ما أروع الابحار في عوالم الأدبيات الصوفية

 


 

 

زهير عثمان حمد

سألني مجموعة من الاصدقاء الدارسين للثقافة و الادب العربي المعاصر في جنوب شرق أسيا عن الثيمات المشتركة في الأدبيات الصوفية؟ وكنت في هذا الامر محدود المعرفة لدرجة أنني ذهبت الي المكتبة باحثا من يساعدني في الاجابة وكذلك يفتح أفاق جديدة في هذا المجال الغاب عن ذهني لأسباب أعرف بعضها ,الاخر لا يحضرني لانشغالي بأمر البحث في العلوم الجديدة والأخر ما سوف يكون عليه أمر الانسانية في المستقبل القريب وهذا الهوس ورثته عن أساتذتي في جامعة ال البيت الاردنية وبالفعل بدأت البحث عن هذه الظاهرة ووجد الأدبيات الصوفية المعاصرة هي مجموعة من الأعمال الأدبية التي تستلهم الفكر والروحانية الصوفية في مواجهة التحديات والتغيرات الحديثة. تتنوع هذه الأدبيات في أشكالها وأساليبها وموضوعاتها، وتشمل الرواية والشعر والمقالة والدراسة النقدية. وهذه بعض الأدبيات الصوفية المعاصرة هي:كتاب “الصوفية في الرواية العربية المعاصرة” لزياد المرصفي، والذي يحلل طريقة وهدف استخدام الأفكار والثيمات الصوفية في روايات عربية مختارة من النصف الثاني من القرن العشرين.
كتاب “الصوفية المعاصرة… أنواعها؛ ومنهجية الحكم والتقييم” لمحمد خير موسى، والذي يقسم الصوفية المعاصرة إلى أربعة أنواع: الصوفية العلمية، والصوفية الطرقية، والصوفية الحركية، والصوفية الفنية، ويبين مميزات وعيوب كل نوع.

كتاب “التجربة الصوفية دراسة في الشعرية العربية المعاصرة” لمحمد عبد الرحمن العربي والذي يتناول جماليات النص الصوفي في الشعر العربي المعاصر، ويستعرض تأثيرات الصوفية على الشعراء العرب المعاصرين مثل أدونيس، وصلاح عبد الصبور، وعبد الوهاب البياتي، ومحمد عفيفي مطر.

مقال “جماليات الحضور الصوفي في الشعر العربي المعاصر” لمحمد عبد الله السيد والذي يدرس الحضور الصوفي في الشعر العربي المعاصر من خلال تحليل نماذج شعرية لشعراء معاصرين مثل محمود درويش، ونزار قباني، وأحمد مطر، وغيرهم.

كتاب “الخطاب الصوفي في الشعر العربي المعاصر: (أدونيس، صلاح عبد الصبور، عبد الوهاب البياتي)” لمحمد عبد الله العمري، والذي يبحث في خصائص ومقومات الخطاب الصوفي في الشعر العربي المعاصر، ويقارن بين ثلاثة من أبرز الشعراء العرب المعاصرين الذين تأثروا بالتصوف أدونيس، وصلاح عبد الصبور، وعبد الوهاب البياتي.الأدبيات الصوفية هي تعبير عن التجربة الروحية والمعرفية للمتصوفين، وتحمل في طياتها ثيمات مشتركة تميزها عن غيرها من الأدبيات. بعض هذه الثيمات هي:الحب الإلهي: هو الشوق والعشق والانجذاب إلى الله، والسعي إلى القرب منه والاتحاد به. يعبر المتصوفون عن هذا الحب بلغة شاعرية ومجازية، ويستخدمون رموزًا وصورًا مستوحاة من الحب الإنساني، مثل الحبيب والمحبوب، والشمس والقمر، والماء والنار، والعنبر والمسك، والوردة والشوكة، وغيرها.

المعرفة الباطنية: هي الإدراك والفهم والشهود للحقائق الخفية والأسرار الإلهية، والتي تتجاوز العقل والشرع والظاهر. تتميز هذه المعرفة بأنها مبنية على التجربة الشخصية والإلهام الرباني، وتستلزم الطهارة والزهد والمراقبة والمجاهدة والتفكر والذكر والسماع والرقص والسكر والجماع والفناء والبقاء.

