أبجديات أهداف التنمية المستدامة وموقع السودان منها، الهدف الرابع عشر، الحياة تحت الماء (14 من 17)

 


 

 

د. حسن حميدة – ألمانيا

يعني الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة بالحياة تحت الماء، ويعمل على الحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية والمسطحات المائية الأخرى وترشيد استخدامها على نحو واع لتحقيق التنمية المستدامة المبتغاة عبر منظمة الأمم المتحدة حتى العام .2030 وتمثل هنا المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار موائل مهمة للكائنات الحية تحت الماء، فهي تتمتع بأنظمة بيئية ذات توازن مستقر، كما أنها تعتبر موطن أصلي لكائنات متعددة ومتنوعة، تتميز بأنها لا تغادر أعماق البحار والمحيطات إذا ما قورنت بكائنات البر الحية، التي هي في ترحال دائم، من موقع إلى آخر، بحثا عن الغذاء، أو التكاثر، أو المأوى الآمن. وبدءا من البكتيريا إلى النباتات إلى الحيوانات، تعيش ملايين الأنواع في المحيطات والبحار وتستفيد من بعضها البعض في سبل العيش الذي يكون أحيانا عيش تكافلي في بيئة عميقة ومظلمة ومكيفة. وتمثل المحيطات والبحارحوالي 70 % من سطح الأرض، وتقسم العالم إلى قارات ومناطق مختلفة. وتمتص حوالي 30 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية الناتجة عن التأثيرات الطبيعية والبشرية، والكامنة في غلاف الأرض الخارجي.

ووفقا لإحصائيات الأمم المتحدة، يعتمد حوالي ثلاثة مليارات شخص بشكل مباشر أو غير مباشر على المحيطات والبحار والموارد البحرية في سبل العيش. وتمثل المحيطات والبحار مصادر مهمة للدخل والبروتينات ذات الأصل الحيواني، حيث يعتمد حوالي 3.2 مليارات شخص على الأسماك وثمار البحر كمصدر للبروتين الحيواني. ويعمل ملايين الأشخاص في صيد الأسماك لكسب لقمة العيش لأنفسهم ولأسرهم من خلال صيد الأسماك والمأكولات البحرية. وإذا أصبحت المحيطات والبحار ذات يوم ملوثة بشكل متزايد، فلن تكون فقط الكائنات الحية التي تعيش هناك مهددة بالإنقراض، بل أيضا البشر على إختلاف مشاربهم. أحد الأمثلة على ذلك من التأثير الضار ببيئة المحيطات والبحار، هو التلوث المفتعل للأغذية والأعلاف الحيوانية عبر السلسلة الغذائية. وينتهي الأمر بالمنتجات القادمة من المحيطات والبحار الملوثة بالمواد الكيميائية السامة والجسيمات البلاستيكية الدقيقة على مائدة الطعام دون مراقبة للمواصفات، الشيء الذي يمكن أن يتسبب في حدوث مشاكل صحية للمستهلكين، تنتهي بحدوث أعراض صحية أو أمراض ذات إرتباط وشيج بسلسلة الغذاء الملوثة، وتكون في هذه الحالة منتجات محيطية أو بحرية المنشأ.

وبالإضافة إلى ارتفاع درجات حرارة المياه في المحيطات والبحار بسبب تغير المناخ العالمي، فإنها تتعرض لمخاطر أخرى تزيد من تفاقم وضعها البيئي والحيوي. ويشمل هذا البحث عن الموارد المعدنية في أعماق المحيطات والبحار، والبناء الجديد للمدن والموانيء والمنشآت الصناعية على السواحل، وجمع النفايات والتخلص منها بسبل غير بيئية، مثل المواد الكيميائية والجسيمات البلاستيكية الدقيقة، والمواقع الملوثة بالمواد المشعة، والذخائر والقنابل الكامنة في القاع منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتصريف النفايات عبر المياه إلى الجزر والمحميات الطبيعية في عرض المحيطات والبحار. زيادة على ذلك يأتي دور استخدام الأسمدة الزراعية ومياه الصرف الصحي غير المعالجة من محطات معالجة مياه الصرف الصحي ومصانع الأدوية، والتلوث من خلال الزراعة وتربية الحيوانات، وزيادة حموضة المحيطات البحار، والتلوث الضوضائي، والصيد الجائر التجاري مع تدمير قاع المحيطات والبحار. ويعتبر الصيد الصناعي أحد أخطر الأعمال البشرية المؤدية لتدمير الشعب المرجانية في أعماق المحيطات والبحار، والتي تعمل كنظام بيئي متكامل ومهم للكائنات البحرية الحية، من الطحالب، مرورا بعوالق البحر، الأسماك، نجم البحر إلى الثدييات البحرية الأكبر حجما.

