هل ينطبق مبدأ الوحدة الطوعية على الحالة السودانية؟ … بقلم: بروفيسور: موسى الباشا

 


 

 

          سيحاول الباحث إلتماس إجابة موضوعيَّة عن هذا التساؤل من  خلال التَّعريف  بالمضمون القانوني الدولي لمبدأ الوحدة الطوعيَّة و ذلك بإستعراض بعض نماذج تطبيقاته من جهةٍ، و تِبْيَان الشروط القانونية التي يُطَّبَقُ المبدأ بمقتضى أحكامها من جهةٍ ، و فحص مدى توفرها و إنطباقها على الحالة السودانية من جهة أخرى. إلآ أنَّه قبل تناول هذه الموضوعات بالدراسة  و التحليل تقتضي الموضوعيَّة التَّعريف بماهيَّة التكييف السِّياسِي- القانوني لإتفاقية نايفاشا و ماهيَّة التَّبعَاتِ التي من المنظور أنْ تنجم عنها وإليك بيان كل ذلك وفقا للنَّسِق ِ التالي .

 

 

       في إطار التكييف السِّياسِي لإتفاقية نايفاشا إرتكازاً إلى المعيار الكميِّ كمحددٍ لماهيَّة طبيعة الإتفاقيات و المعاهدات السِّياسِيَّة يمكن القول بأنَّ إتفاقية نايفاشا   ُتصَنَّفُ في إطار الإتفاقيات السِّياسِيَّة الثنائية الخاصَّة التي ُتعَبِّر صراحة عن مشئية إرادتي الطرفين المتعاقدين المستفيدين الحقيقيين من العقد المُبْرَم ( الحركة الشَّعبية لتحرير السودان و حزب المؤتمر الوطني كشخصين إعتباريين قانونيين خاصين ) .

 

 

                أمَّا وفقاً لسياق التكييف القانوني فإنَّه يستقيم القول بأنَّ إتفاقية نايفاشا يمكن تصنيفها في إطار العقود السِّياسِيَّة الثنائيَّة المَحَلِيَّةِ ذلك لواقع  أنَّ  الطرفين المتعاقدين شخصين إعتباريين خاصين محلا لآحكام التشريعات الوطنية السودانية لا لإحكام القانون الدولي العام، إذ ْ أنَّ كلاً من الحركة الشعبية لتحرير السودان و حزب المؤتمر الوطني لا يتمتعان بالشخصية الإعتبارية القانونية الدولية . إرتكازاً إلى ما تقدَّم يسقيم القول بأنَّ  إتفاقية نايفاشا ليست إلا عقداً ثنائيا محلياً يخضع في كليته للإختصاصيين الوظيفي و المكاني  لأحكام التشريع الوطني السوداني . و تجدر الإشارة هنا أنَّه  نسبة لِعَيْبِ اللآ دستوريَّة الذي شاب مشئية إرادة حكومة السودان كشخص ٍ قانوني ٍ إعتباري ٍ عام تعاقد بالوكالة عن شخص ٍ إعتباري خاص ( حزب المؤتمر الوطني المستفيد الحقيقي كمتعاقدٍ بالباطن)  في غير تفويض دستوري صريح أو ضمني يخولها تلك الصلاحيَّة، إذ ْ دستورياً يُعتبر تعاقد حكومة السودان بالوكالة عن حزب المؤتمر الوطني خرقاً صريحاً لمنطوق متن المادَّة  (43) من دستور السودان لعام 1998 المعمول به حين إبرام إتفاقية نايفاشا والتي ( أي المادة 43 ) تحدِّدُ حصراً الصَّلاحِّيَات الدستوريَّة التمْثِيلِية  للسلطة التنفيذيَّة مُتمَثلة ً في رئيس الجمهورية و ذلك  بالنصِّ على " يمثل رئيس الجمهوريَّة الحكم و السَّيادة العليا للبلاد..." و تنصّ ُ الفقرة (ز) من المادَّة (43) على "  تمثيل الدَّوْلة في علاقاتها الخارجية بالدّول و المُنظَّماتِ الدّولية ..." و في ذات سِّياق التمْثِيل ِ الدستوري لمشيئة الإرادة العامة للأمَّة ِ تنصّ ُ الفقرة (ح) من المادَّة (43) المذكورة أعلاه على " التمثيل العام لسلطان الدولة و إرادة الشعب أمام الرَّأي العام و في المناسبات العامة." (1)

 

 

           إرتكازاً إلى ما تقدَّم  بيانه  في سياق التكييف القانوني لإتفاقية نايفاشا يستقيم القول بأنَّ تعاقد الحكومة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان و كالة عن حزب المؤتمر الوطني يمثل تجاوزاً صريحاً لإختصاصاتها الدستوريَّة الوظيفية التمثيلية المنصوص عليها صراحة في متن المادَّة    (43) من دستور السودان المشار إليه أعلاه التي لا تخول  صراحة و لا ضمناً الحكومة كمُمَثل ٍ دستوري ٍ للدولة( كشخص ٍ قانوني ٍ عام ) صلاحية التعاقد وكالة عن أي شخص  طبيعي ٍ أو إعتباري ٍ قانوني ٍ خاص ، الأمر الذي بمقتضاه يمكن القول ِبشَرْعِيَّةِ الدَّفع بعدم قانونيَّة إتفاقية نايفاشا تأسيساً على عدم دستوريَّةِ  تصرف الحكومة. هذا، من جهة ٍ ، إلا أنَّه من جهة ٍ أخرى في إطار سِيَاق ِ التكييف القانوني لإتفاقية نايفاشا يمكن الزَّعم بأنَّ  قبول الحركة الشَّعبية لتحرير السودان صيرورة حزب المؤتمر الوطني طرفاً في العقد رُغم إدراكها لواقع عدم توقيعه على متن  وثيقة الإتفاقية يجعل من العقد إتفاقا سياسياً ثنائياً عُرْفِيَّاً  ضِمْنِيَّاً ( تعاقد عُرْفِي بالباطن) يُنْشِأ ُ  حقوقاً و إلتزامات ٍ  سياسية لا قانونية، ذلك لأنَّ الطبيعة السِّياسِية للإتفاق المُبْرَم بين الحركة و حزب المؤتمر الوطني في غياب أي مُسْتنَدٍ  قانوني يجعل من إتفاقية نايفاشا عقداً ثنائي عُرْفِي تحكمه القاعدة العُرْفِيَّة العامة " العقد شريعة المتعاقدين " . هذا، و تأسيسا على الطبيعة السِّياسِيَّةِ  الثنائية لإتفاقية نايفاشا كعقدٍ عرفي ٍ من جهةٍ ، و لإنتفاء الصَّلاحيَّة الدستورية التي تخوِّل الحكومة أهْلِيَّة التعاقد  وكالة عن حزب المؤتمر الوطني كشخص ٍ إعتباري ٍ خاص ٍ من جهة ٍ أخرى ، كل هذاخرى يُسَوِّغ ُ القول بأنَّ إتفاقية نايفاشا لا تنشؤ أيَّة إلتزاماتٍ  دستوريَّةٍ على حكومة السودان القائمة ولا على الحكومات اللاحقة عليها  بمراعاة التقيَّد بتنفيذ بنود الإتفاقية ذلك لإنتفاء  صيرورة الإتفاقية ( من منظور الشرعية الدستوريَّة) عقدًا قانونياً ملزماً، ذلك لتحقق عيب اللآ دستورية الذي شاب تصرف الحكومة ، لذلك يستقيم القول بأنَّ إتفاقية نايفاشا رغم صيرورتها عقداً  ثنائياً عُرْفِياً  يلزم أخلاقياً  و عُرْفِيَّاً فقط إلا الطرفين المستفيدين منه.

