السودان من الاستقطاب الى التوافق: نحو مبادرة شعبية للتوافق والإصلاح

 


 

 

د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم

Sabri.m.khalil@gmail.com

تمهيد: هناك خياران- رئيسيان- يحددان مستقبل السودان:

الخيار الأول(استمرار الاستقطاب) : الخيار الأول يقوم على ترك الامتداد التلقائي لواقع الاستقطاب"الصراع" السياسي،الاقتصادي،الاجتماعي"القبلي
،الطائفي..."

1- فى المجال الاجتماعي"الوطنى والقومى"( التفتيت القبلى) : حيث يقوم هذا
الخيار- في المجال الاجتماعي"الوطنى والقومى" – على الاستمرار في تكريس
ما هو كائن ـ وهو تفتيت الدولة الوطنية السودانية ، إلى دويلات قائمة
على أسس قبليه أو طائفية- وهو ما يحدث للدولة الوطنيه فى كل المنطقة العربيه - كمرحلة من مراحل تردى النظام السياسى الرسمى العربى ، من مرحله التجزئه الشعوبيه (اتفاقيه سيكس بيكو 1916)، إلى مرحله التفتيت القبلى (مشروع الشرق الأوسط الجديد"الامبريالي – الصهيوني" ). ومن افرزاته انفصال جنوب السودان،وتنامى النزعات الانفصاليه فى مناطق اخرى ، وشيوع القبليه والطائفيه ، وما يلزم منها من تنامى الصراعات القبليه،والخلافات السياسيه التى قد تكرس للاستقطاب القبلي " تفجر احداث 15 ابريل2023 كمثال"..

2- فى المجال السياسي ( استمرار مشكله التخلف السياسي الديمقراطي) : كما يقوم هذا الخيار- في المجال السياسي- على الاستمرار في الأخذ بجملة من الآليات السياسية ، التي تسهم – موضوعيا- في استمرار مشكلة التخلف الديمقراطي (السياسي)،التي تتمثل في ضعف التقاليد الديمقراطية ، نتيجة لعوامل متفاعلة: بعضها خارجي "كالاستعمار والتبعيه" ، وبعضها داخلي "كالاستبداد" ، ومن هذه الآليات السياسية :

شيوع الاحزاب ذات الشكل الليبرالي "الرأسمالي " : شيوع الأحزاب ذات الشكل الليبرالي، والتي هي معادل سياسي للنظام الاقتصادي الرأسمالي ، القائم على المنافسة الحرة من اجل الربح. فهي قائمة على المنافسة السياسية "المجردة من اى ضوابط اخلاقيه" ، من اجل الوصول الى السلطه، وليس تحقيق مصالح الشعب او اغلبه .

انعدام الديوقراطيه والمؤسسسيه والشلليه: هذا فضلا عن ان اغلب هذه الاحزاب لا تنطبق فيها شروط الحزب بالمعنى العلمى الدقيق ، واهمها المؤسسيه والديموقراطيه ، فهى اقرب للشلل منها للاحزاب.

الاحزاب كانعكاس للانغلاق القبلى والطائفي: والتي أدى شيوع هذا النمط من الاحزاب في الواقع السياسي السوداني ، إلى أن أصبحت صله هذه الأحزاب بالواقع الاجتماعي ،انعكاس لواقع تخلف النمو الوطني والقومي، فأصبحت تعبيراً سياسياً عن الانغلاق القبلي أو الطائفي.

 

الخلط بين الدوله والسلطة: الخلط بين الدولة (بما هي مجموع:
السلطة"الحكومة" والأرض "الوطن" والشعب على مر الأزمان)، والنظام السياسي(بما هو السلطة "الحكومة" في زمان ومكان معين)، هذا الخلط يتمظهر في عدة ظواهر أهمها :

· شيوع معيار الولاء بدلا من الكفاءة فى التعيين الوظائف العامة
لدى النظم المتعاقبة .

· عدم تمييز بعض قطاعات المعارضة بين استهداف الحكومة واستهداف
مؤسسات الدولة.

