“لا للحرب” الأصلية

 


 

 

الأربعاء 31 مايو 2023
الموقف الرسمي لقوى الحرية والتغيير سليم من حيث تبنيه لـ (لا للحرب)، ولكن بعد مرور شهر ونصف على بداية المعارك، لا يمكن تجاهل تجنبها إدانة انتهاكات قوات الدعم السريع الفظيعة.
في لقاء أبرز قادتها خالد عمر يوسف مع قناة الحدث يوم 25 مايو سأله المذيع عدة مرات إن كان يدين انتهاكات الدعم السريع كاحتلال المستشفيات ومنازل المواطنين، ولكن خالد أصر على رفض الإدانة، وذكر أن بيانات حزب المؤتمر السوداني وقوى الحرية والتغيير "تدين كل الانتهاكات بشكل واضح لا لبس فيه"، وأن من يطالبونهم بإدانة طرف بعينه يريدون "تقسيم القوى المدنية بين الأطراف المتحاربة وهذه هي معادلة الحرب الأهلية بامتياز".
بمراجعة البيانات التي صدرت من قوى الحرية والتغيير، والقوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري، وحزب المؤتمر السوداني، وحزب الأمة القومي، والتجمع الاتحادي، والجبهة المدنية منذ ما قبل بداية الحرب وحتى يوم 28 مايو، نلاحظ الآتي:
• تبنت القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري وجهة نظر قوات الدعم السريع في إطلاق الرصاصة الأولى منذ بيانها الأول الذي ذكر تلقيهم اتصالاً من قيادة الدعم السريع يبلغهم بحصار قواته في سوبا قبل اندلاع المواجهات.
• لم تدن هذه الأجسام قوات الدعم السريع بصورة صريحة على أي انتهاكات قامت بها أثناء الحرب إلا في مرات محدودة، كانت إما بلغة مخففة (بيان حزب الأمة عن القوة التي اقتحمت دار الحزب و "زعمت أنها تتبع لقوات الدعم السريع")، أو بلغة مبررة (بيان حزب الأمة عن اقتحام الدعم السريع لمنزل رئيس الحزب فضل الله برمة ناصر الذي لم تتم فيه لا إدانة الاقتحام ولا الإشارة لأن هذا الفعل يشبه ما تقوم به المليشيا في بيوت المواطنين)، أو بلغة تجمع الدعم السريع بالجيش معاً (بيان القطاع الصحي لحزب المؤتمر السوداني يوم 5 مايو). في بقية البيانات الأخرى التي ذكرت فيها انتهاكات، تمت الإشارة للانتهاكات بصورة عامة دون تفاصيل ودون إشارة لفاعلين.
• أدان حزب الأمة يوم 28 مايو الانتهاكات والتعديات على المواطنين والممتلكات العامة والخاصة ودور العبادة والأحزاب، وذكر البيان أن منازل قيادات الحزب وهيئة شؤون الأنصار تعرضت للانتهاكات، إلا أنه لم يذكر أن قوات الدعم السريع هي من قامت بمعظم هذه الانتهاكات إن لم تكن جميعها، بل وثقت لبعضها كالفيديو المخزي لاقتحام منزل الإمام الراحل الصادق المهدي الذي نشره بعض أفراد أسرته باحتفاء بدلاً من إدانته بصورة قاطعة. ولا يمكن إغفال الإشارات الواردة في مقال الدكتور عبدالرحمن الغالي القيادي السابق في الحزب متحدثاً عن جرائم ممنهجة من الدعم السريع لكسر إرادة المواطنين وإذلالهم كحوادث الاغتصاب وإخلاء البيوت وتدميرها ونهب السيارات والممتلكات، وما أوردته زوجته ابنة الإمام الراحل رباح من ذكر تفصيلي لتعدي الدعم السريع على مسجد الهجرة بودنوباوي.
• صدر بيان من التجمع الاتحادي بإدانة انتهاكات قوات الدعم السريع، ثم اتضح أن السر المذاع عن انقسام "حزب" التجمع الاتحادي قد وصل مرحلة صفحتي فيسبوك كلتاهما تحملان اسم التجمع الاتحادي. نشرت أولاهما الأقدم – أنشئت في ديسمبر 2015 - هذا البيان القوي، بينما لم تورد الثانية "الرسمية" – صفحة جناح بابكر فيصل، أنشئت في أكتوبر 2019 – أي إدانة محددة للدعم السريع، كما قامت بعد بيان الأولى بإصدار بيان طويل ذكرت فيه عدداً من الانتهاكات دون تحديد مرتكبيها. الصفحة الأقدم تصدر بياناتها باسم التجمع الاتحادي – المكتب القيادي، وذيلت بعض بياناتها بأسماء أربعة أشخاص من هذا المكتب. ولم يتفضل علينا أي من أعضاء أجنحة التجمع بإبلاغنا عما يحدث في الحزب، وفيم اختلافهم، وأين يقفون من قضايا البلاد الكبرى.
• ثم هناك فضيحة بيان الجبهة المدنية عن حالات الاغتصاب في الخرطوم.

