لا امام سوي العقل (٩-٩)

 


 

أبوبكر القاضي
22 November, 2023

 

كيف نبني دولة الوطن والمواطنة علي انقاض الدولة الاسلاموية الداعشية في السودان ؟ الوطن السوداني يسع جميع سكانه بتنوعهم الجميل ولدينا الشجاعة الكافية للاعتراف والمكاشفةوالاعتذار والتعايش السلمي الاهلي في وطن كبير يسع الجميع لانالناس علي شاكلة وطنهم وبيئتهم !!
في هذا الفصل التاسع من كتابنا (لا امام سوي العقل (٩-٩) سوف نتناول مسالة الوطن والمواطنة المتساوية في الدولة الحديثة.. في مقابل دولة العقيدة واخوة الإسلام بدون حدود من المغرب حتى جاكارتا.. ثم نعرج على ملف السلم الاهلي والتعايش بين مكوناتالوطن الكبير.. وتاكيد ان لدينا الشجاعة للاعتراف والمصارحة والاعتذار.. وسوف نفند حجج المهزومين عسكريًا ونفسيًا من ابناءالجلابة الشماليين الذين بداوا يهلوسون بالاندماج في الدولة المصرية لتوفر لهم الحماية من حكم الغرابة.. ثم نتناول مسألة تفكيكمشروع الاخوان الارهابي الداعشي من خلال الغاء القانون الجنائي ١٩٩١ وما تبقي من قوانين سبتمر ١٩٨٣ .. وذلك تحت رؤوسالمواضيع التالية:

++ دولة (الوطن والمواطنة المتساوية) .. في مقابل (دولة العقيدة الاسلامية.. دولة الخلافة.. التي لا تؤمن بالحدود والسدود.. منالمغرب حتي جاكارتا.. القائمة على اخوة الاسلام وليس على رابطة الوطن):

++ في تأكيد هزيمة الإسلام السياسي الراديكالي ..
++ بعد تجربة عبد الناصر في اليمن مصر ليست راغبة ابدا في السقوط في مستنقع السودان والدخول في حروبات ضد شعوبالهامش السوداني نيابة عن الجلابة الشماليين في السودان:
++ هل تتجنب احزاب قوي الحرية والتغيير اخطاء اسلافهم عقب إنتصار الثورة المهدية وتتقبل شراكة الوطن الكبير مع الدعمالسريع وأهالي غرب السودان ؟
++ تفكيك مشروع حزب المؤتمر الوطني الراديكالي الارهابي أولوية قصوى.. وذلك بالغاء قوانين سبتمبر المايوية والتي اعاد نظامالإنقاذ انتاجها عبر القانون الجنائي ١٩٩١ :
++ المصارحة والمكاشفة والاعتراف ثم التعافي بين السودانيين من اجل تحقيق السلم الاجتماعي:

(١) رابطة الأرض.. الوطن.. القائمة على المساواة بقطع النظر عن الدين او العنصر او اللغة او الجغرافيا.. في مقابل رابطة العقيدةوإخوة الإسلام التي لا تعرف الحدود:

لمناقشة هذا الملف اقدم الفرشة التالية بقلم الكاتبة مني ابوسنة من مقالها الذي بعنوان: الدولة الوطنية وإشكالات دستورية ، فاليالمقتطف:

(قد يتساءل البعض: هل ثمة دولة غير وطنية؟ فى ظنى أن الجواب بالإيجاب، بمعنى أن الدولة غير الوطنية هى الدولة الدينيةالإخوانية التى لا تعترف بالوطن وتعتبره مجرد حفنة تراب لا يصلح فيها الانتماء أو الولاء، على حد تصريح أحد مرشدى الجماعة. ونسأل: ما المقصود بالدولة الوطنية؟ فى ظنى أن المقصود بالدولة الوطنية هو التعبير عن مصطلح جديد ينطلق من مفهوم المواطنة منحيث إنه السمة المميزة فى الجمهورية الجديدة، والذى يتلاقى مع مفهوم الدولة الأمة الذى تأسس فى أوروبا وحل محل الدولة الدينيةالتى سادت فى أوروبا فى القرون الوسطى. ولفظ «الدولة الأمة» يعنى أن الأمة هى التى تشكل الدولة، ومن ثم تصبح الدولةانعكاسًا لتلك الأمة، ولكل ما تشتمل عليه من قوى وطبقات وثقافات وأديان ومعتقدات، بلا تفرقة أو تمييز بينها. والدولة الأمة فىجوهرها ذات طابع علمانى، أى أن الدولة لا تمييز بين أفرادها على أساس الدين أو العرق أو المعتقد، وذلك من خلال التشريعاتوالقوانين.) انتهي. المرجع: مني ابوسنة/ الدولة الوطنية وإشكالات دستورية/ المصري اليوم/ ٢٨/٣/ ٢٠٢٢