· عدم التزام بعض الفئات بالسلمية والسلوك الحضاري عند استخدامها
أساليب التعبير والتغيير السياسي كالتظاهر والاعتصام... ولجوئها الى العنف وتخريب الممتلكات العامة والخاصه،واتباعها لأساليب تلحق ضرر بالمواطن.

المواقف الخاطئه لدور الجيش في السياسة (الإلغاء "الليبرالي " والإطلاق
"الاستبدادي"): شيوع موقفين خاطئين من دور الجيش في الحياة السياسية في الفكر السياسي السوداني وهما:

أولا: موقف الاطلاق: مضمون هذا الموقف اطلاق دور الجيش فى الحياة السياسية وهوما يؤدى الى الغاء الديموقراطيه.

نقد:

· من البدهي ان هذا الموقف يتعارض مع الديموقراطية.

· وهو موقف يستند الى موقف خاطئ مضمونه أن مشكلة التطور الاجتماعي
هي مشكلة تتعلق بالتخلف الاقتصادي فقط ، وبالتالي فان حلها يكون بالتنمية الاقتصادية فقط ، فى حين ان الحل الصحيح لهذه المشكلة يقوم على اعتبار أن مشكلة التطور الاجتماعي لا تتعلق بالتخلف الاقتصادي فقط ، بل بالتخلف السياسي “الديموقراطى” أيضا، وبالتالي فان حلها يكون بتحرير الإنسان من القهر الاقتصادي والسياسي ، بالتنمية الاقتصادية والديمقراطية السياسية معا.

· كما ان تبنى اى نظام سياسى لهذا الموقف يؤدى الى الى تضخم فئه –
شريحة- اجتماعية ضارة ،يمكن ان نطلق عليها اسم فئه - شريحة - دعاه دوله
داخل- او تحت- الدوله ، وتضم بعض قيادات بعض المؤسسات الحكومية "خاصة المؤسسات الاستخباراتية والعسكرية والشرطية ..." ، الذين تم تعيينهم او ترقيتهم طبقا لمعيار الولاء وليس الكفاءة، والذين يوهمون بعض أركان النظام السياسى، إن الحفاظ عليه و استمراره ، مرهون بتحويل مؤسساتهم الى دوله داخل - او فوق – الدوله - فى حين ان ممارساتهم السالبة هى فى الواقع احد الاسباب التى ستعجل بنهاية هذا النظام - وهم بذلك يهدفون الى الحصول على امتيازات ضخمه، لا يحصل عليها باقي المنتسبين الى هذه المؤسسات – خاصة من هم فى المراتب الدنيا من هيكلها الوظيفى- لذا يجب تطهير- وليس
حل- هذه المؤسسات من هذه الشريحة الضارة بهذه المؤسسات ذاتها وبمجتمعها، وإرجاع هذه المؤسسات الى طبيعتها كجزء فاعل من الدوله ، مع غيره من اجزائها.

· كما ان موقف القبول المطلق – الذى يستند اليه هذا الموقف
معرفيا- هو من خصائص التفكير الاسطورى.

موقف الإلغاء: مضمون هذا الموقف إلغاء دور الجيش فى الحياة السياسيه، ويستند الى الصيغه الليبرالية للديموقراطيه، طبقا لمستواها النظرى، اتساقا مع سلبية الدولة بالنسبة للممارسة الديمقراطية في هذه الصيغة.

نقد:

· الصيغة الليبرالية للديموقراطيه ليست الصيغة الوحيدة لها.

