في رثاء احمد ابراهيم دريج، رحمة الله عليه

 


 

 

 

دعاني دريج مساء الجمعة ٢١ مارس ٢٠٠٤ لتناول العشاء معه في داره في حي Swiss Cottage بلندن (هو اللاجئ واحد زعماء المعارضة وشخصي السفير ممثل الحكومة) تحدثنا طويلا عن الحرب في دارفور وتبرأ صديقي دريج من دعاة انفصال دارفور ومن لغة التحرير وحق تقرير المصير . وقال انه بحكم تربيته وتعليمه في معهد بخت الرضا وثانوية حنتوب ومعايشته لمجتمع وسط السودان يري نفسه شخصية قومية لا جهوية ، فقلت له مداعبا وممازحا ، مزاح الصديق مع صديقه ، وباعتباره اول من أسس تنظيما سياسيا نادي بالعدل والانصاف لأهل دار فور __جبهة نهضة دار فور ، قلت له: يا احمد مثل ما وراء كل عظيم امرأة فوراء كل "متمرد" دارفوري دريج ... ضحكت وضحك مقهقها !

شدتني لدريج علاقات صداقة قديمة تعود الي مطلع الثمانينات عندما ولاه الرئيس نميري رحمه الله حاكما علي دار فور الكبري فاستقبله اَهلها واهله بفرحة وحفاوة وتفاؤل واستقبلوه بالتايد والمناصرة . ثم تجددت تلك العلاقة في لندن حيث ظل مقيما بها لسنوات طويلة .
جلست ال جواره ذات يوم عام ٢٠٠٤ - وحرب وازمة دار فور في أوج تفاعلاتها - اثناء جلسة استماع بمجلس العموم البريطاني نظمتها لجنة شؤون السودان بالمجلس برئاسة النائب العمالي هيلتون دوسون. استمعنا لتقرير عن مجريات وتداعيات الحرب في دارفور احتشد باتهامات التطهير العرقي و الاغتصاب الجماعي ، والقصف الجوي واحراق القري ...الخ . لم يتمالك درج نفسه عندما اتيحت له فرصة الحديث والتعليق عَلِي التقرير فانتحب وبكي بصوت متهدج مسموع وسالت دموعه فسادت القاعة لحظات صمت حزين عميق فوجدتني امد ساعدي الأيمن الي كتف صديقي دريج أواسيه وأخفف عليه من وقع اتهامات الحرق والاغتصاب الجماعي لاهله وعشيرته فقلت له : " عيب يا احمد ...عيب يا احمد البكا ، استغفر ..استغفر " وانا أربت علي كتفه . كانت دموع دريج دموع صدق ابكاه ما سمع عن ما لحق بأهل دارفور من انتهاكات مريعة ، لم تكن دموعه دموع استجداء يستدر بها عطف الحاضرين إنما كان يحزن وياسي علي حال الأهل والعشيرة الذين عرفوه وعرفهم شرفاء اعزاء منذ ان كان طفلا وشابا ووزيرا ثم واليا حاكما وسياسا معارضا.......
(منقول من مذكراتي بعنوان : حياة في السياسة والدبلوماسية ، ٢٠١٣ )
نسال الله الكريم المنان ان يمن علي احمد دريج بالرحمة والمغفرة، ويتقبله مع الصديقين والشهداء في جنات الخلد ، جزاء علي ما قدم لوطنه وامته .
انا لله وانا اليه راجعون .
د حسن عابدين ( سفير سابق )


hasabdin1939@gmail.com

 

آراء