التصوف الاجتماعي: هو الانخراط والتفاعل والتأثير في الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي، والتواصل مع الناس والخلق والطبيعة. يظهر هذا التصوف في الدعوة والإصلاح والخدمة والمقاومة والثورة والتضحية والشفاعة والكرم والعفو والرحمة والتسامح والحوار والتعايش والتعاون والتكافل والتضامن.

الأساليب المستخدمة في التعبير عن الحب الإلهي في الأدبية الصوفية هي عديدة ومتنوعة، وتعكس تجارب ومذاهب واتجاهات الصوفية في الحب. بعض هذه الأساليب هي
الرمز والإشارة: هي أسلوب يستخدم الصوفية للتلميح والإيحاء بمعاني روحية باطنة، تتجاوز العقل والظاهر. يستعمل الصوفية في هذا الأسلوب رموزًا وصورًا مستوحاة من الحب الإنساني، مثل الحبيب والمحبوب، والشمس والقمر، والماء والنار، والخمر والسكر، والنكاح والوصال، وغيرها.

العبارة والتصريح: هي أسلوب يستخدم الصوفية للتعبير والتوضيح بمعاني واضحة وصريحة، تعبر عن حقيقة الحب الإلهي وجماله وكماله وجلاله. يستعمل الصوفية في هذا الأسلوب عبارات وألفاظ متعارف عليها، مثل الشهود والمعرفة، والحرية والفناء، والبقاء والوجود، وغيرها.

التمثيل والتصوير: هي أسلوب يستخدم الصوفية للتجسيد والتخيل بمعاني فنية وجمالية، تعبر عن تجارب وأحوال الحب الإلهي. يستعمل الصوفية في هذا الأسلوب تمثيلات وتصويرات مبتكرة ومبدعة، مثل الطائر والوطن، والمغاني والأطلال، والغياض والرياض، وليلى وسعدى، وغيرها.

هذه بعض الأساليب المستخدمة في التعبير عن الحب الإلهي في الأدبية الصوفية، وهناك أساليب أخرى متعلقة بالنغم والسماع والرقص والسكر والجماع والفناء والبقاء

هناك العديد من القصائد الصوفية المشهورة التي تعبر عن الحب الإلهي والتجربة الروحية للمتصوفين. بعض هذه القصائد هي:

قصيدة “يا نسيم الريح قولي للرشا” للحسن بن منصور الحلاج، والتي تصف شوقه وعشقه لله وانجذابه إليه واتحاده به.

قصيدة “عرفت الهوى مذ عرفت هواك” لرابعة العدوية، والتي تعبر عن حبها الخالص لله ورضاها بمشيئته وحمده في كل حال.

قصيدة “ته دلالا فأنت أهل لذاكا” لابن الفارض، والتي تصف جمال الله وجلاله وحقه في الدلال والتحكم والتصرف بعباده.

قصيدة “أبدا تحن إليكم الأرواح” للسهروردي، والتي تصف حال العاشقين لله ومعاناتهم وأحوالهم ورجائهم وأمنياتهم.

هذه بعض الأمثلة على القصائد الصوفية المشهورة، وهناك المزيد من القصائد الصوفية التي تستحق القراءة والتأمل

في عصرنا الحالي تجد العديد من القصائد الصوفية المعاصرة التي تعبر عن الحب الإلهي والتجربة الروحية للمتصوفين في العصر الحديث. بعض هذه القصائد هي:

قصيدة “أنا الحبيب” للشاعر السوري علي الجندي، والتي تصف حالة العاشق الذي يرى نفسه هو الحبيب والمحبوب في وحدة الوجود.

قصيدة “المسافر” للشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي، والتي تصف رحلة البحث عن الحقيقة والمعرفة والتحرر من القيود والأوهام.

قصيدة “المنادي” للشاعر اللبناني أدونيس، والتي تصف صوت الحبيب الذي ينادي العاشق من خلف الحجب والأسرار.

قصيدة “الماء والنار” للشاعر المصري صلاح عبد الصبور، والتي تصف التناقض بين الحب والعذاب والحياة والموت في تجربة الصوفية.

قصيدة “الحب والموت” للشاعر السعودي غازي القصيبي، والتي تصف الحب كسبيل للموت والموت كسبيل للحب في رؤية صوفية.

الفروق الواضحة بين شعراء الصوفية القدماء والمعاصرين هي:المنهج والمصادر: شعراء الصوفية القدماء كانوا يتبعون المنهج الصوفي الأصيل، ويستندون إلى مصادر الإسلام الأولى، مثل القرآن والسنة والسلف الصالح. أما شعراء الصوفية المعاصرين، فقد تأثروا بمصادر أخرى، مثل الفلسفة والعلوم والأديان والثقافات الأخرى.

