قراءة في الفن التشكيلي السوداني المعاصر

 


 

 

(1)
في موضوع بحثنا لرصد ودراسة نقدية لمسار الحركة التشكيلية في السودان, فقد اكتسبت روح وأسلوبية إستاتيكا الحداثة سمات واضحة في أعمال خريجي كلية الفنون الجميلة بالسودان كمقابل موضوعي لفناني المقاهي جيل الثلاثينيات, أو ما يمكن أن نطلق عليه (الفن المدرسي) مقابل (الفن الفطري) وذلك من أوّل وهلة والنتائج التي قدّمها الخريجون الأوائل من مدرسة الفنون. فالوعي بالزمن الجديد والذي تمثّل في الرعيل الأول من رواد كلية الفنون الجميلة أو ما يُطلق عليهم بـ(الأفندية ) هم نتاج طبيعي لما تم تأسيسه في مطلع القرن.
بدأ تيار الحداثة يظهر في السودان منذ أول يوم خطرت فيه فكرة إنشاء مدرسة التصميم, في ذلك الوقت بدأت ثورة الفن الحديث في أوروبا وهَبّتْ تيارات الحداثة تتسرب في كل ما هو كلاسيكي فتركله. في ذلك التاريخ أسّسَ المستر قِرِينلُو كلية الفنون و وضع في منهجه فكرة البداية بالأشغال اليدوية كأسلوب لتنمية مهارات الدارسين على أسُسٍ علمية مستخدماً العناصر والمواد المحلية والأساليب المحلية وفي الوقت نفسه بدأت طلائع المبعوثين من المستعمرات الأوروبية لِتَلَقِّي العلوم والفنون في أوروبا, وظهرت مُسميات مثل الحداثة.
كانت العمارة في أم درمان في بداية الدولة المهدية لا تعدو أن تكون رواكيب وقطاطي من القش, وقد تغيّر هذا النّمط من البناء إبان حكم الخليفة عبدالله التعايشي والتي استخدم فيه المواطنون الطين لبناء منازلهم, وقد تم في عهد الخليفة عبدالله التعايشي تخطيط الشوارع وذلك في العام 1894م, وفي تلك الفترة انتشر مفهوم الحوش في البيوت والذي تَمَسَّكَ به الغالبية العظمى من المواطنين إلى يومنا هذا سواء كان المبنى سكناً خاصاً أو مؤسسة حكومية. ونظام الحوش صُمّم لاستيعاب أعداد كبيرة من البشر وهذا ما جعل أم درمان تكتظ بالسكان . ومن السّمات الواضحة في نظام العمارة في أم درمان تداخل المنازل مع بعضها بعضاً, وذلك بوجود أبواب داخلية تربط مجموع المنازل مع بعضها البعض, وهذا النوع من الأبواب يُسمّى "النَّفَّاجْ" وغالباً ما تستعمله النساء وذلك لتيسير التواصل بينهن, إضافة إلى حريّة الحركة للتنقل من منزل إلى آخر دون الخروج إلى الشارع. وقد لعبت الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية دوراً كبيراً في بقاء العمران بشكله الذي نجده حتى الآن, سيّما في مناطق أم درمان القديمة. بعد أن أصبحت الخرطوم عاصمة, تم تخطيط أم درمان باعتماد تقسيم المناطق تقسيماً قبليّاً .
أسهم فن المقاهي في مطلع الثلاثينيّات من القرن العشرين في إثراء الثقافة المحلية ونقلها من حيث المفهوم من كونها فنون تطبيقية تخضع لشرط الغرضية وضرورة تلبية الحاجات الحياتية كصناعة المراوح اليدوية والبروش والمناديل والطُباقة والعناقريب .. الخ, إلى إدخال عامل جديد للوعي الجمعي وهو تأطير هذا الفن لأغراض الجمال, وكان من أشهر روادها, علي عثمان علي (1895-1945م) ومصطفى العريفي (1898-1979م) و موسى قسم السيد كزام المعروف بـ(جحا) (1931-2007م).
