تايوان أشبه بأوكرانيا في آسيا: فهل تحضِّر أمريكا حلفاءها لخوضِ حربٍ في مواجهةِ الصين؟

 


 

 

* الصين لنْ تسمح بهزيمة روسيا أو تترُكها تنكسِر في الحرب الدائرة في أوكرانيا. لماذا؟
* انتصار الولايات المتحدة وحلفائها حالة جديدة تدفع الصين لتودِّع تايوان إلى الأبدِ
* كل الدول الكبرى جرّبت أسلحتها التي صنعتها، إلّا الصين لمْ تخُضْ حرباً من قبل..
* التدخُل الصيني بسلاح لروسيا في مواجهة أوكرانيا يؤدي إلى حربٍ عالمية ثالثة تضع العالم أمام المجهول
...؛؛؛…؛؛؛
تتميّز بداية عام 2023 بتزايد التوتّرات على المِحور الصيني الأمريكي، على خلفيةِ حديثٍ يتصاعد عن حربِ محتملة. وبرغم أنّه ليس هناك أيّ تحدٍّ حقيقي من بكين، يبدو أنّ إمكانية تجنُب نزاع عسكري تتّجِه لتصبح بعيدة، ورُبّما مستحيلة. وأفضل مَن لخّص المشهد هو الجنرال الأمريكي مايك مينيهان، الذي قال إن الولايات المتحدة ستخوض حرباً ضد الصين خلال عامين. ويضيف مينيهان، الذي يتولى قيادة أكثر من 110 آلاف جندي في سلاح الجو الأمريكي، في مذكرة داخلية للبنتاغون حصل عليها صحفيّون من مجلة تايم "آمل أنْ أكون مُخْطِئاً، لكن في عام 2025 سنخوض حرباً ضد الصينيين".
تلك كانت فقرة افتتح بها نيكولاس شيزار محلل الشئون الدولية بالصحيفة الرومانية واسعة الانتشار (ناتسيونال) تقريره الذي تساءل فيه: لماذا تصرّ أمريكا على خوض حربٍ مع الصينِ؟ وقطعاً لنْ يبقْ ذلك محض تساؤل مُحلِّل إذا لمْ يساورك الشكّ في صِحّة مذكرة الضابط الكبير في الجيش الأمريكي وأنّها حقيقية. ومع التأمين بأنّها قَطِع شك صحيحة، حتماً ستسأل نفسك: هل يُفهم من تسريبها بأنّها بالون اختبار لمعرفة وقياس ردود الأفعال أو فتح الباب لتطوير قراءات حول ما حوته من إشارات أقرب للتأكيدات؟
الشاهد أنّ شي جين بينغ حصل على ولاية ثالثة رئيساً للصين، فهل جعل ضمّ تايوان هدفه الأساسي؟ وبالإضافة إلى ذلك، هل الانتخابات الرئاسية التي من المقرر إجراؤها في تايوان العام القادم، ستكون ذريعة مثالية للغزو، مع العِلم بأنّ الانتخابات الرئاسية الدورية في الولايات المتحدة ستُعْقد أيضاً عام 2024؟ رُبّما لكل ذلك يقول الجنرال مايك مينيهان "كل المنطِق يتجه نحو العام 2025 والفُرص متوائمة مع العام نفسه".

* مَن يتدخّل في شئون مَن؟:
قد لا تجانِب الحقيقة إذا وصفت حجج البنتاغون للبيت الأبيض والكونغرس بأنّ وجود الولايات المتحدة ذاته يعتمِد على بدءِ حربٍ مع الصين، بأنّها أشبه بمساعي صِناعة الأسلحة القوية لإقناع السياسيين بذلك. وأنّ استِمرار الخِلاف، وبالتالي الصِدام بين واشنطن وبكين حول تايوان ستكون نتيجته خوض أمريكا حرباً بشأن ما تعترِف به هي نفسها رسمياً على أنّه "شئون سياسية داخلية للصين". ودعونا نستحضر أنّ موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الإنترنت يعترف بما يلي، بخصوص العلاقات مع جزيرة تايوان: "الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان". إذن، إذا كانت الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان، فإنّ الأمريكيين، بالتالي، يدركون أنّ تايوان ليست مُستقلّة، وعليه يقبلون سيادة بكين على الجزيرة. وهذا الأمر في الواقِع، هو سياسة "الصين الواحدة" التي تبنّتها واشنطن وتقريباً كل الدول الأخرى لإقامة علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية.
ولذلك، يقول نيكولاس شيزار في تحليله "في الوقت الذي يحاضِر فيه الأمريكيون موسكو بانتظام حول التعدي على سيادة دولة أخرى، يجِب أنْ يكون موقفهم تِجاه بكين وتايوان مسألة بسيطة تتعلق باحترام السيادة الصينية".

