قوات الدعم السريع: قراءة في الإطار السياسي والقانوني (2/4)

 


 

 

1
تطرّقنا في المقال السابق في هذه السلسلة من المقالات إلى الملابسات السياسية والعسكرية التي نشأت من خلالها قوات الدعم السريع، والخلفية لإصدار قانون قوات الدعم السريع لعام 2017. وناقشنا بصورةٍ موجزة مواد القانون المختلفة وشرحنا الكيفية التي أكّد القانون من خلالها استقلالية هذه القوات، وبروزها كقوةٍ موازيةٍ للقوات المسلحة السودانية. وكانت خاتمة ذلك المقال أن قوات الدعم السريع قد خرجت، في حقيقة الأمر، من رحم الحركة الإسلامية الحاكمة وقتها، ورضعت من ثديها، ونمت واستطالت في حضنها.
سوف نتعرّض في هذا المقال إلى التعديل الأول الذي تم إصداره بواسطة الفريق البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي، عام 2019. وسوف نوضح كيف منح هذا التعديل قوات الدعم السريع وقائدها مزيداً من الصلاحيات والاستقلالية والتمدّد العسكري والاقتصادي.

2
بعد أقل من عامين من إجازة قانون قوات الدعم السريع في فبراير عام 2017، اندلعت وتواصلت في معظم مدن السودان ثورة ديسمبر 2018 السلمية المجيدة مطالبةً بزوال حكم الإسلاميين العسكري، وبقيام الدولة المدنية الديمقراطية، المرتكزة على مبادئ الحرية والسلام والعدالة.
وبعد قرابة خمسة أشهرٍ من اندلاع الثورة السلمية وقع انقلابٌ عسكري أطاح بالرئيس البشير وحكومته الإسلامية في 11 أبريل عام 2019. تشكّل إثر ذلك ما تمت تسميته "المجلس العسكري الانتقالي" برئاسة الفريق عوض ابنعوف وزير الدفاع في حكومة البشير. غير أن هذا التعيين قُوبِل برفضٍ قاطعٍ من الثوار، فتم إلغاؤه وتعيين الفريق عبد الفتاح البرهان رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي مكانه. تم رفض هذا القرار أيضا وتواصلت الاحتجاجات والاعتصام، لكن المجلس العسكري، برئاسة الفريق البرهان، فرض نفسه بقوة السلاح.

3
كان جُلّ أعضاء المجلس العسكري الجديد من الذين التحقوا بالقوات المسلحة وتمت ترقيتهم ليصلوا إلى تلك المناصب القيادية بعد انقلاب الإسلاميين في 30 يونيو عام 1989. وقد عُرِف هؤلاء الضباط، بمن فيهم البرهان، بولائهم للبشير وحكومته وللحركة الإسلامية الحاكمة، وإلّا لما كانوا قد وصلوا إلى هذه المناصب الرفيعة، وبقوا فيها رغم الفصل الذي طال آلاف العسكريين الوطنيين الذين كان هناك شكٌ في ولائهم للنظام الانقلابي.
لهذه الأسباب فقد تواصل الرفض للحكم العسكري الجديد ومجلسه بسبب القناعة التامة أن مجموعة العسكر الجدد هم الفصل الثاني من عسكر الحركة الإسلامية التي حكمت البلاد منذ 30 يونيو عام 1989.
قام شباب الثورة باعتصامٍ سلميٍ ضخم في ميدان رئاسة القوات المسلحة كتعبيرٍ صارخٍ لرفضهم لانقلاب البرهان. نتج عن ذلك الاعتصام قيام دولة تكافلٍ داخل ميدان الاعتصام توفّر كل متطلبات الحياة من أكلٍ وشربٍ وتعليمٍ وصحة ووسائل إعلام مسموعةٍ ومرئية، ويتم اتخاذ القرارات فيها بصورةٍ ديمقراطية شفّافة، تحكمها قوانينٌ غير مكتوبة ولكنها معروفةٌ لكل شباب الاعتصام. وتم ميلاد "دولة الاعتصام" - أول دولةٍ اشتراكيةٍ ديمقراطيةٍ في العالم العربي والإسلامي.
أصبحت تلك الدولة التي صارت عاصمة الثورة السودانية السلمية على الحكم العسكري الجديد، مصدر تحدٍّ وانزعاجٍ وحرجٍ للمجلس العسكري الانتقالي، وللحركة الإسلامية السودانية والعالمية، ولدول الجوار.