يُعتبر العقد الثالث من القرن العشرين يمثل بداية ظهور اللوحة الفنية بمفهومها الغربى، أي اللوحة التى يرسمها الفنان لِتُعَبّر عن رُؤَاهُ الذاتية وبغرض التواصل مع الآخرين من خلال تجربته الإبداعية، والتى أصطلح بتسميتها لوحة الحامل ، حيث بدأ الفنانون فى توظيف خامات ومواد فنية جديدة مثل الألوان الزيتية والمائية، وأدوات الرسم المستوردة وأيضا بعض الخامات المحلية المطورة لمعالجة السطوح التى بدأوا فى اكتشافها كالقماش والأخشاب والورق...الخ, ومع أنهم لم يتلقوا تعليماً فنياً أو تدريباً علمياً على استخدام هذه المواد إلا أنهم توصّلوا لنتائج مُرضِية, وبعضهم برع وبأسلوب تقني عالٍ فى استعمال الألوان الزيتية فى التلوين ومادة الفحم فى الرسم، ولعلّ ما كان يهمهم فى المقام الأول هو المضمون، أو الموضوع أكثر من البحث فى التقنيات كعنصر أساسي في عملية التذوّق الفني بالمفهوم المعاصر، وكان التعبير عن البيئة وثقافتها التقليدية والبحث عن أشكال فنية يساعد على تكوين فن جديد يختلف عن الفنون التقليدية المتوارثة هو غرضهم الأساسي. وقد أطلق على هذه المرحلة مرحلة البدايات الأولى للتشكيل السوداني المعاصر، أو اسم (فن المقاهي). فنجد منهم من رسم المناظر الطبيعية الخلاّبة، والطبيعة الصامتة وصوّروا بدقة مناسبات اجتماعية طقسية، والشخصيات الدينية والنضالية، كالفنان علي عثمان علي الذى كان يعرض أعماله فى المقاهى المعروفة فى الخرطوم، قهوة الزئبق وود الآغا، والعودة والتي كان يَؤُمُّهَا أهل الثقافة من الأدباء والفنانين، ومن الفنانين الذين اشتهروا فى هذه المرحلة الفنان عيون كديس، والفنان أحمد سالم الذى عُرف بإنتاجه الغزير والمتنوع من اللوحات بالألوان الزيتية والمائية بالإضافة للمواد المحلية كالبوهية (طلاء) وغيرها وهو من أوائل الفنانين الرواد الذين اهتموا بمعالجة الملمس فى سطح اللوحة بإضافة مواد لاصقة، تناول مواضيع متعددة، من رسم للشخصيات الوطنية والمناظر الطبيعية من الريف السودانى. وتميزت لوحات الفنان العريفي الزيتية باحتفائها بمظاهر الحياة الاجتماعية، ويُعتبر الفنان جحا أول فنان تشكيلي سوداني أقام معرضاً تشكيلياً داخل السودان وخارجه أيضاً . عُرف عن رواد فن المقاهي بأنهم ينتمون لتيار الواقعية, وفي الواقعية قليل من خرج من إطار رسم الوجوه (البورتريه). وهذا التضييق في الطرح وحصر فنهم في (البورتريه) راجع لعاملين مهمين, العامل الأول درجة الوعي العام بالفنون لدي الناس في ذاك الوقت وثقافتهم البصرية, والعامل الثاني يرجع إلى التَكَسُّب من رسم وجوه الأعيان وشيوخ الطوائف الدينية وكبار التجار بالمدينة وهذا ما يدر على الفنانين بالكسب الوفير.
تُعتبر هذه الفترة هي فترة الصراع بين الثقافة المحلية الضاربة في الجذور وبين الفنون الجميلة الوافدة بلوحة الحامل, والتي تقف الثقافة المحلية نِدّاً لها مدعومة بالآلية الدينية من جانب وفي الجانب الآخر الفن والحريات. وقد عانى رواد الفن في السودان من هذا الصراع الذي طال حتى الرعيل الأول من منتسبي كلية الفنون, كما لم ينج منه بعض من الجيل الحالي.
تم افتتاح كلية الفنون في منتصف الأربعينيات في ظروف خاصة واستثنائية جداً, فقد عاش المجتمع السوداني في تلك الفترة العديد من الأحداث السياسية والتي كان لها التأثير على مصير البلاد فيما بعد. من ضمن تلك الأحداث كانت المطالبة بالاستقلال من داخل البرلمان, لذلك كان الوعي الجمعي والوجدان الشعبي معبّأً ومشحوناً بطاقات ثورية ووطنية جيّاشة.
يرتبط تاريخ كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بماضي وتاريخ المستر جان بيير قرينلو الذي يُعتبر الأب الروحي لكلية الفنون وواضع المنهج الأساسي لتدريس مادة الفنون والمهن اليدوية بمعهد بخت الرضا بمدينة الدويم وقد كان لكتابه (الأشغال اليدوية والرسم) الدور الرئيس في إنارة الطريق لمُعلّمي المدارس الأولية بالسودان وتنمية مهاراتهم. لقد أدرك المستعمر البريطاني أهمية الفنون فى التربية بشكل عام، وارتباط ذلك بأهداف التعليم الوظائفية آنذاك، لذلك تم تدريس مادة الفنون فى المراحل التعليمية المختلفة. ومن ثم بدأ تدريب أساتذة الفنون بمعهد بخت الرضا عام 1943م، وفى عام 1946م أنشئت مدرسة التصميم بكلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم حاليا) على أيدي القائمين بأمر التعليم آنذاك من أمثال جان بييرقرين لو، و كوترال وغيرهم، وانتقلت فى عام 1951م إلى مباني معهد الخرطوم الفني الذي تحول إلى معهد الكليات التكنولوجية ثم جامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا حالياً تحت مُسمّى (قسم الفنون)، لتحمل فيما بعد اسم كلية الفنون الجميلة والتطبيقية وذلك في العام 1971م .