* الصين مِثل روسيا.. مُحاطة بقواعِدٍ أمريكية!
تحاوِل الصحافة الدائرة في فلكِ المصالِح الأطلسية التوسعية، تصوير الصين كدولة مُعتدية، ويتجاهل الكثير من كُتّابها أي نقاش حول سياسة "الصين الواحدة" التي قبلتها بالإجماع المستشاريّات الغربية الكبرى، والبيان الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية. وبدلاً عن ذلك، تقود تلك الصحف الرأي العام إلى الاعتقاد بأنّ تايوان مُستقلّة إلى حدٍّ ما، وبكين "تخيفها"، والصدام الحتمي بين القوى العظمى يعتمِد فقط على رغبة أمريكا في الدفاع عن الجزيرة الصغيرة، ولا شيء غير ذلك.
فهل ستكون، في الواقِع، الحرب بين الولايات المتحدة والصين نتيجة لانتهاك الأمريكيين مرة أخرى لسيادة دولة على بعد آلاف الكيلومترات من حدودهم؟
بالنظر إلى أيِّ خريطة للانتِشارِ العسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، نرى الصين مُحاطة بجيش أمريكي من قواعد في كوريا الجنوبية والبر الرئيسي لليابان وجزيرة أوكيناوا والفلبين، بالإضافة إلى جزيرة تايوان نفسها المُدرّعة بأسلحة قتالية مُتقدِّمة. مئات الآلاف من القوات الأمريكية وعشرات البوارِج ومئات الطائرات الحربية على مرمى حجر من الصين. فهل هنالك شكّ في إنّ مليارات الدولارات من الأسلحة التي تمّ نقلها إلى تايوان مُخصّصة لحربٍ بالوكالةِ مع الصين على غرار أوكرانيا؟
وبالمقابل، لا ننسى أنّ الصين استثمرت بكثافة في جيشها، ومن الواضِح للجميع أنّها تستعِد بالفعل لحربِ مع الولايات المتحدة. فهل هذا ما تريده، أمْ تجبُرها الولايات المتحدة التي وضعت جيشها على أعتاب بكين، استعداداً لنزاع تحت ذريعة الدفاع عن الديمقراطية؟

* تايوان، بالفعل تحت السيطرة الصينية:
إنّ إعادة الاندِماج الكامِل لتايوان مع الصين أمْرٌ لا مفرّ منه، فاقتصاد الجزيرة يعتمِد فعلاً وبشكلٍ كبيرٍ على الوصول إلى الأسواق الصينية. وتُظهر إحصائية أجرتها جامعة هارفارد حول تعقيدات الوضع الاقتصادي في المنطقة أنّ ما يقْرُب من 50% من صادرات تايوان تذهب إلى الصين. وبالمِثل، تستأثر الصين أيضاً بأكبر قدر من واردات الجزيرة، والعديد منها مُدخلات حاسِمة لتصنيع أشباه الموصّلات والمكونات الإلكترونية في تايوان، والتي تُعدّ الصناعة الرئيسية إلى حدٍّ بعيدٍ.
إنّ التدخُّل المُسْتَمِرّ والواسِع النِطاق من قِبل البيت الأبيض في الشؤون السياسية الداخلية لتايوان هو الذي أدّى إلى تعليقِ إعادة اندماج الجزيرة في الصين. ويُذْكر أنّه قبل وصول الحزب الديمقراطي التقدمي المدعوم من الولايات المتحدة إلى السُلطة عام 2016، كان حزب الكومينتانغ (KMT) على وشك توقيع صفقة تجارية مع الصين من شأنها أنْ تزيد من التكامُلِ الاقتصادي.
وفي نفس وقت الغزو السياسي والاقتصادي لأوكرانيا عام 2014، بدأت أمريكا أيضاً الثورة في تايوان، التي أُطْلِق عليها اسم "حركة عُبّاد الشمس"، وهي الطريقة التي وصل بها التقدميّون في الحزب الديمقراطي التقدمي إلى السُلطة.
وبرأي المحلل السياسي لصحيفة (ناتسيونال) أنّ الحرب الصينية الأمريكية إذا بدأت ستكون آخر مِثالٍ على عدوان عسكري من قبل الولايات المتحدة في سعيها للهيمنة على العالم.