4
كما ذكرنا أعلاه فقد كان أعضاء المجلس العسكري النتقالي من قيادات القوات المسلحة. الاستثناء الوحيد لعضوية تلك التشكيلة هو الفريق محمد حمدان دلقو - حميدتي.
وكان حميدتي قد تمت ترقيته إلى رتبة عميد عند قيام قوات الدعم السريع عام 2013، ثم لواء عام 2017 إثر إجازة قانون قوات الدعم السريع عام 2017، ووصل إلى رتبة فريق عام 2019، بعد تشكيل المجلس العسكري الانتقالي الذي كان البرهان رئيسه.
وبالتوازي فقد تضاعف عدد أفراد قوات الدعم السريع من حوالي 30 ألف مقاتل عام 2013 حين تم إنشاؤها، إلى أكثر من 50 ألف عند تقنين قوات الدعم السريع عام 2017، ثم إلى حوالي 70 ألف عند تشكيل المجلس العسكري الانتقالي في عام 2019. لذلك لم يكن مستغربأ أن وأصبح الفريق حميدتي نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي، ليعكس ذلك التعيين القوة العسكرية والاقتصادية التي فرض من خلالها حميدتي نفسه وقواته على الساحة السياسية السودانية.
وقد وصل جلّ قوات الدعم السريع من دارفور واستقرّت في الخرطوم. أصبح هناك جيشان ليس فقط في السودان، وإنما في عاصمة السودان – الخرطوم. كان ذلك الوضع نذيراً بكارثةٍ ستقع في السودان، طال الزمن أم قصر. فليس هناك دولةٌ في تاريخ العالم الحديث بها جيشان، ويقيمان في عاصمة تلك الدولة

5
لكن العلاقة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ظلت حتى ذلك الوقت علاقة تحالفٍ وتنسيقٍ ضد القوى المدنية التي كانت تقود الثورة والاعتصام. فقد ذكر الفريق البرهان في أكثر من مناسبة تلك الأيام أن العلاقة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وبينه وبين الفريق حميدتي، علاقةٌ وطيدةٌ ولن تستطيع أية جهة النيل منها.
ولترجمة ذلك التحالف على أرض الواقع فقد قام هذان الجيشان بفضّ اعتصام القيادة السلمي بصورةٍ وحشيةٍ وهمجيةٍ وقاسية. ورشحت تقارير عن مشاركة مليشيات الحركة الإسلامية، مع الجيشين، في فض الاعتصام.
حدثت تلك الجريمة البشعة في فجر الأثنين الثالث من يونيو عام 2019، الموافق 29 من رمضان، أي قبل يومٍ واحدٍ من عيد الفطر المبارك. وتشير بعض التقارير إلى أن قتلى فض الاعتصام قد تجاوز 500 شهيد، بينما رفعت تقارير أخرى عدد الشهداء إلى رقمٍ أكبر من ذلك بكثير. وجُرِح الآلاف وتم اختطاف المئات والذين ما يزال مصير عددٍ منهم مجهولاً. وطفحت جثث بعض الشهداء في نهر النيل وصعب التعرّف على هويتهم. وتم اغتصاب العشرات من الشابات والشباب. كانت تلك جريمةً بشعة هزت الضمير الإقليمي والعالمي فسارعا إلى إدانتها بأوضح العبارات وطالبا في التحقيق بمن قاموا بها ومحاسبتهم. وقد تكونت لاحقاً لجنة تحقيق في "حادثة فض الاعتصام" لكنها لم تصدر أي تقرير حتى يوم نشر هذا المقال.

