قضايا مترجمة: المسؤولية القانونية عن حفر أساس مبنى جديد أضرَّ بمبنى ملاصق (1) .. عبد المنعم عجب الفَيا

 


 

 

المحكمة الأعلى – الخرطوم1

حمزة علي كمير................ مستانف
ضد
محمد حسن السواحلي............ مستانف ضده

ملخص الوقائع الثابتة:
المدعي مستأجر للدكان نمرة 12 بلوك 5 بالخرطوم حيث يمارس فيه تجارة الجملة. المدعى عليه هو المالك لقطعة الأرض الملاصقة لدكان المدعي.
بتاريخ 4/3/1953 أبلغ المدعى عليه برسالة خطية، المدعي أنه استخرج إذن تصريح بالبناء بقطعته الملاصقة للدكان وأنه يستعد لحفر الأساس. ثم شرع في الحفر بعد مدة قصيرة من ارسال الخطاب.
كان الحفر تحت الجدار الغربي مباشرة للدكان وبعمق مترين. ونتيجة للحفر انهار الجدار الغربي للدكان وتصدعت الحوائط الأخرى، ولم يعد الدكان صالحاً للمأوى. قضت المحكمة الجزئية برفض الدعوى.
استأنف المدعي إلى "المحكمة الأعلى" فألغت حكم القاضي الجزئي وقبلت الدعوى وحكمت للمدعي بالتعويض.

خلاصة أسباب الحكم:
(1) يقع سبب الدعوى في هذه القضية تحت الإزعاج الضار.
(2) القاعدة العامة هي إذا تضرر البناء بسبب انجراف الأساس وانهيار التربة التحتية كنتيجة مباشرة لأفعال الحائز للعقار الملاصق يسأل هذا الحائز قضائياً عن الأضرار التي سببها للبناء بغض النظر عن وجود تقصير أو اهمال أو عدمه.
(3) إبلاغ المدعى عليه المدعي بالحفر لا يعفيه من المسؤولية.

ملحوظة المترجم: (أجازت محكمة الاستئناف "العليا" القاعدة التي أرستها هذه السابقة القضائية وذلك في قضية: حسن أبو مرين /ضد/ مختار نورين، مجلة الأحكام القضائية 1959 ص 30 والتي كتب الحكم فيها أبو رنّات).