ومثلها مثل رصيفاتها في العالم, ضمّت الكلية الأقسام المهمة والأساسية التي يجب توفرها وهي: التلوين والرسم والنحت، والتصميم الإيضاحي والتصميم الصناعي، والخزف، وتصميم وطباعة المنسوجات، الخط، الطباعة والتجليد والتصميم الأساسي وتاريخ الفنون والدراسات العامة. وتمنح درجة البكالوريوس للطالب بعد إكمال برنامج دراسي يمتد لأربع سنوات، وقد قامت كلية الفنون الجميلة والتطبيقية على غرار الكلية الملكية البريطانية. ومنذ أن خرّجت أول دفعة عام 1951م، بدأت مسيرة الحركة الفنية الحديثة والمعاصرة في السودان، ومن أهم الفنانين الرواد الأوائل من خريجى الكلية الذين أنجزوا أعمالاً فنية واقعية على درب النهج الدراسي الأكاديمي الأستاذ عبدالله محي الدين الجنيد وهو أول خريج من مدرسة الفنون (1945م) والفنان علي مصطفى العريفي، الفنان إبراهيم الصلحي, الفنان بسطاوي بغدادي، وغيرهم، ولكن سرعان ما إتجه الفنانون إلى البحث عن هوية تشكيلية سودانية أخذت تتبلور بعد عودتهم من بعثاتهم الفنية في بريطانيا.
وكان من أهداف الكلية الأساسية بعد تدريب وإعداد المتخصصين في الفنون الجميلة والتطبيقية، تعليم طرق الدراسة والبحث في التراث الحضاري والفني الشعبي وكذلك العمل على ربط الثقافة والتراث المحليين بثقافات الشعوب الأخرى والمساهمة في إثراء التراث الإنساني بوجه عام. وقد دفعت كل تلك العوامل طلبة الكلية في ذاك الوقت للنظر في العودة إلى الجذور, والدعوة إلى ضرورة الحاجة لوضع منهج فكري وعملي يهدف إلى الإرتباط بالفكر والتاريخ والتراث السوداني، مع ضرورة الاستفادة من التقنية والحداثة المكتسبتين من الغرب، وقد نجم عن هذا المَخَاض ماعُرِفَ نقديّاً فيما بعد باسم مدرسة الخرطوم, أو (الخرطوميين).
إن تأصيل الفن السوداني وربطه بجذور الإسلام والعروبة, هو الطريق الذي اختاره بعض من الرعيل الأول ليصلوا إلى - النضج الفني – "المُتَخَيَّلْ" لديهم, وليصنعوا لهم مكاناً في مسيرة الفن التشكيلي الإقليمي عبر التاريخ, دون استنساخ للغرب أو تضاؤل أمام منجزاته الحضارية. أصبحت الاستفادة من الإتجاهات الفنية السائدة في أوروبا, بما تحمله من إبهار تقني وإثارة شكلانية وأسلوبية, نمط جديد تم إلباسه ثياباً تحمل عبق الميراث الحضاري للسودان, وذلك بإستخدام بعض من عناصر التراث الفني السوداني القديم (الفن النوبي) والفن الإسلامي المتمثل في (الزخارف والحروفية العربية), فأصبح الناتج فَنّاً ذا أسلوب خاص أدّى إلى خلق تيارٍ في الفن وتوجهٍ واضحٍ في عقد الخمسينيات, وكان أصحاب هذا التوجه من طلائع البعثات التي أوفدت إلى الخارج لدراسة الفنون في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين, الذين عملوا بالتدريس في كلية الفنون الجميلة في السودان فيما بعد, مُغَيِّرِين بجهدهم الأنساق التشكيلية والإبداعية السائدة .
