لعنة التاريخ على (الجهل المقدس) الذي افشل مؤتمر المائدة المستديرة بحجة ان السودان بلد لدين واحد هو الاسلام ولغة واحدة هي العربية) !!

 


 

 

ابوبكر القاضي:

هذا هو الفصل الثالث من كتابنا: ( التمرد والتغيير.. منذ حامية توريت حتى الدعم السريع (3-10) وسوف نتناول هذا الفصل تحت رؤوس الموآضيع التالية:.

++ فكرة المائدة المستديرة لحل مشكلة الجنوب مصدرها (المتمردون) وتحديدا السيد ويليام دينق رئيس حزب سانو .. وقد فشلت المائدة المستديرة لان الاحزاب الشمالية كلها انذاك رفضت (الفيدرالية للجنوب) .. وهي (حزب الامة .. الوطني الاتحادي والاخوان المسلمين ) .. وحورت هذه هذه الأحزاب باقوالها وأفعالها شعار (السودان للسودانيين ) الي (السودان للمسلمين) !!

++ في تأصيل مفهوم (الجهل المقدس) الذي تسبب في افشال مؤتمر المائدة المستديرة وحال دون التعايش السلمي بين جنوب السودان وشماله !
++ مطالب الجنوبيين داخل مؤتمر المائدة المستديرة؟
++ مواقف الأحزاب الشمالية (التي تجسّد مفهوم الجهل المقدس) من مطالب الجنوبيين لاسيما الفيدرالية.. وكيف تحول مؤتمر المائدة المستديرة إلى تظاهرة ضد الفيدرالية (لا فيدرالية داخل الامة الواحدة!!) :
++ موقف عبدالخالق محجوب المتفرد الذي رفضه الشماليون والجنوبيون علي السواء وهو (منح الجنوب الحكم الذاتي الاقليمي في اطار السودان الموحد) .
++ فترة الديموقراطية الثانية (١٩٦٤-١٩٦٩) كانت اسوأ عهود دولة ١٩٥٦ برز فيها رموز الجهل المقدس (الصادق والترابي) .. أجهضت شعارات ثورة أكتوبر (الحرية والليبرالية) وطرحت الدستور الإسلامي الذي يرفضه الجنوبيون لانه يجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية!
++ الصادق المهدي (كوز) نافع للحركة الإسلامية.. ضار بالسودان وبمفهوم الوطن والمواطنة!!

هذا هو الفصل الثالث من كتابنا (التمرد والتغيير.. منذ حامية توريت حتى الدعم السريع (3-10) سوف نكرسه لفترة الديمقراطية الثانية (١٩٦٤-١٩٦٩) .. وهي الفترة التي شهدت بروز شخصيتي د حسن الترابي والصادق المهدي.. باعتبارهما اكبر وأسوأ الشخصيات التي لعبت اسوأ ادوار سالبة في تاريخ السودان الحديث.. وتسببت في تدمير الدولة السودانية، وذلك لتنكرهما لشعارات ثورة اكتوبر المجيدة القائمة علي (الحرية والليبرالية) ولفشلهما فى طرح افكار ورؤي قادرة علي ادارة التنوع السوداني.. وبدلاً من ذلك جناحا الى مشروع (الاسلام هو الحل ) لدي حركة الاخوان المسلمين ، والي مشروع /ونهج الصحوة الاسلامية لدي الصادق المهدي- وبذلك جعلا (الترابي والصادق) فترة الديموقراطية الثانية امتداداً لمشروع حكومة ابراهيم عبود (الأسلمة والتعريب) .. وهو المشروع الذي رفضه ساسة جنوب السودان، ومتمردوا حركة انانيا ون وتسبب في اندلاع ثورة أكتوبر المجيدة! في هذا الفصل سنقدم بحول الله تأصيلا فلسفيا لمفهوم (الجهل المقدس) .. ونربط هذا التأصيل برؤي وافكار الصادق المهدي وحسن الترابي، (الاسلاموية) والتي تسببت في افشال مؤتمر المائدة المستديرة وضياع فرصة تحقيق السلام وإيقاف الحرب في الجنوب بايدي سودانية ،وفي اطار نظام ديموقراطي.