اذا عرف السبب بطل العجب.. الدولة الدينية الإخوانية لا تعرف الوطن.. الوطن بالنسبة لها شيءٍ تافه.. مجرد حفنة تراب .. لذلك هانعلى اخوان السودان فصل جنوب السودان باراضيه الخضراء الشاسعة وانهاره الدفاقة طولا وعرضًا ، وبتروله .. وناسه الجميلينشركاء الوطن!! وبحول الله سوف نتناول رؤية الاخوان المسلمين من الجذور- عند حسن البنا- لمفهوم الوطن في متن هذا الفصل.

(أ) لقد اتجهت الدولة السودانية المستقلة منذ ١٩٥٦ وجهة معادية لرابطة تراب الوطن والمواطنة المتساوية ، واتجهت الى تبنى دولة(مرجعية العروبة والإسلام).. وذلك قبل مرحلة تحديث حركة الاخوان المسلمين تحت مسمى جبهة الميثاق الاسلامي بقيادة حسنالترابي وتحالفه مع السلفيين من انصار السنة.. ان اول من إستخدم العروبة والإسلام لقهر شعوب الهامش السوداني هو نظام ١٧نوفمبر (١٩٥٨ -١٩٦٤) بقيادة ابراهيم عبود (نظام عسكري علماني) حيث إستخدم نظام عبود الاسلمة والتعريب في جنوبالسودان وجبال النوبة كسلاح لقهر المتمردين الجنوبيين.. ودخل في مواجهة كسر عظم مع الكنائس في جنوب السودان وتصاعدتالمواجهة حتي الفاتيكان في روما .

(ب) استقواء بالعروبة والاسلام في مواجهة في مواجهة المسيحية والافريكانية المتمردة:

خلال حقبة الستينات بعد ثورة اكتوبر انشغلت أحزاب النخبة النيلية الشمالية الحاكمة بملف (عروبة السودان) وذلك من خلالانشغالها بالقضية الفلسطينية وشاركت القوات السودانية في جبهة الحرب جنبا الي جنب مع اشقائهم المصرييين ، وبعد نكسة١٩٦٧ نظمت الخرطوم قمة اللآت الثلاثة ، ومعلوم ان العروبة روحها الإسلام.. حتي ان شعار حزب البعث العربي العلماني شعاره(امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) .. ولا تحتاج هذه الرسالة الخالدة الى بيان- انها الاسلام.

(ج) دستور اسلامي مفصل على (مقاس المسلمين فقط) : بئس العقول التي تحكمها الكتب الصفراء والاموات !!

في سنة ١٩٦٨ طرحت احزاب النخبة النيلية الشمالية داخل الجمعية التاسيسية وهي (حزب الامة /الاتحادي الديموقراطي وجبهةالميثاق الاسلامي) .. طرحت الدستور الاسلامي الكامل ولكنه سقط بالكامل في اول مواجهة مسيحية له داخل البرلمان حين تساءلالنائب البرلماني فليب عباس غبوش قائلا : في اطار هذا الدستور الاسلامي المطروح هل يحق لغير المسلم ان يصير رئيسًاللجمهورية ؟ وحين اتت الاجابة بلا سقط الدستور الاسلامي على الفور.. واضح بشكل جلي ان النخبة النيلية الشمالية وهي تضعدستورا للدولة السودانية فانها (تفصله على مقاس المسلمين الجلابة الشماليين وحدهم ودون غيرهم ولا مكان حتي لدارفور.. مثلثحمدي بس ).. مسقطة بذلك اعتبارات التنوع السوداني الديني والعرقي واللغوي ..الخ .. انها بكل اسف تفعل ذلك ليس عن غفلة اوجهل .. وانما تفعل ذلك بقصد إقصاء الجنوبيين وسكان جبال النوبة والانقسنا من من السلطة والثروة.