6
ظل قانون قوات الدعم السريع لعام 2017 نافذاً كما هو في بداية وخلال ثورة ديسمبر 2018 المجيدة. وكما ذكرنا أعلاه فقد تم نقل جلّ تلك القوات إلى الخرطوم، وتمت ترقية حميدتي إلى رتبة فريق، وصار نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي. وكان واضحاً ان هذه التطورات الكبيرة المتلاحقة سوف ينتج عنها مزيدٌ من التمدّد والاستقلالية لقوات الدعم السريع. وهذا بالضبط ما حدث، بل وحدث بسرعةٍ بالغة.
ففي شهر يوليو عام 2019، وبعد حوالي الشهر من جريمة فض الاعتصام، وقبل حوالي الشهر من صدور الوثيقة الدستورية في 20 أغسطس عام 2019 (كما سنناقش لاحقاً)، صدر التعديل الأول لقانون قوات الدعم السريع. وقد صدر ذلك التعديل من المجلس العسكري الانتقالي الذي الذي أعطى أعضاؤه أنفسَهم، دون شرعيةٍ دستورية، الحقَّ في إصدار وتعديل القوانين. ظل أعضاء المجلس يواصلون تلك الصلاحيات منذ انقلاب 11 أبريل وحتى صدور الوثيقة الدستورية في 20 أغسطس عام 2019، كما سنوضح لاحقاً.
صدر هذا التعديل في 11 يوليو عام 2019، ووقّع عليه الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن، رئيس المجلس العسكري الانتقالي.
أوضحت الديباجة أن التعديل قد صدر استناداً على أحكام المرسوم الدستوري رقم 3 لسنة 2019، وعلى أحكام المادة 2 (هاء) من المرسوم الدستوري رقم 8 لسنة 2019. وقد كان ما تمت تسميته "مرسوم دستوري" هو الأوامر العسكرية التي أصدرها المجلس العسكري الانتقالي، وتم اعتبار كلٍ منها أمراً دستوراً وقانوناً، دون توضيح المرجعية الدستورية التي أعطت المجلس العسكري ورئيسه الشرعية والصلاحيات لإصدار تلك المراسم الدستورية.
وقد تمت تسمية التعديل الأول لقانون قوات الدعم السريع "مرسوم دستوري رقم 32 لسنة 2019" ودخل حيز النفاذ في نفس يوم التوقيع عليه بواسطة الفريق عبد الفتاح البرهان (11 يوليو عام 2019). وكان الفريق البرهان قد أصبح فريق أول ركن بذاك الوقت.

7
كان أول ما قام به ذلك التعديل هو نقل صلاحيات القائد الأعلى لقوات الدعم السريع والمضمّنة في قانون قوات الدعم السريع لعام 2017 إلى القائد العام للقوات المسلحة المُعرّف في المادة 3 من قانون القوات المسلحة لسنة 2007، تعديل 2019.
من الواضح أن ذلك التعديل كان عملاً استباقياً محكم التنظيم تم باتفاقٍ بين حميدتي والبرهان لتفادي نقل صلاحيات القائد الأعلى لقوات الدعم السريع – عمر البشير – إلى من يخلف البشير رئيساً للجمهورية أو رئيساً للوزراء، والذي سيكون مدنياً تختاره قوى الحرية والتغيير التي كانت تقود الثورة ضد الانقلاب الجديد. ولتفادي حدوث ذلك فقد تم نقل صلاحيات القائد الأعلى لقوات الدعم السريع (البشير) إلى القائد العام للقوات المسلحة (البرهان).
كما قضى التعديل بأن أية إشارة في قانون الدعم السريع إلى رئيس الجمهورية يكون للقائد العام للقوات المسلحة.
ورغم أن هذا التعديل وضع قوات الدعم السريع إلى حدٍ كبير تحت إمرة القوات المسلحة، إلا أنني اعتقد أن قيادة قوات الدعم السريع قد قررت القبول به لأنه أخف الضررين. فقائدٌ أعلى لقوات الدعم السريع من القوات المسلحة أخف وقعاً على قوات وقيادات الدعم السريع من قائدٍ أعلى من قوى الحرية والتغيير المدنية. وكما ذكرنا أعلاه فقد نشأ تحالفٌ بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. وكانت هناك الكثير من القضايا التي تجمع القوتين والتي تحتاج إلى التعاون والتنسيق – اتهامات جرائم الحرب في دارفور وجريمة فض الاعتصام والتحقيقات حول المسئولية عنهما.