بالإضافة إلى ذلك، هناك عمليات التنقيب عن النفط في باطن المحيطات والبحار، وحدوث كوارث النفط أو حوادث السفن المحملة. ولكن هناك أيضا خطر آخر يحدق بالمحيطات والبحار، يتمثل في مد خطوط أنابيب الغاز عبرها، والتي تمثل خطرا على نباتات وحيوانات المحيطات والبحر. وعلى المدى الطويل تمثل هذه العمليات المتضاربة هاجسا مؤرقا لصحة البيئة وصحة كائناتها الحية، ولا تعتبر هذه الطرق مبتكرة ومثالية معاصرة للحصول على أنواع طاقة، ولا يمكن هنا أن توصف بأنها أنواع طاقة نظيفة. إن الفوائد الاجتماعية والاقتصادية الإيجابية القصيرة الأجل التي تذكر كفائدة، مثل خلق فرص العمل، وتعزيز التجارة العالمية، وتطوير الصناعة وتشييد البنية التحتية، تتناقض مع العواقب السلبية الطويلة الأجل على البيئة والطبيعة والاستدامة العالمية للمحيطات والبحار. ولذا فإن العمل التحويلي والمبتكر مطلوب هنا وفي جميع أنحاء العالم من أجل تطوير ودمج التقنيات والبدائل الحديثة التي تلبي المتطلبات والاحتياجات المعاصرة للإنسان وفي كل بقاع العالم.

ورجوعا للأرقام الإحصائية، هناك حوالي 150 مليون طن من النفايات في المحيطات حول العالم، بما في ذلك 60 إلى 80 % من النفايات البلاستيكية التي تغطي مسحات شاسعة في عرض المحيطات والبحار، ويصل تأثيرها إلى المحميات الطبيعية والجزر النائية، وتتم إضافة حوالي 10 ملايين نفايات طن لمجموع هذه النفايات في كل عام. ويوجد حاليا خمس بقع نفايات "قمامة" في وسط المحيطات. وتقع أكبر بقعة قمامة، بمساحة تقارب مساحة منغوليا أو إيران (مساحة: 1.6 مليون كيلومتر مربع)، في شمال المحيط الهادئ بين كاليفورنيا وجزيرة هاواي. وتعتبر فقط نسبة 8 % من محيطات وبحار العالم محمية، ومن المقرر توسيع المناطق المحمية إلى 30 % على الأقل بحلول عام 2030. ولذا؛ يعتبر حجم الدمار الذي لحق بمحيطات العالم كبير للغاية، لدرجة أن العديد من المناطق المتأثرة حاليا بيئيا أو أحيائيا لا يمكن أن تتعافى إلا ببطء شديد، أو ألا تتعافى على الإطلاق إذا ما استمر الحال هكذا، على الرغم من بذل كل الجهود. وحتى الآن قد تم بالفعل تدمير ما يصل إلى 20 % من جميع الشعب المرجانية الموجودة، وما يصل إلى نسبة 30 % من مجموع مروج الأعشاب البحرية، وما يصل إلى نسبة 35 % من جميع غابات المانجروف وسط ر والمحيطات والبحا. وتمثل الأخيرة، مأوي لأنواع نادرة من الحشرات والطيور والحيوانات التي تعيش في عرض المحيطات والبحار، ومواطن لراحة الطيور المهاجرة موسيميا عبر المحيطات والقارات.