(٢) مفهوم الوطن والمواطنة في الدولة الغربية المعاصرة:

بلور فلاسفة التنوير.. جان جاك روسو وجون لوك وغيرهما .. واصلوا لنظرية العقد الاجتماعي للدولة المعاصرة ولمفهوم المواطنةوربطها بالديموقراطية ، وقد لخص لنا الباحث المغربي الدكتور المحجوب لال هذا الامر في اربعة نقاط محكمة وواضحة نقراها هناادناه:

( أولا: أنّ الدولة الحديثة هي دولة مواطنة وليست دولة رعايا، بمعنى أنها توجب وجود تعاقد بين المواطنين والمؤسسات السياسية،يضمن حقوق الأفراد ويحدد واجباتهم

ثانيا: أنّ هذا التعاقد هو عقد اجتماعي سياسي، تتحدد عبره شرعية النظام السياسي القائم بالدولة بمقدار ما تلتزم السلطةالسياسية وتحترم هذا التعاقد.
ثالثا: أنّ بذرة الديمقراطية الحقيقية لا تنمو بصورة سليمة وطبيعية إلا في ظل نظام سياسي يقوم على قيمة المواطنة، بمعنى أنّ هذهالقيمة تشكل ما يسمى بالأرضية التحتية للبناء الوطني الديمقراطي.
رابعا: أنّ المواطنة هي عنصر الربط بين مكونات الحياة السياسية بالبلاد، عرقيا ودينيا واثنيا وجغرافيا، كما أنها أداةٌ للربطالسياسي بين هذه المكونات في اختلافها وتنوعها الفكري والسياسي والإيديولوجي، وعليه، تصير المواطنة العنصر الرئيس فيتحقيق الوحدة السياسية للدولة وتجاوز كل أثر سلبي محتمل لأشكال التنوع والاختلاف الموروثة والمستجدة بالمجتمع. ) انتهي.
المرجع: الباحث المغربى د محجوب لال /الاسلاميون وحق المواطنة لغير المسلمين: قراءة في الحالة المصرية/مركز جيل البحث العلميالعدد 40 / 30/06/2021 .

(٣) مفهوم الوطن والمواطنة في رؤية الشيخ حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين :

في المقتطف أدناه لذات الباحث د محجوب لال ، يكمل فيه الصورة ليصل الي لب بحثه (الاسلاميون وحق المواطنة لغير المسلمين.. قراءة في الحالة المصرية.. ومصر هي بلد الاقباط.. فماذا يقول:

( وعلى هذا الأساس، فمرجعية البنا جعلته يحصر الرابط الممكن بين أبناء الوطن الإسلامي وتوحدهم في حاضرهم ومستقبلهم، فيالرابط الديني أو رابط العقيدة، ولذلك قال في رسالته “إلى أي شيء ندعو الناس؟”: إنّ الأخوة الإسلامية جعلت كل مسلم يعتقد أنّكل شبر من الأرض -فيه أخ يدين بدين القرآن الكريم- قطعة من الأرض الإسلامية العامة التي يفرض الإسلام على كل أبنائه أنيعملوا لحمايتها وإسعادها، فكان عن ذلك أن اتسع أفق الوطن الإسلامي، وسمت عن حدود الوطنية الجغرافية، والوطنية الدموية،إلى وطنية المبادئ السامية والعقائد الخالصة الصحيحة، والحقائق التي جعلها الله للعالم هدى ونورا. وبهذا يجتمع للمسلم ما لميجتمع لغيره من أبناء الأمم الأخرى، أن يعمل للوطن، وأن يعمل للإنسانية كلها دون تعارض أو اختلاف، ولم يجتمعا من قبل في مبدإمن المبادئ التي عرفها الناس من قبل ومن بعد. ومن أدركوا الإسلام حق الإدراك علموا أنه -بحق- صيانة للوطن ورحمة للعالمين[15].
ولنا أن نكتشف من القول السابق أنّ الأولوية عند البنا في مسألة العمل على إسعاد الآخر هي للمسلم، بصرف النظر عن مكانوجوده، وفي هذا تعارض واضح مع وصف الرحمة العالمية الذي ختم به البنا قوله، ذلك أنّ مفهوم الرحمة العالمية لا يعني حصرالإسعاد على المشابه عقيدة وإيمانا، وإنما يتجاوزه ليشمل بني الإنسان كلهم.) انتهي ، المرجع السابق/ د محجوب لال / مركز جيلالبحث العلمي العدد 40 /30/06/ 2021
نستخلص من نتائج البحث اعلاه ان رؤية الشيخ حسن البنا هي سباحة عكس التيار الأوروبي الحديث الذي تجاوز بعقلانية وفهمدولة العقيدة المسيحية الكاثوليكية او البروستاتية التي أشعلت اوروبا بالكراهية والحروب الدينية.. الي دولة المواطنة المتساوية بغضالنظر عن الدين او المذهب او اللغة. المأخذ على المرشد حسن البنا هو انه اخذ برؤية اهل القبور من السلف الذين اجتهدوا لزمانهم .. مع انهم انفسهم قالوا :(هم رجال ونحن رجال) .. فالسيد حسن البنا اخذ بالطريق السهل.. وهو الاخذ بما كان عليه السلف .. ولميتدبر جيدا رؤية الحاضر المعاصر.. مع ان التنوع الديني في مصر القبطية يقتضي اعمال هذا الجهد الذهني الاجتهادي المطلوب .. والاخذ بروية مرجعية المواطنة المتساوية كاساس للحقوق والواجبات في ألدولة المصرية الحديثة! وقد انتشر هذا الداء الاخواني فيالجذور الي جميع الحركات الاسلامية الإخوانية في ألعالم لاسيما في السودان كما سنري في الفقرات القادمة بحول الله.