8
تمّت من خلال هذا التعديل إضافة عددٍ من المهام إلى قوات الدعم السريع، وتوسّعت مهام وصلاحيات هذه القوات إلى أكثر من ضعف المهام المضمّنة في المادة 7 من قانون قوات الدعم السريع لعام 2017. وشملت المهام التي تمت إضافتها إلى قوات الدعم السريع بموجب هذا التعديل الآتي:
أولاً: مكافحة الإرهاب:
قد يبدو غريباً إضافة مكافحة الإرهاب إلى صلاحية قواتٍ تم اتهامها من المجتمع الدولي بارتكاب جرائم حرب وجرئم ضد الإنسانية في حرب دارفور وفي فض الاعتصام. لكن في تقديري أن هذا هو السبب نفسه للإضافة حتى تستطيع قيادة تلك القوات أن تجادل (إن احتاجت لذلك) أن ما قامت وتقوم به من عنفٍ هو مكافحة الإرهاب، وعليه فليست هناك مسئولية جنائية على أفعالها تلك بمقتضى المادة 22 من قانون قوات الدعم السريع (التي ناقشناها باستفاضة في المقال السابق).
ثانياً: مكافحة الإتجار بالبشر بكافة صوره،
ثالثاً: مكافحة الهجرة غير الشرعية:
ويبدو أن الغرض من هاتين الإضافتين هو توسيع مهام قوات الدعم السريع لتشمل تعاقداتها مع الاتحاد الأوروبي لوقف الهجرة إلى أوروبا عن طريق شمال دارفور ثم ليبيا ثم البحر الأبيض المتوسط. وقد تم تداول تقارير عن استلام الدعم السريع مئات الملايين من الدولارات (أو اليورو)، والمعدات مقابل القيام بتلك المهمة. وقد نتج عن تلك المهمة التعاون بين قوات الدعم السريع وقوات الجنرال حفتر في ليبيا، والذي بلغ ذروته إبان حرب أبريل 2023 في السودان.
رابعاً: مكافحة التهريب
خامساً: مكافحة المخدرات.
سادساً: مكافحة تهريب وتجارة السلاح غير المشروعة والحد من انتشاره:
الغرض من هذه التعديلات في رأيي هو توسيع دائرة المهام لقوات الدعم السريع لكي تجادل أن ما واجهته وتعاملت معه في حرب دارفور هو جزءٌ من مسئولياتها ومهامها القانونية بمقتضى هذه المادة، ولتمكينها من القيام بتلك المهام مستقبلاً إن اقتضت الضرورة.

9
من الواضح أن إضافة هذه المهام قد وسّع من الدور المحلي لقوات الدعم السريع بصورةٍ كبيرة، كما بارك وقنن وقوّى هذا التعديل الدور الإقليمي لهذه القوات.
وقد شمل هذا الدور علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، والتي نتج عنها تحالفٌ مع الجنرال حفتر، وعائدٌ مادي إلى قوات الدعم السريع كما ناقشنا أعلاه. وشمل أيضاً مشاركة قوات الدعم السريع في حرب اليمن مناصرةً للملكة العربية السعودية ودولة الأمارات ضد الحوثيين المدعومين بواسطة دولة إيران، أيضاً مقابل عائدٍ ماديٍ كبير.

10
وقام التعديل أيضاً بإلغاء الفقرة المتعلقة بصلاحيات مجلس قوات الدعم السريع في المادة 9 (ب) والخاصة بإصدار وإجازة اللوائح الإدارية والمالية، والاستعاضة عنها بفقرة تعطي هذه السلطات لقائد قوات الدعم السريع. وتقرأ الفقرة الجديدة "أصدار وإجازة اللوائح المنظمة لأعمال المجلس." وهذا التعديل قد أكد الصلاحيات المتزايدة للفريق حميدتي قائد قوات الدعم السريع، في إدارة كل شئون هذه القوات بدلاً من المجلس.
و قام التعديل أيضاً بإلغاء صدر المادة 25 والتي يقوم بموجبها قائد قوات الدعم السريع بإعداد اللوائح والأوامر المستديمة ورفعها للمجلس لإجازتها. وبمقتضى هذا التعديل فقد تمت إحالة هذه المسألة إلى "الدوائر المختصة بقوات الدعم السريع ... وتتم إجازتها بواسطة القائد (حميدتي) بما يحقق مصلحة الأفراد." وتم إلغاء المسائل المدرجة في المادة 25 واستبدالها بالمسائل الآتية:
تنظيم هيكل القوات، شروط تعيين وخدمة الأفراد، إجراءات محاكم الميدان الصغرى والكبرى، أسس الترقيات والتنقلات والإجازات، أنواع المهام والملبوسات والأدوات، أسس الندب والإعارة داخلياً وخارجياً، أسس ضبط مشاركة القوات في المهام الدولية والإقليمية، التدريب والتأهيل، الضوابط المالية التي تنظم العلاوات والبدلات والمخصصات المالية وتنظم الصرف المالي للقوات، بالإضافة إلى أية مسائل أخرى يراها القائد ضروريةً ولازمة لتحسين أداء القوات. ولا بد من التوقّف مرةً أخى في الفقرة الخاصة بـ "أسس الندب والإعارة داخلياً وخارجيا" التي أكدت تقنين دور قوات الدعم السريع في اليمن.
وهكذا توسّعت وتمدّدت صلاحيات الفريق حميدتي، بمقتضى هذه الفقرة من التعديل، داخلياً وخارجياً. وتوسّع التعديل مرةً أخرى في صلاحيات القائد حميدتي فمنحه سلطة إنشاء محاكم الميدان الصغرى والكبرى والمحكمة العسكرية الإيجازية. وتمت إضافة مادة جديدة – المادة 26 – لقانون قوات الدعم السريع لتتضمن هذه الصلاحيات الجديدة.

