عندما استحالوا الخرطوم وفضوا بكارتها

 


 

 

د.فراج الشيخ الفزاري
عندها ،هربت حروف الكلام مع الفارين من جحيم نيرانها..خوفا وخجلا من تشويه سمعتها.
وغدا تتوقف الحرب اللعينة..فهي حتما ستنتهي بخسارة الفريقين....
ستتوقف بعد نفاد زادها من الوقود..وتنطفي نار حقدها والضغينة في القلوب..ضغينة الأخ لأخيه..والأبن لأبيه..بل والمواطن لوطنه!..
غدا يحتسي المتحاربون بقايا الصبوح..بعد أن امتلأت كؤوسهم بالدماء والصديد.. وضرورة البحث عن مورد رزق جديد..قد يكون هنا...أو هناك..لا فرق..بل أين المزيد.والبحث عن المشتري في وجود من يبيع..
عندما اسدلت الخرطوم أهداب عينيها ودموع اليتامى علي خديها...وابتسامة العشم علي شفتيها..كنا معها نظن ان في قلوب الغاصبين رحمة وشفقة..وهمة ونخوة..ولكنهم استحالوها..وجردوها من عذريتها..وجرحوها في عز كرامتها..فأصبحت يتيمة بين مدن السودان.. ومكسورة الخاطر بين عواصم الدنيا..فلأول مرة في التأريخ الإنساني أن يقتصب الأبن أمه..ويهتك عرض بيته بيده..ولا يعتريه خجل ولا ندم..بل يسدل في تيهه وجنون عظمته.
عندما استحالوا الخرطوم وفضوا بكارتها...تركوها عارية ولم يستروها ..بل رقصوا فوق أشلائها وخالوا زهوا وكبرياء وادعاءا بأنهم قد دمروا الماضي والحاضر ولن تكون للمستقبل أملا في الخاطر...
ومع التدمير والتخريب ..رحلت مع هبوب الريح عصافير حلتنا..تائهة بين الروابي والجبال والوديان وديار الغربة التي لا ترحم..ولأول مرة تعرف الخوف الحقيقي والهوان الحقيقي والتشرد وهجرة الأوطان.. بل قلة الحيلة والتوهان.
عشرة أشهر سوداء قد كست أجسادنا العارية ولا الصياد يبحث عن طريدة جريحة.. عشرة أشهر نحمل رؤوسنا فوق أكفنا نسأل في حزن وغضب..لماذا الاصرار علي الحرب والدمار.. ولمن نشكي حالنا فمأساتنا في رحمة قادتنا..وحمايتنا في كهوف ظلماتنا..وحتي الحروف هربت ولم تعد تتحمل ثقل وحزن كلماتنا..إنها مأساة
شعب ووطن يدمره أهله بأيديهم وبأيدي من كان يجب عليهم حمايته...
د.فراج الشيخ الفزاري
/////////////////

 

آراء