إن مدرسة الخرطوم أو الخرطوميين كما يدعوها البعض أو التراثيين كما يدعوها آخرون, إهتمّت بالنزعة الصوفية كموروث حضاري سوداني واستلهمت منها معاني كثيرة ظهرت من خلال أعمالها. وقد تعرّضت مدرسة الخرطوم للكثير من النقد في أمر توظيفها لهذه المفردات الجمالية ذات الصبغة الإسلامية والعربية بوجه خاص, حيث جاء في حديث عبد الله بولا لمجلة الثقافة السودانية ".. لا مأخذ لدينا على رموز للتعبير تؤخذ من الحياة في السودان من تاريخه أو من حاضره , إنما مأخذنا ينصب على اختزال الثقافة في السودان في رموز بعينها وإضفاء القداسة عليها وتسميتها بروح الأمة كما هي حال الحرف العربي عند مدرسة الخرطوم ما يسمى اليوم حركة التراث والمعاصرة ". وفي حديث مع محمد عبد الرحمن بوب :"المعروف عن رواد الخط العربي في التشكيل الحديث أن أبرزهم الراحل عثمان وقيع الله ومحمد أحمد شبرين ومعظم من اندرجوا معهم في تيار مدرسة الخرطوم، لكن كثيراً ممن جاءوا بعدهم استخدموا الخط بمفهوم مختلف، ومنهم من أثار جدالاً ضد رواد مدرسة الخرطوم بشأن الخط في العمل التشكيلي مثل الفنان حسن محمد موسى الذي يستخدم الحرف العربي اليوم على أنه سجل علامات يمكن إفراغها وملئها بدلالات لا تحيل ضرورة إلى تراث وثقافة منطقة جغرافية واحدة ومتجانسة. وهناك من يستخدمه على أنه صنف في الثقافة البصرية الشعبية التي تعتمد الكتابة لأغراض التعليم أو تزيين فضاءات السكنى والعمل، فالحرف العربي ليس حكرً للفنان الحديث لكنه كان مستخدم لوظائف جمالية منذ أزمان قديمة ".
ظهرت مدرسة الخرطوم في الخمسينيات والتي تجمع بين عنصري العروبة والأفريقانية ملتزمة في ذات الوقت بالبحث والتنقيب في التراث المحلي مستندة على المنهجية الأكاديمة في عملية توليف وتوظيف العلامات المحليّة والمفردات الجمالية العربية لإستحداث تيار فني ذي نمط خاص بالسودان. وقد ساهم رواد هذا التيار في إثراء الساحة الفنية التشكيلية بصورة فعالة رغم النقد اللاذع الذي تعرّضوا له. وقد طال تأثيرهم وظهرت بصماتهم في الأجيال التي تلتهم .
لم تكن المجموعة تنحصر في ابراهيم الصلحي وأحمد محمد شبرين فقط مع أنهم من ذاع صيتهم وعلا شأنهم في الأوساط الفنية المحليّة والعالمية, فالخرطوميون أو التراثيون يدخل من ضمنهم: الخطاط العالمي عثمان وقيع الله, وابراهيم الصلحي, و احمد محمد شبرين وبسطاوي بغدادي، ومحمد عمر خليل, وأحمد حامد العربي, وعمر خيري (جورج إدوارد), وأحمد عبد العال وغيرهم كُثُر. وبالرغم من أن أحمد عبد العال يعتبر من الجيل المتأخر عنهم إلا أنه أحد المنظّرين لمدرسة الخرطوم, بل ربما يكون الأوحد الذي تصدّى لهذا التيار ودافع عنه وركب ركبه فيما بعد كل من إبراهيم العوام ومحمد حسين الفكي وآخرون.
منذ تأسيس كلية الفنون الجميلة في الأربعينات وتخرّج الدفعة الأولى والذين أطلق عليهم جيل الروّاد, كانت المسألة الوطنية هي المحفّز لهم والشغل الشاغل لذهنهم, لذلك فبالرغم من تلقي دراستهم في بريطانيا وانفتاحهم على العالم الخارجي واختلاطهم مع النخب الأوروبية الثقافية والفنية, إلا أن موضوع التراث والبحث عن الهوية شكّلا هَمَّاً ثقيلاً على كاهل جيل الروّاد, فتجلّى بوضوح في أعمالهم, فقد تبنّى عثمان وقيع الله الخط العربي وبرع فيه بل أصبح علماً وسط الخطّاطين العرب, وأتى الصلحي بأكاديمية صارمة في بعض أعماله كنتاج طبيعي لدارس الفنون في أي مدرسة فنون في العالم, إلا أنه بعد حين من الخبرة والممارسة الخاضعة لالتزام منقطع النظير, ترك العنان لفرشاته لا يقودها سوى الخيال المؤطر بالثقة المفرطة, فأتت أعماله دقيقة في الشكل واللون. فمن حيث الشكل قلّص الصلحي الواقعية الثلاثية الأبعاد واكتفى بالبُعد الثاني في أعماله, لم يعتمد على الألوان كظلال ولكنها أتت كسطوح تُعبّر عن واقع جديد قائم بذاته أضافت للوحة بُعدً مغرورق في التجريد. وصلت أعمال الصلحي الأخيرة قمة هرم التعبيرية الحديثة, وإذا كان الصلحي مجرّة في الفن التشكيلي مكوّن من التراث الإفريقي والحداثة الغربية, فإن الأقمار التي تدور حول فلكه هي الواقعية والتجريدية والتعبيرية والفنون العربية الإسلامية.