المحامون:
عبد الهادي/ عن المستأنف
أحمد جمعة / عن المستأنف ضده

الحكم
القاضي/ عثمان الطيب3:
(بعد سرد الوقائع) لا يوجد خلاف كبير حول وقائع هذه الدعوى. ولكن الخلاف بين الأطراف حول ما إذا كان الخطاب المؤرخ 3/4/1953 إخطاراً للمدعي أم تحذيراً له؟ أم أن المسألة الفاصلة في النزاع هي أن حفر الأساس هو السبب المباشر لانهيار الجدار؟.
من الثابت أن الحفريات أدت إلى انهيار الجدار وتسببت في شقوق ببقية جدران الدكان بفعل حدوث انجراف في أساس الجدار وتهييل في التربة التحتية.
وكان المستأنف قد أسس دعواه على الاهمال والتقصير negligence وقد صيغت بذلك نقطة النزاع الثانية وانصب نقاش محاميّ الطرفين على إثبات التقصير ونفيه.
وأرى أن وقائع هذه الدعوى لا تقع تحت دائرة المسؤولية عن الاهمال والتقصير negligence كما أنها غير مشمولة بالقاعدة التي أرستها سابقة قضية:
Rylands vs. Fletcher (1868) L. R. (H. L.) 330,
على النحو الذي ذهب إليه محامي المدعي في مذكرة استئنافه.
وذلك لأن القاعدة القانونية العامة تقول إنه لا يوجد اهمال أو تقصير ما لم يوجد واجب يتطلب أخذ الحيطة والحذر تجاه المتضرر. وفي هذه الدعوى لا يوجد مثل هذا الواجب.
كما أن المبدأ الذي أرسته سابقة:Rylands vs. Fletcher يقوم على نفي العنصر الأساس للمسؤولية عن الفعل الذي تسبب في الإضرار بالأرض الملاصقة.
ولذلك نرى أن تصنيف الفعل الضار الملائم الذي ينطبق على وقائع هذه الدعوى هو الإزعاج nuisance الناتج عن سحب عماد البناء. ولم أجد بالسودان حكم قضائي سابق يغطي هذا النوع من الحالات الذي يبدو أنه شائعاً عندنا.
والقاعدة العامة في القانون العام Common Law المتعلقة بحق الارتفاق في الإسناد هي: "كل قطعة أرض لها حق ارتفاق الاعتماد والاستناد على قطعة الأرض الملاصقة لها. وهذا الحق في الاعتماد يتعلق فقط بالأرض في حالتها الطبيعية من غير أن تكون مثلاً محملة بالبناء الفوقي". (انظر:Salmond, Law of torts, 11th ed.,p. 283)
ويمضي مؤلف هذا المرجع الفقهي في الصفحة التالية إلى القول: "سحب العماد support الملاصق للبناء ينتج عنه لا محالة سحب عماد العقار الذي يقف عليه البناء".
ويرى المؤلف أن هذه الحالة من الإضرار بالمباني لم تصدر فيها بعد قرارات من المحاكم. ولكني أستطيع أن أقرر أنه إذا تضررت المباني نتيجة لانجراف الأساس وتهييل التربة التحتية بسبب أفعال حائز العقار الملاصق فإنه يسأل عن الضرر. ولذا يقع سبب الدعوى في هذه القضية تحت فعل الإزعاج الضار tort of nuisance . وتنشأ المسؤولية عن هذا الفعل الضار بغض النظر عن التقصير أو الباعث.
وبالتالي فإن السؤال ما إذا كان الخطاب المؤرخ في 3/4/1953 اخطاراً أم تحذيراً، سؤال غير منتج كليةً. ونخلص من ذلك أن المستأنف ضده مسؤول مسؤولية مطلقة عن النتائج والأضرار التي تسبب فيها للدكان الملاصق بسبب الحفريات التي قام بها.
وأما عن مقدار التعويض المستحق فقد أثبت المستأنف أنه قام بنقل بضائعه من الدكان المتضرر إلى دكان آخر وأعادها مرة أخرى إلى مكانها بعد إعادة بناء الدكان. كما أنه قام بأعمال توصيلات الكهرباء والمياه وغيرها من الأعمال ذات الصلة، إضافة إلى تضرر بعض االبضائع، وقدر التعويض عن كل ذلك بمبلغ 19.535 جنيها. وهذا المبلغ غير منازع.
كما طالب المدعي بالتعويض عن فقدان دخله اليومي ولإثبات ذلك ذكر أن عمله توقف لمدة 16 يوما مما تسبب له في خسارة يومية قدرها 5 جنهيات. وفي مطالبته للمستأنف ضده قبل رفع الدعوى قدر المدعي ذلك بمبلغ 120 جنيها بخسارة 10 جنيهات في اليوم لمدة 13 يوماً وعلى ذلك بني دعواه.
ومن هذا التضارب أقدر خسارة الأرباح بواقع 5 جنيهات في اليوم لمدة 12 يوماً جملتها 60 جنيها، ليكون كامل مبلغ التعويض المستحق سداده للمدعي مبلغ 79.355 جنيها.

هوامش:
(1) ترجمناها من الإنجليزية إلى العربية عن "مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1956 ص74 ، Sudan Law Journal and Reports, 1956 وكانت المحاكم السودانية تصدر الأحكام القضائية بالانجليزية وتقدم المذكرات كذلك حتى سنة 1970.
(2) "المحكمة الأعلى" The High Court فضلنا "الأعلى"، فهي الأصوب كما نرى وليس "العليا" التي تجدها في المصادر القانونية الأخرى، وحتى لا تلتبس باسم "المحكمة العليا" المعروفة الآن. وتتكون "المحكمة الأعلى" من قاضي فرد ولها سلطة ابتدائية في نظر كل القضايا المدنية. ومن اختصاصها الفصل في الطعون التي ترفع إليها من المحاكم الجزئية وتستأنف أحكامها في كل الحالات إلى محكمة الاستئناف (العليا) ويرفع الاستئناف منها وإليها في شكل طلب مراجعة وهي تقابل "المحكمة العامة" في القوانين اللاحقة.. (المترجم).
(3) القاضي/ عثمان الطيب، شغل منصب رئيس القضاء للفترة ما بين 1969-1972.

عبد المنعم عجب الفَيا – 20 سبتمبر 2022

abusara21@gmail.com
///////////////////////

 

آراء