تلعب مصايد الأسماك دورا مهما، باعتبارها قطاعا قديما ومميزا ورئيسيا في تحقيق الأمن الغذائي العالمي للإنسان. ويعتبر قطاع مهما بشكل خاص لبقاء السكان الذين يحترفون الصيد كمهنة على قيد الحياة، خصوصا في الجزر والمناطق الساحلية. وهنا علما بأن معظم الجزر والمناطق الساحلية لا تتمتع بتوفر ثروات وموارد أخرى غير الثروات والموارد المحيطية أو البحرية. وفي بعض البلدان النامية، توفر منتجات مصايد الأسماك ما يصل إلى 50 % من الاحتياجات اليومية من البروتين من المصادر الحيوانية. إلا أن هذا القطاع يشهد حاليا إضحلالا وتراجعا شديدا، خاصة في الدول الأكثر فقرا في العالم، والتي تعتمد في عيشها على صيد الأسماك في المقام الأول، خصوصا حياة الصيادين الصغار، والصيد اليومي لتأمين غذاء الأسرة. وتتعرض حاليا نسبة كبيرة من الأرصدة السمكية في هذه البلدان الفقيرة للصيد الجائر تحت أعلام دول غنية، أو الصيد الصناعي التجاري الذي يدمر البنية التحتية لأعماق المحيطات والبحار. وسوف يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تتعافى المحيطات والبحار من مثل هذه الهجمات الوحشية التي تقوم بها شركات الصيد الصناعي والتجاري الكبيرة. كل هذا يحدث يوميا وعلى مدار الساعة، بعيدا عن مرعاة وضع بيئة الكائنات الحية في الإعتبار، أو تأثر أعدادها وتعددها الأحيائي في أكثر من موقع في العالم. ويكون الهدف الأول والأخير لهذه الشركات المدمرة للبيئة ومواطن الكائنات الحية، وأنواعها المهددة بالإنقراض، الربح الأكبر، ومهما كلف ذلك من أمر.

هنا في نقاط، أهمية الهدف الرابع عشر لمنظمة الأمم المتحدة "الحياة تحت الماء"، وحتى العام 2030. ودور هذا الهدف في سبل تعزيز حياة الناس "أيضا حياة الكائنات الحية"، صحة كوكب الأرض، الرخاء، السلام، والشراكة بين البلدان.

الناس: تمثل المحيطات والبحار والمسطحات المائية مصادر مهمة للغذاء والدخل اليومي للناس، ويستفيد بشكل خاص الأشخاص الذين يعملون في قطاعات صيد الأسماك والسياحة وعمل الموانئ بشكل كبير من ذلك. يمكن للمحيطات والبحار والمسطحات المائية أن تساعد في الحفاظ على سبل عيش الكائنات البحرية والناس على حد سواء.

الكوكب: تعتبر المحيطات والبحار والمسطحات المائية الأخرى مثل الأنهار والبحيرات مواطن مهمة للعديد من الكائنات الحية. بفضل أنظمتها البيئية الدقيقة، تساهم هذه بالكثير من الجوانب الإيجابية لطبيعة صحية تحت الماء وعلى الأرض على حد سواء. وتمتص المحيطات والبحار جزءا كبيرا من محتوى ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي، مما يضمن درجة حرارة متحملة ومقبولة للإنسان وبقية الكائنات الحية على الأرض.

الرخاء: من خلال الاستخدام المستدام للمحيطات والبحار، وكذلك الأنهار والبحيرات، يتم الحفاظ على سبل العيش المهمة للإنسان على المدى الطويل. ويمكن عبر ذلك تجنب البطالة والفقر والجوع والبؤس والشقاء، خصوصا في المناطق الأكثر فقرا. ومن الشروط الأساسية المهمة لتحقيق هذه الغاية، هو أن ندرك أن الرخاء العالمي حق لكل فرد، ويعتمد على في أساسه على التوزيع العادل للثروات والموارد الطبيعية بين سكان الأرض.