إزداد هم البحث عن لغة فنية تُبَلْوَر من خلالها فكرة الهويّة وعدم التلاشي أوالتماهي مع الآخر لدى الأجيال التالية. كانت البلاد لا تزال تتأجج فيها نيران السياسة الحامية التي لم تنطفئ منذ نصف قرن, وبالرغم من ذلك تُعتبر فترة الستينيات والسبعينيات من أكثر الفترات التي شهد فيها السودان تدفقاً وعطاءً في الفنون وذلك بفضل الانتصار الشكلي لليسار الذي أتاح حريات كبرى للفن والفنانين, وتعدّدت البعثات الخارجية في كل مجالات العلوم والفنون, وكانت دور العرض بإمكاناتها البسيطة تُقدّم ما هو جليل في الفن. وقد أفرزت هذه الفترة شخصيات كبيرة وشهيرة في مجال التشكيل مهّدت للتعرف أكثر على المدارس التشكيلية والأكاديمية للفن السوداني المعاصر. عرفت الساحة الفنية في ذاك الوقت الكتابة بشتى أنواعها, وازدهر دور الناقد الفني وقد أثرى الساحة الفنية كل من حسن محمد موسى وعبد الله بولا وأبوسبيب والنور حمد وعلاء الدين الجزولي وصلاح حسن عبدالله وعبدالرحمن باردوس وهم من التقدّميين وشبرين وأحمد عبدالعال وإبراهيم العوام وعبدالله العتيبي ومحمد حسين الفكي وهم من السلفيين .
ظهرت الكرستالية عقب مدرسة الخرطوم مباشرة وتتلمذ روادها على كل من الصلحي وشبرين, وقد أتى بيان الكرستاليين صارماً داعياً إلى إعادة النظر في المعنى التقليدي للفن أي محاولة رؤية العالم بعين جديدة من زاوية جديدة تبرز بكل شفافية كل العلاقات الجمالية والوجدانية والمادية المتفردة بعواملها الذاتية المطلقة ومجتمعة بعلاقاتها اللامتناهية ببعضها البعض .
برزت الفنانة كمالا إبراهيم في وقت مبكّر جداً وعُرف عنها جديّتها في العمل وتفرّد أسلوبها, فقد مالت إلى تيار الرمزية الأسطورية, و اتخذت من (الزار ) مصدراً للإلهام تنهل منه, واتخذت الفنانة من هذا الطقس موضوعاً للدراسة في بريطانيا فجذب إنتباه أساتذتها وزملائها الطلاب, وحسب إفادتها فقد تحدّث معها المشرف على البحث بأن هناك علاقة بين مواضيعها التي تتناوله في لوحاتها ومواضيع الفنان الرسام والشاعر الإنجليزي وليم بليك المعروف عنه برسوماته الأسطورية ذات الطابع الديني, وعليها أن تَطّلِع على رسومات هذا الفنان. فما كان منها إلا أن استجابت لذلك وذهبت إلى المتحف لتتفاجأ بأعمال مذهلة ذات الطابع العجائبي والغرائبي شكلاً ومضموناً.
تُعتبر مدرسة الواحد امتداداً طبيعياً لمدرسة الخرطوم من حيث المنهج فقد دارت في نفس النهج حيث أنها ترى فكرة التصوف والوحدانية نهجاً لها , يقول الدكتور أحمد عبد العال :"إن مدرسة الواحد هي محاولة للكشف عن المصادر الأساسية لإبداع إسلامي معاصر". فبالرغم من شكل التشابه بين المدرستين إلا أن ما يُفرّق بينهما هو اهتمام رواد مدرسة الخرطوم بالإنتاج وعدم الميل للتنظير بالمقارنة بمدرسة الواحد,
من جانب التأثير والتأثر نجد أن الفنان أحمد عبد العال تأثر بشكل لافت بالواسطي, من حيث تركيبة الألوان والشكل إلا أن الأعمال تنتهي في لوحة عبد العال بتقانة عالية وحرفة ودربة على إبراز شخصيّته وقد عمل على ذلك. لذلك أتى كتابه الشهير (أمشاج) على غرار كتاب (مقامات الحريري) تحوي قصص مدعومة بالصور التي تستند بصورة أساسية على الخط العربي والذي يستخدمه عبدالعال في جوانب كثيرة كشكل زخرفي فقط غير مقروء, مع إدخال أشكال الإنسان والحيوان, التي يرمز إليهما عبر إنحناءات الحرف وتقطّعات الكلمة, لقد بذل الفنان أحمد عبد العال جهداً رياديّاً متميزاً في استخدام الخطوط العربية ضمن نمطية مألوفة حتى إذا ما حاول المشاهد أن يتلمّس دربه لينال من كلمة مقروءة, فلن يقع إلا على أشكال لكلمات جُرّدت من خصائصها المعنوية وفرغت من أية دلالة, وليس ما يُذكّر المشاهد بالكتابة غير نسجها الخطّي وغنى حركتها