(أ) في تأصيل (الجهل المقدس) آلذي أجهض شعارات ثورة أكتوبر المجيدة، وأفشل مؤتمر المائدة المستديرة:
عبارة (الجهل المقدس) كملكية فكرية تعود إلى الفيلسوف الإيطالي (جوردانو برودو ) .. ولا باس من تقديم تعريف موجز للتعريف بهذا الفيلسوف (جوردانو برونو) .. ورؤيته حول(الجهل المقدس)

( ابتداءًا من عام 1593، حوكم برونو بالهرطقة من قبل الروم محاكم التفتيش الرومانية بتهمة إنكاره للعقائد الكاثوليكية الأساسية (بما في ذلك عقيدة الجحيم، والثالوث، والكرستولوجيا، وعذرية مريم، والاستحالة الجوهرية).[10] ووجدته محاكم التفتيش مذنبًا، وفي عام 1600 عوقب حرقًا في روما في ساحة كامبو دي فيوري. بعد وفاته اكتسب شهرة كبيرة، وأعتبره عدد من الباحثين بشكل خاص في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين شهيدًا للعلم،[11] وذلك على الرغم من أن المؤرخين قد جادلوا أن محاكمته كانت بسبب آرائه الفلسفية والدينية واللاهوتية وليس لآرائه الفلكية.[12][13][14][15] ولا تزال تعتبر قضية برونو علامة بارزة في تاريخ الفكر الحر والعلوم الناشئة، وتعبيرًا من الكنيسة عن الندم قاموا بنحت تمثال له في ساحة كامبو دي فيوري.) آنتهى. المرجع: ويكيبيديا/ الموسوعة الحرة.

ويكمل المدون والناشط علي اليوتيوب المفكر/ احمد الفارابي في قناته على يوتيوب (حلقة الجهل المقدس) يكمل قصة إعدام الفيلسوف الإيطالي (برونو حرقا بالحطب ) .. ننقل فكرته (بتصرف) ونكتفي بالإحالة على الحلقة.. حيث يقول: انه مع بداية تنفيذ الحكم بالإعدام بالحريق علي برونو أتت امراة عجوز خالية الذهن تماما عن (أفكار الفيلسوف جوردانو برونو ) لتضيف إلى حطب الحريق، فسألها الفيلسوف برونو : ما الذي حملك لحمل الحطب لتأجيج النيرآن؟ فأجابت بانها تفعل ذلك استجابة لتعليمات الكنيسة لاغير.. فرد عليها الفيلسوف جوردانو برودو باخر عبارة نطق بها في حياته وهي : (لعنة الله على الجهل المقدس) !! فصارت هذه المراة العجوز نموذجا للدهماء والمهووسين الشعبويين المضللين الذين يرتكبون اخطر الجرائم الأرهابية فقط بناءا علي ارشارة المرجعية الدينية - المسيحية او الإسلامية او الطائفية السنية او الشيعية حسب الحال ، ولعل المثال المعاصر لهذه المرأة العجوز البسيطة.. الساذجة المغرر بها .. هو قاتل الشهيد فرج فودة الذي اجاب امام المحكمة التي تحاكمه بتهمة اغتيال الشهيد فرج فودة .. اجاب بانه لم يقرأ بنفسه كتب وافكار الشهيد فرج فودة ولكنه سمع عنها من الناس !! هذا هو الجهل المقدس.. ينشط هذا الجهلول .. ويقتل (بالإشارة فقط) بدون ادني معرفة بالضحية !! ولكننا في هذا الفصل سوف نستخدم مصطلح (الجهل المقدس) ليس فقط للتعبير عن (البسطاء المضللين وحدهم ، وانما لوصف رجال الاسلام السياسي والطائفي الذين يستخدمون الدين.نفسه لأغراض سياسية.. وكذلك يستخدمون الاتباع والمريدين المستغفلين للوصول للسلطة!!
بحول الله سوف نقدم في هذا الفصل الثالث من كتابنا الادلة القاطعة في بيان ان فترة الديموقراطية الثانية (أكتوبر ١٩٦٤ -٢٤ مايو ١٩٦٩) كأنت نموذجا تطبيقيا لفكرة (الجهل المقدس) .

(٢) تأكيدا لريادة المتمردين للتغيير في دولة ١٩٥٦ نقول: مؤتمر المائدة المستديرة لحل مشكلة الجنوب كان مبادرة جنوبية من حزب سانو /الشهيد وليام دينق .. وقد أجهض (الجهل المقدس) هذه المبادرة .