* تايوان على وشك أنْ تصبح أوكرانيا في آسيا:
وفي تقرير تحليلي آخر بالعنوان أعلاه، كتب شيربان ميهاييلا في صحيفة (جورنالول ناتسيونال) الرومانية أنّ الجيش الأمريكي مع حلفائه الآسيويين يقْتَرِب من تايوان، في مُحاولة لاحتِلال موقع استراتيجي تحسُّباً لهجومٍ صيني مُحتمل على الجزيرة الانفصالية التي تحميها إدارة واشنطن. ويزعم منتقدو الولايات المتحدة أنّ الجيش الأمريكي استخدم نفس التكتيك في أوكرانيا.
وليس بعيداً عن الأذهان أنّ الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور استقبل وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في قصر مالاكانانج في مانيلا أوائل فبراير الجاري، على خلفية قرار مشترك لتوسيع الوجود العسكري الأمريكي في الفلبين. وفي بيان للطرفين، اتّفق الجانبان على "الإعلان عن خططهما لتسريع التنفيذ الكامِل لاتفاقية التعاون الدفاعي المعزّز (EDCA) وتعيين أربعة مواقع جديدة مُتّفق عليها في مناطق استراتيجية في الفلبين". وتسمح الاتفاقية التي جرى توقيعها عام 2014 للولايات المتحدة باستِخدام أراضي الفلبين للأنشطة العسكرية الأمريكية. تمّ إبرام الاتفاقية بعد ربع قرن تقريباً من مغادرة القوات الأمريكية قواعدها في الفلبين أثناء انهيار الاتحاد السوفيتي. وفي ذلك الوقت، افترضت الولايات المتحدة أنّها انتصرت ولمْ تعُد بحاجة إلى الهيكل الأساسي الضخم الذي بنته خلال الحرب الباردة.
منذ تسعينيات القرن الماضي، طوّرت الولايات المتحدة نوعاً جديداً من الاستراتيجية العالمية، سواء من خلال دمج جيوش الدول المُتحالِفة من مواقِعِ القوّاتِ التي تعتمِد على السيطرة العسكرية الأمريكية، أو من خلال بناء قواعِدٍ أصغر لزيادة نِطاق العمل بشكلٍ مُسْتَمِرٍ كقوّة جوّية مُتفوِّقة.
وفي السنوات الأخيرة، واجهت الإدارات الامريكية في واشنطن واقِعاً جديداً يتلخّص في أنّ قوّة الولايات المتحدة بدأت تواجه تحديات اقتصادية من قِبل عدّة دول، وخاصة الصين. ولموازنة هذا التحدي، بدأت أمريكا في إعادة بناء هيكل قوّتها العسكرية من خلال حلفائها، باستِخدام المزيد من هذه القواعد الأصغر ولكنها شديدة الخطورة لخُصوم الولايات المتحدة. ومن المُرجّح أنْ تقع ثلاث من القواعِدِ الأربع الجديدة في الفلبين في الجزء الشمالي من الأرخبيل، مِمّا يجعل الجيش الأمريكي قريباً بما يكفي من تايوان لاستخدام أسلحته بشكلٍ فعّال.
وعلى مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، دفعت الولايات المتحدة حلفاءها - بما في ذلك الناتو - لتعزيز قدراتهم العسكرية، مع زيادة قوة ونفوذ الجيش الأمريكي بإنشاء قواعد أصغر حول العالم، وإنتاج طائرات وسفن جديدة قادِرة للوصول إلى أهداف أبعد وأعمق في أراضي الأعداء المحتملين.
ويزعم معارضو ومنتقدو واشنطن أنّ هذه القوّة العسكرية استُخدمت بعد ذلك في سلسلة من "الأعمال الاستفزازية" ضد الدول التي يُنظر إليها على أنّها تمثّل تهديداً للهيمنة الأمريكية. ودولتان رئيسيتان هما الصين وروسيا، دائماً في مرمى تصويب البيت الأبيض.
على طرفي المنطقة المُمْتدّة اليوروآسيوية، كما تقول نفس الأصوات المعادية لأمريكا، بدأت الولايات المتحدة في تحدي روسيا عبر أوكرانيا والصين من تايوان. وفي هذا السيناريو، ستكون القواعد الأمريكية الجديدة في الفلبين جزءً من تصعيد ضُدّ الصين في تايوان كساحة معرِكة، وفقاً لنمطِ التهوّر في تشجيع الحرب المُسْتَمِرّة مُنذ ما يقرب من عامٍ على الجبهة الأوكرانية برغم مئات الآلاف من الضحايا.