· والتجارب الديمقراطية فى المجتمعات الغربية الليبرالية ذاتها
تجاوزت هذه الصيغه، الى صيغة اخرى هى الديموقراطية التوافقية ،وهى صيغة تسمح للأقليات الثابتة " كالاقليات الدينيه والعرقيه والنساء ..." بدور سياسى فاعل – لم يكن ممكن الوجود فى ظل هذه الصيغة-

· كما ان الانظمة السياسية الديمقراطية فى هذه المجتمعات الغربية
الليبرالية تسمح - على المستوى العملى- بدور فاعل للمؤسسات العسكرية كالجيش والمخابرات ،سواء دور معلن كما فى حال سياستها الخارجية تجاه الدول النامية" كالقواعد العسكرية الخارجيه، والتدخلات العسكرية والعمليات الاستخباراتية – العلنية او السرية – ضد بعض الدول . او دور سرى – فى حال سياساتها الداخلية " كتدخل اجهزة المخابرات فى الشئون الداخليه ".

· كما هذه الانظمة السياسية الديمقراطية الغربية ذاتها دعمت – ولا
تزال تدعم - انظمة سياسية عسكرية استبدادية فى الدول الناميه، وقفت – ولا تزال تقف- ضد الاراده الشعبيه لشعوب هذه الدول ، وسعيها لتحقيق الديموقراطيه، حفاظا على مصالحها.

· كما ان أنصار هذا الموقف لا يترددون فى الالتجاء الى الجيش او
التحالف مع الأنظمة السياسيه العسكرية فى مواجهة خصومهم الايديولوجيين او السياسيين.

· وكثير من انصار هذا الموقف يتبى دعوات مشبوهة لحل- وليس اصلاح -
المؤسسات الامنيه، تتجاهل حقيقة ان وجودها ضروري لحماية المجتمعات من العدوان الخارجى والداخلى، ولا يخلو اى مجتمع منها - بما في ذلك أرقى المجتمعات الديموقراطية .

· كما ان هذا الموقف يتجاهل اختلاف واقع المجتمعات النامية عن
المجتمعات الغربية. حيث تعاني هذه المجتمعات من مشكلة التخلف السياسي”
الديمقراطي” التى مضمونها انعدام أو ضعف التقاليد الديمقراطية، نتيجه لاسباب متعدده . فضلا عن معوقات اخرى للديمقراطية منها شيوع الأمية ،والمربع المخرب (الفقر والجهل والمرض والبطالة)...

· كما يتجاهل حقيقة ان الصيغه الليبرالية للديموقراطيه إذ تحرر
الشعب من استبداد الحاكمين-على المستوى النظرى - لا تضمن- فعليا- عدم استبداد الرأسماليين فيه، لان النظام الرأسمالي هو النظام الليبرالى فى الاقتصاد ( د.عصمت سيف الدوله، النظرية ، ج2، ص197-198 ).

· وهذا الموقف قد يؤدى الى الفوضى نتيجه لأسباب عديدة منها ضعف
مؤسسات الدوله،وشيوع القبلية والطائفيه، تدنى الوعى السياسى وضعف مؤسسات المجتمع المدنى...

· كما ان موقف الرفض المطلق– الذى يستند اليه هذا الموقف معرفيا
- هو أيضا من خصائص التفكير الاسطورى- رغم ادعاء أنصار هذا الموقف العقلانية والاستنارة -

3- مجال العلاقة بين الدين والدولة(بين الثيوقراطية والعلمانية) : كما يقوم هذا الخيار على استمرار الاستقطاب بين النخب السياسية – والثقافية- في قضية العلاقة بين الدين والدولة .

تبنى الثيوقراطيه: حيث تتبنى بعض هذه النخب السياسية مذاهب سياسية تقارب مذهب الثيوقراطيه (الدولة الدينية بالمفهوم الغربي)، والقائم على جعل العلاقة بين الدين والدولة علاقة خلط (وليست علاقة ارتباط )، وهو ما يلزم منه انفراد فرد معين أو فئة معينه بالسلطة الدينية " الروحية"(وبالتالي السلطة السياسية أيضا) دون الشعب.

مذهب مرفوض اسلاميا: هذه النخب السياسية تتجاهل حقيقة أن هذا المذهب مرفوض إسلاميا لأنه يؤدي إلى تحويل المطلق (الدين) إلى محدود (الدولة أو
السلطة) أو العكس ، وبالتالي إضفاء قدسية الدين على البشر ، و هو ما رفضه الإسلام حين ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت ، والاجتهاد ككسب بشرى متغير.