البيانات تكشف أيضاً عن عجز القوى السياسية البائن وفشلها في التصدي لأكبر أزمة في تاريخ البلاد الحديث، فرغم كثرة البيانات وتطابقها، فهي لم تخرج عن:
• اتهام عاجز وكسول للفلول والنظام البائد والكيزان بإشعال الحرب واستمرارها.
• تبرئة ضمنية وأحياناً واضحة للبرهان وحميدتي وقادة الجيش والدعم السريع من تهمتي إشعال الحرب واستمرارها. وتأكيد على أنهم وافقوا على العملية السياسية قبل الحرب ولم يتبق إلا تفاصيل بسيطة كان يمكن التوافق عليها.
• حديث مرسل عن انتهاكات الأطراف المتنازعة ومعاناة المواطنين.
• ترحيب بمجريات محادثات جدة وتأييد نتائجها وشكر رعاتها.
• تأكيد استمرار الاتصال بالجيش والمليشيا، وبالرعاة الأجانب، ولضرورة الحل السياسي الشامل بدون تفاصيل عن ما يدور في هذه الاتصالات، أو عن طبيعة الحل، أو شكل مشاركة القوى المدنية.
• لا دعوات صريحة لتنحية قيادة الجيش والدعم السريع ومحاسبتهم على جرائم حربهم.
• دعوات للوحدة لا تختلف عن دعوات المراكبية المتواصلة من الفترة الانتقالية، والتي تنتهي عادة باختراع مسميات وبيانات لكيانات يوقع عليها نفس الأجسام والأفراد (مع عدد من المواطنين المخلصين الصديقين) ويقف وراءها نفس الأشخاص.
مدهش جداً أن تدعو بعض هذه البيانات والرسائل (مثل رسالة فضل الله برمة ناصر لرئيس مجلس حقوق الإنسان) جهات ما لإدانة الانتهاكات أو للتحقيق فيها دون أن تقوم هذه الأحزاب والقوى بتقديم أي تفاصيل عن انتهاكات مؤكدة وموثقة أو حتى مرجحة من طرف ظاهر الإجرام كقوات الدعم السريع.
قحت لم تشعل الحرب، وأنصارها وغالب الشعب السوداني من المواطنين لا يؤيدون الدعم السريع وبالتأكيد لا يقومون بالوشاية بضباط الجيش للدعامة، ولكن تصرفات ومواقف قادة قحت تخذل ادعاءات تمسك مكوناتها بموقف رفض الحرب ، ويبدو أن قلة نافذة منهم يؤيدون المليشيا أو يظنونها ستخرج أقوى بعد الحرب، أو غلبت عليهم كراهتهم للكيزان حتى أعمت بصيرتهم وتحليلهم، وتحولوا بعجزهم وخوائهم السياسي والأخلاقي إلى مجرد كومبارس في شأن بقاء الوطن، ملقين بكل وسائل ضغطهم السياسية، ومشوهين لموقف "لا للحرب".

husamom@yahoo.com

 

آراء