* أنفاس ساخِنة وغموض:
في السنوات الأخيرة، أصبحت تايوان نُقطة ساخِنة للتوتّر بين الولايات المتحدة والصين، وقد كان من السهل رؤية خطورة الموقف قبل شهرين عندما اقتربت الطائرات العسكرية الأمريكية والصينية وأصبحت على بعد أمتار من بعضها بعضاً فوق بحر الصين الجنوبي.
تكمن جذور هذا الصِراع المُحْتدم في وجهات النظر المتباينة للقوتين العظميين بشأن سيادة تايوان. الموقف الصيني، والمعروف باسم مبدأ "الصين الواحدة"، ثابت وينصّ على أنّه على الرغم من أنّ البر الرئيسي وتايوان الجزيرة لديهما أنظمة سياسية مختلفة، إلّا أنّهما جزء من نفس الدولة، وتتمتّع بكين بالسيادة عليها.
من ناحية أخرى، إنّ موقف الولايات المتحدة من تايوان أقلّ وضوحاً بكثير. وبالرغم من التبني الرسمي لسياسة "صين واحدة"، فإنّ الولايات المتحدة تحتفِظ بعلاقات واسعة غير رسمية وعلاقات عسكرية قوية مع تايوان. وبالإضافة إلى ذلك، بموجب قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979، يلزم القانون الأمريكي إدارات البيت الأبيض بتزويد الجزيرة المُنْفَصِلة بأسلحة "ذات طبيعة دفاعية". وتبرِّر الولايات المتحدة علاقاتها الدائمة مع تايوان باسمِ الحِفاظ على الديمقراطية في الجزيرة.

