السودان من الاستقلال الي حرب الاسلاميين وانهيار الدولة السودانية

 


 

 

محمد فضل علي .. كندا
مشروع كتاب وثائقي لم يكتمل بعد بعنوان

 

اسرار انتفاضة السادس من ابريل 1985 التي غيرت تاريخ السودان بعد سقوط نظام نميري

الاجواء في الشارع السوداني بعد اندلاع انتفاضة السادس من ابريل 1985 .
اذاعة امدرمان اصبحت تذيع الاناشيد والاغنيات الوطنية لدعم نظام الرئيس نميري والاكتفاء باذاعة اخبار روتينة منسوبة لبعض الجهات الامنية والسياسية عن مجريات الامور في البلاد والتلميح المستمر لدور الاسلاميين في اشعال الشارع السوداني وهو امر غير دقيق والصحيح ان الاسلاميين هم الذين التحقوا بحركة الشارع السوداني والانتفاضة الشعبية التي اصبحت بالنسبة لهم في لحظة معينة هي الطريق الوحيدة للنجاة والافلات من مشانق نميري والمصير الذي ينتظرهم اذا نجح الرئيس نميري في العودة الي البلاد .
الدور السري لمخابرات الاخوان والجناح العسكري السري للجبهة القومية الاسلامية في تحويل مسار الانتفاضة الشعبية في السادس من ابريل 1985

