نرتيتي وعطبرة .. صور لتعافي الوطن

 


 

 

 

 

(1)

عبد الحليم؛ و الذي لم يكمل عامه العاشر ،سوداني متطرف في سودانيته. لديه قناعة راسخة بأن شعب الله المختار هو الشعب السوداني، رغم انه لم يسمع بالعبارة من الأساس.
ذلك لا بالقول لكن بالسلوك الذي يظهره في المدرسة تجاه أقرانه التلاميذ من الجنسيات المختلفة.
و لأنه وُلد و يعيش في المنفى بسبب جرم والده برفض حكم الكيزان ، يعرف القليل عن السودان.
سألته ذات مرة و بحضور والدته عن قبيلته ؛ أجاب بأنه لا يعرف.
قلت له حسناً هل سمعت بقبيلة كذا ... ( و هي قبيلة والديه). رد علي قائلاً هم خواجة !! كان يعني هل هم خواجات ؟ ذلك كان رده لي.

(2)
و من متاعبي مع دوسة أو (عبدالحليم) إصطحبته معي قبل ثلاث سنوات الي مركز للتسوق على مقربة من بيتهم . كان ممسكاً بي فأطلق يدي و أنطلق جارياً تجاه شخص بالجلباب السوداني، تجاوزه ليحتضنا مع الطفل الذي يكبره بقليل.
عندما وصلت إليهم سألني الرجل بعين دامعة أرأيت ماذا تفعل علاقة الدم؟!!
و ( أنا أصلاً دموعي قعدة على الهبشة). أقمنا مأتماً في المول ثم افترقنا وسط ذهول الطفلين.

(3)
في الحوار المشار إليه أكثر من مرة و الذي اجرته معي صحيفة الاحداث السودانية في اكتوبر 2009 ؛ جاءت إفادتي عن أسباب تفشي الجهوية و سبل معالجتها على النحو التالي: ((الانسان بطبعه كائن اجتماعي يبحث عن الملاذ فان لم يجد حزباً او جماعة فكرية تحتويه لجأ الي عائلته او قبيلته طالما البيئة مشجعة لذلك . ـتأجيج الحس الجهوي كانت و للاسف مازالت اداة من ادوات الانقاذ للكسب السياسي. قبل الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بنظام مايو و (على سؤاته) من الصعب ان تعرف قبيلة اي من زملائك في الدراسة او العمل لكن يمكنك معرفة الاقليم الذي اتى منه من ملامحه(ان اردت ) لأن لا احد في حاجة الي معرفة ذلك. اما اليوم فأمره عجيب. لكن عندما تطلق الحريات العامة و يتحدث الناس في الهواء الطلق تصبح الجهوية مجرد زكرى محزنة لايام مظلمة من تاريخ امتنا السودانية)) إنتهى الإقتباس.

(4)
قبل أسبوعين خرج السودانيون في مدينة نرتيتي ، غربي جبل مرة ، هناك في دارفور و اعتصموا سلمياً أمام مباني المحلية مطالبين بالأمن و الأمان لمزاولة حياتهم الطبيعية ، و الاعتصام السلمي إمتداد طبيعي لقطار إخوتهم الذي تحرك من عطبرة الثورة الي الخرطوم .
في منظر مبكي تداعى الجسد السوداني بأكمله لمناصرة اهليهم في نرتيتي ، من يريد ان يرى تعافي ضميرنا الوطني فلينظر الي أعمدة كُتّاب صحافتنا الحرة. الجميع متضامن مع اهله هناك.
حراك نرتيتي سحب البساط من تحت أقدام الجهويين و القبليين و المتاجرين بقضايا الوطن أو الدين على السواء .

(5)
يفرحني ان ارى ما بشرت به في 2009 و ما عمل له و استشهد الكثيرون من أجله يتحقق اليوم أمام اعيننا.
القبيلة ليست عيباً ، لأن حكمة السماء من ورائها ان نتعارف فقط، ليبقى أكرمنا عند الله أكثرنا تقوى .
لكن العيب في القبلية و الجهوية اللتين استند اليهما نظام (الجريمة المنظمة) و الذي حكم البلاد لثلاث عقود.
ما نراه اليوم صور للتعافي و عودة للحمة الوطنية.


د.حامد برقو عبدالرحمن
NicePresident@hotmail.com

 

آراء