الحرب الحالية هي حرب الجيش السوداني اولا وليس الحركة الإسلامية: مسببات وتداعيات تحميل بقايا المؤتمر الوطني الوزر الرئيسي للحرب

 


 

 

د. عبد المنعم مختار
استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية

القراءة المدققة للماضي والحاضر تؤكد ان الجيش السوداني لم يكن يوما شريك اصغر في أي انقلاب عسكري أو حكم شمولي او حكم انتقالي. هذا الجيش، كمؤسسة وكقيادات، له مصالح وطموحات سياسية وهو أقوى واقدم مؤسسة وقادته ليسوا تبع ولا سذج. وقد راكم الجيش خبرات وأدوات سياسة واقتصادية واجتماعية تفوق بكثير ما لدي القوى المدنية ، وذلك بحكم سيطرة الجيش على ثدي الدولة وقرونها لمدة تفوق ال 52 سنة حسوما.

عمد الجيش السوداني وقادة الانقلابات من جنرالاته عدة مرات على تغيير المدنيين المتحالفين معهم أثناء حكمهم وذلك عند تضارب مصالح الجيش مع مصالح الواجهات والرافعات المدنية لحكم الجيش. وقد حدث ذلك إبان حكم النميري عدة مرات كما وازيح تيار الترابي من قبل الجيش إبان حكم البشير، ولم يكن لتيار علي عثمان قوة كافية لفعل ذلك.

بل إن البعض يذهب إلى أن الجيش، وليس فقط عنف الانصار السياسي، كان وراء تغيير حكومة سر الختم الخليفة الاولى وذلك كردة فعل من الجيش على محاولة التجمع النقابي آنذاك النكوص عن اتفاق العفو عن مديري انقلاب نوفمبر 1958. ومعلوم سيطرة الجيش على انتقال سوار الدهب في 1985 وهيمنته على انتقال البرهان 2019.

اذن يمكننا أن نخلص إلى أن العسكري كان هو الحاكم والمدني هو التابع الأضعف بكثير طوال العهود الشمولية وفي كل فترات الانتقال السابقة والحالية.

من ناحية أخرى لا تقل أهمية، وجب التأكيد على أن قيادات الجيش أضعف بكثير من الجيش كمؤسسة ويقوم الجيش بتغيير جنرالاته إذا هدد وجودهم تماسك المؤسسة لأن الجيش عندئذ سيحارب نفسه. وقد كان هذا هو السبب الرئيسي لما يسمى بإنحيازات الجيش لانتفاضات الشعب في 1958و 1985 و2019. الجيش انحاز في المقام الاول لوحدته وفي المقام الثاني لمصالحه ثم اخيرا للشعب.

اما الحرب الحالية فهي حرب الجيش ضد الدعم السريع، منافسه القوي في الجاه والمال. والكيزان مستفيدين من قرار الجيش بخوض الحرب ويساهمون بنفوذهم داخله وخارجه في استمرارها، فقط لا غير.

إن تبرئة الجيش من قرار إشعال الحرب خطأ وله مسببات وتداعيات. المسببات ترجع في تقديري لتجنب القوى المدنية وخوفهم من المواجهة مع الجيش. تحميل الكيزان وزر اشعال الحرب هو المهرب.

استعدادات الجيش للحرب مع الدعم السريع بدأت يوم انشاء الاخير وظهرت للعيان عند بناء الساتر الخرساني أمام مقرات الجيش الرئيسية في قلب العاصمة. وكثر يعلمون حدة الصراع خلف الكواليس بين المتنافسين المدججين بالمال والسلاح.

لم يواجه الجيش السوداني في تاريخه الممتد منذ ما يقارب المائة عام منافس قوي الا في حرب الجنوب وفي شكل مليشيا الدعم السريع. وقد بتر الجيش الجنوب ويعمل الان على بتر دارفور.

أما أجهزة الأمن، شامل هيئة العمليات، فهي ضعيفة العدد والعتاد ولم ولن تشكل اي تهديد للجيش. لذا لا اتفق مع أولوية حلها. الاولوية عندي هي لإعادة بناء هذا الجيش المضاد للحكم المدني والمجرم في حق المدنيين وفطمه من ثدي الثروة ونزعه من قرن السلطة وتقليم أظافره ونزع أنيابه الموجهة ضد الديمقراطية وعاجلا وبلا هوادة.

من أهم تداعيات تضخيم دور الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني في إشعال وفي استمرار الحرب هو تضخيم حجم ونفوذ الحركة الإسلامية وفلول المؤتمر الوطني. وهذا خطأ يقود لشرعنة الدعوة لإشراك الحزب المحلول والحركة البائدة في وقف الحرب وفي الانتقال التالي لها. نعم للإسلاميين السودانيين دور ونفوذ في هذه الحرب ولكن قرار الحرب وقرار استمرارها هو قرار الجيش كمؤسسة، لا ترضى باي شريك مدني ولا عسكري في حكمها المتطاول.

moniem.mukhtar@googlemail.com

 

آراء