في الذكرى 67 للاستقلال – الثورة وفروض التغيير (8) مُعضِلة الإطاري ودعوة عاجلة لتحكيم العقل

 


 

 

"الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يتعلّم من أخطاء غَيْره!"
قولٌ مأثور

11 مارس 2023م

ما عُرف ب (الإتفاق الإطاري) الذي أُبرم في 5 ديسمبر 2022م بين قوى الحريّة والتغيير المركزي وإنقلابي 25 أكتوبر 2021 قلنا فيه رأينا واضحا، في وقته، ً في مقالنا بذات العنوان، راجع الحلقة (3))؛ ولا مزيد على ما جاء عنه هناك. فمنذ خروجه للعلن في بداية ديسمبر 2022 والوعد بإكماله في اتفاق نهائي في حوالي أربعة أسابيع، أي ببداية يناير 2023، لم تَرَ الساحة السياسية سيراً حثيثاً جاداً نحو إكماله وتحويله الى وثيقة عمل يتم بموجبها تكوين الحكومة المدنية المزعومة. وها نحن ندخل الشهر الرابع. بل رأينا التراشق والإتهامات الإيحائية بين قادة الجيش السوداني والدعم السريع. ورأينا التدخل السافر في العملية السياسية من دول الجوار التي حجّ إليها وزراء وسياديون وحكام أقاليم وقادة كبار ليملى عليهم ما ينبغي أن يفعلوه. باختصار رأينا (سوء النيّة) في مكان حسن النيّة المطلوب كشرط أساس لإنجاح أي اتفاق؛ ورأينا (الكذب) في مكان الصدق الذي بدونه يصبح أي إتفاق مجرد خديعة كبرى واستهبال.

الجيش السوداني الحالي، بقيادته الحالية من أعضاء اللجنة الأمنية، من مخلفات الإنقاذ العسكرية وكذلك الدعم السريع والحركات وجيوشها. وهذه معلومة بالضرورة. إذن لا خلاف، إطلاقاً، على ضرورة دمج مخلفات الإنقاذ العسكرية كلها (جيش ودعم سريع وحركات مسلحة) في جيش سوداني واحد، ذو عقيدة وطنية واحدة؛ وأن يتم تدريب هذا الجيش تدريباً مهنياً كما ينبغي بعد إزالة ما لحق به من تمكين ضار، عبر السنين، وتَحزُب واضح لا يتماشى وطبيعة العمل العسكري. وهذه عملية فنية لها قواعد عالمية معروفة وتُشرف عليها الأمم المتحدة؛ تشمل جمع السلاح وتسريح القوات ودمجها في ما يعرف اختصاراً بعملية "دي.دي.آر" ((DDR. وقد جاء أن (دمج القوات) منصوصٌ عليه في الاتفاق الإطاري ببرنامج زمني يحدد لاحقاً. وهنا يكمن الخطأ المنهجي الفادح في الاتفاق الإطاري، فيما نرى. فالدمج لابد له أن يحدث فوراً ويستكمل، رُبما، في خلال المرحلة الانتقالية. ساعتها سترسل المؤسسة العسكرية رسالة واضحة للجميع في أنها تعني ما تقول ولا تساوم في أمر هام كهذا يمس الأمن القومي للبلد كلها ويعرِّضها لمخاطر التدخل الإجنبي من المتربضين بنا في الشمال والشرق. هذا من جانب. ومن الجانب الآخر فالذين ينادون بدمج الدعم السريع في الجيش الآن وفورا، خلافا لما ورد في الاتفاق الإطاري (على علاته) يتفادون الحديث عن ضرورة (إزالة التمكين) أوّلاً في الجيش السوداني الحالي ليصبح جيشاً وطنياً بحق. فالمعارضون يرون، محقِّين ربما، أنّ هذا الجيش الذي بين ظهرانينا الآن هو جيش (الجبهة الإسلامية) ولا يمثل السودان في شئ. وهنا تكمن المعضلة والتي لابد أن تُفهم بدقة وتُعالج بطريقة ناجعة قبل وقوع ما يخشاه الجميع.

القادة العسكريون الآن (من الجانبين) يملأون الساحة ضجيجاً في أمر سياسي بحت لا ينبغي لهم التدخل فيه، إطلاقاً، خاصة في مرحلة حرجة من العملية السياسية كالتي نحن فيها الآن. ثمّ إذا كان هناك خلاف، والخلاف ليس بدعة في أمرٍ سياسي، بل هو من طبيعته، فما هو لزوم جرجرة الأمر والدخول في اتفاق إطاري كسيح لا ينوي من دخلوه سوى المماطلة وشراء الوقت.

لقد بلغ السَّيل الزُبي؛ وأصبحت تهديدات كبار قادة الجيش والدعم السريع المستترة والمخفية في استعارات هنا وهناك علناً وعلى عينك يا تاجر. كما بدأ الاستقطاب الشعبوي الجهوي القبلي في التزايد من الجهتين بوتيرة متسارعة لا تنبئ بخير. في أجواء كهذه يخفت صوت العقل، رويداً رويدأً. وهنا مكمن الخطر على الأمن القومي السوداني والسلم المجتمعي. هذه الأجواء تعطي الإشارة الخضراء للطامعين في غزو أراضينا في التحرك والتغول عليها كما فعلوا في حلايب في الشمال والفشقة في الشرق. فلابد من وقفة صارمة من عقلاء الأمة السودانية في الداخل والخارج ومن المثقفين وكُتّاب الرأي وقدامى المعاشيين من الجيش والخدمة المدنية، ومن الأحزاب السياسية بغض النظر عن موقفها من الأمر بل وكل قطاعات المجتمع الناشطة قبل فوات الأوان. فلا منجد في ظرف كهذا سوى العقل وتحكيمه. وقديما قالوا: " البَخِيت يَشوف في غِيره والشقي يشوف في رُوحه"!




(*) مهندس (CEng FICE) وكاتب في الشأن السوداني
Kind regards

b.b.dawelbait@gmail.com

 

آراء