 

 

 و من نافلة القول يجب التَّنويه في هذا المقام إلى أنَّ واقعة خرق حكومة السودان (الإنقاذيَّة) لأحكام دستور السودان لعام 1998 م الناجز و قت إبرام إتفاقية نايفاشا قدْ أوْجَبَتْ على النائب العام مسؤولية التصدي للحكومة بإعتباره الجهة المُكلَّفة دستورياً بمهام حماية الحق العام وفقاً لمنطوق المادَّة (106) من الدستور المذكور أعلاه الذي ينصّ على " المستشارون القانونيون العاملون في الخدمة و النِّيَابَةِ العامة يسعون للتعبير عن قيم العدالة و الحق و الشَّرْعِيَّة و حماية الحق العام و الخاص و تقديم الفتاوى و الخدمات القانونية للدولة و للمواطنين. و يؤدون مهامهم بالصدق و التَّجرّدِ وفق الدستور و القانون ."(2)

 

       هذا، فإنَّ واقعة خرق الحكومة لأحكام الدستور المنوَّه إليه أعلاه  وقدْ  أوْجَبَتْ أيضا على المحكمة الدستوريَّةِ مسؤولية ً مواجهة الحكومة صوناً للشرعِيَّةِ الدستوريَّة، ذلك بإبْتِدَار دعوى عامة إرتكازاً على حق المبادرة الذَّاتيَّة المكفول لها قانونياً بحكم وظيفتها المتمثلة في ممارسة الرِّقابة المتبادلة بين السلطات العامة من جهةٍ، و حِرَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ الدستوريَّة من جهةٍ أخرى عملا ً بمقتضى نصّ الفقرة الثانية من المادَّةِ (100) من دستور السودان لعام 1998 م الذي ينصّ على أنَّ " المحكمة الدستورية حارسة للدستور، و لها إختصاص النَّظر و الحكم في أيَّةِ  مسألة تتعلق به ..." (3)  كان أيضاً ينبغي على النَّابهة من بني السودان آحاد أشخاص طبيعيين أو إعتباريين كنقابة أعضاء القضاء الواقف ، و عَرَّابي منظمات  المجتمع المدني الناشطة في الدِّفاع عن الحقوق المدنيَّةِ و السِّياسِية النهوض بعبء الزَّود عن حُرْمَةِ الشرعِيَّة الدستوريَّة التي يُمَثلُ خرقها ضررًا  قوميَّاً عاماً إستناداً إلى منطوق متن الفقرة (أ) من المادَّة (46) من دستور  السودان المنوَّه إليه أعلاه الذي ينصَ على " يجوز لكل متضرَّر ٍ من أعمال رئيس الجمهوريَّة أنْ يطعن فيها أمام المحكمة الدستوريَّة إذا كان الطعن مُصَوَّباً لأي تجاوز ٍ للنظام الإتحادي الدستوري، أو للحُرِّيَاتِ أوالحُرماتِ أوالحقوق الدستوريَّةِ."(4)  إلآ أنْ لا أحد قدْ حَرَّكَ ساكنا ، ذلك رُبَّمَا لإعتباراتٍ  قدْ  تجَاوَزَتْ  في حساسيتها وأهميتها شرف الزَّود عن حُرْمَةِ الوطن والدِّفاع عن قداسة الدستور . لقد ظللنا جميعاً غير عابئين نترقب في غير لهفةٍ عَوْدَة َ  " غودو"  الفارس الأسطوري الذي لم ُتقبلْ خَيْلهُ بعد أنْ أدْبَرَتْ ، فألْيَلَ ليْلُنَا و بتنا نلوك في غير إكتراثٍ مَأثوُرَة َ العَدْلِيينَ " إنَّ  الجَرَائِم  المُقترَفة ضِدَّ الحَقِّ العام لا تسْقطُ  بالتقادُم ِ " و ما بَرحنا نُهَمْهِمُ  في غير صلاة ٍ بأنْ " ما غَرُبَتْ  شمسُ ُ إلا بَزَغَتْ ". فهل يُغيِّرُ الدَّيانُ ما بقوم ٍ لم يغيرو ما بأنفسهم ؟

         هذا ، فإذا تجاوزنا النظر في ماهيَّةِ التكييف السِّياسِيِّ- القانوني لإتفاقيَّةِ نايفاشا إلي الحديث عن المضمون القانوني لمبدأ الوحدة الطوعيَّة، يمكن القول إنَّ مضمون هذا المبدأ يتمثل في كونه قاعدة  قانونِيَّة دولية حاكمة  تُقعَّدُ في متون الإتفاقيات و المعاهدات الدّولية المنشأة لِمُنَظَّمَاتٍ حكوميَّةٍ إقلِيِميَّةٍ و عالميَّةٍ من جهةٍ و لِكيَانَاتٍ إتِّحَادِيَّةٍ  كَنْفِدْرَالِيَّةٍ  أوْ  فِدْرَالِيَّةٍ  بين دولٍ مُسْتقلةٍ كاملة السيادة من جهةٍ أخرى من شأنها (أي قاعدة مبدأ الوحدة الطوعيَّة) أنْ تكفلُ و بكيفيَّةٍ  مُطلقةٍ  لِكُلِّ  دولةٍ  عُضْوٍ في منظمةٍّ دوليَّةٍ حكوميَّةٍ أو في كيَان ٍ إتِّحَادِي ٍ حَقَّ إعمال مشيئة إرادتها الحُرَّة المَنْفرِدَة  في التقرير من حيث تبني خيار البقاء عضو في المنظمة أو الكيان الإتحادي أو الإنفصال عنه تأكيداً لإستقلالية شخصيتها الإعتبارية القانونية الدولية. إنَّ مبدأ الوحدة الطوعيَّة  كقاعدة  قانونية دولية يتمَيَّزُ بخاصيتين هامتين، أولاهُمَا خاصية مَعَانِيَّة ذات مدلولين  متضادين ،  يفيد أحدهما  تبني خيار الإرتباط الطوعي بالكيانات الإعتباريَّة القانونية الدولية العامة ، بينما يفيد الآخر تبني خيارالإنفصال الطوعي عنها. أمَّا  ثانيهما خاصية العَالمِيَّة، إذ ْ أنَّ مبدأ الوحدة الطوعية ليس وليد القوانين و التشريعات الداخلية لآحاد الدول بل هو إفراز متون المعاهدات والإتفاقيات القانونية الدولية التي ُتنْشِؤُ  منظماتٍ دوليةٍ حكوميَّةٍ إقليميةٍ وعالميةٍ من جهةٍ و كياناتٍ إتحادية ثنائية أو جماعية ذات شخصيةٍ إعتباريَّةٍ قانونيةٍ دوليةٍ عامةٍ  منفصلة مؤسسيًا و قانونياً عن كيانات الدول المستقلة الأعضاء فيها (أي المنظمات و الإتحادات)  من جهةٍ  أخرى.  فقدْ  ضُمِّنَتْ مُتُونَ المواثيق القانونية المنشأة لمنظماتٍ دوليةٍ  فقراتُ ُ تؤكِّدُ على حق أيِّ دولةٍ عضو فيها ممارسة مشيئة إرادتها الحُرَّة من حيث التقرير طوعا في  صيرورتها عضواً في تلك المنظمات الدولية الحكومية أو الإنسحاب عن العضوية فيها، فعلى سبيل النَمْذَجَةِ نَصَّتْ المادة الأولى من ميثاق عصبة الأمم الدائلة على " ...أي عضو في العصبة بعد مضي عامين على إعرابه عن رغبته في الإنسحاب عن العصبة يحق له الإنسحاب ..."(5) في ذات سياق ممارسة مبدأ الخيار الطوعي للدولة المستقلة في إختيار الصيرورة  بعضا ً من أو الإنسحاب عن العضوية في منظمةٍ دوليةٍ حكوميةٍ تنصّ المادتين (29) و (31) من النظام التأسيسي للإتحاد الأفريقي على توالٍ على أنَّ " لكل دولة إفريقية، في أي وقت بعد دخول هذا الميثاق حيز التنفيذ إخطار رئيس اللجنة برغبتها في الإنضمام كعضوٍ في الإتحاد."(6) بينما تنصّ المادة (31) على أنَّ " لكل دولة تبغي التخلي عن عضويتها تقديم إشعارٍ مكتوب إلى رئيس اللجنة ... ففي نهاية سنة واحدة  من تاريخ  تقديم الإشعار ... فإنَّ النظام الأساسي لا يُعَدّ ُ ملزماً للدولة المُنْسَحِبة ُِ، التي لم َتعُدْ عضو في الإتحاد." (7) ً