11
من الواضح أن القصد من وراء هذه الإضافات المتعددة التي تضمنها التعديل الأول لقانون قوات الدعم السريع هو توسيع صلاحيات قوات الدعم السريع وقائدها، ومنحه كافة الصلاحيات في إدارة قوات الدعم السريع رغم النص باستبدال القائد الأعلى بالقائد العام. ومن الواضح أيضاً أنه لم يكن هناك، في حقيقة الأمر، مجال للقائد العام في إدارة أيٍ من شئون قوات الدعم السريع، وأن إدارة تلك الشئون بتفاصيلها هي من اختصاص ومسئولية القائد (حميدتي) الحصرية.
ويبدو أن هذه التعديلات كانت مكافأةً لحميدتي على تحالفه الجديد مع القوات المسلحة ومشاركته في انقلاب 11 أبريل عام 2019 وعضوية المجلس العسكري الانتقالي، وفي فض الاعتصام. لا بد من الإضافة أيضاً أن ذلك التمدد لقوات الدعم السريع وقائدها حميدتي قد فرضته الحقائق الجدد لتلك القوات وقائدها على الساحة العسكرية والسياسية.
وهكذا قام التعديل الأول بمنح قوات الدعم السريع وقائدها مزيداً من الاستقلال في إدارة شئونها. وتمددت مهام قوات الدعم السريع بمقتضى هذا التعديل لتشمل، كما ذكرنا أعلاه، مهام إقليمية مثل التعاقد مع الاتحاد الأوروبي والمشاركة في حرب اليمن.

12
وامتد نشاط قوات الدعم السريع الاقتصادي إلى التنقيب عن الذهب في دارفور، وخاصةً في جبل عامر والذي فرضت القوات نفسها فيه بقوة السلاح، وأبعدت الآخرين. وقد وقفت حكومة الخرطوم بجانب حميدتي ومنحته الحق الحصري في التنقيب عن الذهب في جبل عامر. ثم تم تقنين هذه العلاقة بإنشاء حميدتي لعدة شركات منها الجنيد والفاخر، ووقعت وزارة المالية عدة عقود مع هذه الشركات.
وتزايد إنتاج الذهب وامتدت علاقات الدعم السريع الاقتصادية لتصل إلى دولة الأمارات العربية وروسيا. وبرزت شركة فاغنر الروسية كشريكٍ وحليفٍ قويٍ لقوات الدعم السريع في التنقيب عن الذهب وفي تدريب وتأهيل قوات الدعم السريع. وصارت علاقة فاغنر بحميدتي نقطة الانطلاق لفاغنر في الدول الأفريقية المجاورة لدارفور.
ثم جاءت زيارة حميدتي إلى روسيا بعد فترةٍ قصيرة من غزو روسيا لدولة أوكرانيا، مؤكدةً العلاقات الوطيدة مع روسيا ومع فاغنر. وقد شملت تلك العلاقات بيع الذهب لروسيا، ومدّ روسيا بالأسلحة المتقدمة لقوات الدعم السريع. وقد ساعد إرسال الذهب روسيا في الالتفاف على المقاطعة الاقتصادية من الدول الغربية. كما أكدت الزيارة أيضاً قوة التحالف الجديد، والدور المتزايد للفريق حميدتي كرجل دولة، وكقائد عسكري لقواتٍ تنافس القوات المسلحة السودانية في العدد والعتاد والتأثير. ولم يهتم الفريق حميدتي لانتقادات الدول الغربية لزيارته لروسيا ولقائه الرئيس بوتين، ولا لانتقاد هذه الدول للعلاقات التجارية المتزايدة مع روسيا.

13
بقيت مسألة واحدة مثّلت الكثير من القلق والتوجّس لقيادات الدعم السريع وقائدها حميدتي، وهي مسألة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية. وقد ظلت المادة الخامسة من قانون قوات الدعم السريع لعام 2017 التي تتناول مسألة الدمج (والتي ناقشناها في المقال السابق) تلوح برأسها عالياً بين الفينة والأخرى.
غير أن الفريق البرهان لم يخيب ظن حليفه وصديقه الفريق حميدتي. فقد تم إلغاء هذه المسألة في التعديل الثاني لقانون قوات الدعم السريع، كما سنناقش في المقال الثالث من هذه السلسلة من المقالات. وسوف يتناول المقال الثالث أيضاً عرضاً للمواد الخاصة بقوات الدعم السريع في الوثيقة الدستورية.

Salmanmasalman@gmail.com
www.salmanmasalman.org

 

آراء