(٤) كيف عالج الإسلام السياسي السوداني مفهوم (المواطنة) ؟

المشكلة الكبرى في السودان هي القصور في الاخذ بالرؤية الحداثية لمفهوم (مرجعية المواطنة المتساوية كاساس للحقوق) .. هذاالقصور في السودان لم يقف عند الاخوان المسلمين مدرسة حسن البنا فحسب ، وانما شمل العلمانيين من ابناء النخبة النيلية حيثاستخدموا العروبة والاسلام كادوات لاقصاء غير المسلمين وغير العرب من المشاركة العادلة في السلطة.. وهم (الزرقة) من سكانجنوب السودان وجبال النوبة والانقسنا ودارفور .
تجدر الاشارة الى ان الحركة الاسلامية السودانية بقيادة د حسن الترابي استاذ القانون الدستوري وخريج ارقي الجامعاتالبريطانية والفرنسيه تدرك جيدا نظرية العقد الاجتماعي لروسو وجون لوك ، ولكن الحركة الاسلامية سارت في ذات الطريق الخاطئالذي سار فيه العلمانيون من ابناء النخبة النيلية قبلها وهما نظام ١٧ نوفمبر/ نظام عبود ، ونظام مايو وهو إستخدام الإسلاموالعروبة كادوات لاقصاء الجنوبيين وابناء جبال النوبة والانقسنا من السلطة واستخدام الجهاد ضدهم !!

(٥) في تاكيد هزيمة الإخوان المسلمين الذين فجروا حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣ : .

(أ) في تاريخ ١٥ نوفمبر ٢٠٢٣ دخلت الحرب التي اشعلها الاسلام الراديكالي التكفيري الارهابي من اجل العودة الى السلطة.. دخلت شهرها الثامن ، كنا ومن خلال تجربتنا في المقاومة ضد الجيش السوداني لأكثر من عشرين سنة في دارفور وكردفان كنا نرينهاية النفق بكل وضوح من آول شهر من بداية الحرب ، ونعلم بالهزيمة الحتمية لجيش الجلابة الكيزاني الارهابي وذلك لسبب منطقيوبديهي وهو ان حرب ١٥/ ابريل قد نشأت بين الجيش السوداني وفصيل اخر من الجيش السوداني نفسه هو قوات الدعم السريعالتي تشكل (القوات البرية للجيش السوداني) .. لذلك كان بديهيا انه من سابع المستحيلات ان ينتصر الجيش السوداني (بسلاحالطيران وحده وبدون قوات برية) ان ينتصر علي قوات الدعم السريع. اليوم على آرض الواقع فان قوات الدعم السريع صارت تسيطرعلي اقليمي دارفور الكبرى وكردفان بالكامل .. والدنيا كلها تترجي الدعم السريع بعدم اقتحام مدينة الفاشر التي شهدت نزوحاداخليًا بعد هزيمة الجيش الساحقة في نيالا وزالنجي والجنينة وبليلة.. وكذلك كل إقليم كردفان الكبرى (باستثناء جنوب كردفانومناطق سيطرة الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو ، وثابت أيضا ان الدعم السريع يسيطر على ٩٠٪؜ من ولاية الخرطوم.. طبقا لقواعد الحرب فان (المنتصر هو الذي يملي شروطه ) وبذلك انتهت سالفة الحركة الاسلامية التي ظلت تستميت من اجل العودةالى السلطة ولو على جماجم ثلث ألشعب السوداني!!