لعل اهم انجاز إيجابي لحكومة سرالختم الخليفة الاولى بعد انتصار ثورة أكتوبر هو أن هذه الحكومة قد تضمنت وزيرين جنوبيين هما كلمنت امبورو، وازبوني منديري احدهما (كلمت امبورو) شغل منصب وزير داخلية.. ووزارة الداخلية وزارة سيادية مهمة.. هذا الاجراء أعطى مؤشرا إيجابيا للجنوبيين الذين لجأوا لدول الجوار من بطش نظام عبود ..فقام رئيس حزب سانو (وليام دينق) بتاريخ ٨ /نوفمبر ١٩٦٤ بإرسال رسالة مطولة للسيد سر الختم الخليفة رئيس الوزراء آنذاك، تضمنت مقترحات عديدة منها (عقد مؤتمر مائدة مستديرة) لمناقشة الحل السلمي لمشكلة جنوب السودان.. ويحمد لحكومة سرالختم الخليفة انها تقبلت ونفذت فكرة المائدة المستديرة رغم انها إجرائيا نفذت الفكرة بطريقة غير عادلة حيث لم تشرك اي جنوبي في سكرتارية المؤتمر.. وهذه بكل آسف طبيعة الشماليين في تجاهل إشراك الجنوبيين ولو باشراك رمزي.. وفي ذاكرتي ان الوفد السوداني الذي ذهب الي مصر لمناقشة مسألة تقرير المصير لم يتضمن اي مواطن جنوبي !! اكثر من ذلك، فان وثيقة (الميثاق الوطني) التي صاغتها القيادات الحزبية والنقابيّة بعد نجاح الثورة .. تحديداً في يوم ٢٧/ اكتوبر ١٩٦٤ لم تتضمن هذه الوثيقة اي أشار لمشكلة الجنوب وبالتالي لم يشارك آي جنوبي في التوقيع على هذا الميثاق الوطني رغم ان مشكلة الجنوب، ومقاومة الجنوبيين المسلحة والمدنية هي (الاسباب الرئيسية لتفجير ثورة أكتوبر!!) .

(٣) مطالب الجنوبيين داخل مؤتمر المائدة المستديرة؟ :
تحدث عن الجنوبيين داخل المؤتمر كل من أقري جادين، وغوردون مورتات، كان كلامها عنيفا ضد الشمال.. وخلصا إلى عدم وجود أي تاريخ مشترك لا في الدين او اللغة ..وذكروا القادة الشماليين بتنكرهم لوعد الفيدرالية المنقوض، وأضافا بأن مطلب الفيدرالية قد تجاوزه الزمن، وأن مطلب الجنوبيين الان هو الانفصال. الكلام الأكثر اعتدالا هو خطاب السيد ويليام دينق ، وقد جاء فيه ما يلي حسب المقتطف ادناه من مقال لاستاذنا /د سليمان محمد احمد سلمان :

( أما السيد ويليام دينق فقد أعاد الحجج التي ساقها في رسالته للسيد سر الختم الخليفة في المطالبة بالنظام الفيدرالي الذي يمكن بالإرادة السياسية تعايش طرفي البلاد تحت مظلته، وأشار إلى أن النظام الفيدرالي كفيلٌ باستيعاب التباينات العرقية والدينية واللغوية والثقافية بين الشعبين.
أشار السيد ويليام دينق إلى رفض الأحزاب الشمالية النظام الفيدرالي عام 1958، ولكنه أوضح أن ذلك الوضع يمكن تصحيحه خلال المؤتمر بعد ان اتضح خطأه واستعرت الحرب الأهلية بسبب ذلك الخطأ.) انتهى. المرجع: د سليمان محمد احمد سلمان/قرارات مؤتمر المائدة المستديرة واتفاقية اديس ابابا: تعقيب على السيد الصادق المهدي/صحيفة الراكوبة /١٩ ابريل ٢٠١٧ .

(٤) موقف الأحزاب الشمالية (التي تجسد فكرة الجهل المقدس) موقفها من مطالب الجنوبيين لاسيما الفيدرالية وتقرير المصير؟
اشكالية الاحزاب الشمالية لاسيما (حزب الامة والاتحادي الديمقراطي -احزاب طائفية إسلامية .. والإخوان المسلمون) انها ليست (ليبرالية) .. ولا تعترف ب(مفهوم دولة الموطنة) الذي تبلور في أوروبا من خلال الصراع الاجتماعي في عصر التنوير ودفع ثمنه فلاسفة ومفكرون.. وانتهى الي تحرير الدولة الاوروبية من الكهنوت.. بالمقابل ظلت الدول العربية والاسلامية علي مفهوم (دار الاسلام ودار الحرب).. بمعنى (دولة العقيدة الاسلامية) .. ولم ترتقي الأحزاب السياسية بفكرها السياسي الى (دولة المواطنة المتساوية) التي تعلي من (رابطة الارض والوطن) .. وتربط هذه الأحزاب الشمالية بين الدولة السودانية الحديثة المتنوعة جغرافيا ودينيا وثقافيا ولغويا وبين جزيرة العرب قبل ١٤٠٠ سنة والتي لا يجتمع فيها دينان ! موقف الاحزاب الشمالية داخل المؤتمر يشرحه لنا ايضا د سلمان محمد احمد سلمان في المقتطف التالي:

( لكن ممثلي الأحزاب الخمسة الشمالية وجبهة الهيئات اتبعوا طريقاً مختلفاً في كلماتهم، مؤكدين كلهم رفضهم التام لكلِّ ما يمكن أن يقسّم السودان، بما في ذلك النظام الفيدرالي، ومعلنين إصرارهم على وحدة السودان. وقد أوضحوا أسباب رفضهم للنظام الفيدرالي بأنه يمثل في نظرهم الخطوة الأولى نحو الانفصال. وقد علت الهتافات باللغة الإنجليزية “نو فيدريشن فور ون نيشن – لا فيدرالية لأمّةٍ واحدة!”
بل ذهب بعض ممثلي الأحزاب خطوةً أبعد من ذلك عندما هاجم السيد إسماعيل الأزهري ممثل الحزب الوطني الاتحادي في المؤتمر مطلب الفيدرالية مصرّاً على أن الجنوب كان وسيظل جزءاً من السودان. وأشار السيد إسماعيل الأزهري إلى أن النظام الفيدرالي الغرض منه هو جمع دولٍ مستقلة تحت غطاءٍ واحد، وليس تقسيم دولةٍ واحدة إلى دولتين. ويبدو أن السيد اسماعيل الأزهري وممثلي الأحزاب الأخرى قد خلطوا بين الفيدرالية والكونفيدرالية. أعلن السيد الأزهري اعتزازه بتراثه الإسلامي والعربي، وأدّعى أن اللغة العربية هي أكثر اللغات المستعملة في أفريقيا، مما أكد التوجّه العربي الإسلامي للسودان كبرنامجٍ للأحزاب الشمالية.) آنتهى. المرجع السابق/ د سلمان محمد آحمد سلمان.

(٥) موقف عبد الخالق محجوب/الحزب الشيوعي المتفرد الذي رفضه الجنوبيون والأحزاب الشمالية على السواء وهو (منح الجنوب الحكم الذاتي الاقليمي في اطار السودان الموحد) :

موقف عبدالخالق محجوب داخل مؤتمر المائدة المستديرة المتفرد الذي رفضه الجنوبيون و الشماليون وصار (حجر الزاوية) لاحقا في عهد مايو .. صار (الحجر الذي نسيه البناؤون فصار حجر الزاوية) .. وهو ( الحكم الأقليمي الذاتي لجنوب السودان) .. وقد تم تضمين هذه الفكرة لاحقا في بيان ٩/ يونيو ١٩٦٩ بعد اسبوعين فقط من انقلاب مايو ١٩٦٩ .. وقد كان البيان بتوقيع السيد جوزيف غرنق عضو الحزب الشيوعي بصفته (وزير وزارة شئون الجنوب) في اول وزرة شكتها سلطة مايو الانقلابية.. وقد نال البيان رضى الجنوبيين وكان حجر الأساس لاتفاقية سلام اديس ابابا ١٩٧٢ .. فالي موقف السيد عبدالخالق محجوب في مؤتمر المائدة المستديرة انقله من ذات المصدر- مقال دكتور سلمان محمد احمد سلمان:

( حتى السيد عبد الخالق محجوب ممثل الحزب الشيوعي السوداني في المؤتمر أعلن أن حزبه يقف ضد النظام الفيدرالي واقترح بديلاً عنه نظام الحكم الإقليمي الذاتي لجنوب السودان. وقد رفض ممثلو الأحزاب الشمالية الأخرى هذا الاقتراح، بينما تجاهله ممثلو الأحزاب الجنوبية.) آنتهى. المرجع السابق/مقال د سلمان محمد احمد سلمان..
تجدر الإشارة الى أن الاستاذ محمود محمد طه قد طرح في كتابه (اسست دستور السودان) عام ١٩٥٥ الفيدرالية لكل أقاليم السودان بما في ذلك الاقليم الجنوبي شاملا مديرياته الثلاثة انذاك.. وبذلك يعتبر اول من اقر بحق المديريات الجنوبية الثلاثة في نظام فيدرالي.