تبنى العلمانيه: كما تتبنى بعض هذه النخب السياسية مذهب العلمانية والقائم على جعل العلاقة بين الدين والدولة علاقة فصل ،(وليست علاقة
تمييز) فصل الدين عن الدولة، اى فصل السلطة الدينية (الروحية) عن السلطة السياسية .

التغريب: وهذه النخب تتجاهل حقيقة أن العلمانية التي كانت في الأصل جزء من الديانة المسيحية، تحولت إلي تيار فكرى معين ، ظهر في مرحله معينه من مراحل التاريخ الاوربى، تحول إلي ثورة ضد تدخل الكنيسة في الحكم ، انتهى إلي إقامة نظام علماني في موقفه من الدين ، فردى في موقفه من المجتمع ، راسمالى في موقفه من الاقتصاد، ديمقراطي ليبرالي في موقفه من الدولة، كان محصلة عوامل ثقافية ونفسية وتاريخية وحضارية... ، سادت أوربا نحو سبعة قرون. وبالتالي فإنه بالإضافة إلى أن الحل الذي قدمته العلمانية لا يعبر عن الحل الإسلامي للمشكلة ، فان جوهر الدعوة إلى العلمانية في مجتمع اسلامى ،هو أن تستبدل المفاهيم والقيم والقواعد الاسلاميه، بالمفاهيم والقيم والقواعد الغربية، لتحقيق قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية ، وهو مضمون التغريب.

4- المجال الاقتصادي(استمرار تخلف النمو الاقتصادي والتبعيه الاقتصاديه والظلم الاجتماعى) : كما يقوم هذا الخيار - في المجال الاقتصادي - على الاستمرار في الأخذ بجملة من السياسات الاقتصادية ، التي تسهم – موضوعيا- في استمرار مشكلة تخلف النمو الاقتصادي ، والمتمثلة في عجزه عن الاستغلال الأمثل لموارده المادية والبشرية المتاحة له، وأهمها محاولات الانظمه السياسيه السودانيه – وغيرها من أنظمة سياسية العربيه - المتعاقبة ، تطبيق النظام الاقتصادى الرأسمالى ،منذ سبعينات القرن الماضى ، تحت شعارات مثل ( الخصخصة او التحرير الاقتصادي او الانفتاح الاقتصادي او الاصلاح الاقتصادى او لبرله الدولة أو الليبرالية الجديدة او رفع- ترشيد
- الدعم...) ، بالخضوع للمؤسسات الاقتصادية الرأسمالية العالمية "كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية " . والتى تكرس للتبعيه الاقتصاديه والطبقيه والظلم الاجتماعى.

5-المجال القانوني(الاخذ بالمقياس الخاص- الاستثنائى"الامنى المحض"
للاستقرار): كما يقوم هذا الخيار - في المجال القانوني -على الاستمرار في الأخذ بمقياس خاص واستثنائي "الامنى المحض" للاستقرار غير المقياس القانوني له ، وإذا كان المسوغ الذي يستند إليه هذا الخيار هو تحقيق الاستقرار، فان الأخذ بهذا المقاس للاستقرار لن يؤدى – على المدى البعيد- إلا إلى عدم الاستقرار ، إذ لا يستطيع أحد من الناس وهو يمارس حياته ، ويدخل في علاقات خاصة أو عامة مع غيره ،أن يعرف مقدما أن ما يقوم به يطابق أو لا يطابق مع هذا المقياس الخاص..

6- مجال العلاقة بين الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي "تجاهل الاستبداد الداخلى او التبعيه الخارجيه": كما يقوم هذا الخيار – في مجال العلاقة بين الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي - على استمرار الاستقطاب بين القوى السياسية بين موقفين :

الموقف الأول" تجاهل مشكلة الاستبداد الداخلي": يركز على مشكلة التبعيه والاستعمار الخارجي، ويتجاهل – او يقلل من أهمية- مشكلة الاستبداد الداخلي، فهو يعطى الاولوية للتحرر من الاستعمار على مقاومة الاستبداد .

