رحلة عصافير المسرح السوداني بين مرافئ الهجرة والإغتراب

 


 

 

=======
يغادر الدوحة إلي أمريكا ، مهاجرا،خلال الأيام القليلة القادمة، الأستاذ الفنان المسرحي محمد السني دفع الله، مدير المركز الثقافي السوداني بالدوحة..بعد رحلة عطاء طويلة في مجال المسرح والأدب والثقافة والتواصل الاجتماعي.
وخبر مغادرته، لا يمكن قراءته كبقية الأخبار..خبر لا يمكن أن يمر دون أن تصحبه حزمة من الدهشة والتحسر بل وسؤال الملتاع.. فالسني دفع الله خلق لكي يستقر حيث يكون الناس من أبناء بلده..خلق لكي يقاسمهم هموم الدنيا وقسوة الحياة وعذابات الاغتراب عن الوطن..خلق فنان ملهما ، مشبع بالابداع الذي لم يرتوي من عذوبته بعد جمهور الدوحة بل كل السودان.
قدم السني إلي الدوحة في عام 1996، تسبقه شهرته الفنية، فاستقبلته الدوحة بالاحضان وأكرمت وفادته، إذ سرعان ما دخل في الوسط المسرحي بكل أريحية وترحاب..فعمل أستاذا للدراما بالمسرح المدرسي..ومشاركا في النشاط المسرحي متقاسما أدوار البطولة مع نجوم المسرح القطري، غانم السليطي وجاسم الأنصاري وعبدالعزيز جاسم..مما أعطي المسرح القطري نكهة سودانية ذات طعم خاص في المسرح الخليجي بشكل عام.
عمل الفنان السني لأكثر من ربع قرن بوزارة التربية والتعليم القطرية..وبعد بلوغه سن التقاعد تولي إدارة المركز الثقافي السوداني بالدوحة مديرا له..فكانت فترة إدارته للمركز من ازهي فترات الثقافة السودانية بالدوحة ، حيث تعقد المناشط المتعددة وتقام الندوات والحوارات الثقافية ...كان فنان حصيفا يدرك تماما حساسية الموقع فوظف كل إمكانياته المعرفية وسخرها للتوجه القومي الوطني..ولا نذيع سرا إن قلنا أن فترة أدارة السني للمركز، كانت من أكثر فتراته ثراءا ..كان بستانا متنوع الزهور والعطور الفواحة ...فيها عبق ورائحة السودان ...وعطر السودان معجونة بالصندل والمحلب والسرتية والفرير بنت السودان.
علي مسافة بضعة أيام...سوف يغادرنا الفنان السني دفع الله كما غادرنا من قبل العديد من الفنانين أصحاب الإبداع.. يغادرنا إلي الولايات المتحدة الأمريكية مهاجرا باسرته الكريمة..وهي رحلة وهجرة كنت أتمني أن تكون داخل وطنه الثاني..قطر...بمعني أن يتم تعيينه ملحقا ثقافيا
بالسفارة السودانية بالدوحة أو إحدي الدول الخليجية..حتي يستمر العطاء وتتوقف عصافير الفن والمسرح من ترحالها بين المرافئ ومواني الاغتراب.. وبذلك يجد الفنان السوداني التكريم الذي يستحقه من بلده وبما قدم من اسهامات في مجال ابداعه..وأحسب جازما بأن ما قدمه الفنان محمد السني من اسهامات بلغت المئات من الأعمال الدرامية في المسرح والاذاعة والتلفيزيون والتدريس الدرامي..توازي ولا تقل تأثيرا ما تقدمه وزارات الثقافة والاعلام في السودان.
وغدا ، يرحل ويسافر السني دفع الله ، مغادرا الدوحة التي أحبته بصدق ودون تمييز...يرحل نحو المرافئ البعيدة بصحبة زوجته الوفية..وطفله الوديع ( السهروردي) ..رحلة ، ولا شك ، ذات مشقة ومسؤوليات جديدة..لفنان مبدع يحمل هموم وطنه العزيز...ولا نملك ، حقيقة، إلا إحترام قراره، متمنين له طيب الإقامة في مستقره الجديد.
د.فراج الشيخ الفزاري
f.4u4f@hotmail.com

 

آراء