* التاريخ المُضطرب:
يُمْكِن فهم الأهمية الجيوسياسية الحالية لتايوان من خلال عدسة مِجْهر تُضع فوق تاريخ الحرب الباردة. قبل الثورة الصينية عام 1949، كانت الصين في خِضمِّ حرب أهلية بين الشيوعيين وحزب الكومينتانغ القومي (KMT)، وهو حزب تلقى مليارات الدولارات من الدعم العسكري والاقتصادي من واشنطن.
أدّت الثورة إلى إنشاء جمهورية الصين الشعبية في البرِّ الرئيسي بينما هربت قوات الكومينتانغ المهزومة إلى جزيرة تايوان، التي كانت قد عادت إلى السيادة الصينية قبل أربع سنوات، أي في عام 1945، بعد 50 عاماً من الحكم الاستعماري الياباني.
من تايبيه، أعلن حزب الكومينتانغ نفسه حكومة شرعية في المنفى لكل الصين تحت اسم جمهورية الصين - التي تأسست في الأصل عام 1912 - وبالتالي رافِضاً شرعية جمهورية الصين الشعبية.
وسرعان ما تبع ذلك الجيش الأمريكي، وأنشأ قيادة الدفاع الأمريكية لتايوان في عام 1955. ونشر الأمريكيون أسلحة نووية في الجزيرة والآلاف من القوات بحلول عام 1979. علاوة على ذلك، دعمت الولايات المتحدة حزب الكومينتانغ الذي أسس دكتاتورية، فاستمرّت الأحكام العرفية 38 سنة بين 1949-1987.
خلال هذه الفترة، المعروفة باسم "الرعب الأبيض"، تقدِّر السلطات التايوانية ما بين 140000 و200000 شخص سُجنوا أو تعرضوا للتعذيب، وما بين 3000 و4000 أعدموا من قبل حزب الكومينتانغ. تسامحت واشنطن مع حملات القمع لأن تايوان مثّلت موطئ قدم مفيد يقع على بعد 160 كيلومتراً فقط من الساحل الجنوبي الشرقي للصين.
وفوق كل ذلك، بين عامي 1949 و1971، ادعت الولايات المتحدة أنّ إدارة جمهورية الصين في تايوان كانت الحكومة الشرعية الوحيدة لكل الصين. ومع ذلك، لم تزعم تايبيه ولا واشنطن طوال هذه السنوات أنّ الجزيرة كانت منفصلة عن الصين، مِمّا يعني أنّهم لمْ يستخدموا بالضبط ما يتمّ الترويج له اليوم لدعم استقلال تايوان.
ومع ذلك، في عام 1971، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بجمهورية الصين الشعبية باعتبارها المُمثِّل الشرعي الوحيد للصين. وفي وقتٍ لاحق من نفسِ العقْدِ، وتحديداً في عام 1979، بعد رحلة الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون إلى بكين، قامت الولايات المتحدة أخيراً بتطبيع العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية، وتبنت سياسة "الصين الواحدة"، وأنهت العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع جمهورية الصين في تايوان.
تلك باختصار اللمحات التاريخية الحقيقية، التي لا تقبل جِدالاً، لما حدِث ويحدُث وسيحدث بين أمريكا والصين حول تايوان.

* تدخل خطر وضار:
في الوقت الحالي، تبنّى المجتمع الدولي بأغلبية ساحِقة سياسة "الصين الواحدة"، حيث اعترفت 13 دولة فقط من بين 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بتايوان. ومع ذلك، لا تزال الجزيرة مصدر توتر ونزاع دولي.
تحتفظ الولايات المتحدة بعلاقات عسكرية وثيقة مع المنطِقة الانفصالية من خلال مبيعات الأسلحة والتدريب العسكري وإرسال المستشارين والأفراد إلى الجزيرة، فضلاً عن النشر الدائم للسفن الحربية الأمريكية عبر مضيق تايوان الذي يفصِل الجزيرة عن البر الرئيسي ويعتبر من جانب الصين جزءً من مياهها الإقليمية.
في عام 2022، تعهدت واشنطن بتقديم 10 مليارات دولار كمساعدات عسكرية لتايوان. وفي غضون ذلك، ظلت وفود من الكونجرس الأمريكي تسافر بانتظام إلى تايبيه، لإضفاء الشرعية - وفقاً لبكين - على "الحالة الانفصالية".
وفي أغسطس 2022، كانت الزيارة المثيرة للجدل التي قامت بها الرئيسة السابقة لمجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايبيه، وقد أثارت غضب الصينيين إلى مستويات غير مسبوقة، مِمّا خلق وضعاً مُتوتِّراً كان من المُمْكِن أنْ يتحوّل إلى صِراعٍ عسكري في أي وقت.
في نوفمبر الماضي، وفي قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا، عقد الرئيس الصيني شي جين بينغ والزعيم الأمريكي جو بايدن أول اجتماع مباشر لهما كرئيسين للدولتين.
خلال القمّة الثنائية، نقل شي جين بينغ بشكل قاطِع موقفه بشأن تايوان إلى جو بايدن، وقال له "إنّ قضية تايوان في صميم المصالح الجوهرية للصين، وهي مرجعية الأساس السياسي للعلاقات الصينية الأمريكية، والخط الأحمر الأوّل الذي يجِب عدم تجاوزه".
وعلى الرغم من أنّ ردِّ بايدن كان الإعلان عن التزام الولايات المتحدة بسياسة "صين واحدة" وأنّ بلاده "لا تبحث عن نزاع"، إلّا أنّ زعيم البيت الأبيض كان قد صرح قبل بضعة أشهر فقط في مقابلة متلفزة بأنّ القوات الأمريكية ستتدخّل عسكرياً من أجل "الدفاع عن تايوان إذا لزم الأمر".
وعليه، وفي هذا السياق، لا مفرّ من القول إنّ القواعد العسكرية الجديدة التي أعلنتها إدارة بايدن في الفلبين، بالقرب من تايوان، تشير إلى أنّ الولايات المتحدة تستعِدّ بالفعل للحرب، وبقواعِد حلفائها تستكمل تطويق الصين.