الموقف الثاني" تجاهل مشكلة التبعية الخارجية" فهو يركز على مشكلة الاستبداد الداخلي ، ويتجاهل – او يقلل من أهمية- مشكله التبعيه والاستعمار الخارجي ، فهو يعطى الاولوية لمقاومة الاستبداد على من التبعية.

 

الخيار الثاني(التوافق) : أما الخيار الثاني فيقوم على وقف الامتداد التلقائي لواقع الاستقطاب ، والانتقال إلى التوافق " المشاركة" السياسي ، الاقتصادي، الاجتماعي...

الإصلاح: هذا الخيار يقوم على- في مجال التغيير- على إعطاء الأولوية للإصلاح كأسلوب للتغيير يتصف بالسلمية والتدرج - مع الإقرار بأن هذه الاولويه مشروطة بعدم اكتمال توافر شروط الثورة الذاتية والموضوعية-

الرؤيه الشامله للتغيير: كما أن الخيار يدعو إلى الأخذ بالرؤية الشاملة للعلاقة بين الإبعاد المتعددة للتغير، والتي تجعل العلاقة بين هذه الأبعاد المتعددة ، علاقة تحديد وتكامل وليست علاقة إلغاء وتناقض ، فتجمع هذه الرؤية بين التغيير الادارى كنمط تغيير ذاتي يتصل بالأشخاص، والتغيير السياسي كنمط تغيير موضوعي يتصل بالنظم السياسية، والتغيير الحضاري "البنيوى" كنمط تغيير يجمع بين الذاتي والموضوعي ، ويتصل بالبنية السياسية،الاقتصادية ،الاجتماعية، الثقافية ...للمجتمع "لتي تتضمن أنماط التفكير و النظم الاجتماعية".

الخيار الثاني والمبادرة الشعبية للتوافق والإصلاح : إن خيار التوافق والإصلاح هو الخيار الوحيد ،الذي يمكن من خلاله، تقديم حلول صحيحة المشاكل التي يطرحها الواقع ،وتنفيذ ما هو ممكن من هذه الحلول.

التوافق والإصلاح مطالب وطنية وقومية ودينية: والتوافق والإصلاح من أهم المطالب الوطنية والقومية والدينية"الشرعية". فالإسلام كدين جعل الأصل والقاعدة في العلاقة بين الناس هو المشاركة - التي يمكن التعبير عنها بمصطلح التوافق- لذا عبر القران الكريم عنها القران بمصطلحات ايجابيه كالتالف والتعاون والموالاة.أما الصراع- الذي يمكن التعبير عنه بمصطلح
الاستقطاب- فهو الفرع والاستثناء ، لذا عبر عنه القران الكريم بمصطلحات سلبيه كالعداوة والبغضاء والعدوان. اتساقا مع هذا حثت الكثير من النصوص المسلمين إلى الوحدة كما فى قال تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ )(آل عمران103). كما نهت الكثير من النصوص عن التفرق ، قال تعالى ( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران: الآية (104). لذا اعتبر علماء أهل السنة فتنه التفرق من أعظم الفتن ، لذا يصف يقول الإمام ابن تيمية التفرق والاختلاف بانه ( من أعظم الفتن والشرور قديما وحديثا). أما الإصلاح فقد أوجبته الكثير من النصوص ، بل وجعله القران جوهر رسالات السماوية ، فوصف به إبراهيم: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾(البقرة: 130)، وعيسى ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾)آل
عمران(46: ،وشعيب ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ
أُنِيبُ﴾(هود: 88).

أسس المبادرة الشعبية للتوافق والإصلاح:ان تطبيقات خيار التوافق والإصلاح في كافه المجالات تشكل أسس مبادرة شعبية للتوافق والإصلاح،والمقصود بكون هذه المبادرة شعبيه أن الالتزام بها يقع – أساسا- على عاتق القوى الشعبية، باعتبار ان تحقيق اى غاية للوطن اوالامه هو- أساسا- مسئولية وطنيه او قوميه شامله ، وليس مسئوليه فئه معينه من فئاته او فئاتها فقط.