 

 

         أمَّا  فيما يتعلق بطبيقات مبدأ الوحدة الطوعيَّة يمكن القول إنَّه من أهَمِّ ممارسات هذا المبدأ في تاريخ العلاقات السِّيَاسِيَّةِ الدولية المعاصر تجَسَّدَتْ على سبيل النَّمْذجَةِ في  تجربة الوحدة السوفيتية ،الوحدة اليوغسلافية و التجربة الوحدوية التشيكية- السلوفاكية و إليك بيان ذلك في شيء من التفصيل الموجز وفقا لِلنَّسَق ِ التالي:

 

 

       إنَّ مبدأ الوحدة الطوعيَّة قدْ مَثَّلَ عُرْوَة الميثاق الإتحادي الذي إنبثق عنه كيان إتحاد الجمهوريات السوفيتية الإشتراكية الدائل، فقدْ  َنصَّتْ المادَّة ُ (13) في الفصل الثاني من دستور إتحاد الجمهوريات السوفيتية الإشتراكية لعام 1936 م على أنَّ " إتحاد الجمهوريَّات السوفيتية الإشتراكية هو دولة  فِدْرَالِيَّة قامت على أساس إتحادٍ طوعي بين جمهوريَّاتٍ سوفيتيةٍ إشتراكيةٍ هي :  

 

جُمْهُوريَّة روسيا السوفيتية الفدرالية الإشتراكية، جمهوريَّة أكرانيا السوفيتية الإشتراكية،  جمهوريَّة بياو روسيا السوفيتية الإشتراكية، جمهوريَّة أوزباكستان السوفيتية الإشتراكية، جمهوريَّة كازاخستان السوفيتية الإشتراكية، جمهوريَّة جورجيا السوفيتية الإشتراكية، جمهوريَّة أزربيجان السوفيتية الإشتراكية، جمهوريَّة لوتوينيا السوفيتية الإشتراكية، جمهوريَّة مولدافيا السوفيتية الإشتراكية، جمهوريَّة لادفيا السوفيتية الإشتراكية، جمهوريَّة كارجزستان السوفيتية الإشتراكية، جمهوريَّة طاجكستان السوفيتية الإشتراكية، جمهوريَّة أرمينيا السوفيتية الإشتراكية، جمهوريَّة تركمانستان السوفيتية الإشتراكية، جمهوريَّة أستونيا السوفيتية الإشتراكية و جمهوريَّة كارملوفيتش السوفيتية الإشتراكية ."(8)

 

           إنَّ مبدأ الوحدة الطوعيَّة بين الجمهوريَّات المستقلة الكاملة السيادة قدْ أدى إلى إنشاء كيان إتحادي فدرالي تمتع بالشخصيَّة الإعتباريَّة القانونية الدولية تحت مُسَمَّى إتحاد الجمهوريات السوفيتية الإشتراكية و في ذات الوقت إحتفظتْ كل جمهوريَّة عضو فيه بشخصيتها الإعتبارية القانونية الدولية التي تخولها ممارسة صلاحياتها السِّيَادِيَّة كدولةٍ مستقلةٍ التَّفَاعُلَ مع أعضاء المجتمع الدولي كإبرام إتفاقيات دولية و تبادل بعثات قنصلية بل لها أنْ تقرر بمشيئة إرادتها الحرَّة المنفردة  فكَّ إرتباطها بكيان الدولة الإتحادية السوفيتية الإشتراكية و إعلان إنفصالها الطوعي عنها و ذلك عملا بأحكام منطوق المادتين (17) و (18) من دستور إتحاد الجمهوريَّات السوفيتية الإشتراكية لعام 1936 م ، فقدْ نَصَّتْ الفقرة (أ) من المادة (18) على " لكل جمهوريَّة إتحادية الدّخول في علاقات مباشرة مع الدول الأجنبية، وعقد إتفاقيات و تبادل تمثيل قنصلي معها."(9)بينما أكَّدَ منطوق متن المادة (17)  على حق كل جمهوريَّة عضو في الكيان الإتحادي السوفيتي في ممارسة  مبدأ الإنفصال الطوعي عن الإتحاد و ذلك بالنصِّ على  أنَّ  " حريَّة الإنفصال عن إتحاد الجمهوريَّات السوفيتية الإشتراكية حق مكفول لكل جمهوريَّات الإتحاد."(10)

        هذا، و مثلما أسس إتحاد الجمهوريات السوفيتية الإشتراكية على مبدأ الوحدة الطوعية بين جمهوريات مستقلة كاملة السَّيادة ، ُأسِّسَتْ  كذلك أيضاً جمهوريَّة ُ يوغسلافيا الشعبية الفدرالية على ذات المبدأ، فقدْ نَصَّتْ المادَّة  الثانية من دستور جمهوريَّة يوغسلافيا الشعبية الفدرالية الصادر في 30 من يناير من عام 1946 م  على أنَّ " جمهوريَّة يوغسلافيا الفدرالية الشعبية تتكون من :

 

 جمهوريَّة صربيا الشعبية، جمهوريَّة كرواتيا الشعبية، جمهوريَّة سلوفينيا الشعبية، جمهوريَّة بوزنيا- هيرزقوفنا الشعبية، جمهوريَّة ماسدونيا الشعبية و جمهوريَّة مونتونقرو الشعبية ."(11) فمثلما إنْضَمَّتْ الجمهوريَّات المذكورة أعلاه إلى كيان الدولة اليوغسلافية الإتحاديَّة بمحض ِ إرادتها الطوعيَّة يحق لها أيضاًالإنفصال طوعا عنها وذلك بمقتضى منطوق متن المادَّة الأولى من دستور الدولة اليوغسلافية الإتحادية المنوَّه

إليه أعلاه الذي ينصّ على " إنَّ جمهوريَّة يوغسلافيا الشعبية الفدرالية هي دولة شعبية فدراليَّة، جمهوريَّة في شكلها، و مجتمع شعوب متساوية الحقوق بما فيها مبدأ تقرير المصير و الإنفصال، قدْ أعْرَبَتْ عن مشيئتها في العيش معا في دولة فدرالية."(12)

 

       أمَّا فيما يتعلق بتطبيق مبدأ الوحدة الطوعيَّة بين الجمهوريتين المستقلتين التشيكية و السلوفاكية فقد أكَّدَ عليه منطوق متن المادَّة الرَّابعة من المرسوم الدستوري رقم (143) الصَّادر في 27 من أكتوبر من عام 1968 م الذي ينصّ على " إنَّ جمهوريَّة تشيكو- سلوفاكية الإشتراكية تتكون من جمهوريَّة التشيك الإشتراكية و جمهوريَّة السلوفاك الإشتراكية ..."(13) بينما ينصّ  صراحة منطوق المادَّة الثانية من المرسوم الدستوري