وانسيابها بعد أن ألقى بها الفنان كخلفية لأشكال كبيرة غالباً ما تكون آدمية تتقدم اللوحة وتبدو أحياناً وكأنها كُتِبَت بعفوية وأحياناً تبدو مصمّمة من ضروب من الخطوط الموروثة على مثل ما هي في الكوفي أو الديواني أو الثلث دون أن تحمل بذاتها معنىً لكلمة أو لجملة. ونجد من الفنانين الذين حَذَو حَذْو عبد العال كل من عبد الله بولا وحسن محمد موسى فكلاهما استخدم الحرف العربي كنمط تعبيري في لوحاته, جرّد بولا الحرف وخلق منه كُتلا تعبيرية معقّدة وبرع في ذلك, أعماله دراسة في الشكل واللون. أما حسن موسى فتأثر بالمدرسة الغربية كثيراً, كما نجد في اعماله أيضا طابع رسومات الأطفال المدرسية (التعليمية) ذات النهج المبسّط وهذا راجع لخلفيته كأستاذ في المدارس الفرنسية, وقد نُشر له الكثير من الرسومات ذات الطابع التوجيهي, ونجد أن حسن موسى في أعمال أخرى جنح إلى مدرسة التجريدية الجديدة ليعبر عن وشائجه السياسية, وقد بذّ عنهم أحمد عبد العال وأظهر علو كعبه. يُعتبر الفنان أحمد عبد العال أكثر جيله إنتاجاً وأكثرهم حرفة ودراية بعمله . يتمتع الفنان أحمد عبد العال بكاريزما خاصة مما أهّلته ليأخذ بزمام الأمور في المحافل العامة .
تأثر الفنان أحمد عبدالعال أيضا بالمفكر الأستاذ محمود محمد طه, مؤسس الحزب الجمهوري, ومثله في ذلك الفنان النور حمد, الذي خرج من أركان النقاش والجدال مبكّراً وانصرف إلى الجامعات ومراكز البحوث, واستمر أحمد عبد العال في التصدّي لأقلام اليسار. وكان للفكر الجمهوري ذي النزعة الصوفية كبير أثر في تحولات عبد العال الفكرية التي بدأت في الثمانينيات وتبنّى عندها مدرسة الواحد, وما (الواحد) إلا امتداد وترجمة صيغية للمدلول الفكري والعصف الذهني الذي يعانيه الفنان. عاش الفنان أحمد عبد العال في فترة هو شاهد فيها على التحوّلات التي طرأت على الفنانين والتشكيل في السودان, بل هو أحد صانعي هذا التحوّل. فنداء الخرطوميين وتبنيهم للطرح الإسلامي وصراعهم الفكري مع اليسار خلال حقبة الستينيات وسبعينيات القرن العشرين كان دافعاً للفنان عبد العال لتحديد معسكره, ومع ان الفنان أحمد عبدالعال بدأ في الجامعة بعثي التوجه والتنظيم إلا أنه سرعان ما تمترس خلف التراث حاملاً لواء الأسلمة والتعريب .
كرد فعل طبيعي طرح إبراهيم العَوّام للناس عامة بيانه الذي لم يلقَ صدىً إلا في نفسه, فالبيان الذي أخرجه العَوّام في العام 2004م ويعلن فيه ميلاد المدرسة الأحدية لم يكن سوى من منظور آخر, إعلان خلافه مع أحمد عبد العال الذي استحوذ على مدرسة الواحد لنفسه, فمدرسة الواحد هي عبدالعال وعبدالعال هو مدرسة الواحد, دون أي إضافة لأي شخص, فبرغم توقيعهم معه وبالرغم من حضوره من فرنسا متأخراً عنهم عندما كانوا يتداولون أمر طرحهم الفكري, إلا أن أحمد عبدالعال جعل اسمه يتصدر القائمة. لكل ما ذكر, لم يتحمل العوام ورفاقه ما أتى به صديقهم ورفيق دربهم, ولكنهم كانوا أقل جرأة منه في البوح بما يسرّون. لقد كان هو أكثر جرأة منهم عندما صرّح في الصحف وفي المنتديات "ملكيته" لمدرسة الواحد وأن الآخرين هم أتباع, إلا أن باقي المجموعة أسرّوا بما يعتلج في قلوبهم و رضوا بواقع الأمر وهم صاغرون. ففي حديثنا مع كل من إبراهيم العَوّام و محمد حسين الفكي و أحمد حامد العربي, - في لقاءات متفرقة - اجتمعوا جميعاً على كلمة سواء بأن أحمد عبد العال استأثر بمدرسة الواحد وأنه كان صعب المراس. وبصرامة شخصيته وقوة منطقه الحجاجي لم يكن يتيح الفرص للآخرين. لذلك فشلت مجموعة الواحد في إقامة معرض يضم أعمالهم وطرح أفكارهم للناس, وما العمل إلا تفسير للتنظير. عمل رواد الواحد كلٌ بمفرده, وشقّوا طريقهم آحاداً عبر أروقة الدولة يجمعهم لواء الإسلام والعروبة.
