في الدعاء على الكيزان.. نظرة لائكية

 


 

 

كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد
إنتظمت وسائط التواصل الاجتماعي خاصة على الفيسبوك دعوة " أقل ما يُمكن أن توصف به - إذا جاز للمرء إطلاق الوصف - بأنها سمجة سُميت من قبل مطليقها "الدعاء على الكيزان" قوامها ترديد (اللهم لا تحقق للكيزان غاية ولا ترفع لهم راية) وتنشط هذه الدعوة بشكل كثيف كل يوم جمعة.... الواضح أن هذه الدعوة تستبطن حنقاً على جماعة الإخوان المسلمين وبصورة أكثر خصوصية حزب المؤتمر الوطني أو من يعرفون في السودان على نطاق واسع (بالكيزان) ، ومنبع الحِنق فيما يبدو أن مطلقي الدعوة والدعاء ينحون باللائمة في إشعال حرب ١٥ إبريل في السودان على هذه المجموعة السياسية.. وبنظرة فاحصة لفحوى الدعاء وغايته ومرجعيته من منظور لائكي - عَلَماني - يؤكد إعلان حالة هزيمة فكرية ومرجعية لمطلقيه، كما ينم هذا النزوع عن حالة ركون لإبطال الفعل السياسي واللجؤ لدعوة غيبية في مواجهة جماعة مرجعيتها الأصلية وخلفيتها الفكرية التماس شؤون السياسة من الغيب بدعوى أنها ممثلة ذلك الغيب في المضمار السياسي والناطق بإسمه، وبذلك وقّع وبَصَم أصحاب هذا الإتجاه (الدعاء) على ذات مرجعية خصمهم السياسي ونزلوا في سُوح موجهاته الفكرية نزولاً فضولياً وبالتالي قلصوا مساحة الخلاف بينهم وبينه لحد التلاشي.
على عموم الأمر، ينبأ هذا التوجه - الدعاء على الخصم- عن حالة توهان فكري عميق من ناحية، ويؤسس لخلق حالة من الفوضى الفكرية في مقارعة الخصوم، ومن ناحية ثانية يؤكد على حالة عدم فهم لمشروع الإخوان المسلمين.. وبالتالي يفتح ساحة الصراع لمثل هذا التسابق غير المجدي نحو رفع الأمر للسماء... فالخلاف مع الإخوان أو الكيزان هو في الأصل خلاف مرجعيات فكرية محورها الأساسي يدور حول قدرة الإنسان على إدارة شؤون السياسة دون إقحام الغيب والدين في إدارة العملية السياسية مع التركيز على تقديم العقل Reason على كل ما عداه من مرجعيات بحسبانه أي العقل هو المرجعية الأساسية التي يُحتَكمُ إليها في العملية السياسية، مع التزام صارم بالتمسك به وبمقتضياته مهما كانت طبيعة ودينامية ومفاعيل الصراع السياسي وما يقود إليه من نهايات سعيدة أو تراجيدية، هكذا يُفهم الصراع مع الجماعات ذات المرجعية الدينية وعلى ذلك يجب أن تُبنى الخلافات معهم... أما الدعاء عليهم فذلك أمر فوق أنه لا يخدم قضية الصراع المجتمعي - الدنيوي في شي، فإنه يجر صاحبه لحالة من التماهي والتطابق مع المدعو عليه من حيث المرجعية بحيث يصير النّدان قرينان لا فرق بينهما لا بالدرجة ولا بالنوع بالصورة التي تشوش على المتابع أو المراقب ولا تمكنه من فهم أوجه الخلاف بين الداعي والمدعو عليه.
إن الخلاف مع الجماعات الدينية كجماعة الاخوان المسلمين لا يتأسس اطلاقا على حالة نفسية تتلبس فيها الشخص " كراهية" الكيزان كما هو سائد الآن دون النظر والاعتبار والتحقق من أدوات الخلاف معهم بالقطع مع مرجعيتهم لا التماهي معها، فحاصل الأمر أن جماعة الإخوان ومهما كان مستوى الخلاف معهم الا انهم يظلون قوة محفزة على الصراع، وتستثير الهمم نحو خلاف فكري له منطلقاته الأيدولوجية، وآفاقه السياسية كما يستدعي طاقة موجبة نحو الاطلاع على أدبياتهم وموروثهم الفكري والفلسفي، لذلك فالصراع معهم بهذا الوصف ليس ميداناً للتنابذ والدعاء، وتحريك مواطن الكراهية غير المبررة، ولا حتى بإستئصال شأفتهم عن طريق شن الحرب عليهم، وإنما يتأسس في الأصل على إستثارة العقل ومعرفة مواطن الخلاف فكرياً، قبل إطلاق العنان لحالة الرفض الناتج عن حالة ذهان psychosis الذي لا يفضي إلا لمزيد من الدعاء والدعاء المضاد على الخصوم، والذي سينتهي حتماً بإنتصار الكيزان فكرياً طالما رضى من يصنفون أنفسهم بأنهم خصومهم منازلتهم في ميدانهم وبأدواتهم وبالتالي يضمنون لهم من حيث لا يدروا رصيداً من أنفسهم حيث لا فرق في الأصل بين صاحب الدعاء والمدعو عليه.
د. محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com

 

آراء