(٦) مصر ليست بلهاء حتى تحل محل القبائل العربية والموت نيابة عن الجلابة الشماليين الذين لا يحاربون بأنفسهم:

بعد ان انهزم الجيش السوداني وكتائب الحركة الاسلامية والمستنفرين.. وبعد ان وقع اليأس والقنوط في نفوس الجلابة الشماليينمن عودة المؤتمر الوطني للحكم عبر إنقلاب ١٥ ابريل ٢٠٢٣ طرحت بعض واجهات الحركة الاسلامية فكرة دولة النهر والبحر ، فكرةمثلث حمدي ، وخلاصة هذه الفكرة هي انضمام الولايات الشمالية والشرقية لجمهورية مصر العربية!!
السؤال الجوهري هو : هل توافق مصر علي مزيد من التقسيم للسودان بذهاب دارفور وكردفان الى دولة مستقلة ، وجنوب كردفانوالانقسنا الي دويلات مستقلة مقابل ان تضم مصر ولايتي النيل والشمال + ولايات شرق السودان ؟ ردًا على هذا السؤال اقول:
بعد تجربة عبدالناصر في اليمن في عهد الملك فيصل.. تعلمت مصر الدرس لذلك رفضت المشاركة في (عاصفة الحزم) مدفوعةالثمن .. وقد ذاقت مصر مرارة اعتقال قواتها من سلاح الطيران في مروي من قبل الدعم السريع .. لذلك لن تحارب مصر نيابة عنالجلابة الشماليين الذين خانوها وأعلنوا الاستقلال عن مصر من داخل البرلمان في ١٩ ديسمبر ١٩٥٥ : نعم.. لن تحارب مصر نيابةعن الجلابة الشماليين.. وذلك للأسباب التالية:

(أ) لقد ظلت الخزانة المصرية تئن من الكلفة المالية لإدارة السودان منذ عام ١٨٢١ حتي تاريخ استقلال السودان.. الإستراتيجيةالمصرية في السودان منذ عام ١٩٥٦ هي عدم التدخل في الشأن السوداني مباشرةً.. وتفضل السفارة المصرية في الخرطوم وهيسفارة أمنية تتبع للامن والمخابرات وليس لوزارة الخارجية المصرية ، تفضل السفارة تدبير الانقلابات العسكرية في السودان والإتيانبحكومة عسكرية تكون تحت سيطرتها .. كما ان الحكومة المصرية تفضل التعامل مع اي حكومة عسكرية في الخرطوم حتي وان لمتات عبر تدبير مصري مثل إنقلاب نظام عبود او نظام جعفر نميري.. شاهدنا ان مصر لا ترغب فى السقوط في المستنقع السودانيوالدخول في حرب استنزاف لا نهاية لها.. من اجل ماذا ؟ من اجل عيون الجلابة الشماليين الذين عجزوا عن الدفاع عن دولتهم ؟ يالها من احلام العصافير!!

(ب) تفكر بعض نخب الجلابة الكيزانية المهزومة .. تفكر تفكيرا رغائبيا بصوت عالي.. وتعلن انها بصدد إنشاء دولة (وادي النيل.. منالنهر الي البحر) بديلًا لدولة ١٩٥٦ التي ضاعت من يدهم الي الابد .. باختصار تقول لنا هذه النخب الشمالية المهزومة: لن نقبلالبقاء في دولة سودانية موحدة تحكمها (نخب غرب السودان ) .. وتقول بالصوت العالي (إستعمار مصر أفضل لنا من البقاء تحتحكم الغرابة الدارفوريين.) .. ردا على هذه الأحلام الساذجة أقول:
انكم ايها الجلابة (البسكويت.. العاجزون عن الدفاع عن انفسكم .. تريدون ان تحل الدماء المصرية محل دماء القبائل العربية فيدارفور وكردفان والتي ظلت تحارب نيابة عنكم لمدة ٧٠ سنة .. وتوفير الحماية لكم ؟ .. هذا مستحيل.. مصر ليست بلهاء لتدخلنفسها في الحرب الاهلية في السودان التي لا نهاية لها والقائمة في السودان منذ عام ١٩٥٥ .