اللغة والأسلوب: شعراء الصوفية القدماء كانوا يستخدمون لغة عربية فصيحة وبليغة، وأسلوبًا شاعريًا رفيعًا ومتقنًا، ويعتمدون على الرمز والإشارة والتمثيل والتصوير. أما شعراء الصوفية المعاصرين، فقد استخدموا لغة عربية مبسطة ومعاصرة، وأسلوبًا شاعريًا حرًا ومبتكرًا، ويعتمدون على العبارة والتصريح والتحليل والنقد.

الموضوعات والرؤى: شعراء الصوفية القدماء كانوا يتناولون موضوعات روحية ومعرفية، مثل الحب الإلهي والمعرفة الباطنية والتصوف الاجتماعي. أما شعراء الصوفية المعاصرين، فقد تناولون موضوعات واقعية ومعاصرة، مثل التطور التكنولوجي والعولمة والهوية والحرية والثورة.

هذه بعض الفروق الواضحة بين شعراء الصوفية القدماء والمعاصرين، وهناك فروق أخرى تتعلق بالمدارس والاتجاهات والأثر والتأثير.

المتعة الروحية التي نجدها في الأدب الصوفي هي متعة الانسجام والانصهار مع الحقيقة الإلهية، والتذوق والشهود للأسرار والجمال والكمال الذي يملأ الوجود. هي متعة الحب والوله والشوق والعشق للحبيب الأعلى، والسعي والمجاهدة والتضحية والفناء والبقاء في سبيل الوصال والجماع. هي متعة الزهد والتقوى والرضا والشكر والحمد والثناء على الله في كل حال. هي متعة الخدمة والإصلاح والرحمة والتسامح والتعاون والتضامن مع الخلق والطبيعة

القراء يميلون إلى هذه الأدبيات لأنها تلامس مشاعرهم وحاجاتهم الروحية، وترفعهم عن الواقع المادي والظروف الصعبة، وتنقلهم إلى عالم آخر من النور والسلام والسرور. كما أنها تعطيهم رؤى وأفكار ومعارف تثري عقولهم وتنمي ثقافتهم وتحسن أخلاقهم.

هذا العالم الفريد الذي يصوره الأدب الصوفي هو عالم روحي عميق، يحتاج إلى تفكر وتأمل وتدبر لفهمه واستيعابه. هو عالم يستخدم فيه الأدب الصوفي أساليب وألفاظ ورموز ومجازات وتشبيهات وتمثيلات وتصويرات متنوعة ومبدعة، تجعله غنيًا وجميلًا ومؤثرًا. هو عالم يتميز بالتنوع والتجديد والتطور، فهو يتأثر بالظروف والمحيطات والثقافات والحضارات المختلفة، ويسعى إلى التواصل والحوار والتعايش معها. هو عالم يحمل في طياته رسالة ودعوة وهدف، وهو تحقيق السعادة الروحية والنفسية والاجتماعية للإنسان، والارتقاء به إلى مراتب الكمال والجلال.

الأدب الصوفي يعتبر رافدًا من روافد المعرفة الإنسانية، وتجربة إبداعية تنصب فيها خلجات الوجدان الروحي. يتجسد من خلالها تلك العلاقة الخاصة بين الخالق والمخلوق. يسعى المتصوفون للإحساس باللذة الروحية والسعادة الأزلية. يستخدمون لغة الرمز الشاعرية للتعبير عن مكنونات وجدانهم. الطبيعة تظهر كمظهر لتجليات رموزهم الشعرية، والمرأة تصبح رمزًا لطلاسم ولههم التعلقي بالحضرات القدسية. الخمرة تمثل نشوة سكرهم في فناء المحبوب. هذه الوقفة البحثية تعكس جمال الأدب الصوفي وغموضه

في الأدب الصوفي، يعشقون التلويح والتلميح والإيحاء والإيجاز. أفكارهم لطيفة وروحية، ويتجاوزون اللغة الحسية العاجزة عن الإبانة والإفصاح. ينقلون من حال إلى حال، واللغة اللفظية تعجز عن وصف تلك التجارب الروحية. لذا يلجئون إلى الإشارة للتعبير عن معانيهم العميقة
وقد يسالني سأئل لماذا غاب شعراء المتصوفة السودانيين وسوف أعود للأمر مرة أخري

zuhair.osman@aol.com

 

آراء