الشباب والاستثمار الزراعي والحيواني .. اسباب العقبات والتحديات !!

 


 

 

تابعت بالصدفة في احدي القنوات السودانية حلقة عن مشاكل مشاريع الاستثمار الزراعي التي تستهدف شباب الخريجين من مختلف التخصصات في العمل الحر بدل الوظيفة المحدودة الدخل. الفكرة تبدو بدون شك مغرية في ظاهرها وجاذبة لأي شاب لديه طموح وآمال عريضة لبناء مستقبله وتحقيق أحلامه بأسرع فرصة ممكنة.
فكرة الاستثمار في طاقات الشباب ليست جديدة. ففي منتصف الثمانينات وبعد انتصار انتفاضة أبريل 86 تكونت لجنة من الخريجين الزراعيين غير المستوعبين، بادرت بفكرة انشاء جمعيات زراعية تعاونية تكون بديلا للوظائف الحكومية. وجدت هذه الفكرة الترحاب والقبول من مجلس الوزراء ووزارة الزراعة ودعم كبير من نقابة المهندسين الزراعيين. بموجب قرار مجلس الوزراء تكونت خمسة جمعيات زراعية تعاونية ثلاثة منها في مناطق الزراعة المروية وهي جمعية الخرطوم في مشروع السليت وجمعية ابو نعامة داخل مشروع الكناف وجمعية المكابراب الزراعية في ولاية نهر النيل كما تكونت جمعيتين في مناطق الزراعة المطرية وهما جمعية القضارف في منطقة القضارف وجمعية الرواد في منطقة الدمازين. كانت البداية قوية ومبشرة بسبب الحماس المنقطع النظير من جانب الخريجين لتحقيق هذا الحلم النبيل علي ارض الواقع. لم يكن أمر تأسيس هذه الجمعيات بالأمر الهين حيث كان عليها ان تتعدي سلسلة من التحديات والعقبات وعلي راسها عقد الجمعيات العمومية للاعضاء لتكوين مجالس الإدارات ثم من بعدها التسجيل الرسمي لدي إدارة التعاون لتبدا بعدها الخطوات العملية من اعداد لدراسات الجدوي ثم التواصل مع البنك الزراعي الذي يصادق علي التمويل اللازم الذي يحقق انطلاق المواسم الزراعية التي تتطلب الآليات الزراعية من تراكتورات ومحاريت وسيارات للترحيل ونقل الحصاد .. بحمدالله تمكنت هذه الجمعيات من تذليل الخطوات الاولي التي تحقق أهدافها وشرعت في الإنتاج رغم الصعوبات الكبيرة التي واجهتها وعلي رأسها عدم الانتظام في الري لأن إدارة الري كانت منفصلة من إدارة الزراعة وبالتالي هي غير معنية او مقيدة بمواقيت الزراعة والتحضير لها. الري كان يلعب الدور الرئيسي في نجاح او فشل اي موسم زراعي. أيضا كان هناك قصور في أمن هذه الجمعيات التعاونية بسبب تعدي الاهالي وماشيتهم علي المشاريع المخصصة للزراعة خاصة وان الخريجين كانو حديثي عهد في مجابهة مثل هذه المشاكل لقلة الخبرة ومعرفتهم بطبيعة المنطقة وعادات الأهالي ولكن رغم ذلك كان يحدوهم الأمل في تجاوز هذه المشاكل مع مرور الوقت بالتاقلم علي طبيعة المنطقة وأهلها.
رغم الصعاب صمد الخريجين لتجاوز المشاكل اللوجستية والأمنية التي كانت تعترض تجربتهم حتي جاءت الطامة الكبري باستيلاء تنظيم الجبهه الإسلامية علي السلطة في 30 يونيو 89 حيث تم سلب اراضي الجمعيات التعاونية في أوائل سنوات حكمهم لصالح القطاع الخاص الموالي لفلول العهد البائد وفجاءة وجد الخريجين أنفسهم بدون اراضي وتبخرت أحلامهم وإندثرت جمعياتهم التعاونية الزراعية وهي ما زالت تجربة يافعة في طور المهد وبداية الطريق. من هنا بدأت مأساة شباب الخريجين الزراعيين الذين ضحوا انذاك بالوظيفة مقابل النزول للعمل في الحقل لتطبيق ما تعلموه في الجامعات والمعاهد لارض الواقع، بذلك ضاعت فرصة ذهبية علي البلاد أن تكون هناك نواة لمشاريع زراعية نموذجية يشرف عليها متخصصون من الشباب في مجال الزراعة وتربية الحيوان كان يمكن ان يقتدي بهم المزاراع العادي في المنطقة الذي يسعي لتطوير مهنته وتحسين إنتاجه بالطرق الحديثة. دمار جمعيات الخريجين الزراعيين التعاونية وتشريد أعضائها كان واحد من أبشع جرائم طغمة الإنقاذ البائدة لأنها اضاعة فرصة عظيمة كان يمكن أن تعود علي البلاد بالخير والنماء وعلي العباد بالوفرة والكفاية ..
في تقديري ان الاستثمار في الشباب هو الحل الصائب الذي يمكن أن يخرج البلاد من ازمتها الخانقة الحالية. لا أدري لماذا لا تتم الإستفادة من هذه الطاقة الهائلة التي يملكها الشباب العاطل عن العمل ونحن لدينا ملايين الافدنة الصالحة للزراعة والانهار التي تجري من تحتها والامطار الوفيرة التي تهطل من فوقها إضافة لتلك الثروة الحيوانية الضخمة والمراعي الطبيعية الشاسعة .. نملك كل هذه الثروة الطبيعية ومع ذلك نحصر كل تفكيرنا الضيق في امكانيات المستثمر الأجنبي الذي سيجني لنفسه بدون شك كل خيرات البلد ولا يبقي لأهلها سوي القليل من الفتات الذي لا يسمن ولا يغني عن جوع .. ولا ادري السبب الذي يمنعنا ويجعلنا نقف عاجزين من استغلال ثرواتنا ومواردنا الطبييعية بانفسنا ونحن نملك الكادر المؤهل لهذه المهمة؟! .. هل السبب أننا لا نعرف أين تكون مصلحتنا او بسبب تربينا في كراهية الخير لأنفسنا ؟! .. سبب الحيرة أننا نري التدمير بشتي السبل ومع سبق الإصرار والترصد لكل عمل ناجح اما بسبب الحسد او بسبب الغيرة والفساد. كل خطواتنا في التنمية تتراجع وتمضي للوراء والسبب الأساسي عدم الاستفادة من تلك الطاقات الشبابية الهائلة المحرومة من حقوقها في الاستثمار الذي يضمن لهم المستقبل الكريم وللبلاد النفع الوفير.
السياسات الأخيرة الرامية لاستثمار الشباب في المشاريع الزراعية ما زالت طاردة وغير جاذبة لانه ينقصها الكثير من الجوانب المهمة مثل الإرشاد والتدريب والتمويل الكافي الذي يحقق الهدف المرجو من تلك المشاريع وبدون ذلك سيكون الأمر مضيعة لمستقبل هؤلاء الشباب ومن ثم دخولهم في مشاكل كثيرة معقدة هم في غني عنها.
أخيرا نقول نعم للإستثمار في تمليك الشباب فلاحة الأرض وتعميرها مع تقديم كل التسهيلات اللازمة التي يحوز عليها المستثمر الأجنبي وبذلك نضمن سيادة قوتنا وسلامة بلادنا من الاحتلال والتغول الأجنبي المقنن تحت مسمي الإستثمار.

د. عبدالله سيدأحمد
abdallasudan@hotmail.com

 

آراء