(٦) فترة الديمقراطية الثانية (١٩٦٤ - ١٩٦٩)كانت اسوأ عهود الحكم الوطني في دولة ١٩٥٦ برز فيها (رموز الجهل المقدس ) د حسن الترابي والصادق المهدي ، أجهضت شعارات ثورة أكتوبر المستندة إلى مرجعية الحرية والليبرالية.. واعادت ذات شعرات نظام عبود (الاسلام والعروبة ومن لا يعجبه ذلك فليغادر السودان) ! :

كانت فترة الديمقراطية الثانية (١٩٦٤-١٩٦٩) هي اسوأ عهود الحكم في دولة ١٩٥٦ ، وذلك لانها الفترة التي شهدت بروز رموز الجهل المقدس .. هذه الرموز هي (الشيخ حسن الترابي، والصادق المهدي) ، بمشروعهما (الاسلامي العروبي ) .. هذا المشروع الذي قاومه الجنوبيون بشراسة في عهد نظام عبود وتسببت مقاومتهم في اندلاع ثورة أكتوبر المجيدة.. فكان من السخف السياسي أن تنجب ثورة أكتوبر قيادات إسلامية متخلفة ماضوية سلفية ارتدادية للماضي الاسلامي بكل حمولات القرون الوسطى.. هذا الفهم الماضوي الاسلاموي الذي يعرف فقط (دولة العقيدة الإسلامية) .. ببعدها الحنبلي الأشعري . فقد انشأ الشيخ حسن الترابي (جبهة الميثاق الإسلامي) وهي جبهة شعبوية مكونة من الاخوان المسلميين وانصار السنة والصوفية.. اما الصادق المهدي فقد تبنى مشروعا اسلاميا يقوم على فكرة تجديد المهدية، وسوف نتناول في الفقرة ٧ القادمة مسألة التجديد الاسلامي عند الصادق المهدي، ولكنا سوف نقوم بتوضيح التوجه الاسلامي العام في الساحة السياسية السودانية في فترة الديمقراطية الثانية في السودان من خلال المقتطف ادناه لاستاذنا د سلمان محمد احمد سلمان:

( استمرت الأحزاب الشمالية في محاولاتها فرض التوجّه والوجه الإسلامي العربي للسودان، وظلّ كلٌ من القادة السياسيين يؤكد ويكرّر ذلك الوجه والتوجّه. فقد ألقى السيد الصادق المهدي خطاباً أمام الجمعية التأسيسية في أكتوبر عام 1966، عندما كان رئيسا للوزراء، وأكّد أن هويّة السودان هي هويّةٌ عربيةٌ وإسلاميةٌ، وأن الأمة السودانية لن تستطيع تعريف هويّتها، وتحتفظ بهيبتها وعزِّها، بغير إحياء الإسلام.
وقد ذهب الدكتور حسن الترابي أبعد من هذا عندما أعلن في استخفافٍ كبير أن جنوب السودان يعيش حالة فراغٍ ثقافية لا بُدَّ من ملئها بالإسلام والعروبة. انضم السيد علي عبد الرحمن نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الذي اندمج فيه حزب الشعب الديمقراطي والحزب الوطني الاتحادي عام 1967) إلى ذلك الركب، وأعلن أن السودان بلدٌ عربيٌ إسلاميٌ ومن لا يستطيع أن يتعايش مع هذه الحقيقة فعليه أن يحزم أمتعته ويغادر السودان.) انتهى. المرجع: د سلمان محمد احمد سلمان/ قراءات مؤتمر المائدة المستديرة واتفاقية أديس أبابا: تعقيب علي السيد الصادق المهدي (3-4)/ صحيفة الراكوبة /٢٦/ ابريل ٢٠١٧ .

(٧) التجديد عند الصادق المهدي من منظور الاستاذ حيدر ابراهيم علي:

بدعة استخدام الدين الإسلامي كاداة للعزل السياسي والتكفير بين الاحزاب الشمالية بدأت وبكل اسف في فترة الديموقراطية الثانية، وقد كان هذا الإقصاء الديني في الماضي يمارس ضد الجنوبيين وحدهم حتى بروز رموز (الجهل المقدس - الترابي والصادق المهدي)! المؤسف ان رموز الجهل المقدس المذكورة قد استخدمت قواعدها الشعبوية المضللة للتحريض ضد الحزب الشيوعي، وقد استغلت حادثة معهد المعلمين العالي التي تلفظ فيها احد الطلاب بألفاظ غير لائقة بمقام السيدة عائشة ام المؤمنين، وقد انكر الحزب الحزب الشيوعي صلة هذا الطالب بالحزب، وقد تصاعد النشاط الشعبوي ضد الحزب الشيوعي وقاد الي اجراءات حله وطرد نوابه من داخل البرلمان!! من المؤسف حقا أن تنتج ثورة أكتوبر قيادات سياسية (في الاتجاه المعاكس) لشعارات ثورة أكتوبر القائمة على الحرية والليبرالية..