المذكور على أنَّ " جمهوريَّة  تشكو- سلوفاكيا الإشتراكية تقوم على الإرتباط الطوعي بين الدولتين الوطنيَّتين المتساويتين في السيادة للأمتين التشيكية و السلوفاكية."(14)

 

      هذا،إرتكازاً إلى ما تقدَّم بيانه من تجارب دولية فدرالية يستقيم القول بأنَّ سَيْرُورَات العلاقات السِّياسِيَّة الدولية المعاصرة مثلما قدَّمتْ  لنا تطبيقات عملية للبُعْدِ الإيجابي لممارسة مبدأ الوحدة الطوعيَّة مُتنَمْذِجَة ً في قيام الفدراليات السوفيتيَّة، اليوغسلافيَّة و التشكو- سلوفاكيَّة  قدَّمَتْ لنا أيضا تطبيقات عملية للبُعْدِ السَّلْبي للمبدأ متمثلا في خيار الإنفصال الطوعي الذي مارسته الدول الأطراف في الإتحادات الفدرالية المشار إليها

أعلاه.

 

 

       و تجدر الإشارة هنا إلى أنَّه بمقتضى حكم القاعدة القانونية الدولية العامة ( وجوب إحترام  حرمة سيادة الدولة المستقلة)  يمكن القول بأنَّ  قوَّة الإلزام القانوني القاضية بمراعاة الإحترام المطلق لحق الدولة طرف العلاقة الإتحادية في ممارسة خيار البقاء عضوا في أو الإنسحاب من عضويَّة ذلك الإتحاد منبثقة (أي قوَّة الإلزام ) عن شرط تبجيل و إحترام مشيئة الإرادة الحُرَّة للدولة المستقلة الكاملة السيادة طرف القعد المنشأ للكيان الإتحادي الفدرالي أو لكيان المنظمة الدولية الحكومية إقليمية كانت أو عالمية .

 

 

مما تقدَّم إرتكازًا إلى( واقع عدم تمتع الإقليم الجنوبي من السودان بالشخصية الإعتباريَّة القانونية الدولية العامة) بحكم كينونته جزءاً من التراب الوطني السوداني و من ثم صيرورته محلاً لتطبيقات أحكام التشرع الوطني لا محلاً لتطبيقات أحكام مباديء قانون الشعوب التي من بينها مبدأ الوحدة الطوعية يمكن القول بجزم بأنَّ الإقليم الجنوبي من السودان ليس مؤهلاً بمقتضى أحكام القانون الدولي العام  لممارسة مبدأ الوحدة الطوعيَّة، و من ثم  يصبح الحديث عن إكتساب صفقة نايفاشا لأي شرعية قانونية دولية إدعاء عقيم لا تسنده أحكام القانون الدولي و مبادئه الرَّاسخة.

 

 

         في هذا المقام ينبغي التناول بالنِّقاش مقالات الزَّاعِمِينَ  بأحقيقة الإقليم الجنوبي ممارسة مبدأ الوحدة الطوعية تأسيسا على الزَّعم ِ أولاً، بصيرورته" دَوْلة َ أمرٍ واقع ٍ" مُرَسَّمَة َ الحدود و تمتلك  مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية و وجود جيش وشرطة تطلع بمهام ضبط و تنفيذ أحكام القانون من خلال توظيف القسر المشروع من جهةٍ ، و ثانياً الزَّعم بتماثل علاقة الإقليم الجنوبي  بالدولة السودانية و علاقة كل من إقليم أرتريا بالدولة الأثيوبية من جهةٍ و علاقة إقليم أرض الصومال بالجمهورية الصومالية من جهة أخرى، إذ ْ يَزْعَمُ القائلون بحق الإقليم الجنوبي في ممارسة مبدأ الوحدة أوالإنفصال الطوعي عن السودان، إنَّ واقعتي إنفصال كل من أرتريا و إقليم أرض الصومال عن كل من إثيوبيا و الجمهورية الصومالية قد أرستا سابقة قانونية دولية بمقتضاها يجوز للإقليم الجنوبي ممارسة مبدأ الوحدة أو الإنفصال الطوعي عن الدولة السودانية .

 

 

       في سياق الرَّد على الزَّعم المنوَّه إليه أعلاه يستقيم القول بأنَّ الخطاب الدَّاحض لمصداقية هذا الإدعاء يستند إلي مرتكزات قانونية إليك بيانها فيما يأتي:

 

 

أولا:     إنَّ القول بصيرورة الإقليم الجنوبي من السودان  دولة َ أمرٍ واقع ٍ  مستقلة و ذات سيادة  إدعاء جذافي لا تدْعَمَهُ حقائق الواقع السِّياسِي ولا تسنده أحكام الشرعيَّة القانونية  الدولية و الدستوريَّة على حدٍ سواء و ذلك إرتكازاً إلى المعطيات التالية :

 

 

           فمن منظور أحكام القانون الدولي العام إنَّ إضفاء صفة الشخصية الإعتبارية  القانونية الدولية العامة على أي كيان سياسي و من ثم نعته بصفة الدولة المستقلة الكاملة السيادة يقتضي بالضَّرورة إعتراف أعضاء المجتمع الدولي بصيرورة ذلك الكيان السياسي دولة مستقلة ذات سيادة ، و لمَّا لمْ  يُعْرِبْ أي عضو من أعضاء المجتمع الدولي عن إعترافه الرسمي صراحة أو ضمنا بصيرورة الإقليم الجنوبي من السودان دولة مستقلة ذات سيادة تنتفي بذلك مصداقية الزَّعم القائل بصيرورة الإقليم الجنوبي دولة أمرٍ واقع.

 

      أمَّا من منظور أحكام القانون الدستوري الإنتقالي لجمهورية السودان لعام 2005 م الحاكم و المنظم لعلاقات أقاليم الدولة السودانية تنتفي شبهة حكومة الأمر الواقع عن حكومة إقليم جنوب السودان ذلك لأنَّ  منشأ و ممارسة سلطة الحاكمية في الإقليم مرجعهما الشرعية الدستورية المنبثقة عن سيادة الدولة السودانية المُعَبَّرُ عنها بمنطوق متن المادَّة (159) الذي ينصّ على " تنشأ حكومة في جنوب السودان بحدوده في الأول

من يناير 1956 تعرف بحكومة جنوب السودان، و تتكون من أجهزة تشريعية، تنفيذيَّة و قضائية."(15) إنَّ حكومة الإقليم الجنوبي ليست حكومة دولة مستقلة ذات سيادة و إنَّما هي  بعضاً من مؤسسة السلطة العامة التي ُتمَارَس الحاكمية في دولة السودان من خلالها وفي إطار نظام الحكم اللامركزي الذي يتألف بنيوياً من حكومات قومية، إقليمية، ولائية و محلية ذلك بمقتضى منطوق متن المادَّة (24) من دستور جمهورية السودان الإنتقالي الذي ينصّ على " السودان دولة لا مركزية، و تكون مستويات الحكم فيها على الوجه التالي:

 

 

(أ)  مستوى الحكم القومي ، الذي يُمارس السلطة ليحمي سيادة السودان الوطنية و سلامة أراضيه و يعزز رفاهية شعبه،

 

 

(ب) مستوى الحكم في جنوب السودان ، الذي يمارس السلطة فيما يتعلق بأهل جنوب السودان و ولاياته،

 

 

