إصلاح الأحزاب السياسية قبل إصلاح الجيش

 


 

 

الوضع الراهن في السودان ، نتاج للنهج الذي ظلت الأحزاب السياسية المختلفة تنتهجه وهي تدير شأنه . ذلك النهج هو نتاج للخلل البنيوي والفكري الذي اكتنف تلك الأحزاب الساسية ولايزال .عليه ما لم يتم تصحيح ذلك الخلل البنيوي والفكري ، سيظل النهج الخاطئ هو المنتهج ، وتستمر الأزمة.
ولذلك فكما تطالب هذه الأحزاب السياسية ،بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية ،عليها أن تبدأ بإعادة هيكلة نفسها استناداً على برامج واضحة تلتزم بها وهي تحكم من أجل معالجة قضايا الوطن المتعلقة بكيانه ، ومؤسساته ، وجماهيره .إعادة هيكلة الأحزاب الساسية أهم عنصر فيه ، هو عدم السماح للطائفة أو العرق بالسيطرة على مفاصلها . ليس هذا فحسب ، بل يجب منع قيام أي تنظيم سياسي في احضان قوى طائفية أو عرقية . وعنصر أخر لايقل أهمية من سابقه ، هو عنصر ترسيخ الممارسة الديمقراطية داخل هذه الأحزاب السياسية ، ففاقد الشئ لا يعطيه . المراقب للشأن السياسي في السودان يدرك بدون كثير عناء ، كيف ادت سيطرة الطائفية على أهم وأكبر حزبين تداولا السلطة في السودان ، وهما حزب الأمة والحزب الإتحادي الديمقراطي ، إلي عزل جماهير تلك الأحزاب ، وتهميشها وتهميش مؤسساتها ، وإنفراد قادتها برسم السياسات وإتخاذ القرارات دون أخذ رأي جماهيرها، ودون إتاحة الفرصة لها لتدلي برأيها حول صحة تلك السياسات والقرارات وهي سياسات وقرارات تتخذ دوماً لخدمة مصالح الطائفة وزعامتها ، ولا علاقة لها بالوطن وهمومه. تهميش مؤسسات الأحزاب السياسية ، لا يقتصر على القوى اليمينية دون اليسارية ، فكلاهما يفتقدان للديمقراطية في إدارة مؤسساتهما ولا يتاح لعضويتها المشاركة الحقيقية في وضع برامجها على المدى البعيد ولا إتخاذ القرارات فيما يطرأ من أمور خطيرة ومفصلية تتعلق بالدولة والجماهير. كانت النتيجة الحتمية لما سبق ذكره هو ، إحباط جماهير تلك القوى السياسية وبروز ظاهرة الإنقسامات وتفتت تلك القوى إلي مجموعات صغيرة غير متماسكة وخير مثال لذلك ، مجموعة الأحزاب الإتحادية ، ومجموعة الأحزاب التي انسلخت من حزب الأمة، والجماعات التي انسلخت من الحزب الشيوعي وحزب البعث وغير ذلك من الأمثلة.
احباط جماهير تلك الأحزاب السياسية هو ما يدفعها لليأس منها والتفكير في اللجؤ للجيش الذي ما فتأ يستغل إحباط تلك الجماهير ليقفز إلي السلطة خادعاً تلك الجماهير بوعود محاربة الفساد والجهل والمرض وغير ذلك .
ما ذكرته عن إفتقاد الأحزاب السياسية للديمقراطية داخل مؤسساتها ، ينطبق أيضاً على منظمات المجتمع المدني التي تدير نفسها بشكل غير ديمقراطي وغير شفاف.
إن غياب الديمقراطية في فكر وممارسة الأحزاب السياسية والقوى المدنية ، فتح الباب واسعاً لإستغلال تلك الأحزاب السياسية من قبل دوائر الإستعمار الحديث ودول المطامع الإقليمية ، وذلك بالإتفاق مع قيادات هذه القوى السياسية والتي في سبيل تحقيق مصالحها الذاتية تضع يدها في يد تلك الدوائر ودول المطامع الإقليمية ، والمؤسسة العسكرية لتنفيذ مخططاتها .
كان إفتقار تلك الأحزاب السياسية للديمقراطية داخل مؤسساتها، السبب الرئيسي في تفاقم مشكلة جنوب السودان إبتداء بالتنصل عن إتفاق الحكم الذاتي فى بواكير الاستقلال، مروراً بمنح حق تقرير المصير وصولاً لفصل الجنوب عن السودان. وكان إفتقار تلك الأحزاب السياسية للديمقراطية داخل مؤسساتها ، السبب الرئيسي لتسليم الحكم بواسطة حزب الأمة للجيش في عهد عبود
وتدبير إنقلاب مايو 69 عن طريق أحزاب القوميين العرب وبعض قيادات الحزب الشيوعي . وكانت السبب الرئيسي في ضعف الاداء السياسي والإقتصادي في فترة الديمقراطية الثالثة الذي استغلته قيادة الأخوان المسلمين لتدبير إنقلاب يونيو 89.
لابد من أحزاب تمثل القوى السياسية المختلفة ولابد أن تكون هذه الأحزاب أحزاب قوية ببرنامجها ، وديمقراطية مؤسساتها التي تفسح لجماهيرها محاسبة قادتها وإصلاح أي اعوجاج في ممارستهم .
أحزاب بتلك الكيفية سوف تستوعب جماهير عريضة تتطلع للتغيير والإستقرار ولكنها تفتقد الثقة في من يقودها . وبتلك الجماهير وحدها يمكن إقامة مؤسسات حكم قوية تمنع سيطرة الجيش أو الدعم السريع أو الحركات المسلحة من الإستيلاء على مفاصل الدولة وإتخاذ قراراتها.
المحامي/ أحمد صلاح الدين عووضة

ahmedsalaheldinawouda@yahoo.com

 

آراء