اعتقد أن من اعظم الأعمال الفكرية لاستاذنا د حيدر إبراهيم علي هو كتابه النقدي (التجديد عند الصادق المهدي) .. لم يسبقه في مثل هذا المضمار (حسب معلوماتي المتواضعة) إلا كتاب الاخوان الجمهوريين ( الصادق المهدي والقيادة الملهمة والحق المقدس)الصادر بتاريخ ١٢/نوفمبر ١٩٧٧ وقد كان من اهم المراجع التي اعتمد عليها د حيدر في كتابه (التجديد عند الصادق المهدي: الإشكاليات والاختلالات) . وقد تكرّم الصحفي المحترم صديق محيسي بكتابة سلسلة من المقالات تناول فيها بالشرح والتحليل لكتاب د حيدر ابراهيم وقد حملت مقالات الاخ صديق محيسي ذات عنوان كتاب د حيدر ابراهيم (التجديد عند الصادق المهدي) .. يعنيني من مقالات صديق محيسي المشار إليها الربط المحكم بين (علاقة الصادق المهدي وحركة الاخوان المسلميين منذ عام ١٩٥٣ . . والهدف المشترك بين الصادق المهدي وحزب الأمة من طرف.. وبين تنظيم الاخوان المسلمين فى السودان ومصر. ولعل اهم هدف مشترك كان (محاربة الشيوعية في السودان) كما يتضح من المقتطف ادناه من مقال صديق محيسي (٣-٣) :

(كان من المحتم أن يكون(الصادق)بكل مقوماته الدينية والفكرية الموروثة والمكتسبة،ذا صلة وثيقة مع أي حركات إسلامية محافظة تظهر في السودان،بهدف محاربة"الخطر" الشيوعي.ولذلك،وجد في حركة(الإخوان المسلمين) السودانية،الكثير المشترك. ومن أهم فوائد وجودها،أنها اعفته من الاتصال المباشر بالإخوان المسلمين المصريين ،وبالتنظيم العالمي.وحتي حين كان في بريطانيا،كانت صلته من خلال قنوات غير مباشرة مثل اتحادات الطلبة.ويقول أنها"نشأت من أصول سودانية في مرحلة طفولتها،ولكنها في مرحلة صباها ارتبطت بحركة الإخوان المسلمين-الأم-المصرية واستكدت منها أدبها ونظامها". ويذكر أنه التقي بالحركة في جامعة الخرطوم في عام1953.ووجد فيها الحليف الاستراتيجي الصحيح لا تؤثر فيه مرحلية سياسية تتمثل في الكفاح ضد الاستعمار،لأن التزامهم الفكري الاصيل هو التزام إسلامي.فقد قدم لتقاربه مع الإخوان مبررا قويا يجعلهما متكاملين بجذر إسلامي مهدوي وحديث،يكتب:-"..وبدا لي أن التحالف بيننا كاتجاه إسلامي يستمد من دعوة الإمام المهدي ويستمتع بقاعدة شعبية،وبينهم كإتجاه إسلامي حديث يحظي بوجود مهم في القطاع الاجتماعي الحديث، تحالف طبيعي يمكنه أن يقوم بدور دفاعي في حماية المجتمع من الهجمة الشيوعية،وبدور ايجابي يقدم الإسلام نظاما حديثا وبديلا حضاريا باسلوب شعبي ديمقراطي هذا شكل للتفكير بالرغبات لأنه لم يكن في الواقع أي أثر لإسلام حديث ولا اسلوب شعبي ديمقراطي،لدي الطرفين لا في البرامج ولا الممارسة.كان كل الذي يجمعهم مع عداوة الشيوعية،الدعوة لتطبيق الشرعية دون اجتهاد حديث ولا تقديم مشروع دستور إسلامي متطور،عدا مذكرة حسن مدثر قاضي قضاة السودان في 18 نوفمبر1956.وهذا الالتزام الفكري المحلق في المثال لم يكن أكثر من لقاء جامع للقوي التقليدية استهل به(الإخوان المسلمون)عهدهم باختراق واستغلال وابتزاز أغلب المسلمين المنظمين في أي كيان.فقد وجّه الإخوان المسلمون وجماعة التبشير الإسلامي والإصلاح،الدعوة إلي الهيئات الإسلامية في السودان لاجتماع ينظر في مسألة وضع دستور إسلامي يتفق مع إرادة الشعب السوداني،ويستند الي الكتاب والسنة.وتم الاجتماع في نادي جماعة التبشير بام درمان في يوميّ 10و11ديسمبر1955.). انتهى . المرجع : صديق محيسي/التجديد عند الصادق المهدي: الإشكاليات والاختلالات (٣-٣)/سودانايل/١٦/مايو/٢٠١٢ .