(ج) مستوى الحكم الولائي الذي يمارس السلطة على مستوى الولايات في كل أنحاء السودان و يقدِّم الخدمات العامة من خلال المستوى الأقرب للمواطنين،

 

 

(د) مستوى الحكم المحلي ، و يكون في أنحاء السودان كافَّة ."(16)

 

 

هذا من جهةٍ ، ومن جهة ٍ أخرى يستقيم القول بإنَّ قرار ترسيم حدود الإقليم الجنوبي من السودان منبثق عن أحكام الدستورالإنتقالي لجمهورية السودان لعام 2005 م (17). إنَّ الطبيعة الوظيفية الإدارية لحدود الإقليم تجعل منها خطوط  تفصل بين المجال المكاني الذي تمارس في إطاره حكومة الجنوب سلطاتها و صلاحياتها المخولة لها كسلطة إقليمية عامة بمقتضى أحكام دستور جمهورية السودان الإنتقالي لعام 2005 م و بين مجالات الإختصاصات الوظيفية المكانية للسلطات الإقليمية الأخرى. عليه فإنَّ حدود الإقليم الجنوبي هي حدود إدارية تفصل بين الإقليم الجنوبي و غيره من أقليم الدولة السودانية و ليست حدود سياسية دولية تفصل بين دولتين مستقلتين ذاتا سيادة ، فهي حدود خاضعة لأحكام  القانون الدستوري السوداني و ليس لأحكام  القانون الدولي العام الذي ينظم الحدود السياسية الدولية .

 

 

      أمَّا المزاعم القائلة بأنَّ واقعة ممارسة كل من أرتريا و الصومال لمبدأ خيار الوحدة أوالإنفصال الطوعي عن كل من أثيوبيا و الجمهورية الصومالية  تمثل سابقة  قانونية دولية عامة بمقتضاها يحق للإقليم الجنوبي من السودان  ممارسة خيار الوحدة أو الإنفصال الطوعي يمكن دحض مصداقيتها  ِبسَوْق ِ الحجج التالية :

 

 

أولا:    إنَّ إرتباط إقليم أرتريا بالإمبراطوريَّة الأثيوبية يعود إلى حقبة ماقبل القرن التاسع عشر الميلادي الذي شهد زحف الإستعمار الأوروبي نحو القارة الإفريقية. فنتيجة للتغلغل الأوروبي في إقليم القرن الأفريقي بسطت إيطاليا نفوذها على أرتريا في عام 1887 م و من ثم أصبحت أرتريا مجال حيوي للنفوذ الإيطالي بإعتراف دول معاهدة برلين 1884/1885 م. عززت إيطاليا سيادتها على أرتريا بإبرامها إتفاقية أوشالي التي بمقتضاها أسقطت أثيوبيا كل حقوقها القانونية على أرتريا و الإعتراف بها مستعمرة إيطاليا. وقد ْ تمَّ  ترسيم الحدود الفاصلة بين أرتريا المستعمرة الإيطالية و الإمبراطورية الأثيوبية بمقتضى المعاهدة المبرمة في 10 من يوليو من عام 1900 م بين هيوبرت الأول ملك إيطاليا و الإمبراطور منليك الثاني ملك ملوك أثيوبيا.  حددتْ المادة الأولى من الإتفاقية المذكورة مسار الحدود السياسية الدولية الفاصلة بين أرتريا المستعمرة الإيطالية و أثيوبيا بالخط الممتد من تومات، تدولوك، مارب، بلصا و مونا.(18) فوفقاً لأحكام القانون الدولي العام المتمثلة في منطوق متن معاهدة  أوشالي الدولية المذكورة أعلاه لم تعدْ أرتريا بعضا من الدولة الأثيوبية بل بعضا من مجال النفوذ الحيوي الإيطالي في إفريقيا.

 

 

ثانيا:    إثر هزيمة إيطاليا في الحرب الكونية الثانية و بمقتضى إتفاقية السلام المبرمة في 10 من فبراير من عام 1947 م  بين إيطاليا و الحلفاء تخلت إيطاليا عن مستعمراتها في إفريقيا و ذلك بمقتضى منطوق متن الفقرة الأولى من المادَّة (23) في الفصل الرابع الذي ( أي منطوق الفقرة) ينصّ ُ على " تخلتْ إيطاليا عن كافة حقوقها و ممتلكاتها الإقليمية في إفريقيا ليبيا، أرتريا و الصومال الإيطالي. "(19).

 

 

ثالثا:    وُضِعَ إقليم أرتريا تحت وصاية الأمم المتحدة التي إعترفتْ فيما بعد بإستقلال الكايان الأرتري عند إعتماد المنظمة الأممية المرسوم الفدرالي الذي جعل من أرتريا وحدة مستقلة في إتحادٍ فدرالي  مع إثيوبيا وفقاً لمنطوق متن الفقرة  أ/1 من المرسوم الفدرالي المذكور أعلاه الذي ينصّ على "  ُتجَسِّدُ أرتريا وحدة مستقلة في إتحادٍ  فدرالي ٍ مع إثيوبيا..."(20)

 

 

ثالثا:    إنَّ حقيقة إستقلال الكيان الأرتري ضمن الفدرالية الأرترية- الأثيوبية قد أكَّدَ عليها منطوق متن المادَّة الثالثة من الدستور الأرتري الصادر في 11 من سبتمبر من عام 1952 م الذي ينصّ على " أرتريا وحدة مستقلة متحدة  فدراليا مع إثيوبيا..."(21)

 

 

رابعا:    عندما خَرَقتْ أثيوبيا أحكام المرسوم الفدرالي و إنتهاكها للحقوق الدستوريَّة وإلغائها الشخصية الإعتبارية القانونية الدولية للكيان الأرتري المستقل  وجعله محافظة ضمن  كيان الإمبراطوريِّة الأثيوبية  في عام 1962 م لم يكن هنالك وقتئذٍ خيار للأرتريين سوى النضال 31 عاما من أجل إسْتِرْدَاد ِ وصون إستقلالهم عبر تبني خيار الإنفصال الطوعي الذي قدْ تحقق في 24 من مايو من عام 1993 م عَبْرَ إستفتاء عام أشرفتْ  عليه الأمم المتحدة  والذي  قرر فيه الأرتريون تبني خيار الإنفصال الطوعي و إعلان الدولة الأرترية المستقلة الكاملة السيادة.(22) هذا عن علاقة إقليم أرتريا بالدولة الأثيوبية ، أمَّا عن علاقة إقليم أرض الصومال بالجمهورية الصومالية أسوق ما يأتي من حقائق:

 

 

أولا:     إنَّ مسمى جمهوريَّة أرض الصومال القائمة كانت تاريخياً تعرف بإقليم الصومال البريطاني الذي أداره البريطانيون من مدينة (هيرقيسا) تمييزاً له عن الصومال الفرنسي( جبوتي اليوم) و الصومال الإيطالي ( الذي أداره الإيطاليون من مقديشو).

 

 

ثانيا¨    حقق إقليم أرض الصومال البريطاني إستقلاله و برز كدولة كاملة السيادة في 26 من يونيو من عام 1960 م تحت مسمى جمهوريَّة أرض الصومال.

 

 

ثالثا:     دخلت جمهوريَّة  أرض الصومال في إتحاد مع إقليم الصومال الإيطالي الذي نال إستقلاله في الأول من يوليو من عام 1960 م  إثر مُصادقة برلماني الدولتين على معاهدة الإتحاد في 20 من سبتمبر من عام 1960 م منشأين بذلك كيان دولة واحد تحت مسمى الجمهورية الصوالية .

