جهد الجوار تطويق شرور النار

 


 

عمر العمر
15 July, 2023

 

مع التقدير لقمة القاهرة وبيانها الختامي إلا أن الرهان على تفكيكها الأزمة السودانية يذهب على مدرج الرغائب. فأي قراءة متعمّقة في خطابات الرؤساء المشاركين وبيانها يخلص إلى قناعة بأن أولوية تركيز القادة انصب على تطويق تداعيات شرور الأزمة داخل الحدود السودانية. فبينما تطرّق قادة دول الجوار إلى الخطوط العامة لأحداث المصيبة، أسهبوا في تفاصيل تداعيات شرورها على بلادهم. توصيفات القادة للقضية تراوحت من (الأزمة) إلى (الإقتتال) مرورا ب(النزاع ) . وحده محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي نطق مصطلح (الحرب). فالرئيس المصري أسماها( مأزق ) (محنة) و (أزمة ). رئيس الوزراء الإثيوبي ردد أكثر من مرة توصيف (النزاع). الرئيس الإريتري أسياس افورقي وصفها بال(محنة) و(المستنقع). رئيس أفريقيا الوسطى أسماها (الصراع المسلح ) ربما ركن القادة في ذلك إلى تحفظات سياسية أو تبنياً لغة دبلوماسية .
*****.

كل الخطابات كما البيان الختامي تفادت إعلان المواقف المجسمة تجاه الحرب أو الأطراف المتحاربة . ثمة رفض عام للإقتتال السوداني دون بلوغ تحميل طرف مسؤولية إشعال نار الحرب أو ادانته بالنهب والسلب، أو التدمير والتشريد أو استنكار عمليات الاغتصاب و الأشكال المتباينة الأخرى من انتهاك حقوق الانسان. أكثر من ذلك ساوى المؤتمرون بين طرفي الإقتتال ؛الجيش والدعم السريع. من الثابت أ ن مهارة التشخيص تفضي الى نجاعة المعالجة .
*****

القمة إحدى طاولات أندية الأنظمة الإقليمية .هي أندية لاتحفل بمعاناة الشعوب بل يقلقها ما يهدد بقاء الأنظمة ومؤسساتها. المفارقة أنها لم تبلور موقفاً مؤيدا قاطعاً تجاه النظام السوداني رغم تشديد جنرالات الخرطوم على تأطير الأحداث بأنها معركة نظام ضد فصيل عسكري متمرد .كل الأنظمة السياسية تدين كل من يرفع السلاح في وجه أي نظام .لدى قادة دول الجوار قناعات بوجود فراغ سلطة في الخرطوم .ذلك عبر عنه رئيس وزراء إثيوبيا علانيةً في خطابه داخل القمة. هذا الفراغ مصدر قلق لإنطمة الجوار أكثر مما هو مغارة معاناة شعب السودان.لذلك لم تجهد القمة نفسها للبحث عن ممثل أو قناة لسماع صوت أصحاب وجع المصيبة.
*****

جهود القادة تركزت على كبح أمواج الهجرة وتدفق أفواج اللاجئين على أراضيهم . فهم مهمومون بتجنيب شعوبهم تحمل أعباءاً إقتصادية واجتماعية إضافية وربما تحمل الأنظمة ضغوطاأمنية إضافية كذلك. هذا حق مشروع لكل رئيس وطني بل واجب . كل شعوب الجوار مثقلة بما لا طاقة لها على تحمل وطأته من الأثقال تحت أعباء حياتها اليومية .فالتركيز على احتواء اللهب السوداني يصدر عن قناعات حكومية مشتركة بضرورة إبعاد شرور ألسنة ذلك اللهب بعيدا عن أنظمتهم .كلها أنظمة تكابد ضائقات إقتصادية. بعضها مهجوس بوساوس أمنية .هذه وتلك يقلقها استفحال عناصر تهجير السودانيين من بلادهم أو تحويلها فضاءاً جاذبا لعناصر تهدد أمنها الملغّم بالهشاشة.
*****