الأسس:

المجال السياسي(الالتزام بالحرية السياسيه والشورى والديمقراطية ): العمل المشترك على حل مشكلة التخلف الديمقراطي(السياسي)، بالأخذ بجملة من الآليات السياسية ومنها:

· العمل على ترسيخ الديمقراطية (كقيمة وممارسة )،وباعتبارها نظام
فني لضمان سلطة الشعب ،تتسق مع الشورى كمفهوم كلى للفلسفة السياسية الإسلامية

· إقرار الحريات والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية

· تفعيل الحوار الوطني والقومي من اجل التوافق على ما هو مشترك من
ثوابت الوطن والأمة

· تفعيل مؤسسات المجتمع المدني...

 

تحرير الاحزاب من الانغلاق القبلى والطائفى: وذلك من خلال:

· التحرر من الشكل الليبرالي"الراسمالى" للأحزاب.

· التحول من نخبة سياسية إلى طليعة للمجتمع .

الالتزام باليات التحرر من الخلط بين الدوله والحكومه: و تتضمن:

· التمييز بين السلطة "والحكومة" والدولة .

· الأخذ الكفاءة كمعيار وحيد للوظيفة العامة

· الالتزام بالسلمية والسلوك الحضارى عند استخدام أساليب التعبير
والتغيير السياسى.

الالتزام بالديموقراطيه التوافقيه: الالتزام بالديموقراطيه التوافقية، بالتوافق على صيغة للحكم تجمع بين حكم الاغلبيه، وإقرار دور فاعل لكافة مكونات المجتمع : الاجتماعية “ومن ضمنها المراْه والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة...”، والدينية " الأقليات الدينية"، والعرقية ” الأقليات العرقية ”، والتقليدية " كالقبائل والطوائف والطرق الصوفية... " ، والوظيفية “من ضمنها الجيش”… وحفظ حقوق هذه المكونات على المستوى الدستوري. بشرط ان تعبر هذه الصيغه عن الاراده الشعبيه بدون تزييف ، وان يتم اختبار هذه المكونات بصورة ديمقراطية.

الموقف الصحيح من دور الجيش فى السياسه ( التوافق ودور وطني ديموقراطى للجيش في الحياة السياسية): هذا الموقف يرفض موقفى الاطلاق والإلغاء ، والأساس المعرفي الذي يستندان إليه "القبول او الرفض المطلقين"، ويرى الى ضرورة تجاوزهما الى موقف التوافق ، وهو موقف يستند سياسيا الى صيغة واقعية عملية للديمقراطية هى "الديموقراطية التوافقية" –والتى أقرتها ارقى المجتمعات الديموقراطية كما اشرنا اعلاه - كما يستند معرفيا الى الموقف التقويمي" النقدى" ، الذى مضمونه القبول او الرفض المقيدين"المشروطين" – وهو الموقف المعرفى الذى يتسق مع التفكير
العقلانى-

· فهذا الموقف يرى ان المشكلة لا تتصل بوجود هذا الدور بل بحدوده .

· فدور الجيش فى الحياة السياسية قد يتعارض أو يتوافق مع الديمقراطية.

· فهذا الدور قد يتعارض مع الديمقراطية في حالة إلغائه
للديمقراطية - كما فى موقف الإطلاق-

· كما أن هذا الدور يمكن أن يتفق مع الديمقراطية ، من خلال الجمع
بين معياري الاغلبيه والتوافق، وذلك بالالتزام بالديموقراطيه التوافقية، وذلك بالتوافق على صيغة للحكم تجمع بين حكم الاغلبيه، وإقرار دور فاعل لكافة مكونات المجتمع : الاجتماعية “ومن ضمنها المراْه والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة...”، والدينية " الأقليات الدينية"، والعرقية ”
الأقليات العرقية ”، والتقليدية " كالقبائل والطوائف والطرق الصوفية... "
، والوظيفية “من ضمنها الجيش”… وحفظ حقوق هذه المكونات على المستوى الدستوري

· ويشترط لنجاح الديمقراطية التوافقية ان تعبر عن الاراده
الشعبيه بدون تزييف ، وان يتم اختبار هذه المكونات بصورة ديمقراطية.