(ج) تختزن الذاكرة المصرية تجربتها في سقوطها في مستنقع اليمن في ستينات القرن الماضي.. وهي التجربة التي تعلمت منهاالدرس.. لذلك رفضت مصر المشاركة في عاصفة الحزم رغم الاغراءات المالية الضخمة من دول الخليج.. تدرك مصر ان اي محاولةمنها لضم الاقاليم الشمالية للسودان سوف تفتح عليها ابواب جهنم وتدخلها في مواجهة مباشرة ليس مع من تبقي من السودانفحسب ، وانما مع كل دول حوض النيل لاسيما أثيوبيا. غير مسموح لمصر الاقتراب من منابع النيل. ان المخابرات المصرية تعلم اناي محاولة من مصر للاقتراب من سد النهضة.. سوف تجعل امن السد العالي في خطر عظيم.

٧) مطلوب من الدعم السريع (بسلطة الامر الواقع) مليء الفراغ الإداري في الأراضي المحررة.. بتعيين حكام عسكريين في كلالولايات التي تم تحريرها من دولة الكيزان ، والشروع فورا في توفير الخدمات الكهرباء والماء والتعليم والصحة.. الخ :
علي مستشاري الدعم السريع ان يعلموا ان تحرير مدينة ضخمة مثل نيالا يقتضي حل مشاكل العباد .. لان الدعم السريع ليسكنظام المؤتمر الوطنى الخارج من الحكم المعني فقط بمدخلات الحرب فقط وغير معني باحتياجات ألشعب ، ولا يعنيه شيء كونالشعب لم يصرف مرتبات منذ ٨ شهور .. شاهدنا ان المطلوب من الدعم السريع مليء فراغ غياب الدولة السودانية في كل الاماكنالمحررة.. وانهاء مسالة التفلت تمامًا.. وخلق شراكات حقيقية مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والإقليمي لانسياب الاغاثة الانسانية.. والمساعدة في اعادة اعمار مادمرته حرب الاسلام السياسي الارهابي.. وتوفير كافة الخدمات مثل الماء والكهرباء والاغاثة.. والخدمات الصحية والتعليمية.. اذا تحقق هذا النموذج في الجنينة وهي مدينة حدودية.. ثم في زالينجي نيالا .. فيمكن تعميمه فيكل ولايات دارفور وكردفان وولاية الخرطوم.

(٨) هل تتجنب احزاب الحرية والتغيير وهي احزاب جلابة شماليين.. هل تتجنب اخطاء اسلافهم عقب انتصار الثورة المهدية الذينقالوا بلسان حالهم للخليفة عبدالله التعايشي ؛ خلاص يا غرابة.. إنتهي دوركم .. ولا شأن لكم بحكم الدولة السودانية.. هذه مهمتنانحن الاشراف القرشيين (الائمة من قريش) مهمتكم الموت المجاني من اجلنا.. فنشا النزاع التأريخي بين الغرابة واولاد البحر .
ما اشبه الليلة بالبارحة.. اليوم انتهت حرب ١٥ ابريل التي اشعلها الكيزان من اجل العودة الى السلطة بالانتصار الساحق للدعمالسريع على فلول المؤتمر الوطني.. هل تقبل احزاب قوي الحرية والتغيير بالجلوس من جديد مع قوات الدعم السريع المنتصرةللتباحث معها حول مستقبل السودان واضعين في الاعتبار ان الوضع في يوم ١٤ ابريل اي قبل ١٥ ابريل ٢٠٢٣ يختلف تمامًا عنالراهن الحالي .. فكل التفاهمات السابقة قد سقطت بالتقادم.
لقد واجه الدعم السريع منفردًا الجيش السوداني الذي هو عبارة عن مليشيا الجلابة الشماليين وهزمه شر هزيمة .. وقد فرت قياداتأحزاب الحرية والتغيير الى خارج السودان.. وليس امامها خيار غير ذلك لانها كانت مستهدفة من كتائب الحركة الاسلامية .. بالتاكيد فان انتصار الدعم السريع الساحق على مليشيا جيش الجلابة لا يخوله (تنصيب محمد حمدان دقلو ملكًا على السودان.. وكذلك من السخف ان تعيد النخبة النيلية انتاج موقف اولاد البحر مع الخليفة عبدالله التعايشي .. فتقول للدعم السريع شكرًا جزيلًا.. مهمتكم انتهت .. عودوا الي الي دارفور وكردفان واتركوا لنا شأن الدولة السودانية ؟! ان هزيمة جيش الجلابة وكتائب الاخوان المسلمين لا تعني ابدا نهاية الاخوان المسلمين الارهابيين المتربصين بالدولة السودانية والراغبين في العودة للسلطة.. فان كوادرهمداخل الجيش والاجهزة الامنية والعسكرية موجودة حية وفاعلة تشكل أكبر مهدد لبقاء واستقرار الدولة السودانية وللفترة الانتقالية فيالسودان.. فالدعم السريع وحده القادر علي ردع احلام الكيزان من العودة للسلطة عبر إنقلاب عسكري مثلا . اني على ثقة بانالقوي السياسية والمدنية التي ظلت تواصل التنسيق وتتنقل بين اديس ابابا والقاهرة وشكلت لجنة مصغرة برئاسة د عبدالله حمدوكوتتطلع الى الدعوة لقاعدة عريضة تضم كل فئات ألشعب السوداني باستثناء المؤتمر الوطني والفلول.. ان هذه القاعدة العريضةسوف تصل الي حل (توافقي) مع الدعم السريع بؤمن مدنية الحكم في السودان خلال المرحلة الانتقالية ، ويؤمن حضور فاعل للدعمالسريع المنوط به (حماية الدولة السودانية بعد تحريرها ) من براثن الإسلام السياسي الراديكالي المتطرف .. وتأمين (تفكيك مشروعالاخوان المسلمين الارهابي .

