن تعطل هذا الإجتماع لإعتذار البرهان وهو ما قاد لتصعيد التوتر بين الطرفين بلغت ذروتها بتوجه قوات الدعم السريع ومحاصرتها مطار مروي إعتباراً من فجر الأربعاء 12 أبريل 2023م وهو-أي موضوع مطار مروي- هو من القضايا التي أثيرت في إجتماع 8 أبريل بين الرجلين ضمن قضايا أخرى تطرقا لها في ذلك الإجتماع.

رغم تلك التطورات تواصلت مساعي التحرك لحصار هذه الأزمة حتى الساعات الأولى لفجر 15 أبريل بالاتفاق على تكوين لجنة مشتركة تجتمع يوم السبت 15 أبريل 2023م للقيام بالإجراءات فعلية لخفض التوتر، بشكل مباشر فإن إنفاذ تلك الإجراءات كان يعني تجاوز آخر العقبات التي اعترضت استكمال التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي ... لكن ساعة صفر الحرب كانت أسرع من كل تلك التدابير !!

هذه معلومات مهمة للتاريخ لأنها تظهر وتكشف وتمييز بين من سعوا لإشعال الحرب ولا زالوا يصرون على إستمرارها، وأولئك الذين اجتهدوا لتجنبها وتحملوا في سبيل ذلك كل الرهق وجابهوا سيل عارم من الأكاذيب المضللة الكاذبة المصحوبة بحملات تحريضية. لكل ذلك فمن أشعل الحرب فعلياً إختار اللحظة القاتلة والأخيرة لقطع الطريق أمام الإعلان الرسمي لإنهاء انقلاب 25 أكتوبر 2021م وإستعادة الإنتقال المدني الديمقراطي.. إن الحقائق والقرائن التي تتأكد وتتعمق عند شروق شمس كل يوم جديد باتت تظهر الأكاذيب المفارقة لصحيح الوقائع والأحداث والنصوص وباتت تشير بوضوح إلي من أشعل هذه الحرب حقيقة ويصر على إستمرارها ثم يقوم بالنقيض بتحميل وزر إشعالها وتداعياتها الآخرين زوراً وبهتاناً هو حزب المؤتمر الوطني المحلول ومؤسساته العسكرية الموازية وقادته أصحاب السجل الإرهابي الممتد والمعروف محلياً وإقليمياً ودولياً وواجهاته الممتدة من العاملين والمتعاونين معه.

إن القرائن والأدلة باتت تظهر وتوضح بجلاء يوماً بعد يوم أن هذه حرب المؤتمر الوطني المحلول ومليشياته، ولا أدري حقيقة هل يحتاج البعض لمفاصلة جديد بعد عشرة أعوام مثل ما كان يقال بأن انقلاب يونيو 1989م هو من تدبير الجبهة الإسلامية وظل البعض يشكك حتى خرج عليهم المرحوم دكتور حسن الترابي بعد المفاصلة معترفاً بأنهم دبروا ذلك الإنقلاب مقدماً عدة شواهد ظل أبرزها قوله للبشير (قلت له خذني للسجن حبيساً وأذهب للقصر رئيساً) !!! ... ولذلك فمن الواضح رغم كل القرائن أن البعض عند تناول وقائع الحرب وأسبابها يحدثه (غرضه) لا عقله !!

هذه حرب أشعلها المؤتمر الوطني المحلول وهو من يقف أمامها وخلفها وعن يمينها وشمالها وفوقها وتحتها وأردها نار تحرق ثورة ديسمبر والانتقال الديمقراطي وتعيد نظامه ليحكم من جديد، لكن من الواضح أن نيرانها باتت تمسك بتلابيب ثيابه المبلله بالبنزين الذي إستخدمه لإشعال نارها، ولذلك مصيره المحتوم هو أن يحترق كلياً في الدنيا فلا يبقي له أثراً بعدها أبداً، وبأذن الله يكون مأواهم في الآخرة نار جهنم خالدين فيها، فأنت حين تسمع قولهم وتري فعلهم تتذكر قوله تعالى في محكم تنزيله الوارد في سورة الكهف (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا. ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا) صدق الله العظيم

ختاماً تقبل تحياتي وتقديري وشكري على هذا النقاش.


الأربعاء 4 أكتوبر 2023م.
////////////////

 

آراء