* بكين أمام الامتحان الصعب:
نَخْتِم ونقول إنّ الصين لنْ تسمح بهزيمة روسيا أو تترُكها تنكسِر في الحرب الدائرة في أوكرانيا. لماذا؟
لا ريب أنّه ستتمخّض عن انتصار الولايات المتحدة وحلفائها حالة جديدة قد تدفع الصين لتودِّع تايوان إلى الأبدِ. وهذا ما لا تقبله بكين بعد صبر السنين الطويلة وانتظار أنْ تصبح قادِرة على استعادة جزيرة تايوان وإرجاعها إلى الوطن الأم وفرض سيادتها عليها.
إذن، إذا انهزمت روسيا في أوكرانيا، لنْ يكون هنالك أيّ داعٍ لتحاوِل الصين، مُجرد المُحاولة، استعادة جزيرة تايوان، بلْ قد ينفتِح الباب لتقنين وشرعنة استقلال تايوان. ولذلك لا تبدو غريبة تصريحات وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن عن عزمِ الصين تسليح روسيا ودعمها في حربها بأوكرانيا وتحذيره بكين من مغبّة ذلك. وقد وجد احتمال مساعدة روسيا الاتحادية بأسلحة صينية مساحات واسعة في الصُحف ووكالات الأنباء العالمية خلال الأيام القليلة الماضية على خلفية زيارة وزير خارجية الصين وانغ يي يوم الأربعاء الماضي موسكو واجتماعه مع نظيره سيرغي لافروف ومع الرئيس فلاديمير بوتين الذي أعلن عن زيارة مرتقبة لنظيره الصيني شي جين بينغ لروسيا، مشيراً إلى أنّ علاقات البلدين وصلت إلى "آفاق جديدة".
تبقى القول وكذلك التساؤل: لقد جرّبت كل الدول الكبرى أسلحتها في هذه الحرب وفي حروب سابقة، بدءً من الولايات المتحدة ومروراً بدول الناتو وروسيا الاتحادية أيضا، إلّا أنّ الصين لمْ تخُضْ حرباً من قبل تجرِّب فيها أسلحتها التي صنعتها. فهل سيبقي سلاحها مُجرّد "حديد خُرْدة" إذا انهزمت روسيا وقُفِل بالتالي الباب أمام الصين لاستعادة تايوان؟
الصين إزاء امتحانٍ صعب، وعلى بكين تمرير رسالة واضِحة لواشنطن وحلفائها في دول الناتو والاتحاد الأوربي بأنّها ستدعم موسكو، بلْ عليها أنْ تكشف الدعم العسكري الذي تقدمه ليُمكِّن روسيا من الصمود ورُبّما الانتصار السريع، وعليها أيضاً في نفس الوقت تقديم خطّة لوقف الحرب في أوكرانيا مع مُبادرة تدفع بها لتحقيق سلام مقبول. مثل هذه الخطوة المزدوجة وحدها هي التي قد تتيح للصين أنْ تُبقي إمكانية استعادة تايوان مفتوحة.
لا ريب أنّه إذا لمْ تتوقّف الحرب في أوكرانيا مع تدخُل صيني قادم بإرسال سلاح لصالح روسيا، فلا مفرّ من أنْ ينْفتِح الباب واسِعاً لحربٍ عالمية ثالثة يدخل معها العالم في المجهول.. فهل في الأفق مُبادرة حكيمة في الساعة الخامسة والعشرين توقف احتمالات الدمار الذي تتجه إليه البشرية؟
العالم في خطر!
بوخارست 22 فبراير 2023

isammahgoub@gmail.com

 

آراء