السلام: أحد الشروط المهمة للسلام الدائم والعالمي هو التوزيع العادل للموارد والثروات، وعدم الاعتداء عليها في مناطق وجودها الأصلية أو السطو عليها بابتداع المشاكل وخلق حروب الموارد والثروات، ومن ثم تهريبها بطرق غير قانونية من مناطقها الأصل. السلام يعني في معناه الضيق، مراعاة بيئة وموائل الكائنات الحية مهما صغرت حجما، والتي تقتسم المواطن والمواءل مع الإنسان. هنا على سبيل المثال عدم مضايقتها أو تضييق طرق عيشها أو تشريدها أو قتلها أو إبادتها.

الشراكة: الشراكة لا تعني الأخذ فحسب، بل تعني أيضا العطاء المستدام. وبالنسبة لتحقيق شراكة فاعلة وطويلة الأمد، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، من المهم تعريف الشراكة وتحديدهها شكلا، حتى لا تكون النتيجة خيبة أمل لاحقا، فيما يخص تحقيق "الاستدامة العالمية. ولتحقيق شراكة مستدامة، لا بد من أن تقوم على أسس وأنظمة مستقرة، تبني على الديمقراطية وتميزها العدالة وتحفها الشفافية - وكل النقاط الثلاث المذكورة تمثل مفتاحا للشراكة الناجحة والإستدامة العالمية.

فيما يخص موقع السودان من هذا الهدف" الحياة تحت الماء وكيفية تحقيقه أو الاقتراب إليه حتى العام 2030، لا بد أولا من ذكر الموارد والثروات المائية التي يتمتع بها السودان. للسودان أطول مجرى نهر، لأطول أنهار العالم على الإطلاق. نهر النيل الخالد، الذي يوفر أعذب مياه الشرب في المنطقة الجغرافية. النهر الذي يمثل مأوى لحياة كثير من النباتات النيلية ولحيوانات كفراس النهر والتماسيح والأسماك والقواقع. النهر يفيض ليرمي بالطمي الخصب، وتترامى على أطرافه وطول مجراه المزارع الخضروات والبقوليات والحبوب، وحقول النخيل التي تجود بأجود أنواع التمور النادرة والتي يرجع تاريخها إلى عصر الممالك النوبية القديمة وبساتين الفاكهة التي تجود بأطيب أنواع الفواكه من الموز والمانجو والبرتقال والجريب فروت.

ولنضع سطر تحت ما ورد ذكره هنا: هذا التنوع الأحيائي الفريد لمختلف المنتجات، يتوفر في أرض السودان، وعلي نطاق مساحات معتبرة، تسقى من ماء النيل، الذي يتميز في مجراه هذا عن بقية مجاريه في البلاد الأخرى، بعدم التلوث البيئي من مخلفات المدن والمصانع ومياه الصرف الصحي. الشيء الذي يجعل ضفاف نيل السودان مأوى مطاقا لعيش الإنسان، وتربية الحيوان، الذي يكون مصدر للحوم والألبان ومنتجاتها.

للسودان أيضا أنهار موسمية، تجري من أعوام لأعوام أخرى. وبما أن الأرض تكون في مناطق هذه الأنهار قاحلة نوعا ولسنوات، يكتفي الناس فيها من ماء الشرب النقي عند جريان الأنهار الموسيمية، ويتمكنون وقتها من زراعة الخضروات والفاكهة ومختلف المحاصيل. وللمبالغة، ولكن حقيقة يتمكن الناس أيضا من صيد الأسماك من هذه الأنهار الموسمية. وهنا على وجيه التحديد كمثال، خور أبي حبل الذي يمثل نهرا موسميا ، يتدفق من جبال النوبة، مرور بالرهد، ليعرج عبر مناطق تعتبر شبه صحراوية ويصب أخيرا في النيل الأبيض.