بعد ان حصد الاسلاميين كل مكاسب الانتفاضة الشعبية واستفادوا من نتائجها في ضمان سلامة قيادتهم وعودة التنظيم الاخواني الي العمل بكل حرية في الفترة الديمقراطية بواجهات مختلفة في مرحلة جديدة لاول مرة بعيدا عن مضايقات ورقابة اجهزة امن ومخابرات نميري في الوقت الذي اصبحت فيه الاغلبية الصامتة التي فجرت الانتفاضة اشبة باليتيم علي موائد اللئام حيث انتهي الامر بعد سلسلة من الفشل والاخفاق في ادارة البلاد بواسطة الاحزاب السياسية بعملية الاحتلال الاخواني المسلح للسودان في الثلاثين من يونيو 1989 الذي يطلقون عليه انقلاب الانقاذ العسكري وانقلاب الجبهة القومية الاسلامية في احيان اخري في الوقت الذي لم يكن فيه هناك انقلاب عسكري علي الاطلاق في ذلك الوقت وهو احد العوامل الرئيسية في اخفاق السلطة العدلية والسياسية الانتقالية في محاسبة رموز وقيادات النظام المباد الذين بعد سقوط البشير في 2019.
لقد واصل الاسلاميين بعد فترة من سقوط نظامهم تحدي العدالة والدولة والمجتمع والدوس علي مشاعر ضحايا حكمهم وليلهم المظلم الطويل علي مدي ثلاثة عقود واكثر.
لقد قاموا بالهروب من معتقل سجن كوبر في توقيت متفق عليه قبل اندلاع الحرب السودانية الراهنة وقد هربوا بمساعدة افراد مسلحين بالتنسيق مع اجهزة ومخابرات الحركة الاسلامية والقيادة الصورية للجيش السوداني الراهن .
غرفة عمليات الاسلاميين اثناء انتفاضة ابريل كانت تعمل بقيادة واشراف مباشر من نائب الترابي علي عثمان محمد طه الذي اختفي قبل اعتقال الترابي و الاسلاميين لانه كان علي علم بنوايا نظام نميري الانقلاب عليهم.
انتشر كوادر الجبهة القومية الاسلامية المدربين علي استعمال السلاح والقنابل اليدوية في كل شوارع وطرقات العاصمة السودانية اثناء الانتفاضة وهم يستخدمون في تحركاتهم سيارات شبه قديمة كانت مستخدمة في نقل الخضار والالبان من اجل التموية الي جانب دراجات نارية كانوا يتحركون بها ايضا علي مدار الاربعة وعشرين ساعة وكانوا قد فرضوا رقابة لصيقة علي منازل معظم السياسيين والعسكريين المعادين لهم داخل وخارج النظام المايوي .
منزل الراحل المقيم الاستاذ سيد احمد الحسين بالخرطوم 2 تحول منذ بداية الانتفاضة الي خلية نحل للتنسيق بين كافة القوي السياسية والعسكرية اثناء الانتفاضة ..
البعثيين والحزب الاتحادي الديمقراطي كان لهم وجود فعلي في قيادة الجيش وكافة افرع القوات المسلحة وكان بينهم اتفاق وتنسيق دقيق علي قطع الطريق امام اي تحرك انقلابي فردي في الجيش علي العكس مما كان يروج له الاسلاميين عبر اساليبهم الماكرة لضرب الناس وتخويفهم من بعضهم البعض .
استخدم الاسلاميين فوبيا حزب البعث في تخويف المشير سوار الذهب شخصيا وقيادة الجيش من انقلاب دموي وهمي يدبر له البعثيين وهو انقلاب لم يكن له وجود وذلك بعد ان رفض المشير سوار الذهب في البداية اقتراح الكوادر العسكرية الاخوانية باذاعة بيان الاطاحة بالنظام واكد سوار الذهب لكل من اتصل به التزامة ببيعته للرئيس نميري وعدم التحرك ضده حتي عودته الي البلاد ولكنه تحرك في النهاية مجبرا و خوفا من خروج الاوضاع عن السيطرة ..
اجواء الشارع السوداني اثناء انتفاضة السادس من ابريل
بينما اتجهت القوي السياسية والنقابية الي الشارع السوداني اتجه الاسلاميين الي القيادة العامة للجيش السوداني بناء علي خطة محكمة .. للتحكم في البدائل المحتملة وضمان سلامتهم علي صعيد التنظيم وسلامة وامن قيادات الحركة الاسلامية .
البروفسير الراحل مالك حسين وهو شخصية مايوية من خلفية اسلامية وكان من عضوية تنظيم الاخوان المسلمين اثناء دراسته الجامعية ولفترة قصيرة بعد حياته العملية ثم تقدم باستقالته من التنظيم وظل يعمل تحت لافتة شخصية مستقلة خلال عملة في مجلس الشعب المايوي وعلاقته الشخصية الخاصة مع الرئيس نميري وقيادات نظامه الذين كانوا يهرعون الي مكتبه في شارع السيد عبد الرحمن ويطلبون استشارته في ادارة شؤون البلاد بين الفترة والاخري .
لذلك كان البروفسير مالك حسين اخر المتواصلين مع الرئيس نميري بعد وصوله الي امريكا واطلعه علي تطورات الوضع داخل البلاد و اقترح نميري علي البروفسير مالك حسين تاجير طائرة خاصة لنقله الي الخرطوم بعد التشاور مع نائبه ورئيس جهاز الامن السوداني اللواء عمر محمد الطيب بعد ان تاكد ان الامريكان قد تخلوا عنه تماما من خلال معاملتهم له في اخر زيارة له الي هناك حتي بعد ان اكد لهم انه سيقوم بتجميد قوانين سبتمبر بالتزامن مع محاكمة قيادات الحركة الاسلامية وحظر التنظيم رسميا .
اختفي النظام المايوي بكل مؤسساته منذ الاول من ابريل وغادر بعض الوزراء والسياسيين المقربين من النظام والرئيس نميري البلاد الي مصر والاردن وبلاد اخري في الوقت الذي تحول فيه مكتب البروفسير الراحل الدكتور مالك حسين بشارع السيد عبد الرحمن الي غرفة عمليات وقيادة بديلة للنظام المايوي ومقر شبه دائم للواء عمر محمد الطيب واخرين من قيادات النظام المايوي بعد ان فرضت عليهم الانتفاضة الشعبية وتطورات الاحداث الانتقال من مرحلة ادارة عملية اعتقال الاسلاميين وحظر نشاطهم الي محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه من اجل وقف الانتفاضة باي طريقة وتامين عودة الرئيس نميري من امريكا ليتولي ادارة البلاد في مرحلة مابعد الاسلاميين بعد ان اطلع الادارة الامريكية والمصريين والسعودية ودول الخليج بالتوجه الجديد للدولة والثورة السودانية بعد اطاحة الاسلاميين ولكن الامريكان استمروا في التعامل مع نميري بكل الحفاوة البروتكولية والرد عليه باثارة مواضيع مختلفة عما يدلي به من اقوال حتي ادرك نميري في النهاية عدم رغبتهم في الاستماع اليه واعد العدة للعودة الي الخرطوم باي ثمن..
القصد من هذا الحديث هو محاولة لاثبات وجود علاقة جوهرية مباشرة بين مايجري الان في السودان اثناء الحرب التدميرية والانتقامية الراهنة وبين ماجري في السودان من قبل من وقائع واحداث معينة تحتاج الي تسليط الضوء عليها وتوثيقها بطريقة قانونية للاستفادة العامة من نتائج انتفاضة السادس من ابريل 1985 للتاكد من ان اساليب الحركة الاخوانية في السودان لم تتغير الا علي صعيد العناوين الرئيسية فقط ولكن التفاصيل والممارسة للعمل العام والسياسة السودانية تكاد تكون طبق الاصل مما حدث في السودان علي صعيد ادارة الاسلاميين للازمات في مراحل مختلفة بطريقة كانت ولاتظل تشكل خروجا سافرا علي التقاليد السياسية السودانية المتوارثة جيلا بعد جيل.
ولاينسي الناس الي جانب ذلك سوء التقدير المتكرر من النخب السياسية السودانية في فهم طبيعة عمل الاسلاميين وكيفية التعامل المفترض معهم لتجنب شرورهم واساليبهم الانتقامية الغريبة وتعاملهم الدائم بطريقة علي وعلي اعدائي واسقاط السقف علي راس الجميع حتي لو انتهي الامر بتدمير الدولة السودانية والقضاء عليها كما يجري اليوم وفي هذه اللحظات بالذات .
وللحديث بقية

 

آراء