(٨) الصادق المهدي (كوز ) نافع لتنظيم الاخوان المسلمين .. ضار بالوطن، ومفهوم المواطنة المتساوية؟ وهذه هي الأدلة :

(أ) عقدة الصادق المهدي من حالة كونه ينتمي لبيت وحزب طائفي رجعي متخلف !! :
لقد نشأ الصادق المهدي في بيت وبيئة طائفية متخلفة عن روح العصر، وقد رسخت الأحزاب اليسارية وحركة الاخوان الجمهوريين.. رسخت في الأذهان ان (حركة الانصار وحزب وحزب الامة ) مؤسسة (رجعية طائفية متخلفة) .. لذلك في عقود الخمسينات،والستينات والسبعينات وحتي منتصف الثمانينات من القرن العشرين كان الانتماء (لحزب الآمة في جامعة الخرطوم (عيبا) .. فقد كان الطلاب ياتون من الأقاليم الي الجامعة وهم (ابناء انصار) .. ولكنهم يكتشفون أن لا وجود لحزب الامة في الجامعة.. لذلك ينتمي ابناء الانصار للاتجاه الاسلامي .. ويصرح الطالب بأنه (حركيا اتجاه إسلامى، وعقديا انصاري ) وقد كان اسم الطالب (ابن عمر محمد احمد ) ينزل كمرشح لعضوية اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في قائمتين: قائمة الاتجاه الإسلامي، وقائمة حزب الأمة في وقت واحد. .وتأكيداً لذلك ايضاً.. فقد كان الكوز (محمد طه محمد احمد ) رحمه الله، يقول.. وقد كان في ثالثة قانون يحرر منفردا صحيفة (اشواك -صحيفة حائطية مستقلة) .. يقول محمد طه عن نفسه في صفحته اشواك : (لو كنت عضوا في حزب الامة لصرت وزيرا للإعلام!! ) بقصد التعبير كناية عن (الفقر المدقع في حزب الامة من المثقفين والكوادر المتعلمة .
(ب) الصادق المهدي يستخدم (حركة الخوان السلمين بقيادة د حسن الترابي (كواجهة او مكتب من مكاتب حزب الامة ) .. لان نمو وازدهار (الحركة الاسلامية الإخوانية) يكون علي حساب نفوذ (الختمية والحزب الوطني الاتحادي، وحزب الشعب الديمقراطي/ الختمية وليس علي حساب حزب الامة لكون ان كوادر الحركة الاسلامية تنافس مرشحي الاحزاب الاتحادية في الدوائر المقفولة لها تاريخيا .. خاصة في ولاية الخرطوم.
(ج) الخدمات الكيزانية الجليلة التي قدمها الصادق المهدي للحركة الإسلامية بصفته (الكوز المختفي (المندس) داخل حزب الأمة) لم يقدمها اي كوز منتمي علنا للحركة الإسلامية.. اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
(اولا) التحالف الاستراتيجي بين الصادق المهدي وحركة الاخوان المسلمين منذ عام ١٩٥٣ كما سبق بيانه في المقتطف الوارد في الفقرة (٧) اعلاه من مقال الصحفي صديق محيسي ، كان أساسه (مكافحة الخطر الشيوعي ) .. لذلك (تماهي الصادق المهدي وحزب الأمة) مع شباب الاخوان المسلمين في قيادة الحركة الجماهيرية الشعبوية ابان فتنة شوقي في معهد المعلمين العالي/كلية التربية.. التي انتظمت الشارع السوداني كله وادّت في النهاية الى حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية.. شاهدنا في هذا المقام ان حل الحزب الشيوعي عام ١٩٦٥ كان المستفيد الاستراتيجي منه هو (امريكا) ، والمستفيد المباشر منه على الارض في السودان هو تنظيم الاخوان المسلمين الند المنافس لليسار في الحركة النقابية الطلابية، والمستفيد الاخر هو الأحزاب الاتحادية التي تتنافس مع الحزب الشيوعي في الدوائر الجغرافية ودوائر الخريجين في ولاية الخرطوم.
شاهدنا مما تقدم ان لعنة الفيلسوفة الإيطالي جوردانو برودو حول الجهل المقدس قد انطبقت تماماً على رمزي اكتوبر-حسن الترابي والصادق المهدي- حين قاما بتحريك سواد الشارع السوداني من الدهماء الذين لم يسمعوا ولم يقرأوا حتي (البيان الشيوعي لماركس وانجلس ، ولا راس المال.. ولا علم لهم بالمادية التاريخية والمادية الجدلية.. يهتفون بشعارات الاخوان المسلمين (لا شيوعية ولا الحاد) .. وامريكا في غاية السعادة من الربط المحكم بين (الشيوعية والالحاد).. وتحويل مناهضة الشيوعية إلى معركة بين الاسلام والشيوعية ) !!
(ثانيا) استخدم الصادق المهدي بصفته رئيسا للجبهة الوطنية المناهضة لانقلاب مايو ١٩٦٩ اليساري، استخدم (الجهل المقدس) من دهماء جماهير الانصار في مقاومة نظام مايو رغم الفتنة الداخلية بين قبائل اليسار والتي قادت الى ان (تاكل ثورة مايو اباها - اعدام الشهيد عبدالخالق محجوب ورفاقه يوليو ١٩٧١ ).. فقد استمر نشاط الجبهة الوطنية بقيادة الصادق المهدي حتى المحاولة الفاشلة لتغيير نظام مايو بالقوة المسلحة في العملية المسماة زورا (بالغزو الاجنبي - المرتزقة) بقيادة العميد الشهيد الفارس/ محمد نور سعد في ٢ يوليو ١٩٧٦ .
(ثالثا) اجتماع السفينة بين النميري والصادق المهدي في بورتسودان عام ١٩٧٧ كان مكتمل الحضور وان تغيب عنه ظاهريا (الاخوان المسلمون) .. لأنه إذا حضر الاصل (الصادق) فان حضور الفرع / الواجهة يصبح زيادة وترف ! والاهم من ذلك ان الصادق المهدي في اجتماع السفينة قد فاوض النميري وتوافق وتواثق معه على اساس (مشروع الاخوان المسلمين ) فصار الترابي الغائب/الحاضر ) - لقد تمت المصالحة الوطنية على اساس (الشريعة بمفهوم الاخوان المسلمين الهلامي الماضوي السلفي الانكفائي علي حد تعبير الصادق المهدي.. ومن خلال المصالحة الوطنية حققت الحركة الإسلامية بقيادة الترابي التمكين، وانشات بنك فيصل الاسلامي، ومنظمة الدعوة الإسلامية، والإغاثة الاسلامية..الخ وكلّ الواجهات التي مكنت الحركة الإسلامية من المشاركة بقوة في الديمقراطية الثالثة ومن خلالها تمكنت من تنفيذ انقلابها المشؤوم في يونيو ١٩٨٩ والذي أدي إلى تقسيم السودان، ثم الي تدميره إربا..إربا!!