يُعد الدين واحداً من المؤثرات في تشكيل الثقافة البصرية, وقد ارتبط الدين بصورة عامة، بالتعبير الفني في كل مراحل التاريخ. ويتضح ذلك كثيراً في فن عصر النهضة الأوربية الذي سيطرت عليه المواضيع الدينية إلى حد كبير. لقد وقف الإسلام ضد الفنون، خاصة الرسم والنحت، لاعتبارات تاريخية, بل وقف الإسلام ضد الشعر، لنفس الاعتبارات, وقد استمرت الآثار السالبة لذلك الموقف حتى اليوم، لضعف الإجتهاد الإسلامي، وعدم القدرة على رؤية بديلة للسياقات التاريخية، وانحباس الإجتهاد في دوامة فكر السلف. وتوجس الحركة الإسلامية السودانية من الفنون ومن أهل الفنون إنما يعود لهذه الأسباب سالفة الذكر, وبعض منها لضغائن وتراكمات تاريخية مع اليسار. الفنون عَالَمٌ ذاخرٌ ولا يوجد شعب لا يمارس الفنون بصورة من الصور, فالأعمال اليدوية الشعبية من تطريز ونحت خشبي وأعمال السعف والنسيج بمختلف صوره، وزخرفة الحيطان، وأعمال الخزف الأهلية، ومتعلقات الزينة الشخصية، وغير ذلك، تدخل كلها في نطاق الفنون. الرسم والتلوين والخزف والتصميم وغير ذلك مما تدرسه الكليات يمثل الجانب النخبوي والمؤسسي من هذه الممارسة التي ما توقفت منذ فجر التاريخ.
انطلاقاً من جيل الرعيل الأول من التشكيليين والجيل الثاني خَلَفَهُم مباشرة والجيل الثالث منهم على التوالي, يلفت نظرنا هذا العدد الكبير من ممارسي التجريد في ذلك الوقت, وقد أتت تجريديتهم مركّبة, مواضيع ذات أصداء رموز وتعابير أفروعربية. فمن الجانب الإفريقي كان هَمُّ الأوائل هو وضع بصمة تشكيلية سودانية على خارطة التشكيل العالمي لا شبيه لها ولا تنتمي لأحد. ومن الجانب العروبي, حرص الرعيل الأول من التشكيليين على ألاّ يخرجوا من حظيرة الإسلام ويقعوا في شباك المدرسة الغربية. لذلك حرصوا على تَبَنِّي الحروفية العربية كمفردة جمالية وفي ذات الوقت تُذَكِّرَهُم بانتمائهم العروبي الإسلامي, أتت هذه التوليفة بنتائج شكّل في ذاته قيمة نوعية مضافة للثقافة السودانية. فالصراعات السياسية والمساجلات الفكرية التي شابت تلك الحقبة وعلى مدار الخمس عقود أو يزيد, أثمرت عن نضج وجديّة الرعيل الأول, وأصبح ميراثاً حيّاً ورصيداً قِيَمِيّاً ارتكز عليه جيل الحاضر روّاد الغد.
وفي محور بحثنا ودراستنا في تتبع مسار الحركة الفنية التشكيلية السودانية, لا ننوي ذكر فئة دون أخرى, أو نقع في غياهب النسيان, ولكن ضرورياً أن يتم ذكر البعض دون الآخرين ليس نقصاناً من حقهم ولا تقصيراً وعجزاً منّا, ولكن في سياق استعراضنا لبعض النماذج التي لعبت دوراً فاعلا في الحركة التشكيلية السودانية, يتحتّم علينا الوقوف على بعض الأسماء كمحطّات لا يمكن تجاوزها, وإن ذكرناها بشيئ من التفصيل فلن نكون أغفلنا معاصريهم أو زملائهم, فالشَّيْئُ بالشَّيْئِ يُذكر. أتى الجيل الجديد من التشكيليين السودانيين متسلّحين بالعلم والمعرفة وبقدر كبير من الوعي بما يحيط بهم من أزمات سواء السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية, كما لديهم هذا الإرث الذي ارتكزوا عليه لنهل العلم وليتدبّروا أمرهم في الفن, إنها كلية الفنون, ففي منتصف التسعينيات كان قد انقضى على تأسيس الكلية نصف قرن من الزمان, وكان هناك رصيد من الأعمال ولائحة ليست بالقصيرة من الفنانين, منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. كان أحد التحدّيات التي تواجه هذا الجيل الجديد هو هذا النظام الثيوقراطي, بهذه التحديات والمنعطفات صقل الجيل الجديد نفسه وشحذ أسلحته, فبالرغم من خيار الهجرات القسرية التي إضْطُرَّ عليها البعض وخيارات البقاء في ظل دولة الكهنوت, كانت نتائج البعض جديرة بالإحترام, وخلاصاتهم التي توصّلوا إليها في الفن رغم العنت والقهر والعسف لجديرة بالمتابعة والاهتمام.