كما يتمتع السودان أيضا بساحل طويل على البحر الأحمر يبلغ في مجمله حوالي 780 من الكيلومترات. وتوجد في عرضه جزر رملية لا تقل عن خمسة جزر في عددها، ذات مياه مختلفة في عمقها وضحالتها ونقاء المياه المحيطة بها. الشيء الذي يجعل من ساحل البحر الأحمر بالسودان، مأوى أحيائي فريد لأنواع متعددة ونادرة من حيوانات البحر، بما فيها الأسماك على اختلاف ألوانها، وأنواع نادرة من الحيوانات البحرية الثديية. وفيها تتوفر مواقع صورية لجزر الشعب المرجانية، التي ترسم لوحات جمالية في أعماق البحر الأحمر، سواحل السودان. الشيء الذي يتم أحيانا استغلاله في جمع أنواع نادرة من كائنات البحر الحية، للبحث العلمي واستخلاص مواد صيدلانية وطبية كالبحوث العلمية المرتبطة بمادة الفلين البحري كمثال.

يتجسد الخطر الذي يحف بالبحر الأحمر، سوحل السودان في تجاهله كمحمية طبيعية لم تتأثر بعد بالبعد الصناعي والبعد السياحي كغيرها من مواقع البحر الأحمر. وهناك خطر آخر كامن، يمكن أن نقول إنه خطر أحمر في عرض بحر أحمر. وهو أن تسوق للسودان عروض لبيع موانيه "بورتسودان وسواكن" إلى هيئات موان أخرى لا يهمها أمر السودان ومستقبله. وياتي زيادة على ذلك محاولات تسويق بناء قواعد حربية في سواحل البحر السودانية لأغراض لا تخدم أمن السودان كقطر، بل تخدم تمدد النفوذ العالمي وسبل خلق العداوات بين الشعوب. وخطر آخر جديد يتمثل في محاولات الصيد الجائر الذي يتم ليلا في مياه السواحل السودانية للبحر الأحمر ومن دون أذن للصيد. الشيء الذي يمثل صيد تجاري وصناعي، تدمر عبره الأنظمة البيئية النادرة للمحميات الطبيعية البحرية، كجزر الشعب المرجانية النادرة التي تتوفر في الحميات البحرية في السودان. ومن المخاطر المحدقة بالبحر الأحمر ككل، هو ذلك التطور السريع، الذي حوله في غضون الشهور الماضية لمسرح الأحداث في الحروب القائمة، واختطاف السفن، بما فيها التجارية التي تخدم حياة الإنسان.

كما يتجسد خطر آخر يحف بنهر النيل، الذي يمثل أطول وأهم نهر على وجه الأرض. هنا يأتي أولا محاولات تحويل مجرى النهر ببناء الخزانات والسدود، علما بأن تحويل حوض نهر النيل سوف تكون له عواقب كارثية في ظل تغيرات المناخ العالمي. وهذا يتمثل بصورة مبسطة في كمية المياه الكبيرة التي تنحدر دون تدرج جيولوجي كبير من منابع النيل بشيقه، بحيرة فكتوريا، وبحيرة تانا. ويتفاقم الخطر أيضا بعدم الإتفاق في التوزيع العادل لمياه النيل، الذي ربما كان مؤشر مبكر للحروب بين دول نهر النيل. الشيء الذي يتطلب أيضا وضع هذه المشكلة المستقبلية في الإعتبار وحلها دوليا وبعدل.

من أساسيات الوصول إلى هذا الهدف، هو أن ينعم أولا مواطن السودان بالسلام في بلاده أن تخلى له دياره من مغتصبيها، وتوفر لهم سبل العودة من خارج السودان، ومن داخله بعد تشريد أوشك على مقاربة عام بأكمله. أن يأتي عيد الفطر، ويتمتع كل مواطن من الإحتفال به في دياره. وأن يمهد الطريق لمحاسبة كل جان، عملا على مضاعفة معاناة أهل السودان من الجنسين، ومن كل الفئات العمرية.

باستمرارية هذه الحرب وقدوم فصل الصيف يتفاقم الفقر والجوع والمرض في بلد منتج كالسودان. الحرب التي عطلت منشآت الدولة ومؤسساتها، وكادت تحول السودان لمقبرة جماعية للمدنيين الذين ليس لهم ضلع فيها. هنا تحتوي الحرب قطاعات منتجة كالزراعة والرعي، وصيد الأسماك في نطاق هذا الهدف. لقد تأثرت كل القطاعات بعدم وجود الأمان في المناطق الخصبة والمنتجة التي يجري فيها نهر النيل، والذي يمثل شريانا هاما للحياة الزراعية والرعوية والسمكية. ومثال لذلك تعطل الحياة ككل في مدينة ود مدني ومنطقة الجزيرة المنتجة، زيادة على ذلك تأثير الحرب المباشر على كثير من المناطق الإنتاجية بانعدام الأمن ونذر حدوث حرب أهلية شاملة تقضي على الأخضر واليابس.