(رابعا) وفّر الصادق المهدي الغطاء الامني اللازم لنجاح انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ المشؤوم.. هذا الانقلاب كان مكشوفا للأجهزة الأمنية في ذلك الوقت.. لسبب بسيط هو أن كوادر الحركة الإسلامية هي التي قامت بتنفيذه.. وقد اتت قطاعات واسعة من هذه الكوادر الإسلامية من أقاليم السودان المختلفة للاشتراك في تنفيذه ..لذلك كان من السهل رصدها.. فالمعلومة التي يعرفها آلاف الأشخاص من المدنيين لابد أن تصل إلى الاجهزة الأمنية.. وقد وصلت معلومة الانقلاب إلى الصادق المهدي عبر وزير داخليته خالد فرح .. اكثر من ذلك.. فان الحركة الإسلامية قد بلغت الصادق المهدي رسمياً بساعة الصفر لتنفيذ الانقلاب عبر الاستاذ احمد سليمان المحامي.. لذلك كان الصادق المهدي متواطئا مع الحركة الاسلامية في تنفيذ انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ . فقد كانت لدي الصادق المهدي رغبة قوية لإجهاض اتفاق الميرغني غرنق باي ثمن ولو بغض الطرف عن انقلاب الجبهة الاسلامية!! كل هذه الأدلة أعلاه تؤكد ان تحالف (الصادق المهدي/الترابي ) كان اكبر كارثة على (الوطن السوداني) وكارثة على (الاسلام) .. لان التجربة الانسانية (ومن ضمنها تجربة الدولة الاسلامية في صدر الإسلام - الفتنة الكبرى) قد برهنت على انك إذا خلطت الدين بالسياسة فسد الاثنان.

ابوبكر القاضي
نيوبورت /ويلز/ UK
٨/فبراير/٢٠٢٤
Sent from my iPad

aboubakrelgadi@hotmail.com

 

آراء