الالتزام بقوميه ووحده الجيش:الالتزام بموقف من الجيش والمؤسسات العسكريه والامنيه، يقوم على التاكيد على كونها مؤسسات قوميه "وطنيه" تمثل كل مكونات الشعب،وابعاد الخلافات والتجاذبات السياسيه والاجتماعيه "القبلبه
والطائفيه "عنها.والتاكيد على وحدتها.والعمل المشترك وباسلوب واقعى
–عملى - تدريجى على دمج كل التشكيلات العسكريه فيها. واخراج كل التشكيلات العسكريه من المدن.

مجال العلاقة بين الدين والدولة:(الجمع بين مدنيه السلطة ودينيه التشريع "مصدره الاساسى" ) : تجاوز الاستقطاب بين الثيوقراطيه(الدولة الدينيه بالمفهوم الغربي) والعلمانية،والانتقال إلى التوافق على مدنيه السلطة ودينيه التشريع ، ففيما يتعلق بمدنيه السلطة نجد ان المنظور السياسي الإسلامي لا يتناقض مع الدلالة العامة - المشتركة لمصطلح الدولة المدنية التي تسند السلطة للشعب، والتي يكون الحاكم فيها نائب عنه ، لا تنفرد بها دونه كمحصله لانفراده بالسلطة الروحية، لأنه استند كل من السلطة السياسية "التي عبر عنها القران الكريم بمصطلح الأمر "، والسلطة الدينية "والتي عبر عنها القران بمصطلح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" إلى الجماعة بموجب عموم الاستخلاف، قال تعالى(وأمرهم شورى بينهم)، وقال تعالى (كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) ولان الحاكم وكيل عن الجماعة ، له حق تعينها ومراقبتها وعزلها ، يقول أبو يعلي أن الخليفة ( وكيل للمسلمين ) (الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 7 ).أما فيما يتعلق بدينيه التشريع فان المقصود بالتشريع هنا مصدره الاساسى، وذلك بأن تكون أصول الشريعة (التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة)،هي المصدر الاساسى للتشريع،على أن تكون فروعها(التي مصدرها النصوص الظنية الورود والدلالة) احد مصادر التشريع ، فتكون نقطة بداية للاجتهاد التشريعي وليس نقطة نهاية له ، بالإضافة إلى مصادر أخرى للتشريع كالعرف والإسهامات القانونية للمجتمعات المعاصرة ،بشرط عدم تعارضهما مع أصول الدين، وهذا التوافق على مدنيه السلطة ودينيه التشريع " او مصدره الأساسي" يتفق مع الحل الإسلامي الصحيح ، لقضية العلاقة بين الدين والدولة،والذي يجعل العلاقة بينهما علاقة ارتباط (وليست علاقة خلط كما في
الثيوقراطيه) لان السلطة في الإسلام مقيده بجمله من القواعد الآمرة أو الناهية التي لا يباح مخالفتها، وعلاقة تمييز(وليست علاقة فصل كما في العلمانية)، لان الإسلام ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت ، والاجتهاد ككسب بشرى متغير.

المجال الاقتصادي(الالتزام بالتنمية المستقلة وتحرر من التبعيه الاقتصاديه وتحقيق العدالة الاجتماعية): الأخذ بجمله من السياسات الاقتصادية التي تسهم في تجاوز تخلف النمو الاقتصادي ، و تحقيق التقدم الاقتصادي والعداله الاجتماعيه ومنها:

· التحرر من التبعية الاقتصادية والالتزام بمبدأ التنمية المستقلة.