لكل هذه الرؤى فإن قمة القاهرة ما كان لها أن تركز بالضرورة على معالجة القضية السودانية. بل همها تطويق تداعياتها السلبية داخل الرقعة السودانية هذا الإدراك يتطلب وعيا سودانياً عميقاً حتى لا يغرق الشعب عامة أو نخبه السياسية خاصة في آمال سراب . ذلك همٌ يبقى سودانيا محضا. مالم تتوحد الرؤى الوطنية في عملية التشخيص لن تبلغ الجهود مهمة العلاج. فالسودانيون أنفسهم لايمتلكون رؤية مو حدة تجاه مصيبة التقتيل و التشريد المتواصلة طوال تسعين يوما .
*****

رغم اعتراف قائدي الفريقين المسلحين مبكرا بنشوب (حرب عبثية) ، إلا ان محاولات متباينة جرت بغية تلبيس هذا العبث بالنار أصباغا فكرية.فريقٌ تشبث برؤيته للحرب صراعا عسكريا أو لعله صراع بين قائدي الجيش والجنجويد.فريقٌ يبررها بصراع بين قوى الثورة وفلول نظام الانقاذ.بعضٌ ألبسها ثوباً ثأريا من قبل المهمشين تجاه النخبة النيلية المتنعمة بخيرات الوطن وامتيازات السلطة .كبار الجنرالات يصرون على تأطيرها ضمن مفهوم تمرد فصيل مسلح على الجيش والنظام.في المقابل يحاول بعضٌ الخروج بالصدام من الثكنة العسكرية الى الأفق السياسي باعتباره معركة بين أنصار الديمقراطية وأعدائها.
*****

في متون أحداث السودان ما يكفي لتسميتها بحرب أهلية .فهي ليست أزمة اذ من سمات الأزمة أنها حدث عابر .فاذا رأيناها صراعا مسلحا بين الجيش وفصيل مسلح يكفي لتوصيفها بحرب أهلية .وإذ هي تفجرت في سياق تفاعلات الشعور بالظلم بغض النظر عن مدى صدقية ذلك الشعور أو تضخيمه أو التذرع به. فهي تندرج ضمن مفهوم الحرب الأهلية .الباحث الاميركي جيمس فيرون يعرّف الحرب الأهلية بأنها (صراع مسلح داخل بلد تخوضه مجموعات مسلحة بهدف الاستيلاء على السلطة أو تغيير سياسات الحكومة).بعضٌ من علماء السياسة يصنفون الحرب الأهلية عند وقوع أكثر من ألف قتيل.علماء القانون الدولي يدركون إغفال إتفاقيات جنيف تعريف الحرب الأهلية كمصطلح قائم بذاته.
*****

هكذا يتبدى الرهان على أي مبادرة من هذا الطراز لاخماد نار الإحتراب السوداني ضرب من الرجاء والرغائب . الحديث عن تصنيع آلية إقليمية لابتداع أفكار من شأنها وقف إطلاق النار أو جمع أطراف الإقتتال إلى طاولة حوار ليس أكثر من التمني السياسي. التاريخ يحدثنا بفصاحة وشواهد متواترة ان من شأن مثل تلك الآلية إطالة أمد الكارثة .لعل أطراف (الحرب العبثية )بلغت بعد ثلاثة شهور من الإنهاك المتبادل مرحلة من توازن الضعف على نحو يدفعهما لاتخاذ قمة الجوار طوق نجاة من (المستنقع ) النتن. الأفضل من التعويل على الآليات الخارجية إعادة البناء بأيد محلية. في ذلك فرصة للتطهر من الجرائم ضد الشعب في الرهان على ضرب من التدويل وكل تدويل ينطوي على مأرب ذاتية.الحكمة الصينية تقول (لا تظهر ذراعك المكسورة لخصومك).

aloomar@gmail.com

 

آراء