لقد اهتم الأوّلون وانشغلوا أيّما انشغال بوضع لبنة لقضية الهوية, في تبنّي تيّار منسوج بمفردات جمالية تكون بصمة للهويّة السودانية, فلم يألوا جهدا في انتهاج التجريدية كحل موضوعي لقضية الهوية فأتت أعمال الرعيل الأول كلها تدور في فلك التجريدية, فمنهم من إتجه إلى التجريدية التعبيرية والتي تمثّلت في أعمال أحمد حامد العربي ومحمد حامد شدّاد وكمالا إبراهيم والعتيبي مع استخدامه للحروفية في بعض أعماله . والبعض الآخر أخذ بناصية التجريدية الهندسية والتي تتضح في أعمال إبراهيم العوّام. ومحمد أبو سبيب وسيف الدين حسن بابكر, والبعض مال إلى التجريدية الحروفية التي اعتمدها كل من عثمان وقيع الله و شبرين وحسن محمد موسى وعبد الله بولا وأحمد عبد العال.
وبرغم اختلاف التخصصات إلا أننا نلمح نزوعاً للتفرد من قِبَل الجيل الجديد, ومهما أردنا من تفصيل في شأن الإتجاهات الفنية وروادها في التشكيل السوداني إلا أننا لا نستطيع أن نَفْصِلْ بينهم بجدار ونقول هذا جيل الأمس وهذا جيل اليوم, إذ دائماً هناك نقاط التقاء وهمزات وصل بين الأجيال وهؤلاء الذين أعتُبروا جسوراً بين الأجيال, نهلوا من ينابيع الآباء ليسقوا الأبناء, فأعمالهم حديثة بنكهة قديمة تراهم في مجالس الرواد وأصدقاء للطلاب, إنهم الجيل الذي استلم الراية وأصبحوا أساتذة في الكلية في الوقت الذي تقاعد فيه الآباء أو تفرّغوا للرسم.
(2)
لقد شرع الفن السوداني منذ بداية القرن العشرين في انتهاج اساليب تخص الهوية السودانية اي منذ ان وعى الفكر بضرورة اظهار البصمة الخاصة بـ -الأنا- . كان لابد لخلق واستحداث خصوصية تحفظ للفرد هويته وتحميه من الاستلاب والاغتراب. كان بين ما اقدم عليه في سبيل تحقيق ذلك هو اللجوء الى مرجعية خاصة به وذلك بالرجوع الى مخزون السلف اي الى المرجعية التقليدية والاستفادة من بعض مقوماتها المعرفية ومعالمها الشكلية في استحداث معالم ورموز تحمل دلالات تشير الى كيان هوية جديدة يواجه بموجبها هذا الوافد الحامل لمختلف صنوف الرمزية والشكلانية في الثقافة والفنون .
فاخذت هذه المفاهيم تتبلور وتنضج وترسخ في جيل الخمسينات والستينات وظهر معالم هذا المنحى في نتاج بعض الفنانين من الرعيل الاول. فبمقدار ما ينجح هذا الفن السوداني الاصيل الضارب في عمق التاريخ الافريقي والحامل لدلالات ورموز كثيفة مثقلة بمفردات مستقاة من الغابة والصحراء في توليد مقومات فنية متوافقة -بالضرورة- مع ماضيه ومع حاضره يفتح امامه بابا مشرعا لبناء مقومات مستقبلية تميزه عن سواه من الفنون في المنطقة, من دون ان تبعده عن كل فن ابداعي عالمي. ففي جميع مستويات الابداع يبقى الفنان هو الركيزة الاساسية لكل ابداع. لكن تمايز المدرسة السودانية في الفن التشكيلي والمعماري رهن بقدرتها على صهر المعاصرة مع التراث وابتداع التقنيات التقليدية والقيم الجمالية الملائمة لها, فلا معنى للحنين والشوق للمحلية كـ -ايقونة- بعد زوال ركائزها وقطع جذورها والاستعاضة عنها بوعي / بدون وعي بانتهاج اساليب حديثة وتبني اقانيم وافدة لا تمت للمحلية بصلة.

mohamedmosa.imam72@gmail.com
/////////////////////////////

 

آراء