· التأكيد على الدور الاساسى للدولة والقطاع العام – كممثل
للمجتمع - في النشاط الاقتصادى ، مع العمل على إصلاح القطاع العام،وتطهيره من البيروقراطية والفساد

· دعم السلع الضرورية والاستراتيجية.

· وضع ضوابط للسوق

· توجيه القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي نحو المجالات الإنتاجية
التي تحقق الفائدة للمجتمع، وليس المجالات الاستهلاكية على حساب المجتمع

· تفعيل مؤسسات الضمان الاجتماعي، ومؤسسات المجتمع المدني ذات
الصلة كالجمعيات التعاونية والنقابات

· تجاوز موقفي القبول المطلق أو الرفض المطلق للخصخصة ، إلى
الموقف النقدي منها قائم على: عدم خصخصة المؤسسات الإستراتيجية، وضمان ديمقراطية خصخصة المؤسسات الأخرى بالرجوع إلي الشعب ورقابة الدولة

· العمل على اعتبار أن تحقيق العدالة الاجتماعية هو احد الغايات
الأساسية للنشاط الاقتصادي للدولة، وتحقيق التوازن بين تحفيز النمو الاقتصادي ، وعدالة توزيع ناتج هذا النمو الاقتصادي....

المجال القانوني(الاخذ بالمقياس القانوني للاستقرار) : الحفاظ على الاستقرار طبقا للمقياس القانوني،اى اتفاق علاقات الناس مع القانون وفي إطار سيادة القانون .

العمل على مكافحة الفساد:وضع آليات وقوانين لمكافحة الفساد مثل :

· وضع ضوابط للمنافسة بين القطاعين العام والخاص كدعم القطاع
العام وتفعيل الرقابة فيه ،وتحفيز العاملين به

· ان يكون لكل قطاع مجالات محددة مقصورة عليه وحده

· تطوير نظام اختيار وتعيين وترقية العاملين اعتمادا على مبدأ
الكفاءة وليس الولاء

· إصدار قوانين صارمة لمكافحة الفساد وتطبيق مبدأ من أين لك هذا...

· تطبيق قوانين اقرار الذمه الماليه لموظفى الدوله ومن
يتولى وظائف سياديه.

السعى المشترك التدريجى على حل مشكلة التهميش : كما يقوم هذا الخيار- في مجال حل مشكلة التهميش على الإقرار بمشكلة التهميش باعتبار أنها مشكله ذات أبعاد متعددة " تاريخيه ، اقتصاديه ، سياسيه، عرقيه…" ، وليست ذات بعد واحد، وإنها مشكلة عامة وليست مشكله خاصة باقليم معين او منطقه معينه، وأنها محصلة تراكم تاريخي طويل، وبالتالي فان حلها على المستوى العملي يكون بالعمل المشترك والتدريجي "بالانتقال من ما هو كائن ،إلى ما هو الممكن، إلى ما ينبغي أن يكون",أما حلها على المستوى الفكري فيكون من خلال رفض مذاهب الوحدة المطلقة ، وتبنى مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد في مجالات الهوية،المجال السياسي، الاقتصادي،القانوني،الثقافي….ومكافحه العنصريه بنشر الوعى الاجتماعى على مدى تاريخى طويل ، وليس باستبدالها بعنصريه مضاده.

الجمع بين رفض الاستبداد الداخلي والتبعيه الخارجيه معا: الربط بين مشكلتي الاستبداد الداخلي والتبعيه الخارجيه،باعتبار ان الأول هو قيد داخلي على حرية الشعوب ، بينما الثانيه هى قيد خارجي عليها. فالاستبداد هو قيد داخلي على حرية الشعوب لأنه انفراد اقليه (فرد او فئة) بالسلطة دون الشعب .والتبعيه الخارجيه هى قيد خارجي على حرية الشعوب لأنها تكرس لاستيلاء امم وشعوب على إمكانيات شعب أخر وتسخيرها لخدمة مصالحها.

.................................

الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات

https://drsabrikhalil.wordpress.com

 

آراء