كما نحن نتعرى الآن !!

 


 

وجدي كامل
27 April, 2023

 

السودان في لحظة ولادة جديدة عبر العنف والعنف المضاد.
الظاهرة وبكل ما تحتويه من علاقات ليست بالجديدة تاريخيا اذا ما اتسمت عملية توثيق التاريخ بالشفافية والشجاعة وسرد احداثه بالاخلاص للحقيقة.
هذه المواجهة المندلعة على ثرى الخرطوم، المثقلة بالفظاعة والمفعمة بالعنف ما كانت لتاخذ الاهمية الاعلامية لولا وقوعها وانتشار السنة نيرانها بعاصمة البلاد، وتحت مرآة، ومراقبة كاميرات العالم، وتقنيات الاتصال.
فما فعله الرجلان باهل دارفور كحليفين ببداية الالفية يكاد يفوق مرات ومرات ما نشهده بينهما حاليا كعدويين في معركة تتغذى بالكثير من الروابط الاقليمية والدولية، والطموحات الذاتية والمصالح السياسية والاقتصادية الغميسة الماكرة المرتبطة بفكرة نيل السلطة، الآن تتكلم المعركة امام اعيننا باكثر من لسان، و بشتى لغات التوحش وتجسيد الانتهاكات.
في هذه المواجهة يموت البشر من الجوع، والعطش، والسكتات الدماغية، والازمات القلبية وتوقف الكلى عن العمل. وفي هذه الموقعة الضروس، العبوس يئن الاطفال ويصرخون من ازيز الطائرات الحربية والقصف المكثف.
تتبعثر الجثث على ظهور وزوايا الطرقات ومنعرجاتها ومنخفضاتها، وتكسر البيوت،ويؤخذ سكانها عنوة كرهائن، او يقتلون، او يطردون.
فاما من كتبت له نجاة ويحاول الهرب لاهثا بحثا عن امكنة امنه فتعترضه فرق الموت والآلات المنصوبة، والمصوبة من بنادق ورشاشات ودبابات.
تمتلىء المستشفيات بالجرحى، والمصابين.
اما الموتى فصارت تمتنع او تعتذر المشارح عن استقبالهم لتكدس ارففها وتعطل قدراتها عن العمل بكفاءة قصوى.
يقل عدد المشافي والمستشفيات على راس كل يوم،ويموت الاطباء كما الشجر الواقف مع توثيقات تشير بوقوع بعض القتلى منهم بالاسلحة البيضاء.
تسقى نواصي الازقة بالدماء، و تزدحم الارصفة الترابية، والطرقات الخلفية للاحياء الغنية بلصوص الحرب والغانمين الراكضين المحملين بممتلكات الضحايا ممن فروا واخلوا مساكنهم.
تهدم البيوت الأمنه بمتفجرات الطائرات، وتسجل الانتهاكات احداثا جسيمة، اقلها الاغتصاب وهو ما لا يقال او يذكر في اعلام الحرب المنحاز.
اي عنف هذا الذي نحن شهود عليه؟
اي عنف هذا الذي ظلت تتبرأ منه ثقافات السودان المتنوعة والناطقين الرسميين التاريخيين باسمها، وتضعها في، ومن ضمن ثقافات التسامح الاشد فرادة وندرة على نطاق العالم؟.
فمن اي معطف خرج علينا؟
وكيف مشى، وشيد مبناه؟
انه عنف وفيما يبدو متأصل نائم - عنف عبر عن نفسه في اللفظ قبل الحرب، وفي ثقافة الكراهية، في الحسد، في الغيرة،وفي النميمة، وفي اخرين بعضنا لبعضنا. هذا العنف جاء من ثقافة الانقسام السياسي والبحث عن المزايا والرغبة في الاستيلاء على الدولة كغنيمة مع سبق الاصرار والترصد من المجتمع السياسي لما قبل وبعد الثورة. عنف ايقظه الاشرار ومحترفو الحروب وطلاب السلطة على فوهات البنادق ممن كانوا يطلبونها قبلا في التاريخ الرعوي الممتدة على اسنة الرماح. انه عنف يختبئ ويتململ كان في بنية التاريخ، وفي ثنايا، وعصب احداثه المقموعة من التوثيق والكتابة.
فالحرمان والتجرد من فضيلة العقل والتعقل والعمل بتنشيط وتزكية العقل الرعوي بما بحث في ذلك الصديق الدكتور النور حمد - كل ذلك كان المقدمة المنطقية لما جرى ووراء كل ما يحدث.
فلننظر في انتشار العطش ولنتأمل في ضغوطات الجوع الذي لم يطال بعد في هزاته مجاعة سنة ستة وفظائعها.
كنت قد قرات وفي وقت مبكر ضمن قراءاتي مؤلفا بعنوان تاريخ الخرطوم للراحل البروفيسور محمد ابراهيم ابو سليم. بذل المؤلف هناك فقرة مقتبسة لشاهد من المجاعة جاء فيها وكما رواها الشاهد ان في امدرمان، وعلى ايام المجاعة انتشرت خيام كان بها قضاة ورجال ذوى صلة بالعدالة، يحاولون ضبط الجريمة وخروقات القانون ايامها.
ذكر الشاهد انه وفي ذات نهار من تلك الايام لجأت طفلة والرعب يكاد يقفز من عينيها.
الطفلة خاطبت القاضي:
امبارح ابوى اكل اخوى واليوم الدور على.
عمليات تجميلية متكررة اجريت لجوانب عديدة قاتمة من التاريخ وتم تسويقها بمكر ومخاتلة جيلا بعد جيل.
واجب العقل اليوم التخلص من اساطير البطولة والانتصار الحتمي على الكوارث.
ما يحدث الآن كارثة مكتملة الاركان تستوجب وضع أسوأ الاحتمالات وليس محاربة التفاؤل ان وجدت له عناصر مبدئية منطقية ومقدمات حميدة.ولكن ما اصابنا من عنف بنيوي نتمنى ان يصير هدفا لمختلف الاجيال القادمة للتخلص من تركته وميراثه البغيض.

wagdik@yahoo.com
//////////////////////////////////

 

آراء