كما يأتي الضغط السكاني الهائل بعد الحرب على ميناء السودان الأول، الموجود على ساحل البحر الأحمر بمدينة بورتسودان. المدينة الساحلية التي صارت مؤقتا عاصمة للبلاد من باب الضرورة، ومنطقة عبور دولي عبر مطارها الصغير. وهذا بعد اجتياح العاصمة السودانية الكبيرة، بمدنها الثلاثة: الخرطوم، وأمدرمان، والخرطوم بحري. إن ازدياد التعداد السكاني في هذه المدينة الساحلية، وما يتبعه من استهلاك للموارد المائية والغذائية، وإنتاج المزيد من النفايات الضارة والغير معالجة بطرق جيدة قد يكون سببا في تمهيد حدوث كوارث على صحة البيئة، وربما أثرت في صحة السواحل والجزر التي وصفت حتى وقت قريب بأنها في أحسن صورها وأحوالها الطبيعية.

السودان وكما لا يخفى على أحد، هو إحدى بلدان العالم الغنية بثرواتها ومواردها، بما فيها المائية، ومن هذه النقطة تتكالب كثير من الأمم على السودان. يأتي كل هذا من أجل توفير ما تحتاج له دول أخرى في المستقبل لكي تغطي حوجتها المحلية، في وقت جدب عالمي مرتقب بحلول العام 2050، ومستقبل قاحل كالصحراء اليابسة. الوقت الذي تقل فيه مصادر المياه، لا يتمكن فيه أحد من إهداء كوب من الماء العذب من دون مقابل للآخر. كل هذا يعلمه أهل السودان كل العلم، نوايا الدول المتربصة به وبثرواته وموارده، والتي تسعى لتفكيك وحدته وتفتيت شمله، حتى يضعف لتضع يدها عليه أبديا وتستمتع بما يملك من ثروات وموارد طبيعية. لقد أظهرت هذه الحرب لأهل السودان سؤ النوايا، وهم الآن أكثر صحوا لما يراد أن يحاك بوطن كان بالأمس وطن آمن، والآن لا يخلوا بين من بيوته من وجود مقتول أو مقتصب أو مشرد من دياره من دون حق يذكر.

أهل السودان في الداخل والخارج على أتم دراية بما يحدث الآن، وللأسف الشديد بمساعدة بعض من الأشخاص ذوي النفوس الضعيفة، والذين ينعدم فيهم الوازع الإنساني والضمير الوطني والشعور بالإنتماء للسودان كوطن. فمنهم من كانوا مهندسين في حروب أهل الشمال مع أهل الجنوب حتى أدى ذلك للإنفصال في العام 2011. وهاهم الآن يسعون جادين ومنذ العام 2023، في العمل على نشر الفتنة بين أهل الغرب والوسط والشمال والشرق في السودان، حتى يتفكك السودان لدويلات لا تغني نفسها، ولكن هيهات لذلك أن يكون في لحظات الإدراك العميق للذات عبر هذه الحرب المصطنعة، وبما حدث ووما زال يحدث يوميا ومنذ الخامس عشر من أبريل العام المنصرم. نقول هنا للكل: أن أهل الغرب والوسط والشمال والشرق الحقيقيين لا تنقصهم الوطنية، ولا ينقصهم حس الإنتماء لهذا الوطن، وسوف لن تنكسر شوكة السودان الموحد، وسوف تبوء كل محاولات الخارجين والمسمسرين والمتاجرين بالعمالة من أجل تفتيت وحدة السودان وتشتيت شمل أهله بالفشل الزريع.

(نواصل في الهدف الخامس عشر: الحياة في البرّ...)

E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de

المصدر: ترجمة معدلة من أوراق ومحاضرات للكاتب.

 

آراء