(٩) اهم اولويات الفترة الانتقالية القادمة تفكيك مشروع المؤتمر الوطني الراديكالي الداعشي وذلك بالغاء قوانين سبتمر المايوية التيتمت إعادة تدويرها عبر القانون الجنائي ١٩٩١ .. والعودة لقوانين ١٩٧٤:

تفكيك المشروع الاسلاموي الراديكالي الداعشي الارهابي من خلال الغاء قوانين سبتمر ١٩٨٣ والقانون الجنائي ١٩٩١ فهي قوانينفاقدة للشرعية الدستورية.. اتي بها حكام عسكريون انقلابيون يفتقرون الى الشرعية الدستورية:
السؤال: هل يحق للحكومة الانتقالية القادمة الغاء القانون الجنائي لسنة ١٩٩١ الذي أعاد تدوير قوانين سبتمبر ١٩٨٣ ؟ أجيب علىهذا السؤال ب (نعم ) وذلك للاسباب التالية:

(أ) الخازوق الكبير الذي ركبه السفاح نميري في تربة الدولة السودانية هو قوانين سبتمر (البطالة) حسب وصفه شخصيًا لها فيلحظة تجلي وعلى الهواء مباشرةً في راديو امدرمان .. هذه القوانين اتي بها النميري ليس بهدف تطبيق دين الله الحنيف.. دينالرحمة والعدالة والمساواة الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق الرفاهية للمواطن.. لا .. لا .. اتي بها نكاية ورغبة في الانتقام من القضاةالمدنيين بتهميشهم ووضع القضاة الشرعيين فوقهم.. بقصد اهانتهم واذلالهم ورد الصاع صاعين.. فقد اضرب القضاة عن العملمحتجين على إساءة النميري لهم في الفاشر وطالبوه بالاعتذار لهم .. فاستمر الاضراب ٣ شهور اضطر النميري للانكسار والاعتذارللقضاة.. ولكنه (اسرها في نفسه) فقرر الانتقام من القضاة عن طريق قوانين سبتمبر التي لا علاقة لها بدين الله ولا عدالة السماء اوالأرض.

(ب) اتت انتفاضة ابريل ١٩٨٥ الشعبية ، وانحاز صغار الرتب في القوات المسلحة للجماهير الثائرة واجبروا كبار الرتب للانحيازلخيار الشعب.. وعلى راسهم المشير سوار الدهب الذي كان (كوز ) .. وتم تشكيل الحكومة الانتقالية وعلي راسها د الجزولي دفع اللهوكآن (كوز أيضا ).. باختصار لم تنجز السلطة الانتقالية اهم مهامها وهي تصفية اثار مايو ، واهم بند فيها الغاء قوانين سبتمبر١٩٨٣ والعودة الى قوانين ١٩٧٤ .. ورحلت هذه المهمة لمرحلة ما بعد الانتخابات هروبًا الى الامام .