 

 

رابعا:    إثر الحرب الأهلية و التَّدَاعِيَّات الأمنيَّة التي هدُّدتْ وجود الجمهورية الصومالية بالفناء مَارَسَتْ جمهوريَّة أرض الصومال خيار الإنفصال الطوعي بغية الحفاظ على مصالحها الوطنية .(23)

 

 

 فمِمَّا تقدَّم  بيانه وفقا لِلسِّيَاقين التاريخي و القانوني الدولي يبدو جلياً إنتفاء أي تماثل بين علاقة الإقليم الجنوبي بالدولة السودانية و علاقة كل من أرتريا بالدولة الأثيوبية من جهةٍ و علاقة جمهوريَّة أرض الصومال بالجمهورية الصومالية من جهةٍ أخرى،  فقد ظلَّ الإقليم الجنوبي جزءاً من كيان الدولة السودانية منذ أنْ بَسَطتْ إدارة الحكم الثنائي البريطاني- المصري نفوذها فوق التراب السوداني منذ 1898 م حتى منحها السودان إستقلاله في الفاتح من يناير من عام 1956 م. فوفقا للسِّيَاقين التاريخي و القانوني الدولي إنَّ الإقليم الجنوبي من السودان لم تتحقق صيرورته دولة مستقلة ذات سيادة تمتعتْ  بالشخصية الإعتباريَّة القانونية الدولية و إنَّما ظل ولايزال بعضاً من التراب الوطني للدولة السودانية.

 

 

       ما تقدَّم بيانه يدحض موضوعيا مصداقية الزَّعم  الجذافي القائل بحق الإقليم  الجنوبي ممارسة خيار الوحدة  الطوعية والذي يعني أيضا خيارالإنفصال الطوعي ذلك لعدم توفر الشروط التاريخية و القانونية الدولية التي بمقتضاها يمارس هذا المبدأ.

 

  

       أمَّا في سياق الإجابة عن التساؤل المتعلق بماهيَّةِ التَّبعَاتِ المنظور ترتبها على ممارسة الإقليم الجنوبي مبدأ خيار الوحدة الطوعية على الصعيدين المحلي السوداني و الدولي الإقليمي يمكن القول أنها ضمن تداعيات أخرى تتمثل فيما يأتي على سبيل النمذجة :

 

 

أولا ، لا شك إنَّ إنفصال الإقليم الجنوبي سيؤدي إلى تمزيق اللَّحْمَة و تفتيت البُنْيَة الهَشَّة للأمة السودانية . إنَّ تمكين الإقليم الجنوبي من ممارسة خيار الوحدة الطوعيَّة الذي يعني ضمنا أيضاً خيار الإنفصال الطوعي عبر آليَّةِ الإستفتاء الجزئي سينشأ سابقة سياسية- دستورية ستبني عليها الأقاليم الأخرى الجانحة إلى الإنفصال شرعية مطالبها ممارسة خيار مبدأ الوحدة الطوعية كحق تكفل لها ممارسته أحكام الدستور الإنتقالي التي تؤكَّدُ مبدأ المساواة بين أبناء السودان في حقوق المواطنة عملا بمنطوق متن الفقرة (أ)  من المادَّة (4) من الدستور الإنتقالي الذي تنصّ على " تؤسس وحدة السودان على الإرادة الحُرَّة لشعبه و سيادة حكم القانون و الحكم الديموقراطي اللامركزي و المساءلة و المساواة الإحترام و العدالة."(24) هذا من جهةٍ، و من جهةٍ أخرى إرتكازاً إلى أحكام المواثيق القانونية الدولية التي تحظر التمييز و تعزز حقوق الإنسان وتصون حرياته الأساسية بإعتبارها (أي المواثيق) جزءاً لا يتجزأ من أحكام الدستور الإنتقالي عملا بمنطوق متن الفقرة (3) من المادَّة (27) الذي ينصّ على" تعتبر كل الحقوق و الحريات المُضَمَّنَةُ في الإتفاقيات و العهود و المواثيق الدولية لحقوق الإنسان و المصادق عليها من قِبَل ِ جمهوريَّةِ السودان جزءاً لا يتجزأ من هذه الوثيقة."(25)ِ

 

 

ثانياً  أمَّا على الصعيد الدولي الإقليمي فإنَّ تمكين الإقليم الجنوبي من ممارسة خيار الوحدة الطوعية سيحفذ العديد من الحركات الإنفصالية التي تسعى إلى الإنسلاخ عن الكيانات الوطنية لدولها الأم، إذ ْ من المنظور إنَّ  الصراعات المسلحة و الحروب  ستؤدي بالضرورة إلى نزوح وتشريد ملايين اللاجئيين في أقاليم القارة  الشيء الذي   ينذر بصيرورة كوارث سياسية و عسكرية ستزلزل و تزعزع إستقرار دول القارة الأفريقية و من ثم   تهددالأمن الدولي .

 

 

       أمَّا قبل الإجابة عن التساؤل المتعلق  بماهية التَّدابير الموضوعيَّة العملية التي من المأمول أنْ تجعل من إتفاقيَّة نايفاشا عقداً قومياً جامعاً أود إبداء بعض الملاحظات العامة و التي أستهلها بالقول أنَّه لا يختلف عاقلان حول حقيقة أنَّ النَّزْعَة العقلانية لدعاة السلام بين قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان و حزب المؤتمر الوطني قد جعلت من مبدأ الحوار الديموقراطي وسيلة لمناقشة القضايا الوطنية الحيوية و تبني أنْجَعَ و أخْيَرَ الحلول لها و من ثم نَبَذتْ حوارالبنادق الذي أفقد البلاد خيرة شبابها وأورثها اللآم والأحزان والدمار. نتيجة للنَّزْعَة العقلانية هذه برزت إلى حيث الوجود إتفاقية نايفاشا التي  هي بمثابة الوثيقة والدليل القطعي الذي يؤكد على أنَّ الإنسان السوداني قادر على أنْ      يضع الحلول العملية لأعقد مشاكله. فإتفاقية نايفاشا قدْ  وَضَعَتْ حدَّ ًا لحرب العقود، و وضعت قضايا المهمشين في صدر الأجندة السِّيَاسِيَّة المحورية التي تتعلق بممارسة سلطة الحاكمية في البلاد، و وضعت أول دستور علماني تعزز فيه حقوق الإنسان و تصان حرِّياته الأساسيَّة و تشاع  فيه مباديء الديموقراطية. كما أنَّه لا يختلف عاقلان أيضاً حول حقيقة أنَّ إتفاقية نايفاشا هي نتاج الظروف الذاتية السَّائدة وقت إبرامها التي سادتها الرِّيَبُ و الشكوك و الأحقاد لا الظروف الموضوعية التي نعيشها بعد إبرامها،  لذلك فقد شابتها بعض النقائص التي ليس من المستعصى إستكمالها بإعمال منطق العقل  الجماعي المُفعَّم بالأمل و المشرئب نحو غدٍ  رحبٍ وضاء ٍ يحمل في طياته تباشير المحبَّة و الخير والنماء و السلام الأبدي لجميع  متساكني ربوع  أقاليم البلاد . عليه ، إعمالا للعقل الجماعي يمكن القول، كثيرة هي النقائص التي شابَتْ إتفاقية نايفاشا، إلا أنَّه نسبة لِمَحْدُودِيَّةِ  فضاء هذه الورقة سأوجز النقاش على نقيصةِ النَّزْعَةِ الذَّاتِيَّةِ من جهةٍ و الهَيْمَنةِ الثنائيَّة الإقصائية من جهةٍ أخرى.

