البرهان… الفصام النكد 

 


 

 

لن يكون مطلوب من "صفوفيي" التحليل الاستراتيجي الذين يطلون على القنوات الفضائية، أن يستقوا شيئآ من المعارف والنظريات التي تحدد علاقة المثقف بالسلطة،  فذلك كيل يتسع على مواعين فكرهم ويرهقهم من أمرهم عسرا... فلا هم يطيقون صبرا على منطق  أنطونيو غرامشي وكيفية تشكل المثقف العضوي،  ولا تستطيع مطاياهم أن ترحل  مع جورج لوكاتش في دهاليز وظيفة الأدب عند تقاطعاته ذات الدوائر الثلاثة مع السلطة والأنظمة السياسية،  فهم قوم يحملون من المعارف ما خف وزنه، إذ ينظرون  للظواهر في سطحية لا تنفذ الي جوهرها بحيث تعجز عن القراءة بالعمق المأمول... فهم على سبيل المثال يغالون في التمسك بخلاصات لا يعبأون بسبر ما وراءها من أسباب.  ويسوقون بذلك  نتائج عجولة لا تكاد تتجاوز حيز الظاهر. فقولهم على سبيل المثال عند التحليل حول لاءات الشارع الثلاثة(لا تفاوض،  لا شرعية ولا شراكة) ويصفونها تارة بالصفرية وتارة بالعدمية هكذا بضربة لازب دون أن يتجشموا مشقة شرح ذلك لجمهور المستمعين.

والحق إن إطلاق اللاءات أيا كان عددها هو خيار قاطع مبنى على موقف متطرف، لكنه في الأصل مؤسس على فعل عدمي وصفري آخر مساوي له في القوة ومضاد له في الإتجاه... وهنا مربط الفرس.... فالسيد عبد الفتاح البرهان رئيس السلطة الحالية ليس هو عبد الفتاح البرهان الذي اخذ على عاتقه ذات يوم في خطاب مشهود ومشهور أن يزجي التحية  الي من أسماهم (ثوار بلادي وأيقوناتها تحية لناس الرصة والراستات والسانات، تحية للناس الواقفين قنا.... الخ)

بالتأكيد إن البرهان الذي وجه التحية لهؤلاء الراستات والسانات ليس هو ذات البرهان الذي ظهر في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م وما تلى ذلك من أحداث قادت البلاد لحالة صفرية وعدمية كان هو  بطلها الأساسي، والتي تميزت بعنف مفرط غض مضجع الكثير من الفاعلين المحليين والدوليين  وراح ضحية ذلك العنف ذات الفئة التي قدم لها التحية فستشهد بالعشرات الراستات والسانات والواقفين قنا... ليطل على المشهد برهان آخر يطمح في أن يكون الحاكم بأمره، لا يُرد بأسه عن أي شخص تطاله يده، ولا يجد من بين خبراء الاستراتيجيات غير من يسوق له المبررات، لا رفقة به ، وإنما بدوافع لعصبية رفقة السلاح، دون أن يكشفوا أن هنالك برهانان منبثقان من حالة فصام نكد.

الأول احتفى بالراستات والآخر لا ينفك يغادر تلك الشخصية مستعيضا عنها بأخرى لا تكاد تشابه أختها إلا في نبرات الصوت و ملامح الوجه، شخصية جديدة أوغلت في التطرف، كما ولغت في الدماء بدعوى الإصلاح وتصحيح المسار، وفرضت الحلول الصفرية على مجمل المشهد السياسي وساقته لحالة نهلستية فوجدت في  "المحللين"  ما "يحللون" له رسم مسارات دائرية تحوم حول ذات جديدة للبرهان لا ترى في الكون إلا ذاتها  لتنفصم عرى الشخصية الاولى عن الأخرى. حتى ليستعصى على البرهان أن يتعرف على البرهان.

د.محمد عبد الحميد

 

آراء