(ج) حالت مماطلة الصادق المهدي المشار اليها اعلاه دون إجازة اتفاقية الميرغني/غرنق وبالتالي تجميد/الغاء قوانين سبتمبر١٩٨٣.. حتي تمكنت الحركة الاسلامية السودانية من تنفيذ انقلابها المشؤوم الذي كرس قوانين سبتمبر عبر القانون الجنائي لعام١٩٩١ .. شاهدنا ان قوانين سبتمر والقانون الجنائي ١٩٩١ كلها تشريعات فاقدة للشرعية الدستورية اتت بها انظمة عسكريةإنقلابية فاقدة للشرعية الدستورية ، وذلك بعد ان رفضت الجمعية التاسيسية الدستور الاسلامي عام ١٩٦٨ .. لذلك يحق للحكومةالانتقالية القادمة التي يحق لها الغاء دستور ٢٠٠٥ اروع دستور عمل في تاريخ السودان لاشتماله علي باب (وثيقة الحقوق) .. هذهالوثيقة التي صاغها شيخ المناضلين الراحل/ علي محمود حسين.. فمن باب اولي يحق للحكومة الانتقالية القادمة وبشرعية ثورةديسمبر المجيدة الغاء القانون الجنائي ١٩٩١ وما تبقي من قوانين سبتمر ١٩٨٣ والعودة الي قوانين ١٩٧٤ وهي قوانين سودانيةصاغها خبراء قانون سودانيون اجلاء معروفون.. اساتذة في كلية القانون بجامعة الخرطوم وقضاة ومستشارون بديوان النائب العامانذاك ومحامون. وبهذه الخطوة الحاسمة يتم وضع السودان في المسار الصحيح للنهوض وتحقيق الاستقرار والسلام الدائم والحكمالرشيد اسوة بالدول تزامنت في استقلالها مع السودان مثل ماليزيا.

(د) تفكيك مشروع الاخوان الارهابي.. الهتافي الشعبوي الفارغ هو مسؤولية المجتمع المدني المستنير.. مسؤولية الكتاب والمفكرينمتحدين ومنظمين وأفرادًا.. مسؤولية السينما والمسرح والاعلام المرئي والمسموع والمكتوب.. والإعلام البديل.. لقد أحدث الطهطاوي ،وطه حسين ثورة ثقافية عظيمة في مصر .. واحدثت قناة الجزيرة من قطر ثورات الربيع العربي .. من حقنا ان نعول على الفيسبوكوالليفات في التغيير.. نعول على عودة أساندتنا الاجلاء د حيدر ابراهيم ومركز الدراسات السودانية..نعول على رؤية الحركة الشعبيةشمال/ اولاد د جون غرنق وعلمانية عبدالعزيز الحلو ورفيق نضاله عبدالواحد محمد نور .. نعول على وعي رابطة محامو دارفور/ الاستاذ صالح محمود ورفاقه .. نعول على منظري مشروع الهامش ابكر ادم اسماعيل و د محمد جلال هاشم شفاه الله فهو منضحايا الحرب العبثية .. وعلى رائد المراجعات د المحبوب عبدالسلام.. نعول على الحضور الفاعل لدكتور احمد المصطفي دالي و دعمر القراي علي الارض السودانية او عبر الفيسبوك.. نعول على مركز الخاتم عدلان للاستنارة و د الباقر العفيف.. والحاج وراق .. وجميع مراكز إنتاج الفكر المستنير.. نؤمن بحكمة شيوخنا واساتذتنا المستنيرين امثال د عبدالله النعيم.. ود سلمان محمد احمدوبروف عصام البوشي ود النور حمد .. نعول على دور النسويات في التغيير ، كمًا نعول على دور الشباب المستنير في تفكيكالمشروع الظلامي الاخواني الذي زرع الكراهية بين اطياف ألشعب السوداني وتسبب في فصل الجنوب.. ولا يزال يهدد وحدةالسودان .. ولا نعرف القنوط والتشاؤم.. لدينا وطن كبير .. والشعوب على شاكلة اوطانها وبيئاتها.. والانسان الفرد ابن بيئته كرماوسخاء.. نزرع الأمل.. وربنا الناقص بتمه .
.. وعودة. الي ذي بدء :
اثنان اهل الارض : ذو عقد بلا .. دين .. وآخر دين لا عقل له .. (الفيلسوف والشاعر: ابو العلاء المعري)

ابوبكر القاضي
نيوبورت/ ويلز/ UK
٢١ نوفمبر ٢٠٢٣
aboubakrelgadi@hotmail.com
////////////////////////

 

آراء