 

 

        ففي سياق النَّزْعَةِ الذَّاتِيَّةِ للطرفين المتعاقدين يمكن القول أولا، بإنَّ النَّزْعَة الشوفونية للحركة الشعبية لتحرير السودان وذاتيَّة مقاصدها المُتمَحْورَة حول هدف إقامة دولة منفصلة ومستقلة ذات سيادة  في الإقليم الجنوبي من السودان جعلها تدير ظهرها بل تشارك عمليا في مؤامرة إجهاض مشروع  مسمى السودان الجديد و تقطيع أوصال الجنين قبل ميلاده  ذلك  لقبولها صيرورة إقليمي جنوبي كردفان و النيل الأزرق بعضا من  ما أسمته  فيما مضى  بالسودان القديم . في ذات السِّيَاق يمكن القول ثانياً، بأنَّ النَّزْعَة الذاتية الكهنوتية لحزب المؤتمر الوطني و سعيه المحموم من أجل الإنفراد بحكم مسمى السودان الشمالي (وفقا سيناريو تحقق إنفصال الجنوب) و إقامة دولة دينية جعله يزهد في النضال من أجل الإبقاء على السودان موحداً بل أصبح يناصر و بلا تحفظ مطلب الحركة الشعبية تفتيت وحدة التراب الوطني و تمزيق لحمة الأمة السودانية بفصل الإقليم الجنوبي من خلال ممارسة خيار الوحدة الطوعية .

 

 

     أمَّا النَّزْعَة َ الثنائية لطرفي إتفاقية نايفاشا جعلتهما يتوهمان بأنهما قطبا المعادلة السياسية في بلاد السودان. إنَّ المنهج الثنائي المجسد للمصالح الذاتية للطرفين المتعاقدين جعل عملياً من البلاد غنيمة حرب و من إتفاقية نايفاشا صَكَّ صُلح نال وفقا لمنطوق متون بنوده  كل من طرفيه حُصَّة َ الأسد غيرعابئين  بحقوق غيرهم من الفعاليات السياسية السودان. في غير إسفاف يمكن إجمال التدابير الموضوعية التي من شأنها جعل إتفاقية نايفاشا عقداً قوميا جامعا في النقاط التالية :  

  

أولا    ينبغي على عرَّابي إتفاقية نايفاشا الثنائية ( الحركة الشعبية لتحرير السودان و حزب المؤتمر الوطني) إدراك و من ثم الإقرار بحقيقة أنَّ المعادلة الديموغرافية و السِّيَاسِيَّة في البلاد ذات أطراف عديدة، فالسّوُدان ديموغرافياً ليس فقط متساكني إقليمي الجنوب و الشمال ، بل هناك أيضا متساكني أقاليم الشرق، الوسط و الغرب. أمَّا سِيَاسِيَّا فأقطاب الفعل السِّيَاسِي في البلاد ليس بالضرورة الحركة الشعبية لتحرير السودان و حليفها حزب المؤتمر الوطني ، إذ ْ أنَّ الواقع يؤكد وجود حقيقي لأحزاب و حركات و منظمات سياسية لها تأثير فاعل و بصمات بارزة المعالم في سجلات التاريخ السِّيَاسِي السوداني الحديث و المعاصر ولها حضور مؤثر في الواقع السياسي الكائن لا يمكن إقصاءها أو إسقاطها من أي موازنة سِيَّاسِيَّةٍ تتعلق بالتقرير في القضايا المصيرية للسودان.

 

 ثانياً     ينبغي على طرفي إتفاق نايفاشا الثنائي إدراك مُسَلَّمَة َ مفادها أنَّ القضايا الحَيَويَّة الإستراتيجية الوطنية يجب التعاطي معها بالعقل الجماعي المستهدي بمباديء الديموقراطية المُتجَسِّدة  في الحوار الموضوعي و الشفافية و الثقة المتبادلة وإحترام الرأي الآخر و تبجيل و مراعاة حُرْمَة َ حقوق المواطنة  و قدسِيَّة الحريات الأساسية و الإلتزام بالشرعية القانونية التي ُتحَرِّمُ التمييز بين أبناء السودان في حقوق المواطنة

بسبب الجهة أوالعرق أو الدين .

 

 

ثالثا    ينبغي إضفاء الرّوُح القومية على بنود إتفاقية نايفاشا و ذلك ِبتضْمِين ِ بنودها أحكاماً تعالج مشاكل جميع أقاليم السودان الغرب، الوسط ، الشرق ، الجنوب و الشمال، و ذلك بتأمين مشاركة جميع القوى السِّيَاسِيَّةِ في البلاد في وضع الحلول العملية للقضايا المَصِيريَّة المتعلقة بمستقبل السودان كأمة و وطن . إنَّ الصيرورة القوميَّة لإتفاقية نايفاشا لا تتحقق إلا بتنقيحها وتكييف بنودها وفقاً لمقتضياتِ المصلحة القوميَّة السودانية لا الإقليمية الأمر الذي يقتضي بالضَّرُورَةِ  ضمن تدابير أخرى أخذ ما يأتي في الإعتبار:

 

 

(أ)     عقد مؤتمر قومي جامع ُتمَثَّلُ فيه جميع الفعاليات السِّيَاسِيَّةِ السودانية من جميع أقاليم البلاد دون شروط مُسْبَقةٍ  لطرح و لمناقشة و التقرير الجَّمَاعِي ديموقراطيا في جميع القضايا الوطنيَّة المصيريَّة.

 

 

(ب) تشكيل حكومة قومية إنتقالية تُكَلَّفُ بما يأتي:

 

 

(ب/1-)    وضع دستور علماني فدرالي إنتقالي يؤكد على مبدأ حق تقريرالمصير الداخلي  كأساس للحكم الذَّاتِي الذي بمقتضاه  يختار و بحرية كل إقليم النظام السياسي، الإقتصادي والإجتماعي الذي  يناسبه.

 

 

(ب/2-)   دستور علماني  فدرالي يُحَدِّدُ المباديء الأساسية التي تمارس سلطة الحاكمية في البلاد بمقتضاها في ظل دولة مؤسسات قانونية ديموقراطية يتساوى رعاياها في حقوق المواطنة ، تعزز فيها حقوق الإنسان و تصان فيها الحريات الأساسية .

 

 

 (ب/-3- )     دستور علماني فدرالي  يُقِرّ ُ و ينظم  التَّدَاوُل الدَّوْرِي  لِمَنْصَبِ  رئيس الدولة بين أقاليم السودان .

 

 

(ج)    نزع  سلاح و حَلَّ و تسريح كافة الجيوش و المَلِيشِيَّاتِ المسلحة الخَاصَّة و إنشاء جيش قومي فدرالي  يضطلع بمهمة حفظ أمن الوطن و تعزيز سلطان القانون  ُتمَثَّلُ فيه أقاليم البلاد وفق كثافة سكانها بالكيفية التي يُحَدِّدَهَا الدستور القومي.

 

 

(د)    تسوية أوضاع المُنَزَّحِينَ، المُشَرَّدِين واللاجئين داخل و خارج الوطن و إتخاذ التَّدَابيرالقانونيَّة،الأمنية،الإقتصاديَّة،الإجتماعيَّة،الإنسانيَّة والحَيَاتيَّة الكفيلة بجعل عودتهم و إستقرارهم في ربوعهم ممكنة .

 

 

(ه)    أنْ  تلتمس الحكومة القومية الإنتقالية من محكمة العدل الدولية تقديم تفسير ملزم لنصوص المواثيق القانونية الدولية المتعلقة بحق تقرير المصير و تحديد صفة من يحق له ممارسته.

 

 

(و)     الإعداد لإجراء إنتخابات عامة تحت إشراف و رقابة هيئة دولية تشارك فيها منظمة الأمم المتحدة، الإتحاد الأفريقي، جامعة الدول العربية و الإتحاد الأوروبي من أجل:

 

 

(و/1-)    إنتخاب برلمان قومي تناط  به مهمة وضع دستورعلماني قومي  فدرالي دائم.

 

 

(و/2-)    إجراء إنتخابات البرلمانات الإقليمية التي تكلف بوضع الدساتير الذاتية لكل إقليم من جهةٍ و تمكين كل إقليم من إنتخاب مُمَثلِيهِ في مجلس الرئاسة القومي الذي يُشْغَلْ منصب رئيس الجمهورية فيه بالتداول دورياً بين أقاليم السودان وفق الكيفية التي يحددها الدستور القومي ، حيث يكون بقية ممثلي الأقاليم أعضاء مجلس الرئاسة القومي نواباً للرئيس على قدم المساوة.

 

 

(ز)     تشكيل حكومة قومية فدرالية من التقنيين ُتمَثلُ  فيها جميع أقاليم البلاد، يُحَدِّدُ دستور كل إقليم كيفية إختيار ممثليه فيها .    

 

   هذه بعضا من التَّدَابير الموضوعيَّة التي من شأنها أنْ تجعل من إتفاقية نايفاشا عقداً قومياً يحوز قبول و دعم جميع القوى السياسية السودانية التي تمثل طموحات أبناء أقاليم السودان  في الغرب و الوسط و الشرق والجنوب و الشمال.

 

   

  هوامش الدراسة:

  

1- انظر متن المادَّة (43) من دستور جمهوريَّة السودان لعام 1998 م.

 

 

2- انظر متن المادَّة (106) من دستور جمهوريَّة السودان المذكور أعلاه.

 

 

3- انظر متن  من المادَّة  (100 فقرة/2- ) من دستور جمهوريَّة السودانالمذكور أعلاه.

 

 

4-  انظر متن المادَّة (46 /أ-) من دستور السودان المذكور أعلاه.

 

 

5- See  Art -1- of the Covenant of the League of Nations.

 

 

6- See Art-29-of the Constitutive Act of the African Union.

 

 

7- See Art-31- of the Constitutive Act of the African Union opcit.

 

 

8- See Art-13- Chap.2.of the Constitution of the Union of the Soviet Socialist Republics ,Dec.5,1936, in “ The Constitutions of Nations’’ by Amos J.Peaslee,vol.3,The Rumford Press Concord, N.H. 1950.p.268.

 

 

9- See Art. -18- of the Constitution of the Union of the Soviet Socialist Republics opcit p.269.

 

 

10- See Art.-17- of the Constitution of the Union of the Soviet Socialist Republics opcit p. 269.

 

 

11- See Art-2- of the Constitution of the Federal Peoples Republic of Yugoslavia of January 30,1946. in “The Constitutions of Nations ’’, by Amos J.Peaslee,vol.3,The Rumford Press Concord, N.H. 1950.p. 522.

 

 

12- See Art-1- of the Constitution of the Federal Peoples Republic of Yugoslavia opcit.p 522.

 

 

13- See Art-4- of the Constitutional Act. No.143, of Oct.27th,1968  Concerning the Czecho- Slovak Federation , from, “ Constitutions of the Countries of the World ’’. Edited by A.P.Blaustein & G.H.Flang.

 

Oceana Publications.Inc.Dobbs Ferry, New York,vol.33.p.36. 

 

14- See Art-2- of the Constitutional Act. No.143, of Oct.27th, 1968 Concerning the Czecho- Slovak Federation opcit p.36.

 

 

15- انظر منطوق متن المادَّة (159) من دستور جمهوريَّة السودان الإنتقالي لسنة 2005 م.

 

 

16- انظر منطوق متن المادَّة (24) من دستور جمهوريَّة السودان المذكور أعلاه.

 

 

17- انظر منطوق متن المادَّة (159) من دستور جمهوريَّة السودانالمذكور أعلاه.

 

 

18- See Document No.-6- in  “ Ethiopia and Eritrea – A Documentary Study ‘’, Compiled with an Introduction by Habtu Ghebre Ab. Published by , the Red Sea Press 1993,p-10-.

 

 

19- See Document No.-18- in the opcit .p,40.

 

 

20- See  Document No-38- in opcit.p.196. See also the UN.Gen . Assembly Res. No-390 of Dec.2, 1950.

 

 

21- See Document No-39- in opcit , p.202.

 

 

 

 

22- See “ The World Almanac , 2003.p.782.

 

 

23- See, http://www.somalilandgov.com/cprofile.htm        

 

http://daccessdds.un.org/doc/RESOLUTION/Gen/NRO/051/08/IMG/NRO 05108.pdf?OpenElement

 

 

 من المادَّة (4) من دستور جمهوريَّة السودان الإنتقالي لسنة 2005  انظر منطوق متن الفقرة (أ)-24

 

 

25- انظر منطوق متن الفقرة (3) من المادَّة (27) من دستور جمهوريَّة السودان الإنتقالي لسنة ...          2005

 

 

 

  

من أجل إقناع المواطنين  في أقاليم دارفور، كردفان والوسط و الشرق و الشمال وليس فقط متساكني الإقليم الجنوبي  بالبقاء  بعضا من السودان و نبذ الإنفصال عنه، ينبغي على عرَّابي  إتفاقية نايفاشا توسيع دائرة الإتفاق بدعوة جميع الفعاليات السياسية في جميع أقاليم السودان إلى الإنضمام إليه بُغْيَة َ التعاطي بالعقل الجماعي لا بالعقل الثنائي مع القضايا الوطنية الحَيَويَّة المَصِيريَّة المتعلقة ببقاء السودان شعبا و أرضا كيانا موحدا.  إنَّ التعاطي مع قضايا السودان المصيريَّة بإعتبارة  فقط إقليمي الجنوب و الشمال في تجَاهل و تعَامِي مُتعَمَّد من جهةٍ، والإصرارعلى القفذ فوق حقائق الواقع السياسي والديموغرافي لأقاليم السودان الأخرى من جهةٍ  جعل من إتفاقية نايفاشا عقداً ثنائيا يحظى بتأييد بعض و ليس كل القوى السِّيَاسِيَّةِ السودانية ، ذلك لواقع أنَّ الحركة الشعبية لتحرير السودان و حزب المؤتمر الوطني لا يمثلان في حقيقة الأمر مشيئة إرادة شعب السودان في كليته إذا أفترضنا جدلا تمثيلهما لإقليمي الجنوب و الشمال.  كيف نجعل من إتفاقية نايفاشا عقدا قوميا جامعا يحوز تأييد جميع أبناء أقاليم  السودان و من ثم يكون الإبقاء على وحدة السودان أرضا و شعبا خيارًا طوعياً جذَّاباً  يري من خلاله كل أبناء أقاليم السودان في الغرب و الوسط و الشرق و الشمال و ليس فقط أبناء الإقليم الجنوبي وسيلة لتحقيق الأهداف و الآمال والغايات التي يرومونها ، و أنَّ بقائهم بعضا من السودان أفضل من إنفصالهم عنه؟. في هذا السِّياق يجوز التَّساؤل عن ماهِيَّةِ التَّدابير الموضوعيَّة العملية التي من شأنها كفالة جعل إتفاقية نايفاشا عقداً قومياً جامعاً يحوز قبول و من ثم تأييد جميع أبناء أقاليم السودان كشرطٍ  لازم  لتحقيق صيرورة الوحدة الطوعية

 

  

Prof. Mousa Elbasha

 

 Mousa El Basha

 

آراء